.
منذ إطلاق إصدارها الأول بيب / إل عام ٢٠١٣، عرفت سوفي بطابع تجريبي يجمع بين البوب والموسيقى الإلكترونية الراقصة ذات الأسلوب التفكيكي deconstructed club music, وهي موسيقى راقصة ذات إيقاع غير منتظم. على مدى عامين ومن خلال إصداراتها القصيرة مع شركة نَمبرز تميزت موسيقاها بتصميم صوتي رائع، وإيقاعات متشظية غنية بالبايس، مستعينة بأصوات مألوفة ومقبولة لموسيقى البوب والترانس. ما ميّز أسلوب سوفي في تلك الفترة هو تلاعبها بصوتها البشري وتفكيكها للموسيقى الأكثر شعبية كما في هارد وإم إس إم إس ولاف، وتغليفها هذه العناصر بإنتاج موسيقي لامع وصدامي يُحيل إلى موسيقى البوب وموسيقى البايس. علاقة سوفي بعالم البوب ليست جديدة، ظهرت قبلًا من خلال تعاونها مع المنتج ديبلو في أغنية مادونا بِتش آم مادونا وعدة أغانٍ مع تشارلي إكس سي إكس وعملها في وكالة إعلانات، بالإضافة إلى استخدام ماكدونالدز لأغنيتها ليمونايد في إعلان.
ليست سوفي الوحيدة أو السباقة في تأليف موسيقى تجمع البوب والتجريب، أو بجعل التجريبية أكثر رواجًا. فهناك الرائدة بيورك بمسيرتها التي بدأت منذ التسعينات، واليوم نجد إف كي إيه تويجز وإن كانت متواضعة المستوى مقارنةً بسوفي، وإصدار آركا الأخير والمنتج آش كوشا ولورينزو سِنّي وآخرين.
تفتتح سوفي ألبومها الأول أويل أف إفري برل أن-إنسايدز بأغنية إتس أوكيه تُ كراي، حيث تستعرض إمكانيات صوتها الحقيقي لأول مرة دون إغراقه بالمؤثرات، وتكشف عن براعة وتمكن في التعامل مع طبقات صوتها. تبدأ الأغنية بهدوء لا ينذر بأي عناصر تجريبية، معتمدةً على بنية تقليدية وتسلسل كوردات مألوف ورومانسي. تتصاعد ديناميكية الأغنية بشكل تدريجي بعد ذلك، حتى تقترب من النهاية لتصل إلى ذروة من الطبقات التي تُلعب بتجانس زمني، تمهيدًا لما هو آتٍ في بقية الألبوم.
يأتي تراك بوني بوي كالصفعة، بصوت عنيف غني بالبايس وأصوات سنث حادة. نلاحظ أصوات التكسير والخلل المصاحب وعناصر إندستريال Industrial Music مصاحبة لغناء بوب في الخلفية. تستمر سوفي في أغنية فيس شوبينج على نفس الخط مع مزيد من التشظي والتعقيد، لكن سرعان ما تفاجئنا بمقطع حالم وجذاب كالهدنة، خالٍ من الإيقاعات، يأخذ الأغنية إلى بعد آخر يكسر من حدة النصف الأول. يعتبر هذا الخط الصاخب المفضل والأكثر تميزًا وجاذبية، وهو الذي سارت عليه أيضًا في نَت أوكيه وهول نيو وورلد / بريتند وورلد.
يجب أيضًا أن نأخذ في الاعتبار بُعدًا آخر للألبوم هو عناصر الموسيقى المحيطة، مثلما نسمع في أغنية إز إت كولد إن ذ ووتر؟ وإنفاتيويشن. ففي الأولى تستخدم سوفي تسلسلًا لصوت السنث المستخدم في موسيقى الترانس، أما الثانية فتعتبر استكمالًا للأولى، وتضاف هنا طبقات صوت سوفي كغناء مساند في الخلفية معطية نفس تأثير البادز، بينما يتصدر صوتها الأساسي الأغنية بشكل ملحمي. يذكر تلاعب سوفي الماهر بصوتها وغنائها الحر في هاتين الأغنيتين بقدرات وتقنيات فنانات أخريات مثل بيورك وتوري آموس من حيث التلاعب بالطبقات الصوتية والتجريب، وإن كانت موسيقاهما تختلف عن سوفي.
في نَت أوكاى نجد تفكيكًا لعناصر الموسيقى الإلكترونية الراقصة، توظف فيها سوفي الصمت، خالقة مساحة تبرز تباين هذه العناصر. أما إيماتريال، على عكس نت أوكاي، أغنية راقصة بجدارة وأكثر أغنيات الألبوم مباشرة. في نهاية الألبوم تتألق سوفي في أغنيتها الأخيرة والأطول هول نيو وورلد / برِيتند وورلد حيث تمزج بين العناصر والأفكار والأصوات المختلفة التي استخدمتها على مدار الألبوم لتنهي تلك الجرعة الموسيقية بثلاث دقائق مُجزية من الأصوات المحيطة والخامات الصوتية المتنوعة.
ما قد يُؤخذ على الألبوم هو عدم ترابطه أحيانًا، خصوصًا أن ذلك كان يمكن معالجته بتسلسل الأغاني. ففي حين أن الألبوم يتراوح بين ما هو مفكك وصاخب من جهة وما هو محيط من جهة أخرى فإن أغنية مثل إيماتريال الراقصة جاءت متنافرة مع سياق الألبوم، خصوصًا كونها وضعت قرب نهاية الألبوم بعد بريتندنج، وهو تراك تجريبي دروني ذو طابع مظلم. قد يشتت هذا الترتيب المستمع وينسيه تراكم مقطوعات الألبوم الأخرى المتماسكة. أما موضوعات الألبوم فجاءت مترابطة وشخصية، تستعرضها سوفي بأداء صوتي بارع بمشاركة سيسيل بيليف (موتسارتس سيستر)، فحينًا تكشف من خلال كلماتها عن هويتها الجندرية وتصالحها مع نفسها والرغبة الجنسية والوحدة والحيرة والقبول من قبل الآخر، وحينًا تتحدث عن التسليع وعالم الإعلانات والسوشال ميديا وعمليات التجميل.
يتنافر عالما التجريب والبوب بل ويعتبران متناقضين، لكن سوفي تذكرنا بعدم صحة ذلك في مزجها لهما بذكاء وحرفية، لتصل إلى المعادلة التي تجعل صوت البوب مقبولًا وغير لحظي لدى الفنانين التجريبيين، كاسرة ومتخطية حدوده ومضيفة إليه طابعًا مستقبليًا. هذا ألبوم ناضج وشيق، حافل بالتصميم الصوتي البارع والمثير للفضول، وقد يعد أحد أفضل ألبومات العام.