مروان بابلو فولكلور الدب البارد معازف
مراجعات

فولكلور | مروان بابلو

عمار منلا حسن ۲٦/۱۱/۲۰۱۸

مع اقتراب ٢٠١٨ من نهايته، يبدو أن مروان بابلو قرر أن يكتفي بإصدار خمس أغاني هذا العام، فولكلور هي آخرها. طبعًا، لا يصعب على أحد ملاحظة العلاقة بين التأني في الإصدار وبين قوة ونجاح الأغاني، لكن هذه العلاقة تعني في بعض الأحيان أن يأخذ الموسيقي استراحات من الكتابة والتسجيل لفترات طويلة كي لا يستنزف ويستهلك نفسه، وفي مناسبات أخرى تعني العكس تمامًا، أن يكون الموسيقي منهمكًا طوال هذه الفترات في تسجيل وإنتاج الأغنية الواحدة، حتى يصل بها إلى حد الكمال الذي يبحث عنه. فولكلور تعطينا فكرة جيدة عمّا إذا كان مروان بابلو من النوع الأوّل أو الثاني من المتمهلين.

“متأني ومش بجريها / بيتش، أنا إبليس / كل البشر دية، أنا جاي قبليها”

رغم قوتها على مستوى التأليف، قد لا تقدم فولكلور أقوى كلمات مروان بابلو حتى الآن، ربما لأنه رفع السقف عاليًا، عاليًا جدًا الصراحة، في أغنيتيه الأولتين الغلاف / أوزوريس وعايز فين. أسطر مثل: “لو في ملك غيري تبقى بدعة / أكلت الجو مفيش فايض” أو “عينيها زي شبابيك / قالتلي نط قلتلها بس دا اسمه انتحار” يصعب طردها من الرأس. لكن لإنصاف مروان، فإن المسابقة على لقب أفضل كاتب راب في المشهد تبقى بينه وبين نفسه. على كلٍ، الكتابة هي مجرد مستوىً واحد من عدة مستويات يعمل مروان بابلو على إتقانها.

منذ الغلاف، حرص مروان بابلو على إنتاج أغانيه بنفسه، وعلى عدم إنتاج أغانٍ لرابرز آخرين، من منطلق أن الموضوع ليس مزحة. الحقيقة أنه منح نفسه استراحة مستحقة في أغنيته الرابعة، البواكيز، والتي سلّم فيها جبهة الإنتاج إلى صانِع الإيقاعات الممتاز راشِد، ما يجعل فولكلور أول أغنية ينتجها مروان بنفسه منذ عزبة الجامع الصادرة قبل أربعة أشهر. أربعة أشهر هي فترة منطقية لأغنية بهذا التعقيد والإتقان.

لنبدأ من المزج. في أغنيتيه الأولتين الغلاف / أوزوريس وعايز فين، كانت هناك مشاكل واضحة على هذا المستوى. في الأغنية الأولى مثلًا، كان المزج يصاب باختلال في التوازن مع دخول الأغنية فصلها الثاني أوزاريس، أما في عايز فين، فكان هناك رقع من الأغنية يسيطر عليها بايس عالي لدرجة فظة ويطغى على صوت مروان وباقي الإيقاعات، بينما تظهر رقع أخرى بلا أي بايس تقريبًا، تاركةً صوت مروان في المنتصف والواجهة. في فولكلور، يتحول المزج من نقطة ضعف إلى قوة، حيث ينجح مروان بتوزيع الأصوات على مدى عريض جدًا، يحتل صوته المركز والواجهة، ثم تتدرج الإيقاعات على الجانبين وإلى الخلاف، حيث تعثر على مساحات صوتية عادلة وواضحة دون أن تتداخل أو تتزاحم. تخلى مروان عن عينات البايس التقليدية، ووجه المزيد من الاهتمام لتصميم الصوت [Mtooltip description=” Sound Design” /]، على الأقل على مستوى اختيار عينات البايس التي استخدمها بانتقائية وتنوع أكبر، ليلعب البايس هنا دورًا في منح الأغنية ثقلًا وزيادة في عمقها الصوتي، دون أن يتدخل بالنسيج أو يضارب على أي من الأصوات.

إلى جانب المزج، فولكلور هي أقوى أعمال مروان بابلو حتى الآن على مستوى التسجيل الصوتي. يؤدي مروان معظم الأغنية بطبقة صوت رئيسية متوسطة تتداخل بخفّة مع الأوتوتيون، ثم يدعمها بآد ليبس سجلها بنفسه، بعضها مغرقة بتأثير الـ ديلاي لدرجة تبدو فيها متكسرة، وبعضها مخفّضة إلى أوكتافات رخيمة عبر تأثير الـ بيتش شيفتر، لتبدو كظلال لطبقة صوته الرئيسية. يتلمس مروان بابلو بخبرة الحدود بين التقليل والإسراف في استخدام الآد ليبس والتأثيرات الصوتية، كما يميل للاستقرار في طبقات متوسطة ومنخفضة في أغلب الأغنية، ليعثر على توازن يجعل صوته غنيًا وكثيفًا دون أن يفقد وقاره في حدود التراب.

“حياتي عاملة زي النزهه، بجد فكرت أقلبها فيلم”

أصبحت فولكلور رابع أغنية من تصوير وإخراج فريق الدب البارد من القاهرة. يستمر الدب البارد بتكريس سمعتهم في إخراج فيديوهات واسعة الأفق رغم الإمكانيات الضيقة. هناك ترميز لطيف وغير مقحم في اختيار الأماكن، كالتصوير في أحياء الهرم سيتي و٦ أكتوبر التي تجمع في أماكن أساليب العمارة المحلية مع حياة الضواحي الكبيرة المستحدثة التي تشكِّل معظم القاهرة، إلى جانب التصوير في حجرة في بيت المخرج والمصوِّر سبيكو في الهرم، والتي تم تحويلها باستخدام تقليلي لإضاءة النيون من حجرة شبابية تقليدية مصرية رأيناها في الحياة وعلى التلفاز لألف مرة، إلى منصة تصوير فيديو تراب تساهم في إظهار وتضخيم مزاج الأغنية، علاوةً على كونها أول موقع تصوير داخلي يتعامل معه فريق الدب البارد حتى الآن.

المثير للحماس أنه بينما لا تزال فيديوهات التراب الأمريكي والجرايم تضيع بين صور نمطية متطرفة: الجيتوهات أو القصور الفارهة، بدأت بعض مجموعات التصوير في المنطقة العربية بتأسيس توجه قائم على ملاحظة تفاصيل وجماليات مغفلة في أكثر البيوت والأحياء اعتياديةً وتقليديةً. أخبرنا سبيكو من الدب البارد أن الفريق استمد إلهامه من أغاني مصورة دعمتها منصّة ناار، مثل أعمال الرابرز المغاربة عصام (شاهدوا فيديو كافيار مثلًا) ومجموعة شايفين. بنفس الوقت، لا يمكن إغفال أن فيديو فولكلور يستمر بما بدأته مجموعة شووترز في فيديو دايرة ع المصلحة، إذ يشترك الاثنان بكونهما فيدوهين مصريين شبابيين من الطبقة الوسطى ١٠٠٪.

لا يقتصر إنجاز الدب البارد على أفكار المشاهد ومواقع التصوير، ولا على لقطاتهم الواثقة والهادئة التي أكسبت الأغنية وزنًا لم تكن لتكتسبه لو صدرت من دون الفيديو، بل يمتد لكون الفريق قادر على جدولة وتخطيط عمله بحيث استطاعوا تصوير اللقطات الداخلية والخارجية على مدى يوم واحد فقط، بما في ذلك جلسة مع ضابط أمن أوقف التصوير وصادر بطاقات الشباب حتى استطاعوا، في حالة استثنائية على نحو تاريخي، إقناعه بموهبة مروان بابلو وشغفهم بالفيديو الذي يعملون عليه، ليحصلوا على تصريح تصوير شفهي بدون أي رقابة، ويتموا التصوير وفق الجدول.

“عوزت في مرة ألاقي نفسي / كسرت سني طلعلي ناب”

عندما غيّر مروان لقبه الفني من داما إلى مروان بابلو، اعتقد الكثيرون أنه يشير إلى بابلو إسكوبار، لكنه لم يفعل. في العديد من مشاهد الأغنية، يقف مروان إلى جانب صورة مطبوعة للوحة تكعيبية، ليوضح في الأغنية، بعد أن وضّح في العديد من المناسبات على السوشال ميديا، أن البابلو الذي يعنيه هو بابلو بيكاسو. مروان بابلو هو رابر لأن الراب وسط فني واسع الإمكانات، وليس لأن الراب كتلة من الصور النمطية المبالغ بها لإغراء مراهقين يمرون بمرحلة التمرد. مروان هو فنان قبل أن يكون رابر، وهو فنان يأخذ وقته لا لشيء سوى لأنه يحتاج كل هذا الوقت ليرضي نزعاته الكمالية.

المزيـــد علــى معـــازف