fbpx .

سفاييرا | سارة بيرسيكو

محمد أشرف ۲۰۲۵/۰۲/۰۹


التفاعل مع الفضاء والاستماع إلى صداه ممارسة قديمة. على مدى قرون، صمّم المعماريون الغرف والمساحات ليضفوا عليها هالة خاصة ويجعلوا جدرانها تغني في ملمح من الفخامة، ويمنحوها صفات صوتية تكاد تكون من عالم آخر. كان التقاطع بين الموسيقى، والتأثيرات الإدراكية للصوت والهندسة المعمارية، جوهريًا في تصميم المعماري البرازيلي أوسكار نيماير لمسرح التجريب، في معرض رشيد كرامي الدولي بطرابلس؛ وهو مصدر إلهام يتردد صداه في ألبوم سارة بيرسيكو الجديد.

تأخذ بيرسيكو في سفاييرا خطوة إلى الوراء، بعيدًا عن الضجيج والإلكترونيات الصاخبة التي ميّزت ألبومها السابق باوندري (٢٠٢٢)، متبنيةً نهجًا أكثر هدوءًا وتركيزًا، قائمًا على البحث والتجريب. يُجسّد الألبوم حرفيًا حوارًا بين الفنانة والمكان، مرتكزًا على تسجيلاتها داخل المسرح التجريبي. 

تغني بيرسيكو وتهمس للمسرح، وتحرّك أشياءً داخله، وتوثّق تفاعل هياكله وزواياه ومواده صوتيًا. الأصوات المسجلة في الغالب انعكاسات لهذه المصادر الصوتية، أي استجابات الفضاء لأفعالها المقصودة، ما يضفي على مدار الألبوم إحساسًا مشحونًا بالحنين والغموض.

تمتد مصادر الصوت لدى بيرسيكو إلى ما هو أبعد من حدود المسرح وقاعات العرض، لتشمل أصوات المدينة المحيطة به. تصبح طرابلس جزءًا من القصة، حيث تضيف ضوضاؤها وأزيزها وأصوات طبيعتها بُعدًا سياقيًا للتراكات، ما يرسّخها في مكان محدد. 

تخبرنا هذه الأصوات أن المكان تغمره الخضرة مع زقزقة العصافير، ويتردد فيه نداء المساجد للصلاة، ويمتلئ بحركة السيارات وهمهمة الكهرباء. هذا ليس ألبومًا عن فضاء عابر، بل عن مكان بُني بالاستلهام من طرابلس نفسها.

ترتكز معظم تراكات سفاييرا على المشهد الصوتي الغامض، المليء بالصدى والمكوّن من أصوات ميدانية مفلترة، تتخللها مقاطع غنائية قصيرة وموجات ثابتة من السنث. يضع التراك الافتتاحي ذَ سنتر كان نوت هولد الإطار العام للألبوم، حيث يتداخل الغناء المكتوم مع همهمة صوتية وزقزقة الطيور، تتحرك على إيقاعات متناثرة. أما بروتال ثريشولد، فيضيف جرعة من التوتر من خلال أصوات صفارات الشرطة ودرون من السب بايس الثقيل، ليتلاشى تدريجيًا في الأجواء الهادئة لتراكي بلو بوكس ومايز.

سارة برسيكو
تصوير كاميل بلايك

يتصاعد التباين بين التوتر والهدوء مع تقدم الألبوم. يزداد الديستورشن عنفًا، بينما تزداد لحظات الهدوء جمالًا. في رشيد كرامي، يحل السنث اللادغ والمهدد والبايس محل البادز الحالمة البطيئة في مايز. تأتي كايروز بكيكّات مكتومة متدحرجة وضوضاء متصاعدة، ليُفسَح المجال لأول لحظات الألبوم التي يتجلى فيها الجمال والألحان بوضوح في بيريفيرال وفويسز أورجن، حيث تتشابك في الأخير نغمات البيانو الرقيقة مع غناء ساحر بأسلوب جوليانا بورويك.

يختتم الألبوم كما بدأ تقريبًا، بأجواء مسكونة في طرابلس مع فنانة تتحدث إلى الفضاء المحيط بها مسجلةً ردود فعله. ألبوم متماسك وجميل بأسلوبه المشحون بالغموض. يكشف سفاييرا عن قدرة بيرسيكو على تجسيد مفهومه بامتياز، مع اختيارات ذكية في التصميم الصوتي والميكسينج في كل خطوة. ضع الألبوم، أغمض عينيك، ودعه يقودك إلى فضاء يكاد يكون منسيًا.

المزيـــد علــى معـــازف