.
ألبوم كهذا يُفترض أن يكون مستحيلاً. مستحيل تقنيًا، لأنه يدمج الارتجالات التقليدية بالارتجالات الإلكترونية. ومستحيل عاطفيًا، لأنه يوحّد مشاعر متناقضة. كما أن هناك العديد من الأفخاخ التي غالبًا ما يقع فيها مشروع من هذا النوع، من كليشيهات التروما الشخصية إلى الالتجاء إلى المزج، لكن صوت، بمقاربته لفكرة التصميم التي يلمح إليها في العنوان، قد يكون الوحيد القادر على تخطي هذه المطبات والوصول إلى تعبير مغاير وأصلي.
بدأ ألبوم سايكرد هُرُر إن ديزاين كعمل مشترك متعدد الأوساط من تكليف مهرجان سي تي إم، بين عطا ابتكار (صوت) وطارق بري المعروف لعروضه البصرية الرقمية. كان عنوان الخوف الغضب الحب هو منطلق المشروع، حيث حاول ابتكار تناول تجارب طفولته عقب اندلاع الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩. الآن، وبعد أن عاش جزءًا كبيرًا من حياته بين ألمانيا والولايات المتحدة، استقر عطا ابتكار (من مواليد ١٩٧٢) مؤخرًا في طهران. لعطا ابتكار العديد من المحاولات الرائدة، وقد صدرت ألبوماته السابقة عبر شركات مهمة في الموسيقى الإلكترونية الحديثة مثل تسجيلات وارب ومورفين وجي ستيل وريبيتش وساب روزا. تناول ابتكار في ألبوماته السابقة بشكلٍ عام مفهوم موسيقى التكنو وما بعد التكنو هكذا توصف أعمال عطا ابتكار وآخرين مثل Aphex Twin وautechre، يدمج تحت عنوان Intelligent Dance Music وهو وصف يرفضه الكثيرون، كما أنه من خلال مشاريع مثل أورنمنتالزم ودستگاه وبيرشيان إلكترونيك ميوزيك ١٩٦٦ – ٢٠٠٦، والذي تعاون فيه مع عليرضا مشايخي، أحد مؤسسي الموسيقى الإلكترونية في إيران، استطاع أن يرسّخ اسمه بين المجددين في الموسيقى الإلكترونية الحديثة على مستوى إيران والعالم.
في أول خمس مقطوعات من الألبوم نجد دمجًا بين العزف المرتجل على آلتي السه تار (بعزف بهروز پاشایی) والسنطور (بعزف آرش بلوري) وبين المعالجة الصوتية الإلكترونية (عطا ابتكار). أما المقطوعة السادسة والأخيرة، فقد سجلها ابتكار أثناء إقامة فنية في مؤسسة إي إم إس في ستوكهولم الاستوديو معروف باحتضانه الكثير من الفنانين الصاعدين، أقامت فيه مؤخرًا ندى الشاذلي وموريس لوقا عام ٢٠١٦، باستعمال نظام السِّنثسايزر الخاص بالمؤسسة من تصنيع سيرج سستمز. ما يميز أعمال ابتكار هو فكرة التصميم من حيث البنية التأليفية والأدائية، والتي توصل إليها ابتكار من خلال تجريد موسيقى التكنو من آلات الإيقاع كما هو الحال مع توجه ألبومه آركيتكتونيك (٢٠١٥). يترتب على هذا التفريغ من آلات الإيقاع إبراز البنية التصميمية الخفية التي تميز أسلوب عطا، والتي يشير إليها من خلال مداخلاته الإلكترونية، حيث يستعمل التأثيرات والأصوات الإلكترونية في لحظات معينة وليس باستمرار. إيماءاته إلى موطنه عبر الآلات التقليدية ومن ثم إدخال المعالجات الإلكترونية لتعكس علاقته المعقدة بذكريات الطفولة وتجاربه في الهجرة أيضًا تضيف إلى تنوع محاور المشروع الوجدانية بين الخوف والغضب والحب. مع دخول المقطوعة الأخيرة – هولي إرُر – والتي تخلو من أي أثر للموسيقى والآلات الإيرانية، نجد أنه يكشف لنا أخيرًا عن ذاته بكل ما تشمله من خوف وغضب وحب، لأنه يأتي بالإلكترونيات البحتة التي تمثله أفضل من الآلات (وفي نفس الوقت توضح لنا أهمية غياب الآلات المصاحبة في المقطوعات الأخرى). التحولات الشديدة في نبرة الموسيقى على مدى المقطوعة تظهر لنا تباينًا وجدانيًا وسرديًا مثيرًا.
يتدفق الألبوم – عدا مقطوعته الأخيرة – عبر لغة ارتجال الأوتار المعدنية المترنحة بين طبيعتها وبين تفعيلات إلكترونية كامنة وخارجة في الآن نفسه. القوة الحقيقية لعلاقة ثلاثية السه تار والسنطور والإلكترونيات (وهنا أيضًا نجد تصميمًا ثلاثيًا من ناحية تركيبة الآلات) في هذا المشروع هي في نفسية الأداء وتحولاتها المستمرة، وهذه النفسية لا تبرز إلا من خلال وضع هيكل ارتجالي (السنطور) في هيكلٍ ثانٍ (السه تار) ومن ثم في ثالث (الإلكتروني). تداخل التصاميم الثلاثية المركبة موسيقيًا يسمح بصدم المستمع من ناحية أخرى كلما استمع إليها مجددًا. الموسيقى تبدو دائمة التحول حتى بعد السماع إليها مرات عديدة، وهذه الخاصية هي على ما يبدو نتيجة لتصميم بنية العمل الذي بدأ كمشروعٍ يؤدى حيّاً، ولا شك بأن العرض البصري الرقمي الذي قدمه طارق بري للمشروع إلى جانب الموسيقيين الثلاث هو جزء أساسي من التصميم المركب للمشروع. بالرغم من غياب تلك البصريات في الألبوم المسجل، إلا أنها حتمًا قد أضافت إلى تجربة إعداد العمل.
من خلال التأمل في الألبوم – والذي قد يكون من أهم إصدارات ٢٠١٧ في الموسيقى الإلكترونية الحديثة – من الممكن استنتاج أن معالجة حالات ارتجالية بين الموسيقى التراثية والإلكترونية من خلال التصميم كما هو مشار إليه في عنوان الألبوم، قد تكون انطلاقة لحوارات جديدة في الموسيقى التي تدمج المدارس الموسيقية المختلفة. هذا الرعب المقدس المتموضع في التصميم، كما يشير لنا عنوان الألبوم أيضاً، وفي نفسية سرد المشروع ككل، ينجح في الظهورعبر تصاميم عطا ابتكار، والتي تستحق أن تُسمع بانتباه وتأنّ مرةً تلو الأخرى تلو الأخرى. بنى عطا ابتكار لغته الموسيقية من خلال معالجة الخوف والغضب والحب عبر تصميم إيقاعي خفي سيكون بداية مهمة لموسيقى الغد – الأمس.