.
يحتل شاهين مكانة خاصة في مشهد الراب المصري. يمكن القول إنه الرابر الوحيد من الجيل السابق الذي استطاع التكيف والصمود أمام التغيرات التي طرأت على طبيعة المشهد. بعد فترات طويلة كان خلالها من قلة تتصدر المشهد، خاصة في الإسكندرية، وبعد فترات من الغياب والتوقف، عاد شاهين في بدايات موجة التراب التي اكتسحت الساحة وأخذت الراب إلى آفاق أوسع منتصف العقد الماضي، ليستعيد نصيبه من الأضواء.
منذ عودة شاهين في تلك الفترة بدا صوته مغايرًا، كأنه يحمل صدًى لحقبة مضت، بعيدًا بعض الشيء عن الجيل الجديد الذي أصبح يمثل الجزء الأكبر من جمهور الراب. عبر تعاونات ذكية مع بروديوسرز ورابرز مؤثرين في الموجة الجديدة مثل إلفايف تمكن شاهين من ترسيخ اسمه من جديد في المشهد، فضلًا عن كونه شخصية تحظى باحترام كبير من صناع الراب.
يعود شاهين الآن بأول ألبوم له منذ بداياته، بعنوان خُد، يتكون من أربعة تراكات يتعاون فيها مع بيج مو، راشد، وإلفايف على صعيد الإنتاج؛ اختيارات منحت الرابر الفرصة لاستكشاف مناطق صوتية جديدة دون الابتعاد كثيرًا عن جذوره، يؤطرها بسلاسة تمزج بين الجدية والخفة.
يتنقل شاهين في الألبوم بين أصوات مختلفة، من الأفرو إلى البووم باب الحديث والتراب والأفرو هاوس، لكن دون توجه واضح أو وحدة صوتية عبر التراكات الأربعة. مع ذلك، تأتي كلماته بمسار واضح يعكس الثقل والأقدمية، مؤكدًا لنفسه وللجمهور أنه “عملها الأول.”
“أنا بيتكوين لو راحت العملة / مكنش لينا طول زمان وعمنا”
في تراك المقدمة، ٢٠٠٧، يستخدم بيج مو عينة موسيقية تشويقية في بداية التراك تُعلن بترقب عن عودة شاهين، الذي يدخل بأسلوب حاد ومتفاخر كأنه “رأفت الهجان”. من ناحية الفلوهات والإلقاء، يلتزم شاهين بأسلوبه التقليدي حتى على صعيد الكتابة. تسيطر على كلمات الألبوم ثيمات استعراض القوة والتفاخر، مع لحظات تأملية ينظر فيها الرابر إلى فترات حياته الماضية، مشواره في عالم التمثيل، وكونه لا يزال على القمة رغم غيابه، مع توجيه انتقادات ضمنية لصناع الراب حوله. رغم أن الكلمات مركزة ومكتوبة بقدر من العناية، إلا أن إلقاء شاهين عبر الألبوم يفتقر إلى التنوع، ما يجعله أحادي البعد رغم تنوع العناصر الصوتية في التراكات.
يبرز تراك كوما كأفضل لحظات الألبوم، سواء من ناحية الإنتاج الذي تعاون فيه راشد مع إلفايف، أو من ناحية الكتابة والإلقاء. لا يعتمد التراك على تكوين لحني ثابت، ويتميز بتركيب صوتي تقليلي يمنح كلمات شاهين المساحة الأكبر. هنا، تأخذ كلماته منحًى أكثر جدية وشخصية، حيث يعبر عن ما يحدث حوله في مصر، مع حديث تأملي عن عدم اكتراثه بما يحدث خارج نطاقه وتركيزه على نفسه فقط.
لا يشعر شاهين بالتهديد كونه ينتمي إلى حقبة راب مختلفة عن معاصريه، بل يحتضن ذلك بفخر، مؤكدًا أن “كل شيخ وله طريقة”. يظهر ذلك في استخدامه المميز للغة، حيث يوظف مصطلحات قد تبدو قديمة إلى حد ما، لكنها تظل طازجة ومتميزة في ظل ما نسمعه اليوم في مشهد الراب المصري. يمزج شاهين تلك المصطلحات مع أمثال شعبية بلهجته الإسكندرانية المميزة، ليخلق بارات ذات تركيبات فريدة وقوافٍ متنوعة تبرز أسلوبه الكتابي.
“أخوك مشكاح فما تقولش دي صدف
دمي حامي، إتحرق جاب الدرف
لساني طويل، هتسمع دُرَر
ما يعطلنيش مطبات ولا نقر
نجم ساطع ألا، حاسب من الـ Aura”
في آخر تراكات الألبوم، ينتقل شاهين إلى بيت أفرو هاوس صيفي ذي تركيب ثابت، يلقي عليه كورس وكلمات خفيفة ومرحة. يحمل التراك طابعًا احتفاليًا يمكن تخيله بسهولة في حفلة بالساحل. رغم بساطة الكلمات، يعكس التراك حالة شاهين الحالية في مشهد الراب، حيث يبدو غير مهتم بالتواجد المستمر على الساحة بعد أن حقق ما أراد. “عندي حياة والحمد لله / أنا أخيب وأغيب مهما أغيب / وأرجع لمكاني ما حدش يملاه.”
يمثل هذا الألبوم أول مشروع كامل لشاهين بعد أكثر من ١٥ عامًا في عالم الراب؛ شيء يبدو فقط طبيعيًا في المشهد المصري الذي لا يهتم كثيرًا بالألبومات والأعمال الكاملة. في الألبوم، لا يسعى شاهين لتغيير الأسلوب الذي يعرفه جمهوره عنه، بل يقدم بالضبط ما يتوقعه مستمعوه، كتابة ذات أسلوب متماسك ومحكم ولا تدعي العمق، على بيتات سهلة الهضم. شاهين واعٍ تمامًا لقدراته وإمكانياته، ولا يدعي أنه هنا ليغير قواعد اللعبة.