شارون فان إيتن sharon van etten remind me tomorrow ma3azef معازف
مراجعات

رِمايند مي تومورو | شارون فان إيتن

عمار منلا حسن ۰۵/۰۲/۲۰۱۹

“جالسةً في البار، أخبرتك كل شيء / قلت لي: يا للعنة! لقد كدت تموتين!” تفتتح شارون فان إيتن ألبومها الخامس، متخيلةً مستمعها كصديق مقرّب يجالسها في بار مسندًا ذقنه إلى كفه، وينصت باستغراق إلى قصصها العاطفية المعقدة، التي لا تضطر لتبسيطها أو تعديلها لتصبح سهلةً أو مفهومةً للجميع. ما تفعله فان إيتن ليس جديدًا، فالعديد من أعظم نجوم الروك في التاريخ، من ديلان وموريسي إلى كوباين وكازابلانكاس، اتبعوا قاعدة ذهبية في الكتابة الإبداعية تقول: لو أردت كتابة عمل يعجب الجميع، تخيل أنك تكتب لجمهور من شخص واحد (أي للفنان نفسه). كان الرهان دائمًا على أن أعمالًا على هذا المستوى من الصدق والحميمية لا بد وأن يجد المستمع شيئًا من نفسه فيها. تبدو هذه الخطة محكمة، ما الذي قد يأخذ منحًى خاطئًا ويفسدها؟

في أولى أغاني الألبوم، أخبرتك كل شيء، تظهر شارون فان إيتن بعد انقطاع أربع سنوات منذ ألبومها الأخير، كشخص يضع قدمًا في الإندي والسِّنث بوب، قاطعةً نفس الخطوة التي قطعها كل مشهد الإندي روك والـ Singer / Songwriter خلال السنوات الماضية، دون أن تزيل قدمها الأخرى كليًا من صوت الفولك روك القديم الخاص بها. من المفهوم أن تتخوف شارون من مجاراة زملائها في المجال بدرجة من التسرع قد تفقدها صوتها الخاص، فتأتي الأغنية كـ بالاد بيانو بطيء أقحمت في خلفيته بعض أسطر السِّنث بشكل غير واثق. يحصل الشيء ذاته لأغنية ماليبو، التي تمنعها الألحان الميّالة للفولك من التحول لأغنية سِنث بوب ناضجة، فيما يشدّها التوزيع الغني بالسِنث والبيانو بعيدًا عن هذا الأسلوب القديم، لتبدو الأغنية عالقة في مكانٍ غريب وعاجزة عن إتمام التحول.

تبدأ هذه المشكلة بالتحلحل مع أغنية لا أحد من السهل محبته، حيث يفرض المنتج جون كوجلتون أسلوبه بثقة أكبر على التوزيع، ليستمد من خبرته في العمل مع ذ وور أون درجز ويبني أغنية ضخمة متعددة الطبقات. بين أسطر الكيبورد اللامعة وسولو الجيتار الشارِد الذي يأخذ مداه في النصف الثاني من الأغنية، بالكاد تجد شارون ما يكفي من المساحات الصوتية للغناء عبر تأثيرات تخدش جودة صوتها بشكل طفيف، وكأنها جيتار كهربائي ينزلق بسلاسة إلى الأوكتافات العالية في اللازمة، ثم ينسحب بسهولة مماثلة إلى الطبقات الوسطى فيما تعود الآلات للصدراة.

كلما نجحت شارون بالتخلي عن صوتها القديم كلما صب ذلك في صالح الألبوم. بإمكاننا سماع ذلك في أغنية كمباك كيد، العينة الأولى التي سبقت صدور الألبوم. يأخذ جون كوجلتون الأسطر التي ألفتها شارون إلى مكان آخر تمامًا، ليوزّعها على أصوات طبول بدينة وإيقاعات نحاسية معاصرة وسيول من السِنثات المحيطة وكيبوردات الهاموند أورجن وعينات مميزة وعالية الطاقة من البايس، بينما تغني شارون فان إيتن بصوت منطلق يحتل مساحة واسعة ومركزية من مزج الأغنية. يتقرب هذا الصوت السّنثي الضخم من الأرينا بوب / روك [Mtooltip description=” Arena Rock” /] في أغنية هاندز، التي تقدم فيها شارون أداءً غنائيًا قوي الحضور ومعتني بالتفاصيل في آن، مثبتةً أن أغاني السّنث روك الضخمة ليست مضطرة للتخلي عن التفاصيل لصالح الانفعالات المبالغ فيها.

في أغنية هاندز نفسها، يبدأ الألبوم بالاصطدام بحدود سِّنث جوبيتر ٤ الذي استُخدم في معظم الأغاني. رغم نجاح شارون وجون في استخراج أصوات سبايس روك صفيحية متذبذبة وأسطر مزاجية ليلية غامضة من هذا السِّنث، إلا أن قدراته تنتهي هنا، ويبدو قاصرًا عن كسر الكليشيهات وتقديم أصوات منعشة وحيوية عند مطالبته بأسطر إيقاعية ضخمة وغامرة. للمفارقة، تزداد محدودية هذا السّنث وضوحًا في أغنية جوبيتر ٤ المسماة تيمنًا به. تبدو الوصلات المتماوجة أحيانًا والفيدباكية أحيانًا أخرى، التي يطلقها هذا السِّنث على طول الأغنية، مألوفةً واستسهالية لدرجة باعثة على الضجر، بينما يغرِق جون كوجلتون صوت شارون بتأثيرات مشابهة للتي استخدمها مع آينجل أولسن سابقًا، لدرجة أن المستمع غير المركز قد يعتقد أن أولسن شاركت ببعض المقاطع في الألبوم خلال هذه الأغنية.

تهدِر شارون أفضل لحظاتها الغنائية في الألبوم وكلماتها الأكثر قدرةً على التأثير في أغنية سفنتين، حين تقتبس من أسلوب بروس سبرنجستين بلا أدنى تردد أو وجل، فيما يعجز جون كوجلتون عن إنقاذ آلة موسيقية واحدة من الرتابة طوال الأغنية، خاصةً الطبول التي بدت وكأن أحدهم كبس زر الإيقاعات المبرمجة على أحد الكيبوردات وتركها شغّالة. تدين أغنيتي مِموريال داي وستاي بالكثير للأسلوب المتأخر لفرقة ذ ستروكس، خاصةً أغانٍ مثل Chances وCall It Fate، حيث يهرس الريفرب صوت شارون إلى مناطق شبحية بعيدة، ليطوف بين الأصوات البرّاقة وأحيانًا غير اللحنية للسّنث، الذي استُخدم في بعض اللحظات كوحدة مؤثرات صوتية أكثر من آلة موسيقية. في المقابل، تحمل أغنية يو شادو آثارًا واضحة من ألبوم إتس بليتز الكلاسيكي لفرقة Yeah Yeah Yeahs، خاصةً أغنية ليتل شادو، حيث تشترك الاثنتان بألحان عذبة تحملها سِنثات وكيبوردات برَاقة ميّالة في بعض اللحظات للأورجن، فيما تقود شارون فان إيتن الأغنية بصوتٍ أكثر صفاءً وتحررًا من المؤثرات والفلاتر.

في الإندي والسِّنث روك على وجه التحديد، من الطبيعي أن ننتظر حتى السماع الخامس أو العاشر حتى يبدأ ألبوم ما بكشف ملامحه وتفاصيله التي تعزله عن ألبومات أخرى قد تبدو للوهلة الأولى شديدة الشبه. ما يكشفه ألبوم شارون فان إيتن مع تكرار السماعات على كل حال، هو معاناته في تحقيق استقلال مماثل. يجد الألبوم نفسه محاصرًا بكثرة الحركات الاستعادية والاقتباسية، وبتسرع شارون نحو الانتقال إلى السّنث قبل استعدادها الكامل له، وغياب الانسجام الذي يبرز بقوة في بعض اللحظات بين شارون وجون. صحيح أن شارون أهملت كل ما يرضي الجمهور وكتبت ألبومها لشخص واحد، لكن أن تتخذ هذه الخطوة عن استهتار لا عن كمالية، قد ينتهي بها الأمر بجمهور من شخص واحد بالفعل.

المزيـــد علــى معـــازف