محطة | مروان موسى

خلال الأشهر الأولى من مسيرته، قال الكثيرون أن مروان موسى يتشبه بـ أبيوسف بشكلٍ زائد، لكنني لطالما اعتقدت أن هذه الاتهامات كانت متسرعة. صحيحٌ أنه كانت هناك مرحلة تبَنّي لا يمكن نفيها في البداية، خاصةً مع وصف مارو لنفسه في إحدى أغانيه بأنه “ثاني أحسن رابر في مصر“، لكن مع الوقت، أرى أن أثر مروان موسى على مشهد الراب في مصر، والقاهرة تحديدًا، بدأ يتزايد بشكلٍ يكاد يضاهي أبيوسف. في أغانٍ مثل فاوِل، بإمكاننا ملاحظة كيف أن كلمات مارو الساخرة بشكلٍ فكاهي، وأسلوب إلقائه القائم على الطلب والرد في الغناء، أصبحت مألوفة بشكلٍ زائد في المشهد، خاصةً بين الرابرز الأقرب له مثل عباسكيات، بينما فرضت إيقاعات مروان أثرها على الأغاني التي أنتجها لرابرز آخرين. في النصف الثاني من ٢٠١٧ ومطلع ٢٠١٨، أصبح مروان موسى أحد أكثر المؤثرين على صوت الراب في القاهرة.

مدفوعًا برضًى مماثل، قرر مارو مؤخرًا الاندفاع نحو المشروع الكبير المقبل بالنسبة له، ومستندًا على سمعته المتنامية كمنتج، عاد مروان موسى إلى الموسيقى التي سبق اهتمامه بها اهتمامه بالراب، الـ هاوس. في مطلع الصيف الفائت، تعاون مارو مع دوشة على أغنية الدوامة، التي كانت أولى أعماله الحديثة في الهاوس، والتي حققت رواجًا وخلقت بعض الترقب، ثم نزّل مروان مؤخرًا أغنية محطة، التي تسبب بعض التمهل وإعادة النظر عند الاستماع إليها.

يجدر بدء الحديث عن أغنية محطة بالتطمين إلى أنها تنجو من المشكلة الأشد خطرًا على الهاوس الذي يُنتج في المنطقة، وهي المزج الواضح والكسول. لا يقدم مروان فيوجن، بل يجد حلًا سهلًا وممتنعًا لدمج اللغة العربية وبعض تقاليد الراب المصري في الهاوس، ويمنح الناتج حسًا طبيعًا وكأنه صار لنا نسمع هاوس مصري من عشرين سنة. يساعد مروان على ذلك أنه ينقل طلاقته في فلاتر معالجة الصوت من الراب إلى الهاوس، فنسمع صوته في محطة جافًا وحادًا، مسطحًا دون أي تنقلات ديناميكية واسعة، بشكلٍ أضفى عليه كاريزما مبعدة ساهمت بها البحّة المتعمدة التي تظهر في صوته كل حينٍ وآخر.

لكن بينما تستفيد الأغنية من صوت مروان، تعاني من حداثته في إنتاج الهاوس. أول ما يلاحظ في الأغنية هو مجالها الديناميكي الضيّق نسبةً لتراك هاوس، ما يجعلها أكثر ملاءمةً لسماعات الرأس من مكبرات الصوت وحلبات الرقص. نزلات الصوت (الدروبس) غير واضحة، والحس الحركي الوحيد في الأغنية يأتي من استخدام ممل للكيك. سواءً كانت العينات الصوتية المستخدمة لبناء الإيقاعات مسجلة خصيصًا أو مأخوذة من الإنترنت، فهي لا تمتلك شخصية ولا تشي بطلاقة باستخدام السّنث أو برامج فلترة الصوت، بل تبدو مألوفة وشاحبة. أما مهارة مروان في صنع الإيقاعات فتكتفي بتقديم أسطر إيقاعية مسلية وممتعة، لكن لا تفاجئ المستمع كما في سائر أعماله.

أعتقد أن المشكلة الأصعب للتجاهل في محطة أنها، على خلاف معظم أعمال مارو، تبدو مسجلّة بعجلة واستسهال. ليس هناك آثار للتجريب والكمالية في بنية الأغنية أو العينات المستخدمة فيها، كما تغيب الطبقات المتعددة والمعقدة التي تميز أعمال مارو عادةً، وتظهر محلها مساحات عديدة فارغة بلا أفكار أو أصوات مميزة، ما يفقد الأغنية جاذبيتها وقوتها أمام السماع المتكرر. ربما تفوق مارو على منتجي الهاوس الرائجين في المنطقة من حيث أصالة وفرادة الصوت، لكنه وقع خلفهم في الإنتاج وهندسة الصوت. يبدو أن العديد من مهاراته ضاعت خلال الترجمة من الراب والهاوس، وسيحتاج إلى البحث عنها واستعادتها لو أراد تقديم أغاني هاوس تفاجئنا وتتملكنا كما تفعل أغانيه الراب.