fbpx .
سترايت آتا كومبتون | إن دبليو إيه

سترايت آتا كومبتون | إن دبليو إيه

شاب روكي ۲۰۲٤/۰۵/۰۸

منذ شاهدت فيلم سترايت آتا كومبتون وأنا في مطلع المرحلة المتوسطة، تغيرت نظرتي للراب تمامًا. لم يعد عند فتى في الثالثة عشر من عمره أي شك في سببية العنف في أغاني هيب هوب التسعينات: شرطة عنصرية ومخدرات منتشرة في كل مكان ونظام أبوي محطم للنساء. انعكس ذلك في تمرد عدة مجموعات راب من ولايات أخرى مثل بابليك إنمي ورن دي إم سي، إذ قدمت رابًا عنيفًا مرتبطًا بالعصابات، في وقت كانت موسيقى الراب تحفيلية وراقصة. مع ذلك، لم يكن الراب الممثّل في بابليك إنمي مرتبطًا بالشارع بشكل صريح وجريء، بقدر ما كان مرآة لعنف الشوارع وصوتُا ضد العنصرية. في مشهد محتدم كهذا كان ظهور إن دبليو إيه ثوريًا.

وقتها كان دكتور دري ودي جاي يالا في حالة حرجة فنيًا، إذ شعروا بأنهم لا ينفذون ما يريدونه مع فريق وورلد كلاس رِكين كرو. أيًضًا، كانت كثيرًا ما تفشل محاولاتهم لكسر الطابع العاطفي لموسيقاهم مع دي جاي لونزو، الكاره لراب العصابات. وسط هذا ظهر تاجر مخدرات من العدم عُرف في شوارع كومبتون بإيزي إيه. استثمر إيزي إيه مع دكتور دري لإنشاء روثليس ريكوردز وضم كل من إم سي رين، الذي كان أحد أصدقاء إيزي المقربين، وآيس كيوب من فريق سي آي إيه الذي كان هو الآخر في حالة من الضياع، لتشكيل فريق إن دبليو إيه وبدء المعركة.

ثورة الاستوديو

حقق ألبوم فريق إن دبليو إيه الأول، إن دبليو إيه آند ذَ بّوسي، نجاحًا باهرًا في كاليفورنيا ومناطق مختلفة. في أول تراكات الألبوم، بويز ان ذَ هود كانت المرة الأولى التي يراب فيها إيزي، بكلمات كتبها آيس كيوب، والنتيجة للتاريخ كأغنية وكتمهيد لألبومهم الثاني الحافل بالتجريب، وإن لم يكن هذا سبب شهرته.

شهد ألبوم سترايت آتا كومبتون تبلور ملامح أسلوبية لأعضاء الفريق ألقت بظلها على أعمال لاحقة وتطورت في أعمال أخرى، كما في إف ات آينت رَفّ، حيث أظهر دري جزءًا من الأسلوب الذي تبناه لاحقًا في إصداراته مثل ٢٠٠١ وذَ كرونيك، متمثلًا في الجروف الفنكي الممزوج مع الدرمز العنيفة. هيمن إم سي رين على هذا التراك متفاخرًا بقوة عصابته وحبه للعنف والقوة. 

تشارك دري ورين أيضًا تراك سمثينج لايك ذات، بتأثيرات بين جو العصابات وجو الثمانينات الاحتفالي. أعطت هذه التركيبة الألبوم صوتًا مميزًا حينها، بعنف ملتحم بالتحفيل. يبرز هذا الصوت كذلك في آينت ذات ون، رغم أنه أحد أقل تراكات الألبوم شهرة، والذي يمكن اعتباره الأساس الموسيقي من ناحية الإنتاج للصوت الذي ظهر بعد عقد من الزمن، صوت الألفية المليء بالعينات السريعة والدرمز الصارخة. كرّس آيس كيوب هنا سطوره للتحدث عن علاقاته بالفتيات ورغبتهم في الأموال.

في كوايت أون ذا سيت، التراك المغمور الذي ألهم جيلًا كاملًا من الموسيقى الراقصة، يلقي رين باراته على بيت يطفح بالعينات، من بينها روك كريك بارك لـ ذا بلاك بيردز، وتيك ذا موني أند رن لـ ستيف ميلر باند، وكاتش جروف لـ جوس، متنقلًا بينهم بشكل غير معتاد وصاخب، ومبهر كتابيًا. برز دري هنا في تناوله لصوت الدرم ماشين التي لازمته على مدار تراكاته السابقة، تي آر ٨٠٨، والتي بنت عهدًا كاملًا من موسيقى الهيب هوب بدءًا من موجة الراب الأولى المتأثرة بالإلكترو، مرورًا بالـ ميامي بايس ووصولًا إلى التراب بعد ذلك.

ثورة الشارع

وقتها، تراجعت هذه التراكات رغم تفوقها إلى الخلفية، بسبب احتلال الخطاب الجريء والفارق للألبوم في تراكاته الأشهر لصدارة المشهد. في التراك الذي عنون الألبوم، سترايت آتا كومبتون، يعرّف كل من كيوب ورين وإيزي بأنفسهم ليتحدثوا عن حياة الشارع مع كل العنف والبذاءة الخام، مع إيقاع لاهث تصل سرعته إلى ١٠٤ نبضة في الدقيقة، مأخوذ من العينة الأيقونية لفنكاديليك من تراك يو ويل لايك ات تو. مع تغير النغمات عبر العينات المختلفة بسلاسة، يجذب الإيقاع بشكل لا شعوري المستمع لبقية الألبوم، حيث التصعيد الحقيقي.

وقف رجال الشرطة في ديترويت خلف الكواليس في جو لويس أرينا، ليخبروا إن دبليو إيه بأنهم إن أدوا أغنيتهم الثانية من ألبومهم الجديد، فاك ذَ بوليس، سيتم القبض عليهم فورًا، ليخرجوا على المسرح غير مكترثين للأوامر ويطلبوا من الجمهور رفع الإصبع الأوسط عاليًا ليبدأوا بأدائها. لم يستمر الأمر لثلاثين ثانية حتى سُمعت طلقات نارية من وسط الجمهور وقام الجميع بالهرب. لا يمكن أن تذكر إن دبليو إيه دون ذكر فاك ذَ بوليس، التراك الذي زعزع الشرطة الأمريكية ووضع للسود رايةً في ساحة العدو. جدران الشوارع مليئة بكلماتها، الكل يصرخ مرددًا باراتها في المظاهرات والاحتجاجات، هذا التراك هو أهم تراك هيب هوب في الثمانينات.

لم يتوقف الأمر هنا، إذ كان ثالث تراكات الألبوم جانجستا جانجستا بمثابة ردٍّ منهم على انتقادات الإعلام، فبحسب آيس كيوب: “إذا لم يعجبك كيف أعيش، انكح نفسك”، أو كما يقول في سطر آخر: “هل أبدو لك قدوةً لعينة؟ / إلى الفتى الذي يعتبرني كذلك / الحياة ليست سوى عاهرات وأموال.” اعتمد إن دبليو إيه منذ بدايتهم على الصدمة والخروج عن المألوف في الهيب هوب، وهذا ما بنى راب العصابات: عنف وبذاءة مبالغة، وحياة رجل العصابة بين الاحتفالات وممارسة الجنس والجريمة. هذا ما فجر شعبيتهم في المشهد. استعمل دري عدة عينات كعادته مثل ويك أت ذا نيز لستيف أرنجتون، وبي ثانكفول فور وات يو جت لويليام ديفون، إضافة إلى فنكي وورم لأوهايو بلايرز، المستعملة مرتين في الألبوم، في جانجستا جانجستا، وفي ريمكس دوب مان.

في بارنتال ديسكريشن إز أدفايزد يؤكد دري بين كلماته بأن هذا الألبوم موجه للبالغين فقط، وأنه “تم منع الأطفال”، في وقت لم تُعرف فيه تحذيرات الموسيقى غير المناسبة للأطفال. يكمل آيس كيوب على نفس الرتم بعد ذلك بأسلوبه الخاص مع نبرته العنيفة والحادة. في إكسبريس يور سيلف، سمبل دري تسجيلًا بنفس الاسم لتشارلز رايت، بصوت رايق يحمل كلمات تنتقد المجتمع الصامت عن الظلم تجاه السود. الصادم أن هذا التراك خالٍ من البذاءة. 

كانت هذه هي تراكات الألبوم الضاربة التي يذكر بها إلى اليوم، لينتقل بعدها تدريجيًا بين الأكثر رقصًا والأكثر تهاديًا، وينغمس في التجريب، بين العينات والسرعات المختلفة، بين السول والفنك وأنواع أخرى، السريعة منها والبطيئة، لينتج ألبوم خارج الزمن.

الإرث

إن دبليو إيه اختصار لجملة نيجاز ويذ أتيتود (سود أصحاب موقف). يرتبط هذا الاسم من ناحية بالكلمة العنصرية التي عانى منها السود طوال القرن الماضي وما قبله حتى، ويرتبط أيضًا بكونهم معادين للنظام والمجتمع. مهما كانت أفعالهم سيئة هم حقيقيون ولا يظهرون للعلن بمظهر يعاكس حقيقتهم. حتى عندما تحدث إيزي عن كثرة النساء اللاتي ضاجعهن كانت حقيقة أكدها كل أعضاء الفريق في مقابلات متفرقة، وهو ما أودى بحياته، إذ توفّي بفيروس نقص المناعة المكتسب المسبب للإيدز

وضع سترايت آتا كومبتون أعمدة راب العصابات بعيدًا عن رن دي إم سي أو بابليك إينيمي. تطور دري بعد ذلك ليصدر ذا كرونيك بعد انفصاله وليضع أحد أهم القطع الرئيسية في متحف الهيب هوب. إضافةً إلى كيوب الذي أصدر ألبوم أمِريكا موست وانتد ليلحقه بكيل إت واي وليثبت أقدامه بعد ذلك على منصة أهم الرابرز في التاريخ.

أثر صعود إن دبليو أيه للمشهد في ظهور وتمرد عدة رابرز وفرق، مثل توباك، بيج إي، ناز، سنوب دوج، دي إم إكس، ووتانج كلان، موب ديب، في ألبومات مثل كيلومناتي، إنتر ذا ووتانج، ذا إنفايمس. مع تغير صوت الإنتاج، لكن ضل صوت العصابات العنيف في كلماتهم ونبراتهم، وكأن إيزي ورفاقه فتحوا بابًا لأبناء الجيتو بأن يظهروا على طبيعتهم أمام الميكروفونات، ليصبح الراب الجنرا الأكثر جرأة.

تغير الراب مع الألفية ليعود للصوت الاحتفالي، لكن بنفس الجرأة التي بنتها إن دبليو إيه، وبأصوات ثمانينية مقاربة في الإنتاج. حتى مع بروز إنتاج الجرايم والتراب والدريل، لا يزال صوت العصابة هو الذي يسيطر على المشهد، ولا تزال مبادئ العصابات الداخلية تنعكس على موسيقى الراب و الرابرز.

حتى اليوم يستعيد العديد من الرابرز كلمات أو عينات من إن دبليو إيه، كآيساب فيرج في تراك فيرج فور إيفر: “إن دبليو أيه يلهبون الأرض ونحن نصرخ فاك ذا بوليس”، أو كما قال شب جديد في تراك سندباد “ياي مسك بيضاتي شرطي شكله لوطي”  كاقتباس من سطر آيس كيوب في تراك فاك ذا بوليس. أيضًا، أنتج كل من دي جاي باول و تي واي إكسكلوسف تراك تولك أب لـ دريك وجاي زي مستخدمين عينة من تراك دوب مان لـ إن دبليو إيه.

كان إن دبليو إيه جسرًا مهمًا في تاريخ الهيب هوب، قبل انفصالهم التدريجي حتى وفاة إيزي. لم تتلق محاولات عودتهم سواء في فترة الانفصال أو بعد وفاة إيزي أي اهتمامٍ يذكر، لأنها لم تكن بالقوة المرجوة أولًا، ولأن فقدان إيزي كان، وما زال، فارقًا.

المزيـــد علــى معـــازف