.
مؤخرًا، احتفل درايك بالذكرى العاشرة لصدور المكستايب الذي لمع اسمه معه: سو فار جُن. للاحتفال بذلك، نزّل درايك منشورًا مطولًا على إنستجرام في الثالث عشر من شباط / فبراير، واعدًا بإصدار المكستايب على كل منصات البث في اليوم التالي. في المنشور، شكر درايك أصدقاءه ومن تعاون معهم في تسجيلات أوفو: أوليفر الخطيب، نواه “٤٠” شبيب، بوي-وندا وأوفونيكو. شكر أيضًا من آمنوا به منذ البداية وساعدوه، مثل ليل واين وتراي سونجز وبَن بي، والشخص غير المعتاد ذكره في سياق مشابه: كانيه وِست.
ربما لا تعد عشرة سنوات بالفترة الطويلة بالنسبة لمعظم أصناف الموسيقى، لكن في الهيب هوب يسير على قاعدة: يا صابت يا خابت. فيما يُعتبر الكثير من فناني الهيب هوب محظوظين إن حافظوا على تواجدهم بعد بضع سنوات، يثبت درايك أنه استثناء. لدى درايك سلسلة من الأغاني الضاربة ومن الألبومات المحتلة للمراكز الأولى في السماعات والمبيعات، وعدة جوائز تليق بأعماله. لديه أيضًا عداوات مع رابرز آخرين، وسوابق في إنهاء مسيرات عدة شركات تسجيلات. عدا عن كونه ممثلًا لصوت جيل ونوع فرعي من الهيب هوب كان جديدًا آنذاك، نوعٌ ذوّب تقريبًا الخطوط الفاصلة بين الهيب هوب والآر آند بي.
كان ٢٠٠٩ عامًا غريبًا، حيث بدأ صوت الهيب هوب يميل بشدّة إلى البوب مع تسجيل رابرز مثل فلو رايدا لأغانٍ ضاربة عن جينزات أبّلبوتُم. عبر العقد الأول من الألفية، حوصر الهيب هوب من قبل مدراء شركات التسجيلات الذين اعتبروا تعريف الهيب هوب الحقيقي هو أن تتحدث عن بيع المخدرات والقتل والمحافظة على صورة جليدية بغيضة. على كل حال، بفضل ألبوم كانيه وِست الصادر عام ٢٠٠٧، جراديوايشن، والذي تجاوزت مبيعاته مبيعات ألبوم كرتيس لـ فيفتي سنت في الأسبوع الأول، تغيرت هذه الافتراضات. لم يعد هناك ما يُحدد هوية الرابر بأنه يجب أن يكون كذا ويقوم بكذا ويُراب عن كذا.
اعتُبر سولجا بوي أول رابر يوظف المدونات وبوستات الإنترنت الساخرة للترويج لموسيقاه بشكل مستقل، وألهم الكثيرين من الرابرز الصاعدين بتنزيل أعمالهم على المدونات لكسب الشعبية. قاد ذلك إلى ظهور مصطلح راب المدونات لوصف الأعمال التي وجدت لأول مرة ضمن المدونات. بين ٢٠٠٩ و٢٠١٠ خصص الكثير من الرابرز سواء الصاعدين أو المستقلين مدوناتٍ لإصدار موسيقاهم. نزّل الجميع من جوتشي ماين وليل واين إلى إرل سويتشرت وآشر روث أغانٍ عبر المدونات في ذلك الوقت. على كل حال، لم تحقق كثيرٌ من تلك الإصدارات النجاح المرتقب على منصة الانتشار هذه، ولا حملت محتوى يستحق التقدير، عدا ما قدمه درايك.
في ٢٠٠٦ أنشأ درايك مدونة سمّاها أوكتوبرز-ڤيري-أَون، حيث نشر مكستايبه الأول روم فور إمبروفمنت، في الرابع عشر من شباط / فبراير ذلك العام. قدّم الدي جاي سمالتز المكستايب، وكان سمالتز يعرف حينها بسلسلة المكستايبس ساوثرن سموك التي شارك فيها رابرز معروفون مثل لوداكريس وليل واين وبيج بوي وجوسي جاي. وقتها كان المكستايب متوافرًا أيضًا على صفحته على موقع ماي-سبايس. شارك في المكستايب رابرز ضيوف بينهم الرابر الصاعد نيكلَس إف والرابرز المشهوران لوبي فياسكو وتراي سونجز.
بعد فترة قصير من النجاح المتواضع لـ روم فور إمبروفمنت، بدأ درايك العمل على مكستايبه الثاني، ذ كامباك سيزن، وأصدره في الأول من أيلول / سبتمبر عام ٢٠٠٧. استعمل درايك المعادلة نفسها التي استعملها في مكستايبه الأول، بينما قدّم فريستايل على أغاني راب مشهورة وقتها مثل باري بوندز لـ كانيه وِست، و ذس إز مي لـ جولز سانتانا. تضمن المكستايب أيضًا تعاونات مع أسماء كبيرة مثل إلزي وفونتي وماليس (من ذ كليبس). ظهر تراي سونجز في أغنية ربلايسمنت جيرل، والتي صدرت منفردةً في الثلاثين من أبريل / نيسان من عام ٢٠٠٧، لتكون التعاون الثاني بين الاثنين، والذي صوِّر له فيديو بثته قناة بي إي تي، جاعلةً درايك أحد أول الفنانين الذين يطلقون فيديوهاتهم عبر القناة دون تعاقدهم معها.
في ٢٠٠٨، كان ليل واين أهم رابر حي، إن لم يكن أكبر نجم موسيقي. أصدر واين عدة مكستايبات وألبومات في بضعة سنوات، كانت وقودًا لنجاح ألبومه السادس ذ كارتر III، الذي باع أكثر من مليون نسخة في الأسبوع الأول من إصداره. أيضًا، ولترويجٍ أوسع للألبوم، خطط واين لجولة حفلات سماها آي آم ميوزك تور. خلال قيامه بجولته، استمع واين إلى بضعة تراكات لـ درايك أثارت إعجابه بشدّة، ما جعله يدعوه ليشاركه جولاته. لم يصدر درايك أية أغاني ذلك العام، سوى بضعة مشاركات مع رابرز من تورونتو مثل سلاكا وذ بيتشايلد. لكنه عمل مع واين على بعض الأغاني التي ضمها إلى مكستايبه الثالث سو فار جُن، مثل إجنانت شت، التي كانت فريستايل على أغنية إجنورانت شت لـ جاي زي، وأغانٍ أخرى مثل آي وانت ذس فور إفر التي ظهرت في مكستايب بورن ساكسسفُل، وكانت نسخة مبكرة من البوس كَت Posse Cut: نوع من أغاني الهيب هوب يضم توالي فيرسات أربعة رابرز أو أكثر فورإيفر، التي جمعت ليل واين وإمِنِم وكانيه وِست.
بيّن درايك في مقابلة مع كايتي كوريك أنه رغم اندلاع حرب مزايدة لاستقطابه بين عدة شركات تسجيلات ضخمة، لكنه أحس أن واين فهم بالفعل الصورة التي يتطلع إليها وأسلوبه الموسيقي أكثر من أي أحدٍ آخر. لعب واين دورًا محوريًا في مسيرة درايك لاحقًا، وظهر معه في ما لا يحصى من الأغاني الضاربة والتعاونات في الألبومات.
عندما ظهر سو فار جُن لأول مرة، شعر الكثيرون أنه مستلهمٌ في معظمه من ألبوم 808s and Heartbreak لـ كانيه وِست. تميز كلا الألبومَين بتلك الحالة من الحزن والوحدة، بإنتاج تقليلي وتوظيف متقن للأوتوتيون، وبالراب عن علاقات سابقة ومشاكل الشهرة. حتى أن درايك اعترف في مقابلة مع قناة إم تي في عام ٢٠٠٩ أن وِست شكّل طريقة صناعته لموسيقاه . جمع الألبوم أيضًا ترسانة من أقوى المنتجين مثل جَست بلايز وديبلو، إلى جانب نواه “٤٠” شبيب، المسؤول عن الصوت المحيط للمكستايب. أصبح شبيب يد درايك اليمنى في إنتاج أغانيه لعدة مشاريع لاحقة. كذلك ضم الألبوم مشاركات من أوماريون وتراي سونجز وليل واين وبَن بي.
يعتبر سو فار جُن نقلة إبداعيّة لـ درايك. تعليقًا على محتوى المكستايب، شرح درايك في مقابلة مع مجلة كومبلكس أن أغلب أغاني المكستايب تتحدث عن محاولته العثور على الحب والنجاح. نجد أبرز مثال على ذلك في أغنية ساكسسفُل بمشاركة تراي سونجز وليل واين، التقليلية الغرائبية المعتمدة على صدًى خفيف، وذات الصوت المحيط. تُعبّر لازمة الأغنية عن توق درايك الشديد وجوعه للنجاح: “أريد المال / مالًا وسيارات / سياراتٍ وملابس / والعاهرات، أعتقد / أريد فقط أن، أريد فقط أن أكون ناجحًا”، ما يذكرنا بأغنية جاي زي المشابهة ماني – كاش – هوز، حيث يُراب زي عن هذه الأمور فقط لحصد الشعبية والانتشار على الراديو. على كل حال، ينادي درايك بهذه التمنيات بشك ودون إدراكٍ كامل لما يريده بالفعل. يتضح ذلك في أول أغاني المكستايب لاست فور لايف، أغنية محيطية بإيقاع هادئ يُراب درايك فيها عن شهرته حديثة العهد واختلاف تعامل كل من حوله معه بنتيجتها.
صحيحٌ أن المواضيع الرئيسية، التي كانت تتمحور حول النجاح والعلاقات وليالي التبجُّح، لم يطرأ عليها تغيير في هذا المكستايب مقارنةً بالمكستايبَين اللذان سبقاه، لكن طريقة معالجتها وتنفيذها اختلفت بشكل هائل. لدى صدور مكستايبه الأول، قال درايك في مقابلة مع الصحفي الموسيقي الكندي الشهير ناردوار أنه استلهم بشكل رئيسي من رابرز كارولاينا الشمالية، مثل ليتل برذر وناينث وندر وفونتي، إلى جانب الرابر النيويوركي بيج إل، الذي أثنى على أسلوب سرد درايك وقتها واعتبره ابن مدرسته. كما يستعرض درايك أسلوبًا يعج بالتلاعب الذكي بالكلمات، وبالأسطر اللاذعة.
كان الصوت الإجمالي للمكستايب يبدو مثل راب هيوستن الذي أصبح بارزًا اليوم. في حلقة من برنامج عندما كنت في السابعة عشرة على قناة إم تي في، ذكر درايك أنه اشترى مايكروفون بمئتي دولار من الإنترنت لزعم بائعه أنه موقّع من بوشا تي. للأسف، لم تتطور علاقة مثمرة بين درايك وبوشا تي، بل تبادل الاثنان الديسّات أدّت لقيام بوشا تي بـ فريستايل دِس في صيف ٢٠١٨ بكشف أن درايك لديه ابن غير معترف به مسمى أدونيس.
كان المكستايب أيضًا ميدان تجريب جديد لـ درايك مع الأوتوتيون في عدة أغانٍ، مثل بست آي إيفر هاد وهاوس آتلانتا فيجاس وسونر ذان ليتر وبراند نيو. انتقلت معظم أغاني الألبوم من بيتات الهيب هوب العنيفة التقليدية التي تواجدت في ميسكتايبَي درايك السابقَين إلى صوت مصقول أكثر.
كان سو فار جُن قاعدة انطلاق لمسيرة درايك، كما أكسبه ترشيحين للجرامي عن أغنية بست آي إيفر هاد. احتل ألبوم درايك التالي، ثانك مي لايتر، المركز الأول على لوائح بيلبورد في أمريكا، وباع أكثر من نصف مليون نسخة في أسبوعه الأول. كما وصلت أغاني الألبوم الأربعة إلى أول عشر مراتب في قائمة بيلبورد لأكثر ١٠٠ أغنية رواجًا. استمر درايك بالتجريب مع صوته الذي ظهر في هذا المكستايب ليصبح صاحب أكبر عدد من أغاني الهيب الهوب المحتلة للمركز الأول على قوائم بيلبورد، مع ضربات مثل ون دانس وجودز بلان وإن ماي فيلينجز. وبينما مهّد كانيه وِست الطريق أمام الإيمو راب، جعل له درايك شعبية توازي البوب. كان سو فار جُن أيضًا من الأعمال المبكرة التي مهّدت الطريق أمام الراب كرونينج (Crooning)، الأسلوب الواقع بين الغناء والراب باستخدام الأوتوتيون في أغانٍ تدور عادةً حول الحب والنساء، والتقليد الذي أصبح لصيقًا اليوم برابرز مثل يانج ثَج وفيوتشر. بينما يمكن تتبع آثار سو فار جُن في الكثير من الراب الذي يتم إنتاجه اليوم، فإنه لا يزال ألبوم من الممتع العودة إليه والاستمتاع بصوته الخام الذي تفرعت منه الكثير من القصص.