.
كتب المراجعة عمر بقبوق ومحمد ياسر.
خلق ذ ويكند ألبومه الجديد دون إف إم من منطلق نوستالجي، يستعيد فيه ساعة بث مباشر على محطة راديو افتراضية تنتمي إلى حقبة الثمانينيات. ساعة بث تبدأ عند مطلع الفجر، في الساعة الخامسة صباحًًا، كما يشير في مطلع ثاني أغاني الألبوم.
يبدأ ذ ويكند برسم هذه الثيمة مع افتتاحية الألبوم، التي تبدو وكأنها إعلان لراديو دون إف إم، يلقيه جيم كاري بطبقة صوت القرار العميقة التي يستخدمها المذيعون في الراديو عادةً لتعزيز التواصل مع المستمعين، ولتحفيزهم على مواصلة الاستماع لوصلة الأغاني الصباحية من خلال الكلمات التي تبعث على التفاؤل بالصباح المشرق: “لقد كنت في الظلام لفترة طويلة جدًًا / حان الوقت للسير في الضوء وتقبل مصيرك بأذرع مفتوحة / ما عليك سوى الاسترخاء والاستمتاع بساعة أخرى من الموسيقى التجارية / حرر نفسك على دون إف إم ١٠٣٫٥. ابقوا معنا.”
يبدأ بعد ذلك شريط الأغاني العاطفية المبهجة المُعدة لتحاكي أغاني الثمانينيات التجارية، بحيث يستفيد من التقنيات الحديثة لتوليد أصوات محفورة في ذاكرتنا عميقًًا، كما هو الحال في ثاني أغنيات الألبوم، جازولين، التي بُرمجت الموسيقى الإلكترونية فيها لتعكس مشهد موسيقى السنث بوب البريطانية في الثمانينيات.
طغت الرومانسية على الموسيقى التجارية في تلك الحقبة، ونلمس ذلك في جازولين، التي يغني فيها عن علاقة غير متوازنة مع امرأة تمثل عكازه ونظامه الداعم لمشاكل المخدرات، على أرضية صلبة من إيقاعات سنث ثقيلة وكثيفة، تتداخل مع بعضها لتصنع أصداءً وتأثيرات صوتية جذابة، مع الغناء المطرّز بالأوتوتيون. يحافظ ذ ويكند بتفاصيله العاطفية على جزء من الصورة النمطية التي رسمها في بداية مسيرته المهنية قبل عشرة أعوام، عندما كان يغني عن المخدرات والجنس والجوانب المظلمة لشخصيته، التي ظلت غامضة لوقت طويل.
في الأغاني التالية تزداد الجرعة الرومانسية حين تختلط بالعاطفة النوستالجية. “سنعود بالزمن إلى الوراء”، هكذا تبدأ أغنية هاو دو آي ميك يو لُف مي، التي يكرر فيها مجموعة من الأسئلة الأكثر شيوعًًا في الأغاني العاطفية، عن الطرق التي تؤدي إلى الوقوع في الحب وجعله أبديًًا. يردد هذه الأسئلة إلى أن تتداخل معها موسيقى الأغنية التالية تيك ماي برِث، التي سبق وأن أصدرها ذ ويكند كأغنية منفردة قبل أربعة أشهر، والتي يرتفع معها عدد نبضات الإيقاع لتصل إلى ١٢١ في الدقيقة، لتشكل أغنية الديسكو والدانس بوب الأهم منذ زمن.
يتحول في تيك ماي برِث مسار اللغة العاطفية مع تحول صياغة الجمل، لترتكز بشكل أساسي على أفعال الأمر، وتُلفظ على شكل صرخات نداء تتلوها استجابة زائفة، يستعير فيها ذ ويكند صوتًًا يذكّرنا بالطبقات العالية التي كان يستخدمها نجم الثمانينيات الأبرز، مايكل جاكسون. يمتد أثر مايكل جاسكون إلى الأغنية التي تتبعها، ساكريفايس.
الألبوم مليء باللحظات الجميلة التي تجبرك على الانغماس والاستمتاع بها؛ إلا أن أجمل محطة في الألبوم هي التي تجتمع فيها أغنيتي تيك ماي برِث وساكريفايس، والتي تتكرر مرتين، إحداهما في النصف الأول من الألبوم، والثانية هي نسخ الريميكس التي تختتم العمل. لا توجد في الألبوم كله أغنية تضاهي الأغنية المنفردة التي سبقت الألبوم تيك ماي برِث سوى ساكريفايس، التي جرى إنتاجها من خلال سمبلة عينات من أغنية آي وونت تو ثانك يو التي قدمتها أليسيا مايرز عام ١٩٨١، كما استعار فيها طبقة صوت مايكل جاكسون العالية التي سمعناها في أغنية الديسكو دونت ستوب تيل يو جِت إنَف، ليصنع واحدة من أجمل أغاني الديسكو المعاصرة التي غزلت على غرار أغاني ذلك الزمن.
في ساكريفايس يمارس ذ ويكند لعبته الخاصة، بالعودة إلى السرد الإعلاني الذي يقتحم الأغنية ليذكر اسم المحطة وبعض العبارات التحفيزية؛ التي كان ينظر إليها جمهور الراديو كلحظات زائدة تخرب جمالية الأغاني الأصلية وتؤدي إلى كسر الإيهام وبالتالي الخروج عن الروح العاطفية. يبدو ذ ويكند هنا أنه يجيد صناعة الأغاني العاطفية التجارية ويجيد تخريبها والسخرية منها. فمن خلال دمج هذه الآليات المتباينة في صناعة الصوتيات، والتي ربطها الراديو ببعضها البعض، يكوّن ذ ويكند الفضاء الموسيقي العام الذي يعكس ذاكرة عاطفية لأجيال عديدة، وسيكرر هذه اللعبة عدة مرات لاحقة على مدار الألبوم، ليكسر الإيهام كل مرة بعد أن نندمج بأغنيتين أو ثلاثة.
يمكن تقسيم الألبوم إلى ثلاثة أجزاء، كل ثلث يسير بطاقة معينة كتعزيز لثيمة برنامج الراديو ولخدمة تتابع الحكاية وتدفق حركة الألبوم. من بداية الألبوم وحتى ساكريفايس مقدمة و٤ أغنيات يبدأون ببطء ثم يتسارعون في القوة والحيوية. في الثلث الثاني بداية من أ تِل باي كوينسي وحتى ستاري آيز تنخفض الطاقة، وتتهادى حدّة المزاج العام بتأنٍّ أكثر في الإيقاع. في الثواني الأخيرة من ستاري آيز يرتفع صوت السنث إلى نقطة بعيدة ثم ينخفض مرة واحدة ليعلن عن نهاية مرحلة، وتبدأ أغنية إفري آينجل إز تيريفايينج التي تبدو مألوفة من بدايتها لمستمع دانيل لوباتين، بأصوات خشنة مثل التي استخدمها في الموسيقى التصويرية لفيلم أنكَت جِمز، ويبدأ معها الثلث الأخير من الألبوم الذي يجمع بين طاقتي الثلث الأول والثاني، حتى ينتهي بأداء جيم كاري الأطول في الألبوم، بصوت حكيم وأسئلة وجودية يتداخل معها في الخلفية إيقاع هادئ وهمهمة ذ ويكند.
أضافت فقرات جيم كاري الفاصلة بين الأغاني ملامح جمالية أثْرت تجربة الاستماع. ثمة رابط ما بين كوميديا جيم كاري البصرية، أو شكله الذي يظهر في العقل عند سماع اسمه، وبين موسيقى السنث بوب.
من ناحية الإنتاج، يعود الفضل الأكبر في تماسك الألبوم إلى الموسيقى وهندسة الصوت، مع وجود أسماء من العيار الثقيل مثل كالفين هاريس ودانيل لوباتين (وَن أوتريكس بوينت نيفر)، وسويدش هاوس مافيا وغيرهم. يطغى إنتاج دانيل لوباتين بتنويعات صوتية منتشرة على مدار الألبوم، مع مراعاة خطوط سير ثيمة البرنامج الإذاعي، وتحكُّم في طاقة وألوان الصوت في كل جزء من الألبوم. كما يلاحظ تواجد شبحي لأصوات دافت بانك في الألبوم، أضاف نوعًا من الجودة في بنية الأصوات وحرية حركتها بشكل كبير.
في محاولته لاستعادة جماليات بوب الثمانينيات، بحث ذ ويكند في آخر مكان ممكن، في إضافات محطات الراديو على الأغاني لدى بثها؛ وما بدا في حينه تشويهًا أو تخريبًا للأغاني أصبح إحدى أبرز ميزات هذا الألبوم، الذي نعيش معه الجو العام الذي كان ينقله إلينا الراديو، قبل أن تصبح تطبيقات ومنصات التشغيل على الإنترنت بوابتنا الأولى لاكتشاف الموسيقى الجديدة.