fbpx .

ضمير الخنوثة وعراء الآلهة في حنجرة محمد عبده

أحمد الواصل ۲۰۱۳/۰۳/۲٦

العناصر الثقافيّة لشخصيّة محمد عبده الفنيّة

يحمل اسم محمد عبده، ما بين حظوظه في تكاثر الميم وثنائية الدال في الاسمين، دلالة تنافر طبقي واضحة: وهو خلوها من (ال) الدارجة والمهمّة للارتقاء الاجتماعي أو لمعياره الرفيع. وإن كانت المعاوضة المنطقية تتّسم ببركة الاسم دينيّاً، لكونه يحيل إلى اسم النبي محمد، وهي صفة غالبة، حمداً وتحميداً، إلا أن الصيغة الوصفية والرمزية تتحول في معانيها إلى ما هو أبعد.

أنجزت عدّة عناصر الشخصيّة الفنيّة لعبده: العنصر الطبقي المحكوم بالمكوَّن الإثنيالعرقي، وتميز المهنةالعمل في ارتقاء تحكمه نوعية النخبة المستمعة التي منها فصيل الشعراء، ذوي السمو والملكية أو الشخصية الثقافيّة والأدبيّة، والنجاح الفني المرتبط بمعايير الذوق والتوزيع. إضافة إلى المنافذ الإعلامية المسخَّرة خصيصاً. لتظهر شخصيته الفنيّة بهذا الطابع الثقافي الملتبس بالإيديولوجي. وهذا ما تطلعنا إلى تحليله سابقاً (*).

لكن المبتغى الآن في تلمّس صيغة العلاقة الاجتماعيّة ما بين هذا الفنان والجمهور. فحين تتّسم معادلات اللعنة والشهوة، والألوهيّة والكهنوتيّة بالداعم الأساسي لمعاوضة تاريخية ومقايضة احتيالية، وهي معتلة بالإفراغ والتشظي.

أبرز تلك الإفراغات الدلالية، وإن حافظت على أطراف المعنى، موبوءة بتلك التنافرات والتخالفات: إذ هي متبديّة بحسب تعبير مثل نجدي: “بُقْشَة دلالةولفَّافة الضايع” (1)، وهذا منعكس في قَصِّ ولَزْقِ أصداء لحنيّة مختلفة ومتخالفة، منزوعة التعبير والدلالة، لا تتعدّى حدود التبرّج السطحي والقابل للميوعة. ونرى ذلك في حالتين: الاعتماد على جمل لحنيّة كاملة، مثل:أيُّوه (شعر: خالد الفيصل)، مأخوذة منالصّبا والجمال” (شعر: الأخطل الصغير) لمحمد عبد الوهَّاب (1902-1992)، أولو وفيت” (شعر: خالد الفيصل) من الموشح الأندلسيأيّها الساقي” (ابن زهر) ذو المزاج اللحني العربيالعبري الذي أداه عبد اللطيف الكويتي (1904-1975) منذ الأربعينيّات. (سجّلته فاديا طنب الحاج لاحقاً مع فرقة سربند).

ومن جهة أخرى تمثّل الألوان كاملة من بيئاتها الخاصة، كغنائه سامريّة: “يا بوفهد، واعتبارها من التراث بينما هي للشاعر والمغني الكويتي عبد العزيز المعتوق البصري (1915-2006) شعراً ولحناً. أويا حبيبي حكمت، واعتبارها من التراث أيضاً بينما هي للشاعر والمغني عبد الله فضالة (1900-1967) شعراً ولحناً. وهناك ألوان حجازيّة ويمنيّة نسبها لنفسه أو امتنع نسبتها لغيره، خارج معنى السَّطْو والسرقة، أو التأثر والتَّلْمَذة، بل هو التعبير عن هذه الصيغة الجدَّاوية، الموفورة العناصر والممتنعة التفاعل، والتي تماهى معها عبده ويخلص في أن يكون صورة عنها، بقصد أو بدونه ممثلة حالة الاستحواذ العَبْدَويِّ تبعاً لخاصية المَحْو والإتلاف (2).

كيف تتلف شخصيّة عبده ما قبلها: أنشودة المطر نموذجاً

نلاحظ تجلّياً آخر لخاصيّة المحو والإتلاف عند عبده في عمل مثلأنشودة المطر-1993″ (شعر: بدر شاكر السيَّاب) الذي أعدّ لحناً لبعض أسطر شعرية (عطّلت دلالاتها) وضعها في قالب غنائي لم يكن بعيداً عن الأشكال الغنائية النافرة والخالفة، في نماذج لا هوية لها ولا صورة، كأعماله: “أرفض المسافةأوخطاأوصوتك يناديني“. وهي الكاشفة حدوداً عدم تجاوزها حماية لمناعة ستنهار بمجرد الاصطدام بفرضيّة التجريب واختبار ثقافة مغلقة ويابسة لم تتعرض للهواء والماء وبقيت ملتصقة بماء وتراب مخصوصين بها يحومان حول مكاسب ثقافيّة مترحلة.



إنه تراب جدّة، الذي أخضع حواء أنوثةً ورحومةً (من رَحِم)، وأمومةً مفتتاً مجلس الآلهة الحجازي: اللات والعزى ومناة في أبعاده الخنوثية؛ حيث اللات مذكراً والعزى مؤنثاً ومناة ذات خنوثة، ليبقى في أندراس سوسيولوجيا كولاجية (علم اجتماع القص واللزق). لكن الغناء سيكون عن العراق والخليج، عن الجوع والمحار، الحلمة والردى.

فما الداعي الذي جعل محمد عبده يغني من قصيدة ملحمية الطابع وطافحة بالدلالات الأسطوريّة والتاريخيّة والإبداعيّة، التي تغازل خيوطاً في السياسة والدين، والمجتمع والفرد؟

يركّز مدى التحليل على مواجهة عبده لهذا النص الذي لا بد من يجرى عليه رقابةفقه التطهير،ليُلحّن ويُغنّى، بالشروط الثقافية العَبْدَويَّة.

يشير اختفاء جمل شعرية سابقة لمقطع اختاره أو متممّة له أو موضحة من نوعية: “كأن صياداً حزيناً يجمع الشباك/ ويلعن المياه والقدر، أووكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع/ بلا انتهاءكالدم المراق، كالجياع، أوما مرّ عام والعراق ليس فيه جوع” (3)، تشير إلى توحي به بقية الأسطر الشعريّة واللحنيّة المصاحبة. لذا فإن أبرز ما تركزت عليه أغنية: “أنشودة المطرلعبده،هو نزع حالة خصوبة التراجيديا السيَّابيّة، واستبدالها بحالة تجريديّة عَبْدَويَّة. فكان أبرز ما فيها تلك التجريديّة في أول صورة شعرية: “عَيْناكِ غَابَتَا نخيْلٍ (..)”، ومشهد الطفل فاقد أمه، واستعادة الخطاب الافتتاحي إلى المكانالعراق: “أتَعْلَمِيْنَ أيَّ حُزْنٍ..”، حتى مشهد الاستبشار الذي يبدأ بـوَمُقْلَتَاكِ بي تَطِيْفَانِ..” مخاطباً الخليج والمستقبل (4).

إذا ما كنا لا نغفل، سنة تلحين وغناء القصيدة، واستعراض القليل من وجود قصائد مغناة في أرشيف محمد عبده، ومستوى وقيمة ألحانه، فهو ما يجعل الأسئلة قبل أن تتوالى توجب حكماً مبدئياً. لكن قراءة النص الشعري المغنى، هي مفتاح للحثّ على غياب وتعطيل الدلالة من خلال مشهد الطفل والخليج الذي ندفع إحالته إلى الشباب المحبط جنسانيّاً وجنسيّاً والثروة المبددة في سقوط حضاري.

ورغم أن رسم المشهد الطفولي، عن طفل يخفى عنه خبر وفاة أمه، وبنفس الوقت مراعاة ترتيب القصيدة الجديد لتوجيه الخطاب إلى مؤنث، يوهم بأنه امرأة فقط، من خلال الضمائر المتصلة: عيناكِ/ أتعلمين/مقلتاكِ. إلا أن هذا الخطاب يتصاعد نحو معادلات طبيعة: ،الأم والوطن، المرأة والمدينة، فهي غابت فيما اختاره محمد عبده. وحتى وإن كانت ماثلة في النص كاملاً، إنما تعبر من خلال توجيه الخطاب إلى المؤنث مفارق عن الحبيبة والمعشوقة إلى الأم، لهو رغبة في الأم التي يغلب حنوها على قوتها، بدلاً من الأب ذي البأس المَحْض، وحنين إلى طمأنينة الماضي الذهبي المرشّح دائماً للبعث بدل الحاضر السلطوي العاري (5)، وهو بدوره يكرّس غياباً للضمير الخنثوي الذي يدين الله، بعد إخصاءه، بسبب عقمه.

جعلت محاولة عارية من الجديّة والعمق الحضاري، في قلب التراث المخصوص ببيئة اجتماعيّة، من محمد عبده، يدخل غابة غير مأمونة في منابع الغناء الخليجي؛ وهو الغناء البحري الذي تضرب جذوره حتى العهد السومري (26) ليستلهم، بالتداعي اللحني، عبر الكورس، صيحة عُمَّال البحر: “يا الله..” في غناء النهمات (الموالات البحرية) من شعر المويلي والزهيري (الموال البغدادي في الشام والسباعي في مصر)، عند ترداد مقطع:

أصيْحُ بالخَلِيْج

الكورس: يا الله

يا واهِبَ اللُّؤلُؤِ،

والمحَار والرَّدَى“.

تنسحب هذه الرؤيّة الطفوليّة نحو أمومة مفقودة برسم سلطة وجبروت أبوي، على رؤية المكان وصيغه من جغرافيا إلى المدينة إلى الوطن، وكل موروث ثقافي ينتج عنه معبر بمدى اتصال من ينتمي إليه، بالمعايشة والمشترك الثقافي ذاته. فمدينة مثل جدة، تضمّ أشتاتاً من الإثنيات الفاقدة جذور اتصالها، والتي تبقي على تكيّف معصوب أو مضغوط في تنافر وتخالف بات سمة تعطي المكان وأهله ملامحهم وثقافة تأخذ من كل شيء نتفة فيما لا تنتج صوتها ولا ملامحها، فهي متعرضة للضخ الموسمي إثنيّاً كل موسم حج وعمرة بعيد الأضحية أو صوم رمضان وعيده. وما دامت مكة والمدينة تحملان إرث المقدّس، بعدما أزيح المدنس الذي رضي بالبقاء في جدة، وتمثّل كما قلنا بتلك الطقوسيّة منزوعة الدلالات عند عبده، ومعادلات الكينونة المغلفة على طريقة المثل: الجود من الموجود، فهي تبقي حالة المغني وروَّاد مسرحه في استلاب ذاكرة لصورة معاوضة عن الكهنة وحجيج الكعبة، صورة الإله ود، إله الحب والجنس الثمودي (7). حيث نرى بقاء رُوَّاد ذكور يصيحون ويصفقون، يرقصون ويهتاجون، فيما تختفي العذارى، فلا دوار ولا إليات تصطكُّ (8). فهو إله مثليّة مكبوتة ومجروحة بألسنة الأنبياء ذوي الشبق بمتعة الفرج والكأس، والكهنة محبوسي الشهوة نحو الصولجان والغلمان، حين تعود أغنية جديدة لمحمد عبده، تتحدث عن الأماكن، بتجريد معدوم الدلالة، فلا تصحو اللات في الطائف ولا العزى في عرفات حيث تغدو الشهوات ذكرى تتبدد:

كل شي حولي يذكِّرني بشي/ حتى صوتي وضحكتي فيها شي

لو تغيب الدينا عمرك ما تغيب/ شوف حالي من تطري علي

فيما لو رأينا نصاً آخر كتبه محمد حمزة وبليغ حمدي لعبد الحليم حافظ يتحدث عن موضوعة المكان الراشح منها حس المثلية المكبوت الذي ظل حافظ يخفيه ويتعاون معه الآخرون عليه:

وفْضِلْت مِسْتنِّي بآمالي ومالي البيت

بالورد، بالشوق، بالحب، بالأغاني

بشَمْع قايد بأحْلَى كِلْمَةْ فوق لساني

كان دَهْ حالي يا حبيبي لمَّا جيت

وإذا كانت علامات الكبت الجنسيالمثلي حاضرة بين أغنيات مشفرة لحافظ، من مثل: “جبَّارأوحبَّكْ نار” (9)، فلا تلغى الدلالة بحكم استئناء كلمة وحيدة تفك الشفرة أو تدفع مضمرها إلى السطح، بينما تغيب تماماً في أغنية محمد عبده: “الأماكن-2006″ (شعر منصور البلوي) دلالة الأمكنة المقصودة: البيت أو الغرفة أو المقهى أو السيَّارة (10)، ينشغل نص الأغنية في حالة تعويم عاطفي لخطاب يجمع التعبير عن الذكر والأنثى، صادرة عن كائن مفارق متعال على الجنس، يرعى ولا ينام، ترد إلى انسجام نقي وفرودس مفقود يلفان أطفالاً ذاهبة إلى أسرَّتِها(11). صورة شبحية لأبويّة وأخويّة مثليّة تتلذّذ بالحرام وتبطن آلامه وتمسخ صوفيَّته:

المشاعر في غيابك/ ذاب فيها كِلِّ صوت

والليالي من عذابك/ عذَّبتْ فيني السكوت

هذه الحالة الطَّقْسيَّة منزوعة الدلالة إلا من ذاكرة ماضويّة لأدلجة التاريخ وتديينه، وإلغاء سيرورة التراكمية في تجربة الشعوب. حيث الطقس تكرار نمطي مغلق لنشاط العقم وعقدة الذنب إزاء مفهوم النسب والسلالة، بغرض استجلاب لأثر سحري معجز (12). فالإله المقَّة، إله القمر اليمني، مَخْصِيٌّ رمزيّاً برغم وفوده إلى الحجاز متخذاً موقعه على الكعبة مراقباً القمر والنجوم (13). وربما ذلك عن تحوُّل انحرافي للدين والتاريخ (14)، فهو يعبر عن حال حب وجنس معقَّمين، ومقموعين. كذلك الكاهن الذي ما عاد وسيطاً مباشراً، بل هو كائن حائر ومعذَّب، وما طاقم الخُدَّام (فرقة العازفين) إلا امتداد لعذاب ولوعة الحنجرة، والجسد الملفوف بالضوابط. وتتسرَّب حالات فوضى غرائزية، من وفود الحجيج (يمثلهم رُوَّاد الحفلة الذكور دائماً) في استجابة هياجية من الرقص والصِّيَاح، التَّلْويح بالغُتَر والشُّمْغ أو التلثم بها، إشارة إلى فرصة العراء الممكنة بالتخلُّص منها (15) في حضرة احتفالية (16)، ورفع الأيدي رقصاً وثَنْي الرُّكَب توقيعاً، وهَزَّاً لأكياس الصَّفَن وتفريج الفحولة التي بات يُشكُّ في معيار سلوكها الرجولي وأرشيفها الذي بقي يدفع ثمن نهب الدور الأنثوي والتحرُّق عليه، والفائض الفحولي والتمزُّق به، فينتهي كل شيء كما بدأ في فراغ يلتذُّ في استجدائه عدمياً.

دراما الفوضى وطواف الموتى

تغدو أغنيات الضمير الأنثوي الموجه إليه في أرشيف محمد عبده: “كُلِّكْ نظَرْ،محتاج لها،إنتي وأنا، تغرف من ريبة الدلالة وفراغها لكونها تحطب مسافات الأنثوي والفحولي بقدر ما توهم أن حريقها يضيء الدور بين هذا وذاك، بل دخانها يرين عليها فلا هذا ولا ذاك. وموضوع الذكرى الحادة في آلامها وعذاباتها هي ما تبقى من تقيُّح ونزيف خصاء الله ليسع عملية جراحية لإلصاق بناتهكما يذكر النص القرآني-: اللات والعُزَّى ومناة، أو هو توجُّد الذاكرة المجروحة إلى الثالوث الإلهي المغدور في صورة إساف (الصفا)، ونائلة (المَرْوَة)، وهُبَل أي: صورة العائلة المقدسة في ثالوثها القمري: المرأة بدمها، والرجل بمنيه، والإله بروحه (17). وهذا ما يمكن قراءته رمزيّاً، ولو بشق نقدي متجاوز بالطبع، في أغنيتَيْ: “البرواز-1993″ (شعر:عبد الرحمن بن مساعد)، وإنتي نسيتي-1997″.

تكشف لنا أغنية: “البرواز-1993″ التي أعقبت قرار الاعتزال الذي قام به محمد عبده فجأة عام 1989 حتى عام1997 (38)، أنها تعمل على تحوّل في مسيرة هذا المغني التي توضّح الكيفيّة الإجرائيّة وراء التعامل مع الموضوعات الثقافيّة في بعديها النفسي والاجتماعي ضمن البعد الجمالي والفني، حيث نرى في هذه الأغنيةأي: البروازإحالة واضحة إلى موضوع الفراق من خلال تفريع طال أجزاء (أو مقاطع) الأغنية ثالوثيّاً: الذكرى (قلتِ لي إنس..)، الخيانة (أتعبت الصورة..)، والوحدة (حبيبتي لأجل أنسى..)، مما يوحي بمستوى مضمر إلى إحالات مزدوجة: الذكرى (النفس)، والخيانة (الجسد) والوحدة (الروح). 

ونعرف علاقة الروح والنفس بالجانب الألوهي والجسد بالجانب البشري وحالة الفراق التي تجسد انفصال السماويالألوهي عن الأرضيالبشري، ونرى انقطاع وبتر الذكوري عن الأنوثي وحالة الكمال الخنوثي تعاني خصاءً عقماً أنثويّاً وذكوريّاً، فإن موضوع الفراق (أو فراق الحبيبة) هي غطاء للعزل الجنوسي في الذهنيّة الثقافيّة للمجتمع السعودي، حيث يمثل عنصر تكويني بمستوى غائر يتمظهر عبر الغدر الإيديولوجي بالقوامة الميثولوجيّة لأي مجتمع يعرف الحاضر عتبة للمستقبل عبر تحولات تراكميّة، وليس عبر حالة قطع وبتر توهم أن تجاهل الماضي يكون سبباً مباشراً لحفظ الحاضر كما ينبغي، فيما يطغى عليه استعادة أقوى من نسيانه لانعدام تراكم التجربة.

ما نراه في عنوان الأغنية: البرواز، ضبط للكلمة الفارسية الأصل في معناها اللغوي: طيران أو وثوب أو قفز ومعناها الاصطلاحي: الأخشاب التي تعلق عليها ستارة من القش (19). فيما راح المعنى العربي الذي نقله النجارون الإيرانيون فصار في دائرة المصطلح عليه: الكفاف أو الإطار لكل ما يحيط بالشيء فيمسكه أو يزيّنه (40). ونلحظ في المقطع المحوري داخل الأغنية ضمن مقطعها الثاني يجسد حالة التشيؤ في كون العناصر الألوهية والبشرية استحالت خشباً:

وصورتك اللي سْجَنتْ (بروزاها) طول السنين

كانت جسد و(بروازها) الروح

ويوم نْزَعَتْ منه الجسد تجرَّحت أطرافها

وبجروحها راحت لمين؟

لـ(بروازها) الثاني..

مسكين بيسجنك ويبقى سجين“.

تتعقّد الصورة بقدر ما تكشف عن ضيق مدى الدلالة المجازيّة وانحصارها لتقلّص المتاح الثقافي من الرموز في أبعاده الجنوسيّة، فكأن الخيانة أصل في الحب والوفاء مستحيل ما يحيلنا إلى جذور مستحيلات الثقافة العربيّة: العنقاء والغول والخل الوفي. ومنها نرى أن نزع الجسدانيّة وشهواتها أو رغباتها أوقع الآخر المؤنث بصورة من الواحد المذكر، حيث تم تشويه حالتين بخلط عشوائي بينهما: وفاء الصديق خِلاً وخلود الحب وفياً دون عاذل أو مشروع عائق مؤجّل ومهدّد دوماً.

هل هذا إعلان يائس لإنسان الجزيرة العربيّة بفقده بوصلة القيم بين الطبع والسلوك؟

لا تكتفي الأغنية في رشح حالة التشيؤ معلنة تفوق الجمادي (الخشب) على الحيوي (الجسد والروح)، بل تعلن عبر مقطعها الثالث حالة النهاية بعنف يهجس بالموت والانتحار عبر ثلاثيّة: الجرح والدمع والظمأ:

حبيبتي لأجل أنسى جرحك

واستريح، ببكي

وبعد البكا ببكي،

وأكيد في لحظة بتجي وبيجف دمعي

وعندها صورتك اللي في عيوني

بتعاف برواز الظما

بتصير صحرا وهو سما

بتمرني الدمعة الأخيرة.

تاخذ معاها صورتِك وتطيح

وكني بهالدمعة سِكِّين جرحها وجهي.

وكني بالمسافة تطول ما بين عيني ودمعتي وخدي

وكني بقلبي الحاير المسكين نبضه يقول:

لا تودِّع الفرقَةْ

الدمع ما يرقى

وعندها لا نِزْلَت الدَّمْعة من الجرح الأخير

وفارقت وجهي أنا بغمِّض عيوني وأكسِّر البرواز

وأكيد أبنسى

نلحظ هنا حالة الانفعال المسطّح في استخدام إيقاع رباعي (المقسوم) والعربي (العدني)، ثم حالة الصراخ (علوّ الطبقة) تعبيراً عن أنين بات يصمّ الأذن والعاطفة بالنزف والقيح الرمزيين بين مشاعر متضاربة سوداويّة مسقطة على شخصيّة عاشق انتحاري لا يرى في ما تبقى لهتحت سوء الاختيار والتقديرسوى ثلاثيّة: الجرح والدمع والظمأ. وحتى لحظة ضرب الزمن اللغوي بين تأكيد أمر مستقبلي في جملة الختام: وأكيد أبنسى، لا يوحي حرف (الباء) معادل لاحقة المستقبل (س/ سوف) بغير انفجار لجفاف يدفع العاشق إلى الموت بعد موت عشقه. ولا يتم النسيان، بل توهمه عندما تستحيل الدمعة سكيناً والوحدة وحشة تقلق فتدفع هاجس العنف نحو كسر هذا البرواز انتقاماً لا يعدو أن يكون تنفيساً مؤقتاً في (صحراء) انتظار نهاية لا تأتي لعيون لا (سماء) لها، بل ستبقى معلَّقة بالموت. وهذا ما ينقلنا نحو تطهّر من المؤنث، أو التكامل الجنوسي في خنوثة مجروحة ومدماة ذات قيح ودمامل ثقافيّة تصلنا بأغنية: “إنتِ نسيتِالتي توهم في طبقتها الظاهريّة معنويّاً حالة الفراق وتعذر لقاء المؤنث بالمذكَّر، للجروح والندم، للشقاء والقسوة نتاج تلك العمليّة الجراحيّة القديمة أخلاقيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً:

حتى لو كنتِ السنين/ اللي راحت/ مَقْدَرْ أنا أحبك

حتى لو كنتِ الحنين/ اللي فْجِراحك/ مَقْدَرْ أنا قُرْبك

إنتي نسيتِ/ وكيف أنا بنسى؟

إنتي نسيتِ/ وكيف أنا ما أقسى؟

يا صدى من غير صوت/ ما بَهْ حياة من غير موت

وفي مقطعها الثاني يعبّر عن مخاوف الكتابة/ الذاكرة، وأزمة الأدلة/ وغيابها:

لو تدرين وش أنا منه خايف؟

إنُّوْ باقي لِكْ من الذكرى حسايف

أخاف شوق الألم/ أخاف ذكرى القلم

أخاف، يحكي السطر والورَقْ

أخاف، يشكي الشقا والأرَقْ

يا صدى من غير صوت/ما بَهْ حياة من غير موت“.

ولكن الذي يعزِّز ما نراه من عملية جراحية تواجهها الذاكرة في سفح دمائها ونواح بلا برء هو المقطع الثالث الذي يفصد ذلك الاحتقان بصديد ماضوي تحبسه الذاكرة في شرايينها منوءة به:

يا ذكرى الصحاري والجفاف

يا يأسي اللي باقي واللي طاف

ما عاد شي يربطني فيك/ غير الشقا إن كان يرضيك

حتى السنين اللي عطت/ حتى الدموع اللي بقت

صارت تخاف/ يا صدى“.

إذ يغدو ختام الأغنية مسرحاً لاستعلاء نشوة الاستضحاء (المازوشيّة) بقبول الألم واستزادته عبر انعكاس ثقافي زاخر بدلالات تقف على حدود مزدوجة في توالدها: الصحراء والجفاف إزاء اليأس اللامنتهي والحرمان، الارتباط والعاطفة إزاء الشقاء والرضى، وصولاً إلى عبثية الجنوسة الآيديولوجيّة بفحولة مؤجَّلة وأنوثة معطَّلة في صورة خنوثة مبدلة وإله مخصي. ويصل عبر ذورةالعراء الثقافي، عندما يتعطّل البعد التمثيلي (الدرامي) اللحني، وهو بعد حضاري مدني، داخل غرائزيّة الطرب الانفجاعي، مفجوعاً بالخوف الوافر إزاء السنين وعطائها، والدموع وبقائها، ولا يبقى سوى ذلك الرنين المُضْطَرب لجملتي النداء، في تقريريّة إنشائها بين نفي وتساؤل، بما هو موجَّه للبعيد ويفيد التحسُّر: “يا صدى من غير صوت/ ما بَهْ حياة من غير موت“. لتستدعي معنى تفسيريّاً لهذه الحالة: كأنها صدًى من غير صوت، ثم تلحق حكمة ذات جملة تعتمد القصر الإضافي بين صفتين تحملان حقيقة: لا حياة من غير موت. وهذه الصفة لأمرين قدريين هما ما يهدد هذه الذاكرة التي حين تفقد وجودها واعترافها بذاتها جراء تجربة فشل في تحقيق فردانية مثلى. بالتالي هو فقد للتوازن بين المجموعة والفرد، شبيه بمعضلة الضبط الاجتماعي التي تنسل منها الفردية غير المتحققة حضارياً قدر ما هو متمثل في اغترابها الدائم، فماذا لو كانت جملة النداء على هذه الصيغة: يا صدى بلا صوت..يا حياة بلا موت.

تم ابتذال هذا الرنين الرومانسي تماماً في نص كتبه مساعد الرشيدي (21)، ولا عاد يحمل سوى اختزال لرومانسيّة الصحراء: وهو يتقاطع بالتحسّر الصحراوي الاستشراقي عند رحلات الجزيرة العربيّة الذين وقفوا بين منفى الأمكنة واغتراب الأنفس ليستعيدوا الرنين التوراتي للمنفى الإبراهيمي عن الصحراء مثل: ويلفرد ثيسغير الذي كان يهرب من نفسه إليها (22). فلطالما جاء ليذكِّرنا بمن كان يرنّ عنيفاً في إبداعه عبر نداءات تفيض على التحسُّر باليأس ذي المأسويّة، والانجراح الجوَّاني حيث استعاده النص في ذاكرته السلفية إلى صوت إبراهيم ناجي صارخاً في برية أطلاله التي ظل ينشدها وحده، ولا من أحد سواه:

يا حياةَ اليائِسِ المُنْفَرِدِ/ يا يَباباً ما بهِ مِنْ أحَدِ

يا قِفاراً لافحَاتٍ ما بها مِنْ نَجيٍّ،يا سُكُوْنَ الأبَدِ” (23)

ليست هذه الاستعادة، عند عبده، جماليّة وإبداعيّة، بل ذات حمولات نفسيّة واجتماعيّة تؤكّد بقاء هذه الذاكرة في سلوكها بينالمحو والإتلاف، والذي يعود بها إلى طفولاتها القديمة المتكررة حيث تكشفت خدعة الأحلام وتطلعات المجتمعات العربيّة بالإحباط والتوهّم، مفزوعة بكوابيس متواصلة من اليأس والجنون (24). وحالة انفصام نتيجة ازدواج حفر في قاع التجربة النفسيّة والاجتماعيّة معاً في أظلتها الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة، وقبلها كلها السقوف الدينيّة. وهذا ما انعكس على حقول ومجلات عدة تتصل بالطابع والسلوك مسطحين: مذكر ومؤنث، أو مفرغين: “خنوثة التغليببين إظهار المذكر وتبطين المؤنث، وهو ابتعاد عن وعي بالنفس والجسد في وضعهم ضمن مشروطيّة الضبط الاجتماعي وقوالبه الشخصية وميوله الجنسية. ولكنه مدى ثقافي يتصل بالطبع بالجنوسي وسلوكه المكتسب عندما يتمَّ تكريس دوره النفسي والاجتماعي. وهذا ما يفارق الفن والأدب في أصواتهما وتمثيلاتهما متخيّلة وعيانيّة، ولذا يبقى النداء عالياً بأوجاعه وعذاباته المكتومة في أمراضها، وتبطن أنيناً طويلاً

ولعلنا نذكر في نص أغنية: “جمرة غضىالذي كشف إعادة كتابة وحذف من محمد عبده على نص بدر بن عبد المحسن، واستبقاء صيغ نداء وإضافة مقطع على نسقها لتكرار غنائي يَفُجُّ التلوين الدرامي، في المقطع النهائي من النص والأغنية نفسيهما:

يا أوَّل الحب/ شفتك أنا مرة،

[ يا أعذب الحب/عشتك أنا مرة ] (25)

واهديت لك قلب/ وردِّيت لي جمرة“.

لعبة النداء البلاغيّة هي اشتباه كلامي بين رنين بقاء الكلمة تقفية، ونشوز المعنى في بناء تأذى لرسم صورة تبددت عناصرها وتفتت مقاصدها، مثلما فقد الجسد جنوسته كذلك فقد صورته ومجازه. وهذا خلل عن كسر دورة الدم لا فوضاها المستديمة، وضلال هدف الموسيقى بدلاً عن الفصاحة والوئام إلى متعة غير معقولة (26). لكنها مبرّرة في قراءة محتملة كما فعلنا، ما بين الاستجداء العدمي والاستضحاء الطقوسي لإضمار خنوثة وخصاء الله.

لا تخفى عن هذه الحالة صورة المازوشيّة العُلْيَا في قبول التعرض لآلام الليل والصمت، واستعادة الصوت الحجازيالعسيري المنسي في ظلال قوية توحي بها أغنية قديمة، لكنها باتت صورة حقيقة تعبر عن حس (جدَّاوي) خالص يتعرَّى من كل الفسيفساء والمنمنمات الجداوية في ملامحها الغائصة بالموفور اللغوي النبطي (شعر العامية النجدي) والحميني (شعر العامية اليمني)، أو المزاج الخليجي واليمني. كذلك الماضي والحاضر، والفردانيّة والجماعيّة، إنها الصورة القويّة التي ترشح في أساس، يعبر عن حال التنافر والتخالف، امتناع الاندماج وإعاقة الانصهار، كأن تفقد السنين تقنية الخفاء، فكلما تقدَّمتْ تكشفه تماماً. وهي الصورة التي توحي بعكس مدلولاتها فيما تقصد المضمون والشكل ذاته في أغنية: “لنا الله-1967″ (إبراهيم خفاجي، طارق عبد الحكيم) التي أعاد غناءها عام 1997 لتغدو في قائمة أغاني حفلاته اللاحقة حيث مضمونها المنسي عاد بذاكرة أقوى من محوها وإتلافها بزينة مستعارة براويزها وأماكنها وصورها:

باتذكَّرْ عَهْدٍ مضَى زمان

شاغل القلب، يوم كان الهنا عَبْداً لنا لا تلوموني،

لنا الله، يا خالي من الشوق

أنا المولَّع على ناري.

كيف بعد المودَّةْ والمحبَّة

صرتوا تنسوني؟/ لنا الله“.

يرد تساؤل علينا: هل يدور الزمن على نفسه لأن نسيان الماضي أسهل طرق تذكره واستعادته؟

كأنه يتبدَّى قيح حنجرة بلال الصدئة بين حنين إلى غناء غدا في ظلام النسيان، وآذان حمل عذاب إبراهيم البدوي الضائع إلى الحجاز الوادي غير ذي زرع، والذي سفك دماء آلهة الزهرة المقة الذي استعمرته مكة بروحها الحبشيّة. وتبدَّدت روح اللات والعزى ومناة في تفلّت حزام أمنها الميثولوجي إزاء صراع تهديدي من آلهة نجد الشماليّة: الفلس وأجا وسلمى أو ود ورحمان وروضا، حيث غار أنين بلقيس في صوت فقد أنوثته عقماً وذكورته خصاءً، فما يحمل إلا ما تنثره الرياح من تلاوة الكاهنات وتلابي الحجيج التي حمل صداها البعيد فنون الدان والمجرور، حين تغرس أظفارها زيران الحبش في رقصتها الوحشيّة وإيقاعها الهيجانيّ حيث لا تنفع كفارة للغربة ولا تنفيس المنفى. ولعله لا يبقى إلا صراع الله وإبليسه بمستوى صراع المغالبة الميثولوجي الحجازيالنجدي (27)، والذي تم خصاء ألوهيته وأسطوريتها في بعدها الخنوثي عبر إعلاء ذكوري بكل ما هو قضيبي (جندري)، وفحولي (قهري)، وأبوي (سلطوي) مقابل طمر وسحق الأنوثي بكل ما هو رحمي (توليدي)، وأنوثي (خصوبي) وأمومي (حضاري). وهذا كله لأن الكلام عن الخنوثة مرفوض ثقافيّاً من كونه قيمة وعلاقة ومعنى وسلوكاً(28)، لذا يقول عبده مع الذكرى والدموع والجرح: لنا الله.

هذا الغناء والموسيقى، الذي يعبّر عن صيغة حجازيّة، جاءت من خارج جدة للأسف، فهي تنبع من الحارة الحجازيّة في صورة مدينة الطائف، ملحنها طارق عبد الحكيم وشاعرها في صورة شعرية تستلهم التاريخ الثقافي في مدينته مكة، وهو إبراهيم خفاجي. فيما ظلت الحنجرة تعاني حالة برزخيّة (ضياع وتشتت) تشابه حالة الإيقاع السريع الزمن، حاملاً ملامحه الأفريقية المستعارة من العُرْي والجُوْع، وحالة السفن التي تحط مسافة عن مينائها بسبب الحجارة الصلدة والمراجين الحمراء. فكل شيء من الثقافة والوجود الجداويين حدوده قسريّة وممتنعة عن الالتقاء والاندماج، بل البقاء في صورة هوية سرابية، مضمونها ضبابي وشكلها قزحي فتنته لا تدوم.

__________________________________________________

هوامش:

*انظر كتابالرماد والموسيقى: حفريات في ذاكرة غنائية عربية، لأحمد الواصل، دار الفارابي، 2009. 

1-يستخدم في إقليم الحجاز،تعبير عنصري اصطلاحي،وهوطُرْش بحرعلى أهل جدة،ومصطلح : بقايا حُجَّاج على أهل مكة والمدينة،للدلالة على القوميات التي اختارت العيش في الحجاز،ما بين مكة أو المدينة أو جدة أو الطائف،خاصة،ذات الانتماء الآسيوي والشرقأوروبي حيث يراها نوعاً من أنظمة السيطرة اللغوية.انظر.عين سوسيوثقافية،عبد الله المحيميد، مؤسسة الانتشار العربي،ص:19-25.

2-ضد الراهن،عبد السلام بنعبد العالي،دار توبقال-2005،ص:28-29.

3-اعتمدت نص القصيدة كاملاً من قصائد بدر شاكر السياب،اختارها وقدَّم لها:أدونيس،دار الآداب-1987،ط:3،ص:87-94.

4-ثمة مغنون عراقيون تغنوا بقصائد بدر شاكر السياب،مثل سعدون جابر غنى قصيدة:”سفر أيوب، وفؤاد سالم غنى:”غريب على الخليج“. 

5-الهوىصاغية،لامرجع السابق،ص:86.

6-عثر على لقى أثرية من اللآلئ تعود إلى ما يداني 2000 ق.م،وهذا ما يجايل العهد السومري حيث ينسب اللؤلؤ إلى دلمونجزيرة البحرين حالياً،فيقال:اللؤلؤ الدلموني.فصل:الغناء والغوص،كتاب:الموسيقى في البحرين: الموسيقى التقليدية في الخليج البحرين،بول روفسنغ أولسن، ترجمة: فاطمة الحلواجي،كتاب البحرين الثقافية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر-2005،ص:137،ولدراسة وتحليل أسطورة الغوص والغوَّاصين،الفصل الثاني:وجه المدينة بين البحر والصحراء،باب:هجرة اللآلئ وانتحار الغواص،كتاب:سحارة الخليج:مقدمة ودراسات في شؤون غنائية،أحمد الواصل،دار الفارابي-2006،ص:73-88.

7-في طريق الميثولوجيا عند العرب،محمود الحوت،دار النهار-1983،ط:3،ص:63-64.

8-في طريقالحوت،المرجع السابق،ص:61.

9-والتشفير الرمزي قوي في أغنيات عبد الحليم حافظ،مثل:رسالة من تحت الماء،وشعور الشكوى والاختناق باد في مقاطع:أرحل عنك/أشفى منك،وهذا ما يعبر عن ثلاثية:الرغبة والمرض واليتم، ويتوجب أن تنجز دراسات حول موضوع أثر البعد الجنوسي في أغنيات الكثير من الشخصيات الغنائية العربية الناجزة الساكنة ذاكرة الغناء العربي.

10-انتشرت بعضالأغنيات الجنسيةفي مواضيع منها المثلية لدى مغني فترة الستينيات،عند أسماء مشهورة في نطاق الغناء الشعبي،لأسماء باتت رموزاً له،مثل طاهر كتالوج (توفي 1988)،وفهد بن سعيد (1941-2003)، وبشير حمد شنَّان (1946-1974)،كذلك المغني والملحن عيسى الأحسائي(توفي 1938).

11-الهوىصاغية،المرجع السابق،ص:86.

12-سيكولوجية فنون الأداء،غلين ويلسون،ترجمة:شاكر عبد الحميد،عالم المعرفة:258،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب-2000،ص:59.

13-المسكوت عنه:الجذور الوثنية للأديان التوحيدية،وليد المنسي،عشتروت-2003،ص:129.

14-يشير القِمْني إلى عدة نقاط حول هذا التحول الانحرافي للديني،بما فيه الأخلاقي،والتاريخي بما فيه الأسطوري من صيغة وطقوس عبادة الثالوث القمري،لما فيه مفهوم الدين وأدوار مجلس الآلهات، ونمط العبادة بأشكالها.الأسطورة والتراث،سيد القمني،سينا للنشر-1993،ط:3،ص:129.

15-ينقل جواد علي عن النيسابوري،الذي بدوره ينقل قوله:”..كانوا يطوفون بالبيت عراةً،وهم مُشْبِكُون بين أصابعهم يَصْفُرون فيها ويُصَفِّقُون..”.يُفَسَّر هذا العراء توقاً إلى التحرُّر من الذنوب والآثام بعيداً عن الأدران.انظر.المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام،جواد علي،منشورات الشريف الرضي، د.ت، ص:359.

16-المسكوتالمنسي،المرجع السابق،ص:118.

17-الأسطورةالقمني،المرجع السابق،ص:127.

18-وردت مرويات شفوية بأن محمد عبده ضُرِب انتقاماً إثر تعدِّيه حدوده على مقام أحد الأمراء الذي كان ينقل عبر هاتف أستوديو التسجيل تعديله نطق كلمة:الحريق(اسم مدينة وسط نجد)،باللهجة النجدية يتغير معناها فيما لو نطق حرفها بغير ما يرد في اللهجة ذاتها(القاف:tz) ذلك في أوبريت:مولد أمة-1989(شعر:سعود بن عبد اللهلحن:محمد شفيق)الذي قدَّمه مع طلال مداح في مهرجان الجنادرية حيث نقل أن عبده قال:ما يجي يغني أحسن!،إثر تكرر تعديله لنطق الكلمة ذاتها.فيما يذكر أن هذا الانتقام جراء أمور متراكمة بين الأمير وعبده لأسباب أخلاقية ما جعل عبده يعتزل محاولة لإعادة الاعتبار لنفسه لأنه نقض هذا التوقف بإصدار أشرطة كاسيت ثم عاد للغناء عام 1997 في حفل كبير بلندن حضره نخبة من الأمراء صورته فضائيةMBC،ولعل سيكولوجية الاعتزال احتماءً بالتدين اتخذت ذريعة إثر تشنيع الوعظ الصحوي الإسلاموي مطالباً توبة(؟) رموز الغناء الشعبي منتصف الثمانينيات مثل:فهد بن سعيد فيما توقَّف آخرون لأسباب متباينة تخبِّئ احتمال العودة،مثل:ابتسام لطفي وطلال مداح وحيدر فكري وسواهم.

19-المعجم الذهبي:فارسيعربي،محمد التونجي،دار العلم للملايين-1992،ط:3،ص:151.

20-الكافي:معجم عربي حديث،شركة المطبوعات للتوزيع والنشر-1992،ص:211.

21-لاعتماد الشاعر مساعد الرشيدي كتابة شعره النبطي عامودياً في صيغته الكلاسيكية ما شكَّك في نسبة النص إليه،وأشيع إثر لقاء هاتفي عبر أثير إذاعة MBC،نفس العام إلى أنه كتبها الأمير متعب بن عبد الله آل سعود فيما يرشح أن يكون الرشيدي تدخل في صياغة النص.

22-ولفرد ثيسغير(1910-2003):كاتب،رحالة ومستشرق بريطاني ذو اهتمامات جغرافية وأنثروبولوجية ولد في أديس أبابا،وكان والده قنصل عام في أثيوبيا،درس في بريطانيا بكلية أيتون وأكسفورد،وعمل في السلك السياسي والعسكري في المستعمرات البريطانية بين أفريقيا وشبه الجزيرة العربية،وطاف برحلات من أفريقيا إلى الهند وأفغانستان ثم ما بين النهرين (عرب الأهوار)،وجنوب الجزيرة العربية في ظفار حتى الخليج العربي،تعلق بعاطفة مثلية مكبوتة ببعض الفتيان العرب من أدلائه سواء في الأهوار أو ظفار.انظر.التاريخ الشفوي،عمار السنجري ،دائرة الثقافة والإعلام-2006،ص:90.

23-ليالي القاهرة،ديوان إبراهيم ناجي،دار العودة-1986،ص:134.

24-فصل:الشعراء الرومانسيون،ر.أوستل،تاريخ كمبردج للأدب العربي،الأدب العربي الحديث،النادي الأدبي الثقافي في جدة-2002،ص:191.

25-وضعت المقطع الذي أضافه محمد عبده بين قوسين معقوفين لتبيان حال الكسر التي جرت في سياق المقطع الشعري،وإذا كانت معضلة الفحولة والذكورة مختلة في ميزان قواها عند عبده كذلك هي عند أم كلثوم التي أعادت تنقيح نص قصيدة:الأطلال وتركت نداءات كثيرة مستثنية جملة النداء:

أيها الشَّاعِرُ تغفو/تَذْكُرُ العَهْدَ وتصحو

وإذا مالتَامَ جُرْحٌ جَدَّ /بالتذكار جُرْحُ“(ص:139)

يا شفاء الرُّوْحِ روحي تشتكي/ظُلْمَ آسيها إلى بارئها“(ص:136)

يا جريحاً أسْلَمَ الجُرْحَ حبيباً نكأهْ

أيها الجبَّارُ،هَلْ تُصْرَعُ مِنْ أجْلِ امرأةْ؟“(ص:139)

أيها الشاعر،كم زهرة عوقبَتْ لم تدْر يوماً ذنبَها؟“(ص:141)

26-فلسفة البلاغة،آ.أ.ريتشارد،ت:سعيد الغانمي وناصر حلاوي،أفريقيا الشرق-1999،ص:132.

27-عبر محاولة تقليص ميثيولوجي تكشف أن كلمة ومضمون الله تحريف لتسمية:اللات إله القوة الحجازي وإبليس تحريف نطق يوناني للفُلْس إله الحرب النجدي ومن بين هذا الصراع يقف تنافر مثلية إلهية تريد أن تبقى الغالبة.انظر.الطائر المخمور:عبادة إيزيس وأوزيريس في مكة في الجاهلية، زكريا محمد،نشر فصل منها في موقع:WWW.KIKA.COM.

28-الضلع الأعوج:المرأة وهويتها الجنسية الضائعة،إبراهيم محمود،رياض الريس للكتب والنشر-2004، ص:272.

المزيـــد علــى معـــازف