حتى إشعارٍ آخر | ٩ كتب عن الموسيقى التونسية

هذا المقال جزء من سلسلة حتى إشعارٍ آخر.


عندما بدأت عملي مع معازف أواخر ٢٠١٥، لم تكن لديّ غير بضعة مراجع عن الموسيقى في تونس والعالم العربي. مع كل موضوع جديد، كنت أجد نفسي مدفوعًا لاقتناء كتب في التاريخ والموسيقى والشعر والأدب، وحتى الزراعة والمعمار، مع اهتمام خاص بالإصدارات الخاصة بالثقافة الشعبية. في بعض الأحيان، كنت أشتري مرجعين أو ثلاثة من أجل تحرير فقرة صغيرة. كنت أنتظر الإصدارات الجديدة في التاريخ، وأتابع مستجدات البحوث الأكاديمية في كل ما يخص الموسيقى والثقافة الشعبية. جمعت أغلب عناوين مكتبتي من بائعي الكتب المستعملة، وأحيانًا بالمقايضة مع أصدقائي، كما اضطررت في بعض الأحيان إلى طبع كتب عديدة نظرًا لاختفائها من الأسواق. كبرت المكتبة مع تراكم المقالات، وأصبحت مصدرًا بحثيًا للمساهمين معنا في الكتابة عن الموسيقى في تونس، كما كانت جزءًا من معرض تآلفات جديدة حول الحداثة الشعبية.

أستعرض مجموعة من المؤلفات التي ساهمت في تطوير عملي في معازف، ويمكن لها أن تشكّل مدخلًا أوليًا للبحث في الموسيقى التونسية وتاريخها.

الموسيقى العربية، المجلد الخامس | البارون ديرلانجي

من بين المجلدات الستة المنسوبة للبارون ديرلانجي حول الموسيقى العربية، يُعدّ المجلد الخامس، رسالة في تقنين القواعد المتبعة في الموسيقى العربية الحديثة، الأكثر إشكاليّة بينها. احتوت المجلدات الأربعة الأولى على ترجمة فرنسية لخمسٍ من أهم المخطوطات الموسيقية العربية (وهي كتاب الموسيقى الكبير للفارابي، جوامع علم الموسيقى من كتاب الشفاء لابن سينا، الرسالة الشرفية في النسب التأليفية لصفي الدين الأرموي، شرح مولانا مبارك شاه للجرجاني، رسالة مهداة إلى السلطان العثماني محمد الثاني للشرواني والرسالة الفتحية في الموسيقى لعبد الحميد اللاذقي)، فيما ركّز المجلد الخامس على النظام المقامي للموسيقى العربية وخصائص السلم الموسيقي، واحتوى على تدوينات سبقت أشغال المؤتمر الأول للقاهرة، كان بعضها لارتجالات من تونس وشمال إفريقيا لم تكن متوفرة من قبل.

احتوى الكتاب على مقدمة للمترجم، الأسعد قريعة، قاربت الأهمية العلمية والتاريخية للكتاب. قام الأسعد بتحقيق مجهد ودقيق ليكشف أن المنوبي السنوسي، أمين سر البارون وكاتبه الشخصي، وراء تأليف هذا الكتاب وتحريره رغم نسبه إلى البارون. استعان المنوبي السنوسي بجهود أربعة من الوجوه الموسيقية المؤثرة في المشهد آنذاك، تمثلت في الشيخ أحمد الوافي وخميس الترنان المتبحّران في موسيقات بلاد المغرب، بالإضافة إلى اسكندر شلفون والشيخ علي الدرويش الحلبي بالنسبة لموسيقى المشرق. علاوة على الأهمية النظرية للكتاب، يعيد قريعة في مقدمته الاعتبار التاريخي المفقود للمنوبي السنوسي كأول باحث علميّ مختص في الموسيقى التونسية.

الأغاني التونسية | الصادق الرزقي

في تونس لدينا ما يوزاي أغاني الأصفهاني، وهو كتاب الأغاني التونسية للصادق الرزقي. نشر الكتاب ١٩٦٧، رغم الانتهاء منه في ثلاثينات القرن الماضي، وساعد على تحرير الكتاب وتدقيقه وفهرسته مجمد المرزوقي، أحمد أهم الباحثين الفولكلوريين في تونس.

سلط الرزقي الضوء على الحياة الموسيقية والغنائية في تونس قبل الحرب العالمية الأولى، وامتد بحثه في التراث إلى قرنين من الزمن، مستحضرًا أغانٍ وسرديات موغلة في القدم. رغم أهميته، يحمل كتاب الصادق الرزقي الكثير من التحامل اتجاه الأغاني الصوفية، إلى جانب النقد اللاذع لما أسماه المرزوقي بتلاحين اليهود وأغاني الحضّر الخليعة، وأغاني الربوخ والمزود والزندالي، فيما تحيّز بشكلٍ واضح لصالح الموشحات والمالوف التونسي ذي الأصول الأندلسية. ركّز الرزقي في الكتاب بشكلٍ واضح على الأغاني الحضرية، وأشار إلى أنه بصدد العمل على كتاب ثانٍ يهتم بأغاني الأرياف والبوادي، لكنه توفي قبل أن يتاح له ذلك.

الذاكرة الجماعية والتحولات الاجتماعية في تونس من مرآة الأغاني الشعبية | أحمد خواجة

الكتاب في الأصل هو أطروحة دكتوراه لأحمد خواجة، المختص في علم الاجتماع في تونس. كسر خواجة الرسمية الأكاديمية التي تعاملت بها الكثير من الدراسات الجامعية مع الموسيقى، واعتمد على خزّان هائل من الأغاني الشعبية لكي يستقرئ عبرها التحولات الاجتماعية في تونس. تخلّى خواجة عن البحث في الأصول الموسيقية والتاريخية للأغاني الشعبية ومقارنات الروايات، وركّز على ارتباطها مع المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية خلال الفترة الاستعمارية، أثناءها، وعلى امتداد فترة الاستقلال ومرحلة بناء الدولة الوطنية. تابع خواجة ازدهار أنماط غنائية مقابل أفول بعضها، تأثرًا بالتقلبات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على تونس. جمع خواجة سرديات شفوية مهمة خلال فترة بحثه في الثمانينات، ورصد أهم إنتاجات الأغاني الشعبية في تلك الفترة، خاصة المزود، ليغوص في تحليل مضامين نصوصه التي عبرت عن الفئات الحضرية المهمشة وفضحها لأشكال التسلط السياسي وتوحّش حركة العمران المديني ونظام المدينة الإقصائي، دون أن يغفل الرصيد الشعري والغنائي البدوي من خلال حركات النزوح إلى العاصمة.

الأدب الشعبي | محمد المرزوقي

يعد المرزوقي من آخر الموسوعيين في علاقته بالشعر الشعبي والغناء في تونس. تفرغ الرجل لجمع التراث وتدوينه، وامتد بحثه إلى مختلف مجالات الثقافة الشعبية، من العادات والتقاليد اليومية والألعاب والحكايات الشعبية والمطبخ، وصولًا إلى الشعر والغناء. لا مغالاة في القول بأن كل إصدارات المرزوقي مهمة للباحث في الموسيقى التونسية، لكن يبقى كتابه الشعر الشعبي الأكثر انتشارًا واعتمادًا بين المؤرخين والمطلعين، وثمرة سنين طويلة من البحث المضني في مختلف جهات تونس وتتبع الآثار الشعرية والغنائية وربطها بسياقات تاريخية. يعد الكتاب مرجعًا أساسيًا لدراسة الأدب الشعبي، شعرًا ونثرًا، لتخصص المرزوقي غير المسبوق في هذا المجال وإلمامه الكبير بحياة البدو وثقافاتهم بالنظر إلى منشأه البدوي، بالإضافة إلى اطلاعه الكبير على الحياة الحضرية والاقتراب من فنونها، إذ انتمى في وقتٍ ما إلى حركة تحت السور الأدبية. ركّز المرزوقي في القسم الأول على الأساطير الشعبية والأمثال العامية بالإضافة إلى التعابير والألغاز والنوادر، واهتم في القسم الثاني بنشأة الشعر الشعبي وجذوره الهلالية، أقسامه، فروعه موازينه، وأغراضه.

الرشيدية، النشأة والتأسيس | المختار المستيسر

بعد المؤتمر الأول للموسيقى العربية في القاهرة سنة ١٩٣٢، شهدت تونس حدثًا موسيقيًا جللًا تمثّل في تأسيس المعهد الرشيدي، أو الرشيدية، أهم مؤسسة موسيقية في تونس. رغم ضخامة الأرشيف الموجود في المعهد، لم تظهر دراسات تفصيلية جدية مثل كتاب المختار المستيسر الذي صدر سنة ٢٠١٤: الرشيدية، النشأة والتأسيس، الذي استعاد ظروف التأسيس والسياقات التاريخية والسياسية والثقافية التي رافقتها.

تصرّف الكاتب بأرشيفٍ هائل من المراجع والتسجيلات والوثائق لدراسته، كما اعتمد على شهادات شفوية لوجوه فنية معروفة انتمت إلى المعهد في وقتٍ سابق. كشف المستيسر عن ملابسات التأسيس التي تزامنت مع ظرفية سياسية قاتمة عاشتها البلاد، كما استعرض دور بعض الشخصيات النافذة التي كان لها حضور سياسي كبير وقتها.

أشعار وأغاني البدو في ليبيا وتونس | هانس شتومة

من أولى الدراسات عن الشعر الغنائي في تونس. وضع المستشرق الألماني هانس شتومة خلاصة رحلته إلى تونس خلال سنتي ١٨٨٨-١٨٨٩، جمع فيها أغانٍ وأشعار من بدو تونسيين وليبيين، ورصد حالاتها العروضية والإيقاعية، مستعينًا برواة بدو. ركّز شتومة على اختلاف اللهجات المحلية والوافدة، مستعينًا بمرافقين له في تدوين الأغاني وتفسير الألفاظ. يعد الكتاب وثيقة تاريخية مهمة تكشف لنا عن الرصيد الشعري الغنائي لقصائد موغلة في القدم، تعود بعضها إلى القرن الثامن عشر.

أناشيد الجنوب التونسي الغنائية الشعبية | بول مرتي

أقام بول مورتي في تونس كضابط فرنسي مترجم خلال الفترة الممتدة بين سنتي ١٩٠٢ و١٩٠٧. استقر في الجنوب التونسي وجمع قصائد مغناة من السكان هناك، وخاصة من جبال مطماطة وقبائل ورغمة بالإضافة إلى البدو الرّحل. تنوعت مضامين النصوص التي جمعها مورتي بين الغزل (المسمى الأخضر)، شعر الحرب والملاحم، وصف الطبيعة، والأناشيد التي ارتبطت بوقائع تاريخية شهدها التونسيون قبل الاستعمار، مثل ثورة علي بن غذاهم التي اندلعت سنة ١٨٦٤. أشار مورتي إلى تداخل الشخصية البربرية الأصلية لسكان الجنوب، مع العربية الوافدة منذ قرون، من خلال الملاحم البربرية القديمة وأشعار العرب الرّحل، كما وضع توصيفات مقتضبة لطرق غناء تلك الأناشيد. بالإضافة إلى القيمة التاريخية والجمالية لهذه الأناشيد، فإنها تزخر أيضًا بمصطلحات وألفاظ تعتبر مدخلًا هامًا لدراسة لهجات الجنوب التونسي.

موسيقيون من الأعراض | الصادق محمد عمري

جمع الصادق محمد عمري حصيلة ثلاثة قرون من الموسيقى والغناء في منطقة قابس والأعراض (المجال الذي يشمل الجنوب الشرقي لتونس، الجامع بين البحر والبر والصحراء) في كتابه موسيقيون من الأعراض، الذي توّج جهوده الميدانية على امتداد أكثر من عقدين من الزمن. تتميز المنطقة بثراء المقامات البدوية الصحراوية والبحرية الريفية والحضرية، نتيجة موقعها الجغرافي الذي جمع بين البر والصحراء والبحر، بالإضافة إلى انفتاحها على القادمين من إفريقيا وتكثف حركة القوافل التجارية عبرها، ما أوجد تراثًا غنائيًا خصبًا. نقل الكاتب سرديات تاريخية من إطارها الشفوي إلى المدوّن، بفضل عدد ضخم من الشهادات المفقودة التي تلقفها من حفظة ورواة معمّرين. اقترب الكاتب من أسلوب الصادق الرزقي التجميعي في الأغاني التونسية، ورغم القيمة التاريخية لكتابه، أظهر بعض الضعف في التمحيص في سرديات بعض الأغاني، كما انجرف في بعض الأحيان نحو نزعة تمجيدية للجهة، تضخمت عند نسَب الكثير من الأغاني إلى منطقة الأعراض.

يندر وجود دراسات تهتم بخصوصية محلية للموسيقى مثل كتاب موسيقيون من الأعراض، الذي يمكننا وضعه كحجر أساس لبناء ذاكرة غنائية تونسية بجانب مؤلفات أخرى اهتممت بخصوصيات موسيقية لبعض المناطق، مثل أغاني النساء في بر الهمامة لنزيهة غانمي وأحمد الخصخوصي.

نظرات في الموسيقى والغناء والفرجة | محمد القرفي

يقدم محمد القرفي استعراضًا بانوراميًا للغناء وفنون الفرجة في تونس خلال النصف الأول من القرن العشرين. ركّز القرفي بشكلٍ خاص على المادة التاريخية الواردة في الصحف والدوريات التي كانت تصدر في تونس خلال تلك الفترة، مضيفًا إليها مراجعًا متنوعة، تونسية وأجنبية. استعرض القرفي مشاهد الحياة الفنية خلال النصف الأول من القرن، من المسارح إلى الطرق والزوايا، واستحضر أعلامًا منسية في تاريخ الموسيقى، كما تناول بدايات المسرح الغنائي في تونس وتأثره بالنموذجين الشامي المصري والأوروبي.

يعد الكتاب مقدمة لقراءات أخرى في نفس المجال، أهمها أنطلوجيا الفنون الغنائيّة الركحيّة في تونس بين ظاهرتي التثاقف والمثاقفة (١٨٥٦-١٩٩٨) لسمير بشة.