.
مقال ضمن عدد من المقالات تحت عنوان «أنا كدة، أنا كدة»: في فنّ صباح وتفرّدها
على الرغم من تقديم صباح ما يتعدّى الـ80 شريطاً سينمائيّاً في مسيرتها الفنيّة الطويلة، إلا أنّه يصعب الإشارة إلى أيّ من هذه الأعمال على أنّها تحمل أهمية سينمائيّة عالية. إذ انحصرت ميزات معظم هذه الأعمال كمساحة لانطلاق صوت صباح بأغان محفورة في الوجدان الشعبي، كمعظم الأفلام الغنائيّة التي كوّنت قالباً دراميّاً أو كوميديّاً لأهم الأصوات العربيّة. ناحتةً هويّة صباح الفنيّة الصوتيّة، ولتخرج بأنماط مختلفة من الأغاني، عاكسة تطوّر صوتها على مستوى الشكل والتقنيّات الصوتية مع تقدّمها في العمر، وبالإمكان عرض ذلك على أربعة عقود:
ابتدأت صباح مشوارها الفني في منتصف الأربعينيّات، مقدّمة مجموعة من الأفلام التي عرّفت صباح بالجماهير العربيّة، بشعرها الغامق ووجهها الممتلئ، وبقدرات تمثيليّة محدودة، مقتربة، في أدائها التمثيلي، من المونولوج الكوميدي في أغلب الأحيان. انعكس هذا الأداء على نوعيّة الأغاني التي كانت في كثير منها مونولوجات غنائيّة خفيفة، وأحياناً طريفة، لم تتكشّف فيها قدرات صباح الصوتية آنذاك، والتي شكّلت نمطاً تعزّز لديها لاحقاً لتصبح “الدلوعة” الأبديّة. من هذه الأنماط المبكّرة نجد أغنية “بعدين معاك” من فيلم “هذا جناه أبي” (1945) لهنري بركات من ألحان محمود الشريف، وأغنية “حطة يا بطّة” من فيلم “بلبل أفندي” (1948) لأحمد بدرخان، وهي من ألحان فريد الأطرش الذي شاركته بطولة الفيلم.
بعدين معاك
حطة يا بطة
استطاعت صباح في الخمسينيّات أن تطوّر من أدائها التمثيلي والغنائيّ لتبدأ مرحلة تكريسها في السينما الغنائية– وهي المرحلة التي ميّزها تبلور شخصية فنيّة لصباح، وتحوّل صوتها من ناعم ومؤدٍّ، إلى صوت أنضج وأكثر قدرة على التطريب الشرقيّ المصري لإتقانها اللهجة بشكل أفضل ممّا بدأت عليه. لصباح عدة علامات غنائية في الخمسينيّات أهمّها وأكثرها نجاحا على المستوى الجماهيري:
أغنية “أحبك ياني” من فيلم “إزاي أنساك” (1956)، وهي من ألحان فريد الأطرش التي صاغها بتأثيرات موسيقى التانجو التي اعتمدها في الكثير من ألحانه.
وأغنية “زنوبة” من نفس الشريط، لحّنها فريد الأطرش، والتي جاءت شعبيّة الطابع كلاما ولحناً
أغنيتي “لأ” من ألحان محمد الموجي، و“علمني الحب” من ألحان منير مراد من فيلم “شارع الحب” (1958)
ومن فيلم “إغراء” (1957) قدّمت أغنيتها الشهيرة “من سحر عيونك ياه” من ألحان محمد عبد الوهاب والتي منعت فترة لجرأتها.
شهدت الستينيّات توهّج صباح فنيّاً، وباتت صباح “الشقراء” التي طبعت صورتها بشعرها الأصفر في أذهان الجماهير، إلى جانب موجة تشقير انتابت المشهد المصري من مريم فخر الدين وهند رستم وليلى طاهر وليلى فوزي، كانعكاس لتشقير أميركيّ قادته مارلين مونرو. وكان للأفلام الملوّنة دوراً في إبراز شكل صباح وشقارها وأناقتها، ولمع صوتها في العديد من الأغاني التي أبرزت النضوج الواضح في صوت صباح، لتشكّل الستينيّات أجمل مراحلها الصوتيّة لصباح. من أبرز أغاني هذه المرحلة:
أغنية “الدوّامة” من ألحان محمد الموجي من فيلم “الأيدي الناعمة” (1963):
أغنية “الغاوي ينقط بطاقيته” من ألحان محمد الموجي من فيلم “جوز مراتي” (1961)
أغنية “حبيبة أمها” من ألحان فريد الأطرش من فيلم “ليالي دافئة” (1961)
أغنية “الحلو ليه تقلان” من ألحان محمد الموجي من فيلم “ثلاثة رجال وامرأة“ (1960)
أغنية “عالبساطة” من فيلم “أهلاً بالحب” (1968)
شهدت السبعينيّات تجارب غنائيّة ناجحة، وقد تكون أكثر أغاني صباح انتشاراً إلى يومنا هذا. ففي هذه المرحلة، بدأ صوت صباح بالتغيّر قليلاً، وبدأت تُسمع فيه غلاظة معيّنة مع بداية تقدّمها في السّن، إلّا أنّ ذلك لم يؤثّر على توهّجها، وطغى في بعض الأغنيات “الدلع” أكثر من السابق وتخفيف التشديد على بعض الحروف كالدّال أو النون للإيفاء بهذا الغرض، في سلسلة التغييرات الشكليّة والصوتيّة التي مرّت بها صباح. من أغاني هذه المرحلة:
“يانا يانا” من ألحان بليغ حمدي من فيلم “كانت أيام” (1970)
“عاشقة وغلبانة” من ألحان بليغ حمدي من فيلم “كانت أيام” (1970)
“أمورتي الحلوة” من ألحان بليغ حمدي من فيلم “نار الشوق” (1970)
“سلمولي على مصر” من ألحان محمد الموجي من فيلم “نار الشوق” (1970)
وقد تكون آخر أغانيها المصوّرة سينمائيّاً إحدى أهم أغانيها على الإطلاق، وهي “ساعات ساعات” من فيلم “ليلى بكى فيها القمر” (1980)، إذ تجسّد وتلخّص فلسفة صباح في عشق الحياة رغم صعابها ووحدتها، لتتحوّل إلى العنوان العريض لحياة صباح.
أغنية “ساعات ساعات” من ألحان جمال سلامة
لم تكن صباح يوما ممثّلة عظيمة، لكنّها استطاعت أن تطوّر أداءها التمثيلي بشكل مقبول، وسخّرت تواجدها السينمائي ليخدم صوتها ويثري أرشيفها الغنائي، الذي كان فيه لأغاني الأفلام نصيب هامّ ومختلف عما قدمته في مسرحياتها الغنائيّة وأغانيها المنفردة. وأتاحت لها السينما فرصة التعامل مع أكبر ملحّني مصر والعالم العربي من أمثال محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، ومحمد الموجي، ورياض السنباطي وبليغ حمدي، الذين أكسبوها أنماطاً وقوالب مختلفة عمّا قدّمته في أغانيها اللبنانية ومواويلها الشحروريّة، لتكون صباح المطربة اللبنانية الوحيدة التي استطاعت أن تكون من أهم مؤسّسي اللون اللبناني الجبليّ، وفي ذات الوقت من المطربات اللواتي أجدن الغناء باللهجة المصريّة في الأفلام الغنائيّة.