كونترول لـ مروان بابلو | أربعة آراء من معازف

كتابةمعازف - April 6, 2021

اختلف اعتزال مروان بابلو الأخير عن الاعتزالات التقليدية في الراب العربي، إذ لم نعرف على وجه اليقين لو كان يخطط لعودة أم لا، وكيف كانت ستبدو هذه العودة. ازدحمت صفحات الراب المصري خلال الأسابيع الأخيرة بأخبار عن عودة قناة بابلو على يوتيوب، وأنباء مترددة عن عودته، تأكّدت بإصدار أغنية غابة، ثم هذا الألبوم القصير. توقّع كلّ منا في معازف أمورًا مختلفة من عودة بابلو، واختلفت آراءنا بناءً على ذلك. إليكم صورة عامّة من المحادثات التي تبادلناها.

رامي

بعد أن أوقف مشروعه داما لفترة، كانت عودة مروان الأولى بأغنية الغلاف وأزوريس بمثابة قفزة محمّسة وملهمة للراب المصري، بنى عليها بإصداراتٍ منفردة ضاربة مثل عايز فين ودايرة عالمصلحة وعزبة الجامع. ميز تلك العودة تطور أسلوبه وكشفه عن وجهٍ جديد على مستوى الإنتاج والتدفقات والثيمات، إلى جانب تعاونات مدروسة ناجحة.

على عكس ذلك، وبعد توقفه لعام، أتت عودته الثانية بأغنية غابة كفرصة ضائعة، كما لو كان الزمن قد توقف به في عام ٢٠١٨، وتحديدًا عند أغنية الغلاف التي تشابه غابة من ناحية المزاج الداكن والتدفقات. بل يمكن القول إنّ الغلاف تفوّقت من حيث الأداء العنيف وقوة الإنتاج، مقارنةً بـ غابة التي أتت باردة وخالية من الروح، كمحاولة مستنسخة من الأولى، بالإضافة إلى كلمات خفيفة الأثر وقوافٍ ضعيفة: “كبرنا وفهمنا / خسرنا وكسبنا / دايمًا حاضرين / مهما غبنا / الفقر شوفنا / والقحط عشنا / ربك بيعوض / الحمد لله.”

استعدت حماسي لعودة بابلو عندما سمعت أغنية العنوان من ألبومه القصير، كونترول. نزل مروان في الأغنية على بيت دريل وفلوهات محكمة ومتغيرة، ملقيًا بكلماته المتينة في أداءٍ حماسي. كذلك استخدم السنثات وصوته في الخلفية كخامة تعزز اللحن الرئيسي، منتجًا واحدة من أفضل إصدارات الدريل التي سمعناها من مشهد مصر حتى اليوم. يستمر مروان في دون باستكشاف أساليب مختلفة في الإلقاء، تتضح أكثر مع تغيير نبرته وتختلف عن ما سمعناه منه قبل الاعتزال. عشّق البيت بجيتار تسوده تنويعات طفيفة ومحكمة في الفيرسات وفي الكورس الممتلئ بالسنت بايس، ليكسر رتابة بيت التراب. في المقابل، جاءت اللازمة والصور متوقعة، إن لم تكن كليشيه، في أغنية الحب فين، ليتعثّر بابلو عند حاجز الراب الغنائي والثيمات الشخصيّة.

يحاول مروان بابلو بوضوح الخروج عن إطار التراب السائد، وشق طريقه الخاصّة في المشهد. قد يتطلب الموضوع المزيد من الجهد بعد، إلّا أنّ الألبوم يقدّم بوادر عودة تستحق الانتظار.

نور

تحتوي تجربة مروان بابلو في الكتابة على الكثير من الكنوز، من بينها تخبطاته كمراهق ساخط على الطبقية، التي سمعناها في بداية مسيرته تحت اسم داما. خفت عدائية هذه الشخصية مع دخول مروان ساحة الشهرة، وعادت ملامحها في ألبومه الجديد، غابة. أعاد بابلو في هذا الألبوم إنتاج أغنية أتاري، التي تكلّم فيها عن عصاميته وحبّه للكيف، وعرج كالعادة على تجربة خروجه من الطبقة المسحوقة في مصر. أرانا الشارع المصري من جهة “العيال عند الجامع مستنية هدوم العيد”، والجهة الأخرى “ستروكس ولايرولين ع الرصيف متكومين.”

ربما تعودنا على تغنّي بابلو في أغانيه السابقة بصفات من فقاعة الكمال الاجتماعي، كالشهامة والنزاهة، إلّا أنّه تجاوز التغني بهذه الصفات إلى مهاجمة من لا يتفق معه إزاءها، ما دفع الألبوم نحو سكّة النصح والإرشاد بعض الشيء. كذلك ابتعد بابلو عن النزعة السرياليّة “بابلو بيكاسو مع الليديز / إسكوبار مع الأخصام”، لصالح أسطر مثل: “أنا محافظ عالوقار”، بشكلٍ يتفق مع النزعة الصوفيّة الكماليّة، التي تبدو كالإضافة الرئيسيّة إلى شخصيّته منذ الاعتزال. عزّز بابلو هذه النزعة عبر تعاونه في فيديو غابة مع المخرج عمار أبو بكر، وهو مخرج فنّي ومنسّق مشاهد مولد السيدة نفيسة.

فجر

“السلام عليكو، إظهر يا مختفي”، تنبّأ بابلو في مطلع أغنية عودته، غابة، باحتفال جمهوره ومتابعي الراب العربي عمومًا بعودته، مظهرًا خلال اختياراته الأسلوبيّة الناجحة صوتيًا وبصريًا المنطق وراء اعتزاله، الذي أتاح له التفرّغ للإنتاج المزبوط وتطوير تدفقات منعشة وملفتة.

يتعاون بابلو مع المنتج هادي في أغنية دون ذات النكهة التجريبيّة، بعيّنات مشوّشة مفاجئة، منسجمة مع تدفقاته المفرقعة. أمّا في الأغنية الأقوى في الإصدار، كونترول، يسلّم بابلو على المشهد: “طالع يا زميلي من الحضرة، آحلى مسا على العزبة” مستعرضًا بثقة تطورًا ملحوظًا في التوزيع واختيارات الأصوات ومزجها.

عمار

يمتلك مروان بابلو نزعة كماليًا أفادته كثيرًا حتّى اليوم. احتكر كافة مستويات الإنتاج، من تصميم الإيقاعات إلى هندسة الصوت، في عدّة من أقوى إصداراته، وكأنّه يواجه صعوبة في الوثوق بآخرين مع موسيقاه. حتّى تعاوناته تتصف بالدقّة، وينتج عنها أغانٍ متسقة مع الخط العام الذي رسمه لنفسه. على كلٍ، أعتقد أن هذه العقلية لها سلبيات تتكشف عندما يسعى بابلو لإصدار تسجيلٍ أكبر من أغانٍ منفردة متباعدة. كان بإمكان بابلو الاستفادة من مهندس صوت خبير لإنتاج الصوت التصريعي العريض الذي سعى إليه في كونترول، كما كان بإمكان أفكار بعض الأغاني، مثل الحب فين، أن تبلغ درجات أعلى من النضج لو مرّت ببعض الأخذ والعطا مع شريك في الإنتاج والكتابة.

الألبوم قوي ولا شك، لكن يصعب اعتباره عودة بحجم التوقّعات، خاصةً عند النظر إلى المسافات الأبعد والدروب الأكثر تشعبًا التي أخذها بعض منافسي بابلو خلال فترة اعتزاله، مثل ويجز، ما يجعل بابلو اليوم وكأنّه فقد بعض الوقت القيّم في سباق الراب المصري، وعليه أن يدوس على البنزين حتّى يلحق بالصدارة التي بدت في متناوله قبل عام.