.
هل هناك علاقة بين الحشيش والموسيقى؟ نعم. فمن جماعات الصهبجيّة في بداية القرن الماضي التي كانت تحيي الحفلات التدويخيّة إلى الفجر بالطرب والحشيش، إلى جلسات الشيخ أمام وأحمد فؤاد نجم المشهورة والقائمة أصلاً على استبعاد موضوع الحشيش، واستعماله كمحفّز لأغانٍ تستطيع أن تدور على رؤوس الحاضرين في الغرفة الضيّقة المكدّسة كهذه. وإلى استعادته كطقس شعبي يمارَس بشكل علني في الحارات. ثم امتداده، بشكل طبيعيّ أيضاً إلى أغاني الراب.
وكما أن الحشيش يستثير الحواس ولا يخدّرها بالضّبط، تهديكم معازف في العيد هذه القائمة التي تجمع موسيقيين من أنواع مختلفة: من سيّد درويش، إلى محمود الحسيني.
لحّن سيد درويش عدداً من الكلمات التي تبدو عصيّة على طبيعة الأغاني والغناء، منها أغنية طقطوقة الحشاشين– التحفجية. تخلق هنا كلمات بديع خيري أجواء تحشيشيّة شعبيّة، ببناء شبه مسرحي قائم على حوار من طرف واحد يرويه شخص، ببساطة، محشّش.
لحّن درويش الأغنية لتؤدَّى بخشونة، بسخرية، وفجاجة. لكنَّها، كمعظم الأغاني التي تتناول موضوع المخدرات أو المحظورات عموماً، تعود لتأخذ منحى اعتذاريّاً وتبريريّاً، فبعد السخرية من البكوات والبشوات الذين يتعالون على الكيف، وكذلك الحكومة التي تتفرّغ لاقتناص الحشّاشين، تقول الأغنية: أقولك الحق/ يوم ما نلقى بلادنا طبّت في أي زنقة/ يحرم علينا شربك يا جوزه/ روحي وإنتي طلقة مالكيشي عوزه/ دي مصر عاوزه جماعة فايقين/ يا مرحب. وهو أمر مفهوم في سياق الكفاح الوطني في هذه الفترة التاريخيّة من بداية القرن العشرين، إضافة إلى تقديم هذه الطقطوقة ضمن سياق روائيّ يُعرَض على المسرح.
يلعن هالعيشة يقولها “رينيه البندلي” لينزع البراءة المرتبطة بأذهاننا، وباسمه الأخير إلى الأبد. جالساً مع الشباب، يحثّهم رينيه على تدوير السيجارة تجنباً لشرِّ: مجيء الشرطة، والصحيان على هذا العالم البشع.
قِيل لأحد أعضاء فريق معازف، بنبرة جديّة، أنّه لولا أزمة الحشيش في القاهرة ما تفجّرتْ الثورة المصريّة. الفكرة الأولى التي طرأت على زميلنا إثر سماع الخبريّة هي أنّ صاحب النظريّة بحاجة للتخفيف منَ الحشيش. ولكنَّ الإشاعة، وإنْ كان فيها من المبالغة ما يبعص، فهي تدلّ بطريقة أو بأخرى على أهميّة الحشيش في المجتمع المصريّ. هناك ثورات خبز، وهناك ثورات باطون، وهناك ثورات حشيش لم تحدثْ بعدُ ولكنَها قد تحدث، وربما تكون أنجع من سابقاتها.
https://soundcloud.com/luka-blue/luka-hashrab-hashish
تسرد لوكا الأوامر والنواهي والتحذيرات التي تجيء من العائلة منذ الطفولة؛ لابدّ أنْ تلبس البنات الفساتين، وألّا تلعب في الطين، ومن يخرج صوتها بالغناء فستذهب إلى النار كما تقول لها خالتها المُخمّرة. لكنْ ماذا تفعل هي؟ تعمل الصح وتشرب حشيش، بنبرة تدّعي السّذاجة والبراءة.
على موسيقى رائقة وبصوت ناعم لا يحمل لأوّل وهلة نبرة التمرّد في الأغنية، تستكمل لوكا ظواهر القمع المُسلّطة على الفتاة؛ من انشغال أهلها بأمر زواجها وتفاصيله العبثيّة، وما هو متوقّع منها كفتاة ناضجة: أوعي مرة تباتي برة/ وتتأخري في مرة/ وعيلة البواب تشوفك وماتتجوزيش. وماذا تفعل هي؟ تعمل أيضاً الصح وتشرب حشيش.
https://soundcloud.com/eddabbas/tayreen-edd-doc-t-moe-prod-edd
العلاقة بين الحشيش والراب متينة وحميمة ووثيقة. عالميّاً هي موضوع أساسيّ تتم معالجته بأشكال وطرق مختلفة من أهم مغني الراب العالميين أمثال MF DOOM وMethod Man. يقتحم إد عباس هذا الموضوع بجرأة ومهارة عبر سطور شعريّة ممتعة تقدم الحشيش كما هو كوصفة للهدوء والتعامل برحابة مع المنغصات اليوميّة.
https://www.youtube.com/watch?v=MsdDdhAxQxs
تتحدّث هذه الأغنية الشهيرة للمطرب الشعبي محمود الحسيني عن مخدّر البانجو وتأثيره: أنا شارب سيجارة بنّي/ حاسس أن دماغي بتكلن/ قاعد فالحارة بسقّط/ والغسيل عمّال بينقّط/ والشارع اللي ورايا قدامي/ والكلام على طرف لساني/ بآجي اتكلم بتلخبط“. لينجح في استعادة موضوع الحشيش ضمن سياقه الاجتماعي بالحارات الشعبيّة، وبكل تناقضات الحرام والحلال وخطوطهما الوهميّة بالممارسة والإقلاع.
غنّى الحسيني كثيراً عن الممنوعات، وليس فقط عن البانجو، بل أيضاً عن البيرة المصريّة ستيلا في أغنية أنا شارب 3 ستيلا، ومتحدّثاً في أغنية شهيرة أخرى الشيطان والعبد عن القمار وشرب الخمر وتعاطي المخدرات بطريقة وعظيّة.
لكن، وكما هو مطروح في الأغاني الشعبيّة، لا تخلو هذه الأغنية من الاستظراف. فالصيحات الهذيانيّة كوكا كوكا كوكا كوكوكوكو، التي تحاكي صياح الديك، زادتْ فكاهة الأغنية وساعدتْ في انتشارها. موسيقيّاً، لا تخرج سيجارة بني عن القالب الحديث للأغنية الشعبيّة المصريّة التي توظّف الأصوات الإلكترونية وتعتمد على المقامات التي تميل للحزن والأسى، كمعظم الأغاني الشعبيّة التي توثّق سيرة حيّة للحياة في الأحياء الشعبيّة. وأيضاً كمعظم هذه الأغاني، لا تسير سيجارة بني إلى نهاية الطريق في التّغني بالمخدّر، بل تعلن في نهايتها عن تأثيره السيء: “مش هاشرب بني تاني/ ولا أعرف شكله تاني“.
https://www.youtube.com/watch?v=NnQZIwF-sp8
الأصدقاء طلعوا فستك، الثورة المصرية طلعت فستك، هذه القائمة فستك، الموسيقى معظمها فستك، اليسار طول عمره فستك، وحتى الحشيش طلع فستك– بدل من الكيف يجيب الصداع والنكد. كل شيء مغشوش، كل شيء فستك، إلا هذه الأغنية.
من أكثر المقطوعات المتميّزة لعازف الترومبيت والمؤّلف اللبناني ابراهيم معلوف. حشيش هي الأغنية الرابعة في باكورته: ألبوم ديسابورا شتات في العام ٢٠٠٧.
تبدأ حشيش بأصوات مختلفة تقتحم الوعي بخشونة متواترة، لتدخل بعدها في الخلفيّة مزامير شرقيّة، ربما لتدلّ على بداية تدخين الحشيشة، ويبدأ التأثير في الظهور عبر تخفيف هجوم المؤثرات الخارجيّة وتواترها (١:٣٢ – ١:٥٢)، ووضوح تفاصيلها المرهفة (الحشيش يساعد على شحذ الحواس على عكس المفهوم الشائع). يعبِّر معلوف عن ذلك بالعزف على قرار السلم الموسيقي، وبعدها تبدأ مرحلة الطرب التي تنتج أصلاً عن أساس كيميائي، من خلال العزف اللعوب في وسط السلم الموسيقي (١:٥٣- ٢:٤٥)، ويبدأ متصاعداً بدخول المزامير مرة أخرى (٢:٤٩- ٤:٢٦)، ليصل إلى إعادة التيمة الأساسيّة من أعلى السلم، ومن بعدها التقسيم شبه الهذياني من نفس المنطقة، ليخفت كل شيء ببرهة، ويبقى الإيقاع. وهي تجربة مجازيّة بامتياز.
الحشيش مَخرج، الموسيقى مَخرج، الحشيش متعة، الموسيقى متعة. يشكو عمرو قطب وساخة الدنيا، ويطالب بأنْ يَعفّ عنه المتعففون والأخلاقيون. يقول: اتركوني وحدي لآخذ حصتي من المتعة القليلة التي يسمح لي بها هذا العالم، شيء من الحشيش، وبعض الألحان.
https://www.youtube.com/watch?v=_pIIhA7FNEY
أغنية قصيرة ذات إيقاع راقص ولحن لذيذ وضعه حسن أبو السعود، بتوظيف بارع للجوقة النسائيّة الذي يتحاور مع الممثّل محمود عبد العزيز، بكلمات كاتب سيناريو فيلم
الكيف محمود أبو زيد. تُمجّد الأغنية علم الكيمياء الذي أتاح للأخ العالِم أنْ يصنعَ المخدرات لأخيه، فاتحاً عليه صندوق كنز علي بابا. انتشرتْ الأغنية خلال صدور الفيلم بشكل كبير، لتدخل مفرداتها الثقافة المصريّة كما الكثير من عناصر الفيلم.
تجري الأغنية ضمن سياق متناقض وفي غاية الالتباس، إذ كانت نيّة صنّاع الفيلم إدانة عالم المخدّرات والانفتاح السّاداتي (بعلاقتهما المترابطة التي وصفت فترة حكم السّادات بالعصر الذّهبي للحشيش). لكن من خلال إدانتهم تلك، عرضوا عالماً ممتعاً وغنيّاً من ثقافة الكيف، وهو سياق شديد التكرار ومستغل تجاريّاً في السينما المصريّة، بحيث يتم اقتراح إدانة ظاهرة كالأغاني والكلمات المبتذلة، والقيام بتنفيذها فعلاً لتجذب الجمهور، وترفع من قيمته السوقيّة.
هناك مفارقتان إضفايّتان لهذه الأغنية: الأولى هي أنّ محمود عبد العزيز أصدر بالفعل ألبوماً يضم أغاني الفيلم بتوزيع جديد في التسعينيّات، الثانية هو أنّ ابنه الممثل كريم عبد العزيز قام بإعادة أداء الأغنية بتوزيع المهرجانات الشعبيّة في فيلم “عش البلبل” (2013)، مع السادات وفيفتي.
ظهرت صورة الغلاف للمصور مصعب الشامي في مجلة حبر.