ساليني | ويجز

مع اقتراب السنة من آخرها، بات واضحًا أن ٢٠١٨ كانت سخية وهامة للموسيقى المصرية. ظهر جيل جديد من الرابرز، انتعشت المهرجانات وتجددت بريادة فيفتي وسادات ومحمد رمضان، وتحسّنت البنى التحتية للموسيقى المستقلة بظهور استوديوهات ومنتجين ومخرجين ومصورين ذوي تمكن وأصالة. لكن كل ذلك لم يترك أثرًا واضحًا على الموسيقى الرائجة. بإمكانك ركوب السيارة والتنقل بين المحطة الإذاعية والأخرى وكأن ٢٠١٨ لم تحدث. هنا يأتي دور ويجز.

أثبت ويجز طلاقة أسلوبية رهيبة، متنقلًا من الراب إلى التراب ثم المهرجانات ومحققًا انتصاراتٍ استثنائية في كلٍ منهم. لعب مهرجان خربان الذي تعاون فيه مع سادات العالمي دورًا رئيسيًا بتشكيل صيحات الإنترنت الموسيقية في مصر خلال الصيف الماضي. في ساليني، يعود ويجز إلى ما يبدو أنه مشروعه الخاص الأكثر إثارةً، أن يصنع من نفسه نجم بوب قادر على إنتاج موسيقى تشد الكل ويمتد أثرها لوقتٍ طويل.

تتضح ملامح مشروع ويجز في الأغاني المصورة أكثر من سواها، إذ من السهل ملاحظة أنه في فيديوهاته لا يضحك ولا يبكي ولا يصرخ أو يبدو عليه الغضب، بل يحافظ على كاريزما التعابير الوجهية الباردة، التي تكسبه بعدًا مسرحيًا بدل التوجه التعبيري الشخصي البحت. بالإمكان ملاحظة هذا في ساليني حيث يتنقل ويجز بين الحديث عن مواضيع عاطفية ومواجهاتية وتبجحية دون أن يرافق ذلك تغيير في تعابير وجهه.

يتخذ ويجز التوجه نفسه في كلمات الأغنية، فبعد المقدمة التي يقتبس فيها سطرين من دايرة على المصلحة: “زيك بعلقها علي شماعة الظروف / شعر طويل اكحل بتدور”، يتنقل ويجز بين طيفٍ من المواضيع والثيمات، أثبتت جميعها جاذبيتها ورواجها لدى جمهور الشباب في مصر. يفعل ذلك بطريقة غير مساومة، لا تحدّ من تمكنه الملفت في الكتابة واستخدامه المرن للمفردات والمجازات المحلية. يلجأ إلى جناس حذق عند حديثه عن أحلامه بالشهرة والثراء: “أمل بكرة نجم، وأجيب منها فلوس كتير / آخر السنة دي هجيبلي كوتشي من جوتشي”، يعرِّج على ثيمات بنت وقتها في اللازمة الجذّابة: “على إنستاجرام أنا الحقيقي / بتوتريني كل ما تسأليني”. يظهر تأثره بإحدى أكثر أناشيد التراب المصري الجديد نجاحًا للعام، اتنين بالليل لـ ليجيسي، في عبارة: “للرصيف بشكي همي للرصيف / معادنا كان جميل / نقطتين الشتا اسكندرية فـ الخريف” التي تحيل إلى لازمة ليجيسي: “وأنا ماشي لوحدي في الشارع / بشكيله حالي اتنين بليل”، حيث يميل الاثنان إلى خلق مشهد وعلاقة بالزمان والمكان بدلًا من التجريد عند الحديث عمّا يدور في رأسيهما. وأخيرًا هناك المقطع الذي يضرب عصفورين بحجر، يخلق عبارة عاطفية ميلانكولية سهلة التداول على وسائل التواصل الاجتماعي ويدعمها بخطاب الاتكال على الأصحاب السائد في كلٍ من ثقافتي الراب والمهرجانات: “العلاقة ديه كانت ضرب نار / ليه أنا الوحيد اللي بتصاب / الجروح بيعالجوها فـ صيدلية / وأنا أعالج جروحي بالأصحاب”.

مع كل هذا، يبقى صوت ويجز نقطة قوته الأولى بفضل قدرته الطبيعية على التنقل بين الطبقات الوسطى والحادة بسلاسة. يعزز ويجز ذلك باستخدام غير مسرف لفلاتر معالجة الصوت، لينتهي بأداء غنائي معاصر وحيوي، دون أن يكون صداميًا للسمّيع المتحفظ، والذي عليه أن يواجهه عاجلًا أم آجلًا في طريقه نحو النجاح الجمهوري الأوسع. في ساليني على وجه الخصوص، يستلقي صوت ويجز الدافئ والمفعم بالشخصية على إيقاعات دي جاي توتي متوسطة السرعة، ليقدِّم أداءً يعطي الأولوية للمزاج، المزاج الخريفي غير المستعجل على وجه الخصوص.

ساليني هي رابع تعاون بين ويجز والمنتج ومهندس الصوت دي جاي توتي، بعد كل من دوجو وتوكسيدو وماريجوانا، وهي أفضل هذه التعاونات حتى الآن. في السابق، كان دي جاي توتي يميل لدفع إيقاعاته إلى الواجهة بشكلٍ زاحم أصوات المغنين أحيانًا، كما قد يميل إلى اعتماد إيقاعات أكثر استقرارًا على طول الأغنية بشكلٍ يخاطر بجعل الأغاني أحادية النبرة، لكنه في ساليني يجد أفضل توازن بين إيقاعاته وصوت ويجز، ويحوّل استقرار إيقاعاته ومداها الصوتي العريض إلى نقطة قوة تعزز مزاجها الذي أرساه ويجز. المشكلة الوحيدة أن إتقان  mastering التراك لم يكن مُحكمًا تمامًا، فترك النهايات العليا النافرة لصوت ويجز دون ضغط  compression في بعض الأحيان، كأواخر بعض الأسطر في اللازمة.

بعد عدة تعاونات مع مجموعة التصوير والإخراج الاسكندرانية شوترز، والتي يظهر اثنان من أعضائها برفقة ليجيسي لأجزاء من الثانية في الدقيقة ١:٤٩، يتعاون ويجز في ساليني للمرة الأولى مع مجموعة الدب البارد من القاهرة، والتي لا تزال لم تنتج سوى بضعة فيديوهات مع مغنين يجمع معظمهم بين المهرجانات والتراب. يبدو على الفيديو أنه تم تصويره غرب الاسكندرية، ربما بالقرب من حي ورديان الذي يأتي منه ويجز، والذي سيسمي ألبومه الطويل الأول تيمنًا به. تتنقل مجموعة الدب البارد بسلاسة بين لقطات قريبة وبعيدة، مقلوبة وبينية، شاشات مقسومة ومشاهد مصورة من درون، تنقلات مستمرة بين ويجز وراقصة أدائية، وحركات مونتاج ممتعة عند تصوير ويجز جالسًا على طرف الرصيف. هذا ما يقوم به أفراد الدب البارد على أحسن وجه، وهو امتلاكهم سعة حيلة قاهرية بامتياز، تمكنهم من إنتاج فيديوهات مبهرة أكبر بكثير من إمكانياتهم الإنتاجية المادية المحدودة.

تضع ساليني مسيرة ويجز في المكان المثالي للانطلاق نحو النجومية، إذ تقدمه كشخص يشبه الجميع على اختلاف همومهم وآمالهم، والتأكيد على كونه نجمًا في نفس الوقت. إذا استمر ويجز على هذا الطريق، ليس بعيدًا عنه أن يبدأ بترك أثره على صناعة الموسيقى الرائجة في المنطقة، ربما كل ما يحتاج إليه هو فرصة بث إذاعي أو تلفازي لتصبح أغنية كـ ساليني إحدى التراكات التي سترتبط في ذاكرتنا بخريف هذا العام.