fbpx .

ذَ آيجنت إنتيلكت | بروتومارتر

عمار منلا حسن ۲۰۱۲/۰٤/۰۱

 

قبل تشخصيها بالازهايمر الذي سيودي بحياتها، لاحظت إيلين يدها ترتعش رغماً عنها، فنظرت لابنها جو، مدَّت يدها وسألت بقلق: لماذا ترتعش؟ لماذا ترتعش بالفعل! فارتعاش اليد هنا لم يكن عابراً، بل جسد يعلن بدء مسيرته المذلة نحو الموت. خلال كتابته الألبوم، خسر جو كايسي، المغني وكاتب الأغاني في فرقة بروتومارتير من ديترويت ميشيغان، خسر أباه لأزمة قلبية وأمه لمرض الالزهايمر. رغم اعترافه بأن الوقوف وراء المايكروفون القديم لن ينقذه، إلا أنه وقف على أي حال، فكان أداؤه الصوتي بعيداً عن الغناء، وأقرب لمزيج من الكلام والحديث الساخط والصراخ والهذيان.

في ألبومها الثالث توفِّق الفرقة بين موسيقى ما بعد البانك التي ظهرت أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وبين حركة إحياء ما بعد البانك Post-punk revival التي بدأت في أمريكا وانتشرت لبريطانيا في بداية القرن الجاري. نسمع بشكلٍ عام شبهاً صارخاً مع جوي ديفيجن Joy Division، خصوصاً من حيث تقمص جو كايسي لدور إيان كرتيس والغناء بطبقة غليظة بعض الشيء وصوت مقصىً بعيد، بينما تعزف باق الفرقة المكونة مع جيتار كهربائي وبايس وطبول موسيقى إيقاعية تتوافق مع موسيقى السينثروك، رغم أن بعض الأغاني تظهر ميلاً أكثر نحو موسيقى ذا ستروكس وآركتيك منكيز من حيث التنويع في أسطر الغيتار المكررة (Guitar Riffs)، والاعتماد على سطر جيتار سهل الإدمان Hook يتضح غالباً مع اقتراب الأغنية من منتصفها.

آلاتياً يمكن تركيز الحديث على عازف الجيتار كريغ آهي الذي ينوع بين أسطر مكررة وبين عزف بصوت مشوه صاخب، ورغم أن صوت الجيتار قد تم رفعه خلال عملية المزج ليظهر جنباً إلى جنب مع صوت كايسي، إلا أنه يلعب في غالب الأحيان دوراً ثانوياً يهتم بتوفير الإيقاع المناسب أو الصوت المكمل لكايسي، عدا عن بضع أغانٍ تتيح للجيتار المزيد من الاستطراد إلى نغمات كئيبة مشوشة. مع ذلك، فإن اقتصار الآلات الموسيقية على دور ثانوي مساند في معظم الألبوم لا يقلل من ضخامة الإنجاز على الصعيد الآلاتي، إذ أن الدور الثانوي للآلات كان متعمداً من البداية لتقديم الصوت الذي تبحث عنه الفرقة، ولو نظرنا للأمور بهذا السياق لوجدنا الآلات قد عثرت تماماً على هذا المناخ الصوتي المشبع بكآبة البانك وبساطة الروك المستقل والبديل.

مع ذلك فإن العمود الفقري للألبوم هو بلا شك الأداء المذهل لجو كايسي. أداء مذهل لدرجة جنبتنا السخط على الفرقة حين نسخت أسلوب جوي ديفيجن بشكل زائد في بعض الأحيان لأن صوت كايسي يجعل النسخة تكاد تتفوق على الأصل بالحيوية والأصالة الأدائية، خصوصاً أن وفاة والدي كايسي قد منحته زخماً شعورياً لكتابة كلمات مذهلة والأداء بصوت مشحون عاطفياً يزيد من تأثيره أنه مؤدىً ببرودة وبعد متعمدَين. في ?Why Does It Shake يبدأ كايسي بالحديث عن انتشار السعادة الزائفة وعن استعداده للخلود، ثم يدعي أنه خالق نفسه ويصر على أنه يستحيل أن يفقد أعصابه، يكرر العبارة الأخيرة بشكل عصابي بينما يندلع الغيتار المشوه Distorted كنارٍ في الخلفية. يستمر كايسي بتكرار العبارة يستحيل أن أفقد أعصابي!” لكننا نصدقه أقل في كل مرة يعيد تكرارها، وفجأةً تنهار الأغنية لإيقاع أبطاء، تعزف الآلات منفردةً بشكلٍ متوتر للحظة ثم يصيح كايسي بصوتٍ رافضٍ ساخط مقتبساً عن والدته التي غدت الآن شبحاً: “لماذا ترتعش؟ الجسد! الجسد! الجسد! الجسد! لما يتحرك؟ الخوف! الخوف! الخوف! الخوف!”، تنتهي الأغنية بحديث كايسي بصوتٍ غدا أقرب للهذيان عن الموت الذي يصفه بالغريب الذي ينتصر دائماً.

تستمر فاجعة كايسي الشخصية في إيلين التي يكتب فيها أغنية حب لأمه يرويها من منظور أبيه الميِّت هو الآخر. يقول كايسي متقمصاً شخص أبيه بصوت ملؤه الإنكار كأنه طفل تم تفسير الموت له كالمضي في رحلة بعيدة: “ندبٌ في السماء يطفو نحو الأسفل / تستعر الشمس احتراقاً، يا للعار! / شبح مذنبٍ يطوف السماء / سأمزق المذنب، سأدمره، لأجلك / سأبذِّر وقتي انتظاراً (…) انتظاراً لك حبيبتي“. تنحو الأمور منحاً هروبياً في Dope Cloud التي يبدو فيها كايسي متحدثاً عن محاولاته للتعامل مع هذه الوفيات الساحقة، حيث يخاطب بسخطٍ زاجر ما يبدو أنه انعكاسه في المرآة: “هذا المايكروفون القديم! / والصوت الممزق الصادر عن رئتيك / لن يقودوك لبر الأمان! لن يقودوك لبر الأمان! / سخَّرتَ حياتك للصلاة! / وعانيت بصمتٍ هناك / لن يقودوك لبر الأمان! لن يقودوك لبر الأمان!”.

بالمجمل يستعيد الآلبوم، ويطور، سنوات الروك الممتازة في بداية الثمانينيات. الأصوات المشتتة، جودة التسجيل المنخفضة بشكل متعمد، الجيتار الكئيب، الغناء الأقرب للكلام، كلمات الأغاني الشعرية والسوداوية. لكنها استعادة حيوية وشديدة التمكن، استعادة أصيلة أكثر من العديد من الأعمال التجريبية ومدعية التجريبية التي سمعناها في ٢٠١٥.

التقييم: ١٠/٨

أغاني تمثل الألبوم: Dope Cloud, Why Does It Shake?, The Hermit

المزيـــد علــى معـــازف