fbpx .

مايكل جاكسون، أرقد في سلام

معازف ۲۰۱۵/۰۸/۲۹

ظهر المقال في مجلة ذي آتلانتيك. كتبه وا سو. ترجمة أميرة المصري.

كنت أنتظر قطار خط N على الرصيف المرتفع في حي أستوريا بمقاطعة كوينز، عندما قرأت للمرة الأولى أن مايكل جاكسون قد يكون توفي. تلقيت رسالة على البريد الإلكتروني بهاتفي من صديقي جيمس. حاولت الضغط على الروابط المرفقة برسالته قبل أن يزحف القطار تحت الأرض في اتجاه مانهاتن بعيدًا عن التغطية. تمتمت أظن أن مايكل جاكسون قد ماتوقد أصبح هاتفي خاملًا بين يديّ. هل هذا ممكن؟ أسقطت حزنًا مرتبطًا بمايكل جاكسون على وجوه جميع الموجودين في القطار، أولئك الذين أخذوا يحدقون خارج النوافذ أو في أحذيتهم، أو ينظرون من وراء مجلاتهم، أو يركزون على العجلات الدوارة الصغيرة في الآي بود (iPod) بين يديهم، باحثين بلا شك عن أغاني مايكل جاسكون. لكن هذا كان على الأرجح مجرد إسقاط من جانبي؛ فهناك، في العزلة تحت الأرض لما يقرب الخمس عشرة دقيقة، كان الخبر غير مؤكداً بعد.

انتهى بنا الأمر في صالة استقبال أحد الفنادق. كان أصدقاؤنا هناك. تبادلنا التحيات. أكدت لنا شاشتا تلفزيون معلقتان فوقهم موت مايكل جاكسون. أشرت إلى الأعلى فوق رؤوسهم وقلت إن مايكل جاكسون قد مات—كانت هناك إثارة غريبة ومريضة في هذا الإعلان، في استباق سيل الرسائل الهاتفية والإلكترونية والمكالمات التي سوف يتلقونها بعد وقت قصير. همسات عن سكتة قلبية، وملاحظات ضرورية عن مدى غرابته مؤخرًا، وعهود بإراقة كأس من الخمر تحيةً لملك البوب. مشينا في الشارع بحثًا عن حانة، ووجدنا على ناصية شارعي 32 وبرودواي رجلًا سمينًا يرتدي نظارات شمس وسترة يانكي تهدر من سيارته أغنية Wanna be Startin’ Something.

استقرينا على طاولة ركنية في حانة كوريا تاون—واحدة من الحانات القلائل في المدينة التي لم تكن تشغّل أغنية Billie Jean. تحدثنا عن حقوق الإنسان والعطلات، وعن فريق مانشستر يونايتد وحفلات أعياد الميلاد، وعن الصيف في المدينة والانتقال إلى الساحل الغربي. تخلل كل شيء وقفة صامتة: لا أستطيع أن أصدق أن الرجل قد مات. لكن هل استيعاب الأمر بهذه الصعوبة حقًا؟ لقد ماتت بالفعل نُسَخ مختلفة من مايكل جاكسون قبل سنوات. في بعض الأحيان كان يعيد تقديم نفسه ويجد طريقه مجددًا إلى قلوب معجبيه، وفي أحيانٍ أخرى بدا وكأنه قد أصبح أكثر مراوغة وخداعاً. هي ملاحظة مبتذلة ومتوقعة، بلا شك، لكنها تظل حقيقة. كان جاكسون واحدًا من آخر رموز عصرنا القادرين على توصيف إمكانيات البوب، بوجوده في حد ذاته. لم يكن ”الملك“ فحسب—بل كان يمثّل المملكة بأكملها، القواعد والضوابط، أفق حلم المواطنة، المكان الذي تلتقي فيه الأرض بالسماء. كان جاكسون واحدًا من أول (وآخر) الفنانين الذين كانت أغنياتهم المصورة وجولاتهم وألبوماتهم تمثل حدثًا عالميًا حقًا، مثلما حدث عندما أطلق فيديو Black or White عام 1991 بعد حلقة من مسلسل The Simpsons. كان هذا التاريخ الثقافي لما قبل العصر الرقمي: التزامن، العبادة الجماعية، الملايين يجلسون أمام شاشات التلفزيون في نفس اللحظة. (أقرب تشبيه لذلك الآن: الملايين في جميع أنحاء العالم يجلسون أمام شاشات الكمبيوتر، يعيدون كتابة صفحة مايكل جاكسون على موقع ويكيبيديا بعناية، بعد لحظات من إعلان موته رسمياً.)

حدث كل ذلك رغم شعور الوحدة البارز والمُلحّ في موسيقاه. هناك بالطبع أغانٍ مثل Leave Me Alone وThey Don’t Care About Us وYou Are Not Alone—بتعبيرها الجلي عن انعدام الثقة. لكن هل توجد حكاية عن اجتياز الصعوبات بمفردك أكثر بشاعة من أغنية Billie Jean، هل هناك تصور عن الشراسة الذكورية أكثر اضطرابًا من أغنية Beat it؟ نجد في نهاية أغنية Black or White، وهي قصيدة شعرية من فن البوب عن التعايش، أربع دقائق ينفرد فيها مايكل بنفسه في رقصة النمر، حيث يتحسس نفسه (حَرفيًا) وينطلق مهتاجًا عبر أحد المربعات السكنية بالمدينة. لا يمكن أبدًا أن نتخيله يلهو في صخب مع جماعات الشباب في Bad أو Thriller. لطالما كانت رقصة المشي-على-القمر Moonwalking رقصة رجل واحد فقط.

جعلته المسافة لغزًا: تجاوز الفروق العرقية قبل أن يفهم أحد ذلك. كان بطلًا تراجيديًا بلا جدوى. لقد عانى من أجل عشقنا له. أو هكذا نحب أن نقول لأنفسنا. قد يكون مجرد شخص وحيد بشكل مزمن، وربما كان مريضًا فعلًا كما كان يزعم. لكن ما هو سر جاذبية الرواية التي تقول إننا  نحن —المعجبين والمستهلكين والإعلام والثقافة الأمريكية، إلى آخره— قد دمرنا مايكل بشكل ما؟ ما هي المخاوف التي نبددها من خلال إسقاطها على وجهه المضطرب؟ دائمًا ما أعود إلى مشهد الاستجواب في فيلم Three Kings. ”ما هي مشكلة مايكل جاكسون؟“ هكذا يسأل الجندي العراقي الأمريكي العنيد. ”لقد جعله بلدك يقطع وجهه.“ يعترض الأمريكي قائلًا إنه قد فعل ذلك بنفسه، لكن المحقق يصر على قوله: ”مايكل جاكسون ملك البوب في بلد مريض لعين.“ قد يكون ”بلد مريض لعين“ حقًا. قد تكون فكرة سمو البوب معيبة بشدة. لكننا سنكون مرضى بحق إذا لم نكن نعرف ذلك بالفعل، إذا كنا نحتاج إلى أن يصبح مايكل جاكسون شهيدنا. إذا كنا نظن أننا قد نتخلى عن كل ذلك من أجل عالم دون Off the Wall أو Thriller أو أغنية Butterflies.

بعد بضع ساعات كنا نمشي في شارع مُت Mott Street. يفاجئنا رجل عجوز شعث المظهر متكور على نفسه في مدخل إحدى البنايات بقوله: ”عذرًا هل مات مايكل جاكسون حقًا؟“ نعم، مات. نمضي في طريقنا متعجبين إذا ما كان يسأل كل من يمر به نفس السؤال. قد نكون قد دمرنا حياته.

أرغب في شرب كأسٍ أخرى والاستماع إلى بعضٍ من أغاني مايكل جاكسون. وهكذا نذهب إلى فون VON، ويستقبلنا غناء خماسي آل جاكسون بعد ما نتجاوز الحارس على البوابة. بالأسفل، يرفض دي جيه إليفن وسامي باناناس عزف أغاني مايكل في هذا الوقت المبكر، لكن مع حلول منتصف الليل تصبح الغلبة لإرادة الليلة. Blame it on the Boogie وEnjoy Yourself وSmooth Criminal وSo Glad to Be Here وBillie Jean، والعديد من الأغاني الأخرى، جميعها ضروري وكأنها مسألة حياة أو موت. يرقص الجميع—حتى أولئك الذين لا يجيدون الرقص على الإطلاق. يقف في منتصف الغرفة فتى، لا بد وأنه قد حصل على هوية مزيفة متقنة، ويفرغ بعضًا من شرابه (أكثر من اللازم) احتفاءً. يبدو وزميلاه في ملابسهم كأنهم من الواسب بروتستانتي أنجلو-ساكوسني أبيض، مصابين بعمى الألوان، يغنون كلمة بكلمة مع Rock With You. يتمايل زوجان في منتصف العمر برفق بين الطاولات. ثمة شاب في الناحية الأخرى من القاعة يداعب فتاته برصانة. وهناك دائرة من الأشخاص المغلقة أعينهم تبتلع كل من يجرؤ على العبور.

على مدار ما يقرب من عشرين دقيقة يبدو كل شيء رائقًا. تذكرنا الأغاني بأنفسنا—وهذا سبب أهميتها. وأنا أتمعن في نسخة والدي من ألبوم Thriller، متسائلاً لسبب ما إن كان هذا الرجل صديقاً للعائلة. وتساؤلي أيضًا إن كان هناك نمر مطوي بالمنتصف. ليلة قضيتها أمام التلفزيون في انتظار Black and White. الفسحة في المدرسة صباح اليوم التالي ومحاولات مسك منطقة ما بين الفخذين بشكل خاطف. نسخ شرائط الكاسيت. تمثال جيف كونز. ويرد آل. فجأة جانيت تبدو أكثر جاذبية. تحقيق أرقام قياسية من أجل حفلة وتذكر أن العمال بالحانة يحبون دائمًا الاستماع إلى Don’t Stop ‘Til You Get Enough أثناء حساب البقشيش. مقطع يوتيوب الذي يضم مايكل جاكسون وبرينس وجيمس براون. الوقت الذي ظهر فيه في حفل جوائز الأغاني المصورة بصحبة ابنة بريسلي. ساعات قضيناها نتدرب على رقصة المشي-على-القمر أمام المرآة، بالرغم من أن أداءنا لم يتحسن قط. والآن وصلنا هنا: حانة، غرباء، هيومان نيتشر أغنية لمايكل جاكسون، كأس ماكّلان سكوتش ويسكي Macallan نظيف، تقدم في السن، إحساس عميق بخيبة الأمل.

https://www.youtube.com/watch?v=PbgrWa-cgQ4

المزيـــد علــى معـــازف