.
يشهد الراب المصري هذا العام تحولًا مثيرًا من حيث دخول العديد من الرابرز والمنتجين في الدريل، تاركين أخيرًا التراب جانبًا. جاءت هذه اللحظة متأخرة قليلًا مقارنةً بالمشهد المغربي والفلسطيني مثلًا، إلا أن إقبال المشهد المصري عليها يأتي حماسيًا من حيث وفرة الإنتاج. كان خالد كاريكا (روسيا) من أوائل الرابرز الذين تبنوا الدريل، ليلحق به هذا العام كل من مروان بابلو وويجز وموسى سام في أغانٍ متفرقة، بالإضافة إلى الثناثي كاميكاظم وجلو في ألبوم بحر وإلى عدد من المنتجين شاركوا مؤخرًا في معركة الإنتاج لمولوتوف.
منذ عامين، وفي ظل تفجّر المشهد والتنافس العنيف بين الرابرز والسير على خطى آمنة حتى باتت الأغاني متشابهة إلى قدر كبير، ظهر فليكس خارج السرب بشخصية وأداء مثيرين للاهتمام. شاب صغير لا يأبه لشيء، جذب الأنظار إليه بمزيج أصلي من الأداء واللغة الشوارعية، والحس الساخر من جهة أخرى؛ معادلة خام. لا يهتم بشكله ولا نقاء صوته وبيتاته، معتمدًا على كليبّات (عصبي وكفاءة) ذات ميزانية منخفضة في وقت يلهث فيه الجميع وراء فيديوهات وإنتاج باذخَين. كان فليكس وقتها أكثر إقناعًا بالنسبة لي، والتصق سطره الأشهر “عصبي عصبي بلاش انا عشان حقل أدبي” بآذان الكثيرين، مداعبًا الدريل من بعيد.
في وسط زخم المشهد تصورت وقتها أنها تجربة لحظية وستنتهي، حتى فاجأنا فليكس بظهور ثاني أكثر قوة مما بدى عليه. في ألبومه القصير الأول، شياطين، يقفز فليكس بقوة نحو الدريل، الجنرا التي تناسب شخصيته بجدارة، متفوقًا إلى حد كبير على كل المحاولات السابقة على مستوى المشهد، ولا أرى مبالغة إن قلت على مستوى المنطقة. يظهر فليكس بأداء عنيف وواثق وبإتقان أكبر لقوافيه وفلوهاته.
لا يزال الطابع الخام غالبًا، حيث يتخلى عن المؤثرات الصوتية والإنتاج اللامع لسطوره، معتمدًا على طبقته العميقة وجودته المحشرجة، ما يزيد من صياعة أدائه. تكشف كلمات إحنا كدا عن ثيمة الألبوم ككل، الوعيد والشر والاستهزاء بالآخر، إضافةً إلى الخط الواثق والتباهي بالذات. تأتي الكلمات غير مألوفة ولا يكتفي فليكس بسردها، بل يتلاعب بشكل حرفي بقوافيه مثلما يظهر في الكورس، حيث يفاجئ الأذن عندما يكسر قافيته بسلاسة عند “فودو” ليخلق قافية داخلية في نفس السطر مع “عِشتوله” و”سِكّتكو” ومع السطر التالي مع “نَسِّتكو تصونوا” راجعًا من جديد في نهاية السطر إلى قافيته الأصلية:
اللي خدله شكة واللي خد بشرطة
واللي خد مغيب ادى لنفسه خبطة
واللي ابتدى بسنتي ومسكله ناصية
والكيف عِشتوله سِكّتكو الفودو
نَسِّتكو تصونوا مبقتش صافية
مبقاش معلم دا صيت أونطة
تعد إحنا كدا من أفضل أغاني الألبوم إنتاجيًا. يعتمد المنتج هيرو على صوت كورال متقطّع وإيقاع متشابك يرتكز على بايس عميق، متقنًا بيت اليو كاي دريل. يفسح البيت المجال لـ فليكس لركوبه بخفّة بفلوهات سريعة ونبرة صوت واضحة نستطيع من خلالها تمييز كل سطر. تظهر قدرة فليكس على ركوب البيت في كل أغاني الألبوم. واحدة من أفضل لحظاته عند انتقاله في أغنية غاغة من فلو أربع عدّات إلى فلو ثلاثي في المقطع الرابع، كما يلجأ إلى نفس الأسلوب بين أبيات المقطع الخامس عند “بنادق وشوم وكزالك”.
يعزز البيانو والوتريات بلحنهما الملحمي من أداء فليكس المتحفّز، لتستمر هذه العناصر معًا في خُط. بالرغم من تنوع المنتجين الثلاثة، مُصط وكاي أو وهيرو في أغاني الإصدار الأربعة، يظهر الصوت العام موحّدًا وعلى نفس الجودة، ما يخرج الألبوم بصورة متكاملة. يخلق فليكس قوافيًا داخلية وخارجية في كورس خُط مما يكسبه جاذبية خاصة تجعله يعلق في الأذن:
أشكالكو ضالة متجوش في كارنا متجيش معانا لا فوق
الحارس الله لو جيش قصادنا عشان احنا بغلّ بنشوط
سمعتنا واصلة حارقينكو شطة وحريمكو فينا بتدوب
باجي بدبّح الموت نشاطنا وأخوك فليكس من السوق
ينجح خالد إبراهيم بإمكانيات قليلة في إخراج شخصية فليكس في فيديو شياطين. يرصد الفيديو بلقطات الكاميرا السريعة والمشاهد المقطّعة مجموعة من الشباب المتحمس يمارسون يومهم في الشارع بملابس عادية، حيث لا توجد قرارات وتجهيزات مسبقة وأجواء لامعة، ما يضمن الجو الخام لـ فليكس. يحل الجيتار محل البيانو لكن يبقى التأثير الدرامي في شياطين. يشارك حُسَين فليكس في هذه الأغنية؛ يتنوع أسلوب حُسَين من أغنية لأخرى ولكن في شياطين يظهر بنبرة صوت جديدة عليه، لا يشوبها التكرار وتنسجم مع نبرة فليكس ليتوّجا الإصدار بهذه الأغنية.
افتقدتُ التلاعب بالكلمات في ألبوم فليكس الأول، وقد يكون ذلك أفضل ليدّخر ذلك في إصدار قادم له. يؤسس فليكس في شياطين أول إصدار دريل متكامل في المشهد المصري ليفتح المجال لرابرز آخرين للسير على خطواته. يملك فليكس مهارة رابر عفوية وأداء متفرّد، شوارعي وصايع، قادر على ضخ دم جديد في المشهد.