.
غالبًا حين يُذكر أحد راحلي الطرب الحلبي أو حتى أحد أحيائه، نسمع كلامًا متشابهًا: “آخر عمالقة الطرب الحلبي، آخر المنشدين، آخر الحفَظة …” ربما لا ينتهي الطرب والإنشاد برحيلهم، لكن أرشيفهم يتناثر، بين ما وسِعَ التالين حفظه، أو تسجيلات مهملة لمنصات إعلامية لا تستحقها (في آخر مقابلاته ذكر حسن حفار أنه سجل وصلة لإذاعة حلب قبل عشر سنوات ولم تُذع)، أو ١٠٠٠ كاسيت من محب هنا، أو ٥٠٠ من مجذوب هناك. مع كل محاولة لتجميع ما بقي من إرثهم، خوفٌ من فقد أكبر، وألم يرافق متعة سماعهم. ما يبرر الغصة برحيل حسن حفار، من أهم منشدي حلب وأكثرهم علمًا في المقامات والإيقاعات.
ولد حسن حفار عام ١٩٤٣ في ساحة بزة، أحد أحياء حلب الشعبية. تربى بين المشايخ، وتردد على الزوايا بدءًا من زاوية عائلته حفار، إلى الزاوية الهلالية والبادنجكية وغيرها. تعلم الإنشاد ثم الموشحات واحترف على يد عبد القادر حجار. شغل منصب مؤذن الجامع الأموي الكبير في حلب أوائل الثمانينات لوقت العصر، في الوقت الذي كان فيه صبري مدلل يؤذن الظهر، ليجذب بذلك الحلبية من مناطقهم المختلفة. عمل مع فرقة صبري مدلل سبعة عشر عامًا، وانفصل عنها أوائل التسعينات (بحسب محمد قدري دلال) ليشكل فرقته الخاصة. سجل له معهد العالم العربي في باريس أسطوانة باسم وصلات حلب، ضمت موشحات من ألحان عمر البطش وداوود حسني وسيد درويش.
لملم حسن حفار بدوره نثار من سبقوه، ضمه في أداء متماسِك وتقاسمه مع فرقته وسميعته، زهد فيما خرج عن دائرته التي أحاط نفسه بها، زهد في القصائد والموسيقات الجديدة والإعلانات والتكريمات، وبالرغبة في تثبيت أرشيف خسِره مع دمار منزله الكائن أمام القلعة، ولم يبقَ له منه سوى المحفوظ في ذاكرته. استمر عمل حسن حفار في حلب إلى ما قبل ظهور جائحة الكورونا، غالبًا ما أحيا أذكاره خلال العشرة سنوات الماضية في جامع نفيسة أو الزاوية البادنجكية، بالإضافة إلى حفلة كل يوم جمعة في منزل عائلة كلش. اكتفى خلال ذلك بإعادة الموشحات والمواويل التي حفظها من معلميه.
إلى جانب ما قدمه كبار المنشدين والمطربون الحلبيون، كان صوت حسن حفار بأناقة عربه وخفة إلقائه كأنه ذاتٌ سَعَت لتكون والطرب الحلبي واحدًا، مشكلةً روحَه التي تضطرب كلما فقدنا منهم أحدًا. توافدت السيارات حول سور قلعة حلب، وشيّع المئات حسن حفار من حي القصيلة، على إيقاعات النوبة بحسب محمد قدري دلال: مظهر ديني يجري عند التشييع، عبارة عن مقولات وصلوات ودعوات موقَّعة أو ألحان تراثية، غالبًا مديح لأولياء. ترافق الجنازة طبول ومزاهر وسوى ذلك من الآلات الإيقاعية، يُكرم بها الصالحون من المشايخ ومقتصرة عليهم. التي استلمها شيخ المولوين محمد يحيى حمامي (بحسب المنشد أحمد شرم). رحل حسن حفار بعد أن أخبر ابنه أنه معزوم على عرس عند الرسول وأنه تأخر عنه.
تواصلت الكاتبة بشكل شخصي مع العازف والباحث الموسيقي الكبير محمد قدري دلال والمنشد أحمد شرم لتحصيل المعلومات المنسوبة إليهم.