مراجعات

كَامِل مَنْقوص | مقاطعة

محمد أشرف ۱۰/۰۲/۲۰۲۱

تُعرَّف الموسيقى بإحالتها إلى أجزائها الأساسية على أنها تكرار العبارات والكلمات والأرقام، لتُرسِل شعورًا أو تترك أثرًا على المستمع. بذات الطريقة تُعتَبر السيمياء ضربًا من السحر المبني على التجربة والخطأ، عن طريق مزج وتكرار الكلمات والأرقام في محاولة للتفاعل مع شيءٍ ميتافيزيقيٍّ ما. مثل كل أشكال السحر والعرافة، السيمياء مرتبطة بالظلام الذي يجتاح امتداداتها وكل ما يتعلق فيها ويتعمق في ظلاميتها. تُصبح السيمياء هي الظُلمة التي تُحيط وتُشكّل الفهم المؤطّر للموسيقى، وتُقدّم الأساس والإلهام وراء ألبوم مقاطعة الأحدث، كامل منقوص.

يستطيع المُستَمِع استشعار هذا الغموض من بداية الألبوم، حيث يُلاحَظ تأثيرٌ خبيث تقريبًا من الكولاج الصوتي التفتيتي الذي يشكِّل التراك الافتتاحي قبور ماميلا. يُهيئ مقاطعة المُستَمِع إلى ألبوم مختلف عن بقية أعماله السابقة مثل لا لسان له وإن كانَ كنتُ، آخذًا موسيقاه إلى مناطق أوسع وأكثر تجريبية. 

يستكشف مقاطعة بشكل أعمق جانرات مثل الموسيقى الملموسة والكولاج الصوتي والنويْز، التي تطرّق إليها في ألبوماته السابقة، مع إضافة أصوات وتأثيرات جديدة إلى مفرداته الموسيقية. بالحرف الواحد واحدٌ من التراكات البارزة في الألبوم، يتسم بالفواصل الإيقاعية للدرَم آند بايس التي تتشكل على هيئة إيقاعات آي دي إم محمّلة بالجليتشات، كما تحافظ بشكلٍ ما على أجواء الهيب هوب في الخلفية. يبدو تراك تنقيب أقرب إلى تذكير بتجارب سكورن في الإيلبيانت والدَب ستِب، مع مداها المنخفض الثقيل والأصوات المشوّهة وسرعة الإيقاع الجامدة. في الوقت الذي تبدو فيه هذه التراكات حاملة للتنوّع، يبدو أن كل ما فيها يُحال إلى نفس المصدر: الهيب هوب.

ارتكزت معظم أعمال مقاطعة السابقة غالبًا على مزاجٍ هادئ ونماذج إيقاعات الهيب هوب الثقيلة، أمّا في هذا الألبوم تمثّل الجنرا نقطة الانطلاق والعودة إلى رحلات المُنتِج التجريبية. في سيميا على سبيل المثال يستخدم مقاطعة حسًا إيقاعيًا بطيئًا معتمدًا على الـ ٨٠٨، ليعطي بنية أشبه بمسح راديويّ عبر عدة محطات عربية بجانب ضجيج متناثر.

يتّبع إكمال، التراك الختاميّ، نمطًا مشابهًا يتشارك اللوح النغميّ ذاته، مع أجواء فرِحة تتكسر وتتفكك بينما يقترب التراك والألبوم من نهايتهما. في دراسات عليا يُدفع هذا القالب إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال دمج بعض الأصوات الأحدث في ذائقته، مع حلقة غنائية متكررة وسطر بايس حازم يتباين مع الفواصل الإيقاعية المصفّاة والـ ٨٠٨. بقدر ما تبدو الأصوات متباينة، إلا أن النتيجة آسِرة ومجموعة التراكات لا تُنسى.

كامل منقوص ألبومٌ جيد، ناسبه صوته المجرّد والأقل معالجة، كما كان خيار الإنتاج غير المضغوط في محله بتركه الأصوات تتنفس على نحوٍ جيد.  كلّما وصلت نهاية الألبوم بثّت توقًا لو أنه كان أطول قليلًا. أتمنى أن يستمر مقاطعة بالاتجاه أكثر نحو التجريدية، وأن لا نضطر إلى انتظار ألبومه القادم ثلاث سنوات أخرى.


كُتِبَ هذا المقال لمعازف بالإنكليزيّة، وترجمته براءة فاروق الحارة ضمن برنامج الأكاديمية البديلة للصحافة العربية. الأكاديمية هي برنامج زمالة مكثف مدته عام، يشجع على الإبداع والتفكير النقدي في الصحافة، تشرف عليه مجموعة فبراير – شبكة المؤسسات الإعلامية العربية المستقلة.

المزيـــد علــى معـــازف