fbpx .

أي زولي سيظهر غدًا؟

عمار منلا حسن ۲۰۱٦/۰۹/۰۱

يبدو أحمد الغزولي بعد الاطلاع على مسيرته غير القصيرة أقرب ما يكون لشخصية الرجل بلا وجه  Faceless Man من جايم أف ثرونز. بدّل غزولي أسماءه الفنية بالوتيرة التي بدل بها الأصناف الموسيقية التي عمل بها، فمن دي جاي ريديكيولِس DJ-Ridiculess إلى سواج لي ثم زولي كان يتنقل بين الهاوس والهيب هوب والنيو وايف والموسيقى الإلكترونية الراقصة والدرون. لكن هذه التنقلات لم تعن مسح كل شيء والبدء من جديد في كل مرة، بقدر ما كانت نمواً من صنف إلى آخر ودور إلى آخر. كل ما أعد به في هذا الدليل هو الاطلاع على أبرز أوجه زولي، لكن ما قد ترونه بالحفل قد يكون وجهاً جديداً تماماً يظهر لأول وربما آخر مرة، والتي هي فلسفة زولي الخاصة بشأن الحفلات الحية، فما قد يؤديه في حفلٍ ما قد لا يعتمد على أي تسجيلات سابقة، كما قد لا يتكرر أداؤه مجدداً.

أول ما يقال عن زولي هو إن جنسيته لا تنتقل إلى أعماله، وعند وصفه بأنه موسيقي مصري أو موسيقي ابن القاهرة تكون كل كلمة بعد موسيقي زائدة. يقول زولي: ” فكرة إنك لازم تلعب مزيكا معينة عشان انت من بلد معينة دي كس أمها احنا كلنا قاعدين وكبرنا على الانترنت. العالم كله قدامي“. يظهر هذا بوضوح في أعماله الأولى في الروك والنيو ويف الخالية من أي طابع محلي، حيث انضم لـ عاصم تاج في ٢٠٠٩ لتأسيس فرقة Wonderful Morning التي عاشت لسنة، والتي يقول زولي إن أغانيها من المفترض أن تبدو كأغانٍ قديمة في شريط كاسيت منسي منذ ١٩٨٧ في سيارة فيات، الوصف الذي أجده دقيق لكن ليس شاملاً.

تمتاز أغاني وندرفل مورنينج بالفعل بتلك الجودة الحالمة التي تجعل كافة الأصوات تبدو بعيدة زمنياً ومكانياً، استماع سريع لـ A Light In The Park سيثبت ذلك، لكنها تحتوي أيضاً على الكثير من الطاقة والحركة، خصوصاً بأسطر الجيتار المكررة حادة الصوت التي يمكن سماعها في الأغنية الممتازة You & I، والتي تجعل الأغنية تسير نحو الأمام بجنون كسيارة شخص انتحاري يقود نحو حافة جرفٍ ما. ما يميز هذه الأغاني أيضاً هي المساحة الواسعة التي تشغلها كافة الأصوات الشاحبة، ما يؤدي لتمازج الأصوات في نسيج الأغنية ويضيف طابعاً شبحياً على جودة التسجيل الحالمة، ملغياً أي مساحات فارغة بين الأصوات.

نشر زولي من هذا المشروع أربع أغاني فقط، على الأقل هذا ما تبقى على حساب الفرقة على ساوندكلاود، إذ أن لزولي عادة حذف أغانٍ نشرها سابقاً. عندما قضيت يومين في جرد كامل لصفحته على فايسبوك أفضت نصف الروابط على الأقل إلى This Track Can’t Be Found. يبدو أن حس نقدٍ ذاتي صارم يتحكم بالأمور هنا. على كلٍ، قد لا يكون زولي قد مضى بالنيو وايف بعيداً في هذا المشروع، لكن هذه الأغاني القليلة كان لها أثر شديد العمق بأول ألبومين لفرقة بان ستارز، والتي عمل معها زولي على إتقان إنتاج Mastering الألبوم الثاني Yestoday.

في 2010 دخل زولي مرحلة انتقالية هجينة الملامح. أظهرت الأغاني التي أصدرها وبقيت على ساوندكلاود من تلك السنة، مثل Fifty One المسجلة مع $$$Tag$$$ وLike Clockwork المسجلة فردياً، ميلاً من النيو وايف والروك نحو الموسيقى الإلكترونية المحيطة والراقصة. استمر هذا الميل بالنضج والاستقلال حتى وصل لدرجة تمكن ممتازة مع تسجيل Remember الصادر في ٢٠١٢ والمكون من ست مقطوعات. في ريممبر Remember استمر اعتماد زولي على أصوات ذات جودة شبحية حالمة تحتل مساحات صوتية واسعة ومشتتة، ولا تبقي على أي مسافات فارغة، لكنه طوّر هنا حساً إيقاعاً متقدماً وتجريبياً، كما ازدادت شهيته الموسيقية التي بدأت تتطلب استخدام واضح للعينات الصوتية. علَّم هذا التسجيل أول تعاون بين زولي وبثينة اللذان شكلا لاحقاً فرقة Quit Together، حيث قامت بثينة بتصميم الأعمال الفنية البصرية المرافقة للعمل.

في هذه الفترة، ظهر توجه مختلف في موسيقى زولي، وهو عمله كمنتج وصانع إيقاعات مع أبيوسف تحت اسم سواج لي. خلال عمله مع أبيوسف سار سواج لي بأكثر من طريق في آن، جرّب إنتاج الراب بطريقة تقليدية إلى حدٍ ما كما في ديس طماطم، انتقل إلى أسلوب تجريبي وخاص به بشكل أكبر في مطلوب حريم، وأعاد إحياء فريق وندرفل مورنينج لإنتاج أغنية صيفي شتوي التي لا يمكن وصف إيقاعها سوى عبر الاقتباس عن أحد المعلقين على ساوندكلاود بأنه فاجر نيك، الإيقاع الذي أتاح لأبيوسف الانطلاق بجموح غير مسبوق في الأداء، ختمه بعبارة: “برودكشن سواج لي يعني انتا فاهم؟

بلغ سواج لي تمكنه في الهيب هوب خلال تعاونه مع أبيوسف على ألبومه الأخير YFGYY الصادر العام الماضي. هناك أسلوبين رئيسيين يمكن استعراضهما في عمل سواج على إنتاج الألبوم. الأسلوب الأول يظهر في أغانٍ مثل MRXBA حيث يعيد فيها زولي أسلوب الإيقاع الفاجر الذي اتبعه في صيفي شتوي، والذي يتيح مجدداً المجال لأبيوسف للانطلاق بالمزيد من الاحتداد والجموح. الأسلوب الثاني يتمثل في أغنية Ok حيث يحرص سواج لي على مواكبة الأغنية المتطلبة جداً بأفضل أسلوب ممكن، فيلجأ للعديد من الأساليب التي أتقنها خلال السنوات ليستطيع مواكبة كل جزء من الأغنية بالأسلوب الأنسب له: يبدأ بإيقاع هيب هوب تقليدي، ثم يضيف بعض الأصوات الإلكترونية معقداً نسيج الأغنية، ثم يزيد ضخامة الأغنية صوتياً مع اقترابها من اللازمة.

خلال انهماكه مع أبيوسف، طور زولي حساً معقداً للأصوات الإيقاعية، لدرجة أن صوت آلة الغسيل في شقة تشاركها مع فنانين آخرين في القاهرة بين ٢٠١٢-٢٠١٣ ألهمه لتسجيل فردي جديد صدر في ٢٠١٤، وحمل اسماً وفياً لمصدر إلهامه: Doing Laundry. يقدم العمل الإيقاعي الممتاز لمرحلة جديدة من مسيرة زولي الفنية، بدأت فيها الأصوات بالانفصال عن بعضها البعض وترك مساحات فارغة بينها، مع اعتماد رئيسي على عينات صوتية بطريقة كولاجية، خصوصاً خلال استخدام عينات أو مقاطع صوتية من إعلانات تجارية تلفازية / إذاعية. انتهى التسجيل بريميكس لأبيوسف تحت اسم ملائم جداً: ZULI Vs Swag Lee، أحمد الغزولي منتج الهيب هوب مقابل أحمد الغزولي الموسيقي الإلكتروني.

رغم كثافة التعاونات والمشاريع المنفردة التي انشغل زولي بها خلال هذه السنوات، إلا أن مساراً آخر كان يجري العمل عليه بدءاً من ٢٠١٢. حيث انضم زولي في آخر هذا العام إلى مجموعة من الموسيقيين الإلكترونيين مثل حسين الشربيني وبثينة وإسماعيل ومشروع فرقة Vent التي كان زولي عضواً فيها، انضموا سويةً لتشكيل مجموعة Kairo Is Koming)  KIK)، والتي كانت نواة إطلاق مساحة العروض الموسيقية فنت التي انطلقت في آخر ٢٠١٣، واستمرت كملجأ للموسيقى الإلكترونية في القاهرة حتى إغلاق المكان وتحول فنت إلى سلسة عروض.

في هذه الفترة، وخلال الجولات الأوروبية مع KIK، بدأ زولي بتطوير أدائه الحي ليصدر مقطوعة ID وفيديو ZULI Presents: Swag Lee، كما أخذت موسيقاه اتجاهاً أكثر تقليليةً وإيقاعيةً، الأمر الذي بإمكاننا سماعه في تسجيله القصير من مقطوعتين CFS، والذي تخلى فيه عن العينات الصوتية واكتفى بآلات موسيقية محدودة أساسية لإنتاج صوت إلكتروني صرف. كان التسجيل بمثابة الإعلان عن مرحلة جديدة لدى زولي ازدادت فيها المسافات بين الأصوات المحدودة، لكنه لم يكن ناضجاً ومكتملاً بعد.

استمر هذا التوجه الإلكتروني التقليلي الإيقاعي بالنضج عند زولي حتى بلغ قمة ممتازة في ألبومه الأحدث بايونك أحمد الصادر مطلع العام الجاري. يعود زولي هنا لاستخدام نهم للعينات الصوتية في بيئة موسيقية غنية وتقليلية في آن، توصل المستمع لإشباع إيقاعي في أقل عدد ممكن من الأصوات، مع تشكيل ألحان كبيرة تتكون من تبدل الأسطر الإيقاعية القصيرة. إضافةً إلى ذلك جاء الألبوم كأكثر ألبومات زولي غنىً من حيث التنوع والاختلاف الواضح بين كلٍ من المقطوعات الستة، حيث يبدأ بـRobotic Handshakes in 4D ذات الوتيرة الأكثر بطءً والأسطر الإيقاعية البطيئة المتبدلة التي لا تخلو من خربشات حادة الطبقة وناشزة بشكل متعمد، بينما تقدم المقطوعة الثالثة 131001G صوتاً أكثر انسجاماً وسرعةً وتراكباً، تميل بشكل أكبر للموسيقى الإلكترونية الراقصة.

إلى جانب مشاريعه الموسيقية المتشعبة، يعد زولي سميعاً من الوزن الثقيل، تمتلئ صفحته على فايسبوك باختياراته من أعمال فنانيه المفضلين، من المنطقة العربية وعالمياً، معظمهم تجريبيون. بدايةً من أول العام الجاري استضاف الموسيقي الإلكتروني الإنجليزي لي جامبل زولي في برنامجه الخاص على NTS، كمنسق ضيف يلعب مجموعةً من أغانيه المفضلة، واستغل زولي الفرصة لتقديم زملائه في المشهد في مصر من حسين الشربيني لاسماعيل وبثينة وأبيوسف ورامي أبادير ويوسف أبوزيد وسواهم. ثم أطلق زولي في آب / مارس الماضي بد كاست خاص به على مكس كلاود باسم VENT.

ننهي مشوارنا بما يجب عليكم توقعه في حفل زولي: لا شيء. لـ زولي فلسفة خاصة تتعلق بالحفلات الحية: “مؤخرًا بقيت أعمل لايف ست مالهاش علاقة بالألبوم. زمان كنت بعمل أغنية وبيبقى نفسي ألعبها لايف، بس كلمة ألعبها دي لازم أفكر فيها بالذات مع نوع المزيكا اللي بنلعبها. يعني مش حاطلع أدوس بلاي وخلاص. ومستحيل تلعب لايف الأغاني زى ما هي، خصوصًا إن كل أغنية فيها مليون صوت وباراميترز خاصة بيها. فقررت في الآخر إني أعمل مزيكا مالهاش علاقة بالألبوم على أساس إني أبني مزيكا بالقيود بتاعة اللايف“. ما يقدمه لكم هذا الدليل إذاً هو جولة سريعة في متاهة هذا الموسيقي متعدد الأوجه، لكن الحفل سيأتي لكم على الأغلب بوجه جديد مختلف ننصحكم بشدة بالذهاب إليه والاستمتاع باستكشافه.


يؤدي زولي في ثالث أيام مهرجان ارتجال في بيروت، والمصادف مساء الجمعة، ٧ نيسان / أبريل.

المزيـــد علــى معـــازف