fbpx .
كورتني بارنيت بارنت معازف كورتني بارنت

قل لي كيف تشعر فعلًا | كورتني بارنيت

هلا مصطفى ۲۰۱۸/۰۷/۱۹

“قم بحلاقة شعر رأسك لتختبر الشعور فقط / عاطفيًا لا شيء سيتغير / لكن الملمس تحت يدك سيكون جميلًا من الأغنية الرابعة في الألبوم Need a Little Time

لفتت تعابير كهذه الانتباه إلى أسلوب الأسترالية كورتني بارنيت في الكتابة، حتى قبل صدور ألبومها الأول. كتبت بارنيت بخفة ظل وذكاء وصراحة عن المراهق منعدم الثقة بداخل الكثير منّا، الذي لا يملك فكرة عما يفعله في عالم الكبار، وحظيت بسرعة بقاعدة كبيرة من الجمهور والنقاد على حدِّ سواء، الأمر المنصف كليًا، إذ كان أسلوبها الفريد يميز أغنياتها من بين ألف أغنية. المشكلة الوحيدة في تحقيق بارنيت لنجاحٍ كبير من المحاولة الأولى، هو أن السقف يرتفع مباشرةً لما يتوجب عليها تطويره مع الوقت: موسيقيًا، أو من حيث علامتها الفارقة في الكتابة والغناء.

مع صدور ألبومها الفردي الثاني  صدر ألبومها الفردي الأوَّل أحيانًا أجلس وأفكر وأحيانًا أكتفي بالجلوس في ٢٠١٥، ثم أصدرت العام الماضي ألبوم لوتا سي لايس المشترك مع كرت فايل أخبرني كيف تشعر فعلًا، تقول بارنيت إنها خففت عيار المرح لتركز أكثر على جوانب سوداوية من تفكيرها وشخصيتها. نتلقى إنذارًا بذلك في الأغنية الافتتاحية للألبوم، هوبفولِسنِس. تغني بارنيت بهدوء غير معهود وكأنها تلقي تعويذة، معيدةً صياغة أحد اقتباسات نيلسون مانديلا “تعلمون ما يقال / لا أحد يولد ليكره / نتعلم الكراهية فيما نكبر.” الكراهية إذًا هي إحدى العناوين الكبيرة المطروحة للنقاش في هذا الألبوم. سواء كانت هذه الكراهية صادرة عن بارنيت أو موجهة ضدها، فقد كانت بحاجة للكتابة أو الغناء عنها محاولةً تجاوزها: “سأنتهي فقط من هذا الموضوع / وحينها سأستطيع المضي قدمًا.” الأغنية بأكملها موظفة لهذا التصريح الأشبه بتبرير أو اعتذار عن استخدام موسيقاها في معالجة هذا الجانب من حياتها والتعامل معه. تختتم بأن تنبهنا إلى ما سيأتي: “سأصبح أكثر صخبًا الآن.”

مع افتقار بارنيت حتى الآن إلى أسلوب موسيقي واضح وخاص بها، يبدو أن هذا الصخب الإيجابي والموظف بشكل حسن سيليق بها في حال احتفظت به. في المدينة تبدو جميلة، الأغنية الأكثر اكتمالاً عبر الألبوم، تحاول بارنيت توظيف كل العناصر الموسيقية لتشرح نظرتها عن المدينة وعلاقتها بها خلال فترة عزلة اختبرتها اختياريًا. تذكر بارنيت أنها أرادت لأسطر البايس أن تبقى ثابتة ومستمرة طوال فترة الأغنية بحيث تعبر عن رؤيتها لحركة المدينة المتواصلة، لا يقطع هذه الاستمرارية في العزف سوى بعض الحركات في الإيقاع، وكأن هذا الثبات – في العزف وفي حياة المدينة – يترقب حدثًا ما. لحظة تعتقد أن الأغنية على وشك الانتهاء، تأخذ بارنيت منعطفًا دراميًا، تتمهل في العزف كمن يود الاستراحة من الانجراف خلف تسارع المدينة لتختم بهدوء: “سأكون ما تريد وحينما تريد / ومع ذلك لن أكون ما تحتاجه / والمدينة تبدو جميلة من حيثما أقف الآن.”

تتتالى الأغنيات التي تتعارك فيها كورتني مع أشباح لا ندرك ماهيتها. ربما هي تعليقات من أشخاص أهانوها على مواقع التواصل الاجتماعي، أو ربما أصدقاء قد خذلوها، والأكيد والأهم معركتها المتواصلة مع ذاتها وأشباحها الخاصة. نايملِس فايسلِس هي أكثر أغنيات الألبوم وضوحًا حيال كل هذه الأفكار، حيث ترد على إهانة رجل ما لها: “قال لي: سأتناول وعاء من حساء الأبجدية / وأبصق كلمات أفضل من التي تكتبينها / لكنك لم تفعل / تضحك على نفسك يا مان إن ظننت / أن الكون يتمحور حولك.” هي إحدى لحظات كثيرة في الألبوم حيث كان سيفيد كورتني أن تسترخي مستجيبةً لحكمة وصوت كيم كارداشيان: “ليكره الكارهون.” تنتقل بارنيت بعدها إلى اللازمة الأكثر جاذبية في الألبوم، حيث تعيد صياغة اقتباس عن الشاعرة والروائية الكندية مارغريت آتوود: “أود لو أمشي في الحديقة ليلًا / يخاف الرجال أن تضحك النساء عليهم / أود لو أمشي في الحديقة ليلًا / تخاف النساء من أن يقتلهم الرجال.” تخبرنا أن الجميع يخاف من الجميع، والكراهية هي أسلوبنا في الدفاع عن النفس، أما أسلوبها الدفاعي؟ “أحمل مفاتيحي / بين أصابعي وضع المفاتيح بين أصابع اليد الواحدة هو أسلوب دفاعي يمكّن من إلحاق أذى مضاعف عند تسديد لكمة.”

الاختتام بأغنية سانداي روست كان خيارًا ذكيًا. الأغنية الرومنسية العاطفية، وبأسلوب بنائها، جاءت كنهاية سعيدة غير متوقعة لفيلم متعب. وكما بدأ الألبوم ينتهي، بتصريح هادئ تحاول فيه بارنيت إخبارنا أن وجود الحب في حياتها، والتقبل المتبادل بينها وبين من تحب، هو وسيلتها لتجاوز الخوف والكراهية والعداء الذي قد تتعرض له.

من النادر أن يمتلك موسيقي ما الجرأة ليعنون لنا كافة اضطراباته النفسية في اسم أغنية كما فعلت بارنيت في تشكيك بالذات يشل الشخصية وانعدام عام في الثقة بالنفس الأغنية السابعة في الألبوم Crippling Self Doubt and a General Lack of Self-Confidence. تحتسب لبارنيت هذه النقطة التي تجعل أغنياتها أقرب إلى المستمع، حين تطرح بهذه الخفة والمباشرة المخاوف التي ربما يمتلكها معظمنا ويحاول إخفاءها. لكن السوداوية التي أرادت مشاركتنا إياها في هذا الألبوم ليست تمامًا النوع الحميمي الذي يشرك المستمع في صراعات الموسيقي ومعاناته، هي في الواقع مجرد أفكار مبعثرة مكتوبة كمسودة لمحاولة تصفية ذهنها تجاه مواقف تخصها وحدها. هو أمر محبط إلى درجة ما، خاصة مع الحماس الذي أبداه الكثيرون عند انطلاقة بارنيت تجاه شخصيتها اللامبالية وأسلوبها الساخر الفكاهي في الكتابة والغناء. لذا لم يكن من الحكمة تمامًا التخلي عن نقاط القوة هذه في مرحلة مبكرة ومزعزعة الثقة من مسيرتها. مع ذلك، ينقذ التطور على صعيد الموسيقى هذا الألبوم بشكلٍ أو بآخر، بل ويعِد، إن أمكن له التفاعل مع ذات الدرجة من التطور في أسلوب الكتابة، أن يخرج بمعادل عصري لألبومات كلاسيكية في المجال، كـ هورسز لباتي سميث والصادر قبل أكثر من أربعين عامًا.

المزيـــد علــى معـــازف