فيروز في الأغنية التركية
أجنبي قديم

الهارب من فيروز | فيروز في الأغنية التركية

نور الدين العايدي ۱۸/۰۳/۲۰۱۸

أخاف من فيروز، وعادة الخائف أن يختبئ. أختبئ من الذكريات المرتبطة بأغانيها خلف أسوارٍ من مساحات غنائية أخرى، التركية تحديدًا، لكنها تطاردني حتى في إسطنبول. تلاحقني في كل مكان، حتى وأنا أتجول بأمانٍ في مساحة غنائية بلغة أخرى هي التركية، أصطدم بألحان مقتبسة عنها، إذ تجاوزت الأغاني التركية المقتبسة عن ألحان فيروز العشرين أغنية، بينها أغانٍ اشتهرت وذاع صيتها بين الأتراك في فترات مختلفة.

آجدا بكان

احتلت آجدا بكان[Mtooltip description=” Ajda Pekkan” /] عبر مسيرتها الفنية الحافلة في مختلف مجالات الغناء والتمثيل والتي تجاوزت الخمسين عامًا، منذ ١٩٦٠ حتى اﻵن، مكانًا مهمًا في المشهد الغنائي التركي. كما مُنحت عام ١٩٩٨ لقب فنانة الدولة تقديرًا لإسهاماتها وأثرها على الغناء التركي وتطوره.

تجاوزت أجدا بكان  المحلية لتقدم حفلاتها في العديد من الدول الغربية والشرقية ما منحها اطلاعًا أكثر على العديد من الثقافات الغنائية حول العالم. يتضح ذلك في تأثرها بالعديد من المغنين غير الأتراك ومن بينهم فيروز، حيث اقتبست أجدا بكان في أوساط السبعينات، في أوج صعود مسيرتها الغنائية، عدة أغانٍ من ألحان فيروز، خاصةً في ألبومها الشهير آجدا ١٩٧٥[Mtooltip description=” Ajda 1975″ /].

مقتبسة عن  كان الزمان وكان.

لا شك أن قيام آجدا بكان باختيار ألحان فيروز لم يكن محض تأثرٍ شخصي فقط، إذ أن تأثير فيروز آنذاك – وربما إلى اليومكان قويًا على طبقة واسعة من المستمعين الأتراك. كان البحث عن فيروز في المحتوى الإلكتروني التركي في الكثير من الأحيان يرتبط باسم أجدا بكان التي عززت حضور فيروز في أذهان العديد من الأتراك، لاسيما هؤلاء الأجيال الذين عاصروا صعود آجدا بكان.

فردي أوزبيجان

تصاعدت موجة التأثر بفيروز والاقتباس عن ألحان أغانيها بشكل كبير مع بداية عقد الثمانينات ليزداد بذلك حضور فيروز وألحان الرحابنة في الساحة الغنائية التركية، حضورٌ وإن كان يرتدي أصوات مغنين آخرين لكنه يعكس المكانة التي وصلتها فيروز، ليس فقط من حيث تأثر المغنين الأتراك بها، بل من حيث شيوعها عند المستمعين وتأثيرها الواضح على أذواقهم.

 قام أوزبيجان[Mtooltip description=” عازف البيانو والمغني التركي الذي ينحدر من أب تركي من مهاجري جزيرة كريت وأم أرمينية الأصل” /]، الذي بدأ في مرحلة مبكرة من حياته تعليمه الموسيقي على البيانو باختيار العديد من الألحان الشهيرة حول العالم بالتعاون مع كاتبة الكلمات المشهورة ألكو أكار[Mtooltip description=” Ülkü Akar” /]، وأعاد تقديمها بنكهة تركية مصحوبة بعزفه على البيانو.

مقتبسة عن  آخر أيام الصيفية.

تعتبر أكار كاتبة كلمات أغاني العمالقة، إذ كتبت العديد من أغاني مشاهير الغناء التركي كأجدا بكان وسوزان أكسو ونيلفور وغيرهم. أكار رافقت فردي أوزبيجان في رحلته مع الألحان الأجنبية لاسيما مع ألحان فيروز، حيث تضافرت جهودهما لتقديم ما يزيد عن خمسة أغانٍ من ألحان أغاني فيروز بالتركية، مصحوبةً بغناء وبيانو فردي أوزبيجان في أهم تأثر تركي بأغاني فيروز وألحان الرحابنة طوال فترة الثمانينات.

إركين كوراي

لمع اسم إركين كوراي[Mtooltip description=” Erkin Koray” /] منذ أواسط الستينيات كمغنٍ وعازف قيثار مجدد في أساليبه، واكب صعود العديد من الألوان الموسيقية العالمية في تركيا، بل ومهد لانتشار بعضها، إذ كان واحدًا من أوائل من خاضوا تجربة عزف وغناء الروك إبان ظهوره في ستينات القرن الماضي. كان للصخب والتمرد الذي تمثله الروك وغناء إركين كوراي دورًا مهمًا في تلك المرحلة القلقة التي كانت تمر بها تركيا، إذ شهدت انقلابًا عسكريًا أتى بدستورٍ جديدٍ وسبب أول انتكاسة في العلاقات التركية الأمريكية الوثيقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على إثر أزمة قبرص، ورسالة التهديد التي وجهها الرئيس الأمريكي جونسون إلى المسؤولين الأتراك (خطاب جونسون ١٩٦٤ما أشعر الدبلوماسية التركية بالعجز وأغضب الشعب، فجاءت أغاني إركين كوراي في بدايته سواء بموسيقاها أو بغنائها لتملأ مساحة الغضب والتمرد لدى الأتراك.

واكب كوراي أيضًا أصنافًا موسيقية عديدة مثل السايكدلك روك والميتال، وقام بمزج ألوانٍ مختلفة في غنائه، إذ كان أول من قام بالمزج بين الروك واﻷرابسك، كما ينسب إليه تطوير الساز الكهربائي في انزياحٍ لافت نحو المزج بين تاريخ الساز في الغناء التركي والروك والنزعة المعاصرة التي انتهجها في غنائه، الأمر الذي جعله واحدًا من أهم المغنين المجددين الأتراك.

مقتبسة عن  وينن.

تسبب أسلوب إركين كوراي المثير للجدل في حياته وغنائه في استبعاد البيروقراطية التركية، ممثلةً في هيئة الراديو والتلفزيون الحكومية، للكثير من أعماله ومنع إذاعتها على الشاشات الرسمية لفترة طويلة، إلا أنه واصل إنتاج كل جديد ولافت حيث ساهمت إقامته في العديد من البلدان الأجنبية لا سيما ألمانيا في تأثره بثقافاتٍ غنائية مختلفة ونضوج نزعته التجديدية وثرائها، ويبدو ذلك واضحًا من خلال تأثره بالعديد من المغنين الأجانب واقتباسه عنهم. تأثر كوراي واقتبس عن العديد من العرب كالعراقية سميرة توفيق واللبناني سمير يزبك، كما واقتبس في ١٩٨٧ ألحان الرحابنة في أغنيتهم المشهورة وينن ليصبغ هذه التحفة ذات اللحن الغاضب بقيثارته المميزة وبلمسته المتمردة.

نشه كارابوجيك

ولدت المغنية والممثلة التركية نشه كرابوجيك[Mtooltip description=” Neşe Karaböcek” /] في نهاية الأربعينات لتصعد عالم الغناء في سن مبكرة مع بداية الستينات، وتصبح إحدى أهم المغنيات التركيات في النصف الثاني من القرن العشرين.

مقتبسة عن  نحنا والقمر جيران.

اشتهرت كارابوجيك بالغناء التراثي التركي وغناء البوب كما وتعد من أوائل المغنيات اللواتي انخرطن في غناء الأرابسك، إذ عرفت  – لاسيما في الثمانينات – بلقب أم الأرابسك. من خلال انخراطها بالأرابسك تأثرت  كارابوجيك بالألحان العربية وكان أكثر من تأثرت بهم واقتبست عنهم هي فيروز حيث اقتبست عنها عدة ألحان مثل حبيتك بالصيف، ورجعت الشتوية.

سميحة يانكِ

يعد عام ١٩٧٥ الأهم في مسيرة سميحة يانكِ[Mtooltip description=” Semiha yankı” /] عندما فازت بفرصة تمثيل تركيا في مسابقة الأغنية الأوروبية ذلك العام. رغم خسارتها التي اعتبرها الأتراك مرتبطة بأسباب سياسية متعلقة بالعملية العسكرية التركية في قبرص، والتي حدثت قبل المسابقة بفترة قصيرة، واصلت يانك صعودها لتصبح إحدى مشاهير الغناء في تركيا. لمع نجمها كمغنية بوب وممثلة ومذيعة منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا. كانت سميحة يانكِ ضمن المتأثرين بفيروز حيث غنت عام ١٩٧٥ أغنيتين من أشهر أغاني فيروز آنذاك لتتوج صعودها وبداية سطوع مسيرتها الفنية بالتأثر بفيروز والاقتباس عنها.

مقتبسة عن  سهر الليالي.

كنت أعرف أن الهرب من فيروز لم يكن إلا ليقودني إليها في النهاية، تلاحقني بأسطورتها وبأساطير أخرى أيضًا. رغم خوفي، أستمع إلى ذلك الجمال، أسقط في فخه بسهولة أو طواعية، أطير مع تلك الأصوات والتجارب وأصطدم بحائط ذاكرتي. إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي ألاحق فيه شبح ذاكرتي الفيروزية، ها أنا مستمر في الهرب من تلك الحنجرة المطلة على الجنة.

المزيـــد علــى معـــازف