.
“من الرائع أن نفكر بعمق في علاقتنا بالعالم الرقمي، وكيف جعلنا مدمنين وعبيدًا، خاصة في سياق الفنون / الثقافة. إن المشاركة والنشر بلا نهاية أمر مرهق بالنسبة للكثير منا، وقد أجريت هذه المحادثة مرات عديدة مع فنانين آخرين.”
بهذه الكلمات عبرت فنانة الصوت والدي جاي سانت مارينا في ستوري على إنستجرام عن استيائها من ضرورة التواجد المستمر على السوشال ميديا، والتي اتفق ويتفق العديد معها. لقد تطوّر أمر تواجد المنتجين الموسيقيين والدي جايز على السوشال ميديا من الإعلان لعرض أو إصدار أو نشاط موسيقي ما، إلى درجة الجنون والهوس بالذات ومحاولات لفت الانتباه.
عزز ذلك انتشار خرافة نتناقلها جميعًا دون تفكير: إن النشر المستمر دليل على التواجد المستمر، ومن ثم الحصول على فرص أكثر في عروض ومهرجانات. المؤسف في الأمر أن العديد من هذه المنشورات لا علاقة له بالمحتوى الموسيقي، وإن وجد المحتوى الموسيقي فإن الصورة أو الفيديو تأتي لمجرد لفت الإنتباه لدرجة الإحراج والكرينج، بالتالي زوال تأثير الموسيقى وتعزيز للفردانية المفرطة. مع تكرر الأمر، يؤدي ذلك إلى تنافس بائس بين الفنانين وبعضهم ومحاولة الظهور بشكل سعيد وجذاب ولافت للانتباه.
إن ارتباط التواجد على السوشال ميديا بضمان مزيد من الحفلات والعروض، فكرة من الواجب تدميرها، ويكشف وجودها عن حقيقة زعمها، وهو ما يعد سيئًا وكسولًا لأي قيّم في أي مكان أو مهرجان. حيث أنه وسط مشهد موسيقي تطغى عليه الليبرالية، وسطحية سياسات الهوية والإكزوتيكية واستغلال التعددية، من الطبيعي الأخذ بالشكل على حساب الكفاءة، ليختزل الأمر إلى مدى انتشار الفنان وطريقة ظهوره على السوشال ميديا، وكونه ترند ومتصيّت في اللحظة الحالية وله فولورز أم لا.
مع تركيز وكالات الحجز ومروجي الحفلات والقيمين على الشكل السطحي، يشكل ذلك ضغطًا على العديد من الفنانين والصاعدين منهم، ويجعلهم مهووسين بظهورهم على السوشال ميديا، في حين تصبح الكفاءة والمحتوى شيئًا هامشيًا. ذلك هو حال مشاهد البوب؛ ومن المؤسف تشبيه مشهد يدعي حس المغامرة وخروجه عن المينستريم بمشهد البوب.
هنا من الواجب سؤال القيّمين، هل هم من متابعي المشهد الإلكتروني بشكل جاد؟ هل يستمعون إلى هذه الموسيقى وينقبون عن الفنانين بجدية؟ هل يستطيعون التفرقة بين فنان ناشئ وآخر ذي خبرة؟ هل هم على دراية بالثقافة الخاصة بالفنان؟ هل لديهم رؤية نقدية أم هي فقط رؤية إنستجرامية؟ هل الحديث هنا عن عروض موسيقية أم عروض أزياء؟
حتى في حالة من يتقنون الأداء والاستعراض على السوشال ميديا، أتصوّر أنهم يعانون من الإرهاق والقلق المستمر من فرط الانشغال بردود الفعل واللايكات والمتابعات والمشاهدات، ليتم اختزال الفنان في حساب وصورة في مشهد من البديهي أن يرتبط بالصوت. أمر عبثي تمامًا وليس من العدل أبدًا أن يحصل الفنان قليل النشر على فرص أقل.
لست متفائلًا أن يتحسن أمر اعتماد المشهد على السوشال ميديا، إلا في حالة وجود أسس حقيقية لحجز الفنانين في العروض، أو أسس حقيقية لتقييم وتقدير ما يقدمونه، والاهتمام بالمحتوى السمعي أكثر من البصري. بمعنى آخر، يجب أن تكف السوشال ميديا أن تكون معيارًا لأي شيء.
بعد توقف دام ما يقرب من عشرة سنوات عن إصدار سلسلة دا مايند أُف تراكسمان، عادت تسجيلات بلانت ميو بالجزء الثالث لتجمّع خمسة عشر تراك أنتجها تراكسمان منذ ٢٠٠٥. بالطبع لم يتوقف منتج الفوتوورك الأمريكي عن لعب الحفلات والإصدارات والإيديتس طوال تلك الفترة.
الألبوم بمثابة مدخل للفوتوورك، وفي نفس الوقت رحلة ممتعة لمهاويس الجنرا. يناسب حلبة الرقص بطبيعة الأمر، وأيضًا الاستماع المنزلي بفضل تفاصيله وديناميكيته الشديدة وبراعة تقطيع العينات الصوتية، والتي ترتكز على كلاسيكيات من السول والآر أند بي والجاز. المثير للتأمل هو تخطي تراكات تراكسمان حاجز الزمن، حيث لا زالت سارية الصلاحية كما لو كان أنتجها أمس برغم تواجد العديد منها منذ سنوات عديدة.
نقطة التقاء الإي دي إم والترانس وسوفي. يمتلك مون سينج وصفة شديدة الجاذبية ومسلية، تجمع بين ما هو بوب وتجريبي وراقص. إن وجدت ملامح لهذه الوصفة في ألبومه السابق الأول، فهو يدفع بها هنا إلى أقصى مدى ويجعلها أكثر استساغة لكافة الأذواق.
على المستوى التقني يمكن تبين قدر عالٍ من الجهد والمهارة في تصميم الأصوات، التي تطغى عليها المواد المعدنية والبلاستيكية والسوبر سو، بالإضافة إلى تنوّع في البايس وغناء يسيطر على المستمع بمزيج من الألحان المبهجة والدرامية.
ألبوم كامل من مجاميعه، موسيقيًا ومفاهيميًا، يجمع بين الذاكرة الشخصية والجمعية، ويلفت نظرنا وآذاننا لصوت وتاريخ يبعد كل البعد عن الكليشيهات المرسّخة في الوعي الجمعي، المتأثر بفيتيشية الغرب للثقافة اليابانية.
يرتكز بريتي بوي على الإيقاع بشكل أساسي متخليًا عن أي أنماط متوقعة ومسلطًا الضوء على اللوج درام. يذكرنا أسلوبه الإيقاعي بـ 33EMYBW، من حيث الأنماط المتشابكة والمفاجأة وتوظيف العينات من البيئة الثقافية بشكل ناضج مثير للفضول. يوظّف المنتج الياباني السنثات بطريقة مقلة، لكن ذات تأثير صائب يعكس طابع التأمل وعدم اليقين، النابع من ثيمات الألبوم المتعلقة بتأثير عامل الزمن عليه، وكونه من أبناء الجيل الضائع في اليابان.
لا شك أن توبي روس واحد من منتجي الجانغل الواعدين والمغمورين الذي من الواجب أن يروا النور. منتج كهذا قادر على رفع البايس البريطاني إلى مكانة أعلى. سبعة تراكات جاهزة للمنقبين من الدي جايز على جانغل حافل بالمفاجآت وتقطيع متقن للفواصل الإيقاعية وبايس ينبض بالطاقة.
ينجح روس في إجراء طفرات جينية على الجانغل، حيث لا زلنا نسمع ملامح تسعيناتية خام، لكن هناك تجديد على مستوى البنية وتوظيف البايس وتقطيع العينات، بالإضافة إلى صوت مضغوط وممتلئ ذي موجات عالية لادغة.
أعلنت تسجيلات بيت ماشين الإيطالية عن سلسلة جديدة من الإصدارات، الخاصة بدمج الموسيقات ذات الميراث الثقافي الغني والموسيقى الإلكترونية الراقصة. أعتقد أننا سنرى أعمالًا لفنانين من الجنوب العالمي ذي الثقافات المتجذرة، حيث لا أأمل أن نرى أعمال من “الثقافة” الألمانية أو الهولندية … إلخ.
دشّن المنتج التركي فريدوم السلسلة بألبوم قصير، بيوغلو رَش، يوظف فيه الآلات والموازين الإيقاعية التركية مع الفوتوورك، لتسفر المعادلة عن نتيجة مبهرة لجسم موسيقي واحد صلب. الألبوم غني ومتشابك إيقاعيًا، ما يعكس ثيمته المستلهمة من حي بيو أوغلو المزدحم في إسطنبول. يلتقي الأسلوب الشعبي في لعب الدربوكة والبندير والدف بالمعاصر في أنماط وأصوات إيقاعات الفوتوورك، فسرعان ما تتبخر النوستالجيا لنجد أنفسنا في الزمن الحالي، والعكس أيضًا.
دائمًا ما نتساءل هل خلا المشهد الراقص والموسيقى الإلكترونية من كل الموازين الإيقاعية ليتبقى فقط الـ ٤/٤. تأتي الإجابة بالنفي من الفوتوورك أو الكودورو، وهو ما يبهجنا ويضحكنا أيضًا عند تعثر رواد حلبة الرقص في الرقص والعد على هذه الإيقاعات. نرى ذلك الأثر المنعش في إصدار سكارليت الجديد، الذي تظهر فيه بوجهها الإيقاعي على عكس وجهها البوب أو الغنائي.
يعد ثري فيسز تمارين إيقاعية متطورة وعالية المستوى، تبث الروح من جديد في أدمغتنا بفضل توظيف الموازين الإيقاعية غير المعتادة في المشهد الراقص بشكل بارع. يحتوي الألبوم أربعة تراكات من الإيقاعات المتشابكة والأصوات الإلكترونية المهلوسة، إضافةً إلى ريميكسين متواضعي المستوى، مع الأسف، ولكن تشفع لهم التراكات الأصلية.
في ألبومهم القصير الجديد، يترك الثنائي الهندي بالتي الهاوس جانبًا، نازحين إلى البايس البريطاني ليسفر الأمر عن أفضل إصدارتهم حتى الآن. يظهر الحس الإيقاعي بقوة في ميلا، بفضل ما تتيحه جنرات مثل الغراج أو الدبست من مساحات يملأها الثنائي بعيناتهم الإيقاعية، المستمدة من ثقافة الشارع الهندية والموجات المنخفضة لثقافة الساوند سيستم. يعد تراك لوز ليف أفضل مثال على ذلك.
يبني بالتي كل تراك على فكرة بسيطة ليطوّرها بطريقة تلائم حلبة الرقص دون فصال. يسير ميل على نهج العديد من الأعمال القادمة من الجنوب العالمي مؤخرًا، والتي تدمج ثقافتها الشعبية بالبايس البريطاني بشكل حرفي ينعش المشهد الراقص.
عاد أوشياك بشكل مفاجئ بألبوم قصير من خمسة تراكات. يتخلى أوشياك في باك إن كايند عن طبيعة إصداراته المفاهيمية لصالح طاقة تراكاته الراقصة، التي صار يستعرضها بأسلوب أكثر استساغة منذ تعاونه الأخير مع نهاش، مع احتفاظه بإنتاج عالي الجودة واعتماده على السمبلة أكثر من أي وقت مضى، كما يتضح في تراك ستارت.
يقفز بنا أوشياك من جنرا إلى أخرى إلى درجة تصل إلى النشوة، ويوفّق بين الطابع النغمي والتلاعب بالإيقاعات وبينية التراكات، فنجد معالم من الجانغل والجيرزي والجوك، مقدمًا إياهم بطريقة جذابة تبعد عن صوتهم الكلاسيكي.
يعود نيسّو بألبوم جديد، ألجورايف إكسبريس. وجبة دسمة من البايس والجليتشات والإيقاعات المتشظية والتشويش والصوت البشري المقطّع. يضغط ويمط ويشكل المنتج الإيطالي هذه المواد، ليسفر الأمر عن سيمفونية من الخوارزميات يقودها بالترميز الحي.
ألبوم مثالي لمحبي الجليتشات والتصميم الصوتي والموسيقى الملتوية. كما يفاجئنا نيسّو بمغازلته الموسيقى الراقصة لأول مرة، ويثبت إجادته لها وهو ما يفتح له مساحات إنتاجية جديدة.
يتوقف الزمن وكل شيء لوهلة عند نهاية التراك الثاني من هذا الإصدار، كي ننفصل عن الضجيج بعد اتّحاد دام تسع دقائق، فلا نعلم إذا كنا نشتهي الصمت أم الضوضاء. جرعة مركّزة من موسيقى الضجيج والإلكترونيات الجامحة والموجات المتصارعة تشكّل تحدي للمستمع أو تنفّس عن غضبه.
بارابروتاليتي تعاون موفّق بين فنانين جمعهم شغفهم بالضجيج من أكثر إصدارت إيثيريال أرثروبود وبود – ودراوند باي لوكالز أيضًا- حدةً.
من الصعب أن تخلو قوائمنا من إصدارات لتسجيلات يوكو. تتوافر عناصر موسيقى البايس بالكامل في ألبوم إيماجينري نامبر القصير، نتبين الإيقاع الصلب والسب بايس بشكل أساسي والصوت البشري المقطّع، وظهور مقل للسنث. لكن مع التلاعب بالبنية وحضور أنسجة صوتية غنية وقوة أفكاره الإنتاجية، يحقق الألبوم هدفه؛ تراكات راقصة تجمع بين ما هو مألوف ومغامر.
أكثر ما يلفت الانتباه من الزاوية الإنتاجية، الصوت الممتلئ المحشرج والكيكّات المشبعة إلى الدرجة المثالية، إذ لا يزيد الأمر إلى درجة المبالغة، فيقع الإصدار بين صوت الموسيقى الراقصة اللامع والضجيجي.
كعادتها لا تخطئ أبدًا تسجيلات ليمبو تايبس في إصداراتها. هذه المرة مع ألبوم برث نايم (كارو سابقًا). عبر ثمانية تراكات تستحضر ذاكرتنا للتريب هوب وبدايات الآي دي إم، يطفو بنا المنتج البريطاني بفضل السب بايس والسنثات المتبخرة والعينات الممطوطة، بالإضافة إلى الخامات الإيقاعية الدقيقة. ألبوم يأسر المستمع بجمالياته الرقيقة.
على عكس ما يوحي به عنوان الألبوم، سبايرل دانس دعوة للاسترخاء والتخلي عن الهموم، أو الاستماع الأنسب في صباح عطلة نهاية الأسبوع.
جيف أب تشانل من أفضل ألبومات الكولاج التي صدرت في السنين الأخيرة، ممتع للغاية للمستمع، وأتوقّع أن يوليك بلوسكي استمتع أيضًا أثناء العمل عليه. يملك الألبوم حسًا أوركستراليًا ماهرًا على مستوى تنسيق وتوزيع أصواته وآلاته وعيناته، التي يصعب إحصاء عددها، ويصهرها جميعًا بأناقة.
ألبوم متنوع الأمزجة، قادر على مفاجأتنا في كل مقطع يلي الآخر عن طريق تشعبه وتشكله، كبذرة يصعب توقع نمو جذورها بأي اتجاه. يعكس جيف أب تشانل دقة بالغة في تقطيع ورص الأصوات وبناء طبقات ومساحات وعلاقات بينها، عملية جراحية صوتية معقدة، حافلة بالخيال.
تأخذ بيرسيكو في سفاييرا خطوة إلى الوراء، بعيدًا عن الضجيج والإلكترونيات الصاخبة التي ميّزت ألبومها السابق باوندري، متبنيةً نهجًا أكثر هدوءًا وتركيزًا، قائمًا على البحث والتجريب. يُجسّد الألبوم حوارًا بين الفنانة والمكان، مرتكزًا على تسجيلاتها داخل مسرح أوسكار نيماير التجريبي في طرابلس.
ينجح الألبوم في تجسيد أجواء مسكونة في طرابلس مع فنانة تتحدث إلى الفضاء المحيط بها مسجلةً ردود فعله. ألبوم متماسك وجميل بأسلوبه المشحون بالغموض. عمل صوتي متكامل، مع اختيارات ذكية في التصميم الصوتي والميكسينج في كل خطوة.
في إصداره الجديد على تسجيلات كرانكي، يجمع تيم هكر مقطوعات لموسيقى تصويرية لم يستخدمها في الأفلام التي ساهم فيها في السنوات الأخيرة. قد يتخيل البعض أن هذا ألبوم من القصاقيص والحواشي، لكن ما نسمعه موسيقى سينمائية أثيرية محمّلة بالمشاعر ومحفزة للتأمل، تجمع بين الموسيقى المحيطة والكلاسيكية والأصوات الإلكترونية والآلات الحية. كعادة أعماله يملك تيم هيكر في ألبومه ذوقًا عاليًا في اختيار وتصميم أصواته، ناحتًا منها جسمًا متماسكًا جماليًا.
إضافةً إلى ذلك يعطي الألبوم شاردز عن صوت المنتج الكندي خلال التسع سنوات الأخيرة، بدايةً من لاف ستريمز إلى الوقت الحالي.
نختم الكبسة بالإصدارات المرتقبة لهذا الشهر ونيسان وعلى رأسها إصداريْن منتظريْن على تسجيلات هايبردَب لكلٍ من أيا ونازار.
دائمًا ما يفاجئنا دي جاي بايثون في كل مشروع، هذه المرة يبدو من التراك التشويقي توجهه للتريب هوب مهجن بالريجيتون على تسجيلات إكس إل.
بعد نجاح ألبومه القصير السابق، أعلن دي جاي رم عن ألبوم طويل حافل بالتعاونات. كما يشهد نهاية الشهر عودة سويمفول بألبوم قصير على تسجيلات سبكالت، ودي جاي سكوتش إج على تسجيلات يس نو وايف ميوزك.
احتفالًا بمرور عشر سنوات على نشأتها، جمّعت تسجيلات بولار الفرنسية ١٢ فنان في ألبوم تجميعي يضم كل تراك تعاون بين فنانيْن.