.
لم أفاجأ عندما كنت أستمع إلى أعمال محمد منير، وكنت قد قرّرت الاستماع لأسطوانة “افتح قلبك“ من إنتاج عام 1994، ووجدت أن حسين الإمام هو من كتب ولحّن ووزّع أغنية “جننّي طول البعاد“. لم تكن المعلومة الجديدة مستغربة لأن الإمام هو من لحّن الموسيقى التصويريّة وأغاني فيلم “كابوريا“ للمخرج خيري بشارة وبطولة أحمد زكي من إنتاج عام 1989، والذي برزت موسيقاه كبصمة مختلفة في عالم الموسيقى التصويريّة في ذلك الوقت. ولاحقاً، تحوّلت الأغنية الرئيسيّة للفيلم “أز أز كابوريا” إلى مادّة ثريّة للمهرجانات الشعبيّة، ما يعبّر عن أن جمهور المهرجانات من الطبقات الشعبيّة يرى في الأغنية جزءاً من تراثه.
[{“type”:”media”,”view_mode”:”media_original”,”fid”:”763″,”attributes”:{“alt”:””,”class”:”media-image”,”height”:”362″,”typeof”:”foaf:Image”,”width”:”500″}}]
حسين الإمام وهو يعزف على الغيتار الكهربائي خلف محمد منير فى حفل رمضان 2004 بدار الأوبرا
يمكن، ومن دون بحث علمي المجازفة بالقول أن أغنية “جنني طول البعد” هي من أوائل أغاني “الروك” باللغة العربيّة التي تحمل بذور محاولة جديّة لإعادة تقديم الروك في مصر بمزجه بإيقاعات نوبيّة وشرقيّة أخرى. وخاصة في أغنية “الناس نامت“، إضافة إلى “جننّي طول البعاد“.
وبالبحث أكثر عن الأعمال الأخرى التى لحّنها الإمام لمنير، والتي فوجئت بأنّها ليست كثيرة، فوجدتّ بأن الأول لحّن للثاني في نفس الأسطوانة أغنية مستوحاة من التراث النوبيّ “العالي عالي يابا“، من كلمات كوثر مصطفى. هنا أظهر الإمام فيها موهبة جيّدة في مزج الإيقاع النوبي مع توزيع “تسعيناتي“، مع استخدام مميز للبايس غيتار والذي يؤدّي فقرة منفردة في نهاية الأغنية.
حسين الإمام يعزف العالى العالى يابا مع محمد منير – برنامج القاهرة اليوم – 2003
يعود تعاون منير مع حسين الإمام إلى أسطوانة “الطول واللون والحرية“ من إنتاج عام 1992، حين وزّع له الإمام أغنية“هيّه – الفرح شاطر” من كلمات مجدي نجيب وألحان وجيه عزيز. بالنسبة لمستمعي منير، تعتبر الأغنية من أشهر وأهم أغانيه. إذ تتم الإشارة، في معرض إبراز الأغنية عن غيرها، إلى قدرة حسين الإمام في إخراج توزيع أقرب إلى موسيقى الروك من لحن لفنان مثل وجيه عزيز– والذي يُعرف عنه ميله الواضح للإيقاعات الشرقيّة. إلا أن الإمام تعامل بحرفيّة لمزج تلك الإيقاعات مع توزيع من موسيقى الروك التى يعشقها الإمام.
هيه هيه – حفل العين السخنة – صيف 2012
علاقة حسين الإمام بموسيقى الروك والبلوز ليست جديدة، فقد عشقها حينما استمع لأول مرة لفرقة “البيتلز” من أسطوانة كان قد أهداها له والده المخرج حسن الإمام عندما عاد من منحة لزيارة استوديوهات أوروبا. كان هذا الهوس سبباً في إصراره على تعلم هذا النوع من الموسيقى، ليسافر إلى بريطانيا في السبعينيّات، ثم إلى شيكاغو، ليعود ويؤسّس مع شقيقه مودي الإمام فرقة طيبة بهدف نشر هذا النوع باللهجة المصريّة. أصدرت الفرقة أولى أسطواناتها بعنوان “الدنيا صغيرة“ عام 1979، والتي أصبحت محل خلاف كبير في ذلك الوقت حول تلقّي موسيقى الروك باللغة العربيّة.
فرقة طيبة – الساعة 2 صباحاً
عاد منير للتعاون مع حسين الإمام مرة أخرى عام 2001 عندما لحن له أغنيتان “أخرج من البيبان“، و“يا هل ترى” من كلمات كوثر مصطفى، من أسطوانات “قلبي مساكن شعبية“. لكن لم تكن هاتان الأغنيتان، في هذه الأسطوانة بنفس مستوى تجربة منير، فاعتبرت الأسطوانة نقطة تغيير تجاريّة في مسار الملك، ودفعت به للصفوف الأولى في أرقام مبيعات سوق الكاسيت حينها. ومنذ تلك اللحظة، تأثر مستوى أعمال منير الفنيّة سلباً، إلا في بعض الحالات القليلة.
أما حسين الإمام، ومنذ ذلك الوقت، وبعد أن كان شريكاً لمحمد منير وخيري بشارة وآخرين فى فترات مجدهم، شاهدناه يقدّم برامج المقالب الرمضانيّة. ولكنّني أنظر للمسار الذي رسمه هو لنفسه منذ البداية، لأجد أنّه متسق مع نفسه بشكل كامل. فمنذ البداية، لم يبتعد الإمام عن السوق السائدة، بل يسعى إليه، سوى بعض الاستثناءات. فهو ابن تلك الطبقة البرجوازيّة وصوتها، بداية من والده حسين الإمام الذي وفّر له التعرف على موسيقى الروك فى وقت كان شراء الأسطوانات من أوروبا رفاهية غير متوفرة لغالبية الشعب المصري، إلى صديقه أحمد عز رجل الأعمال وشريكه في نفس الفرقة التي بدأ بها مشواره الموسيقي.
ولكنى أستمع الآن جيداً ومراراً إلى أغاني مثل: “جنني طول البعاد“، و“الناس نامت“، وأسطوانات “افتح قلبك” و“الطول واللون و الحرية“، منصتاً إلى تلك الرغبة في تحدّي السّائد والرّفض والتمرّد في الكلمات والألحان والأداء في الثمانينيّات والتسعينيّات التي كان عندها محمد منير يسبح عكس التيار. ثم أتذكّر أن محمد منير يغنّي الآن في إعلانات تجاريّة لإحدى شركات المحمول “ناس بتشير محشي وفطير“، وأتذكر أيضاً أنه أصبح يظهر فى برامج اكتشاف المواهب، مصرّحاً بأنّه يفكّر في أن يكون عضواً بأحد لجان تحكيمها. تلك البرامج التي طالما انتقدها منير، وانتقد مشاركة زملائه الفنانين فيها، ومعتبراً إيّاها نوعاً من أنواع “الإفلاس” الفنّي للمبدع.
إعلان فودافون 2013 – كتر شيرك – محمد منير