.
أبو شجاع عايش، بطل كتيبة طولكرم محمد جابر أبو شجاع حيٌ يرزق، حامًلا سلاحه محمولًا على الأكتاف لتشييع شهداء مخيم نور الشمس. يبدو الفرح مستحيلًا فعلًا مع كل ما يحدث في غزة وفلسطين، إبادتان: الأولى مجازر وقذائف وحصار وتجويع على الملأ وأمام الشاشات، والثانية إبادة بطيئة طويلة الأمد تنخر في النسيج الفلسطيني، تدمر البيوت وتقتحم وتقتل وتأسر بصوت خافت. لنتخيل صور الأسرى والشهداء، ونضعها مكان وجه أبو شجاع، زكريا الزبيدي يحلّق على الأكتاف بين أمواج الناس، إبراهيم النابلسي، ملثّم جنين سميح أبو الوفا، وكل الشهداء الذين اصطادهم الاحتلال بخبث ودناءة إلى أن نصل إلى وليد دقة، الأسير الذي استشهد في السجن بعد ٣٨ عامًا من الأسر قبل قرابة أسبوعين.
كتب وليد عددًا من الإصدارات الأدبيّة والمقالات المهرّبة، منها كتاب يوميات المقاومة في مخيم جنين ٢٠٠٢، والذي يضم سلسلة من المقابلات التي عقدها أبو ميلاد داخل السجن مع أربعة مقاتلين أُسِروا بعد معركة المخيم، ليوثّق تجربتهم في أثناء فترة الحصار وهم: الحاج علي الصفوري، جمال حويل، يحيى الزبيدي وعبدالجبار خباص. يصف زكريا محمد هذا الكتاب في مقدمته بأنه وثيقة حيّة جرى التقاطها من أفواه رفاق وليد الجدد، ليشرحوا فيها تكتيكاتهم العسكرية وعملية صناعة الأسلحة بأقل الموارد، كما يصف فيه المقاومون علاقتهم بأهالي المخيم؛ الركيزة الأساسية التي جعلت هذا المخيم عصيًّا على الاحتلال حتى اليوم.
يحكي المقاومون عن شخصيات عديدة لها مواقف تدرّس في أثناء الحصار، مثل يوسف ريحان الملقّب عسكريًّا بأبو جندل، أو محمود الطوالبة النورسي الذين تم تخليد أسمائهم في أغاني وأناشيد المقاومة الفلسطينية. جمعت في هذه اللائحة ١٢ أغنية وأنشودة تحتفي بمخيم جنين ومقاوميه الشجعان الذين يفرضون قواعد اشتباك جديدة، رغم المواجهات الطاحنة مع العدو يوميًّا.
غنّى الفنان ذو الصوت الجهوري محمد الهبّاش مع كورال الجذور هذه الأغنية عام ٢٠٠٢، حيث أنتجت الفرقة ألبومًا كاملًا بعنوان ملحمة جنين. ما يميز الألبوم هو الطابع الجهادي الذي انتقل له محمد الهبّاش في الانتفاضة الثانية، والذي حافظ عليه أيضًا في ألبوم أبطال السرايا عام ٢٠٠٣.
باسم الشهادة لم أزلْ صوت السماءْ
أسطورة العصر المضرّج بالدماءْ
نحيي الكرامة والشقيق زلازلًا
في كل شبر من فلسطين الفداءْ
اخترت هذه الأغنية أيضًا من ألبوم الملحمة، حيث كتب كلماتها الدكتور حسن الباش، الصحفي والمفكر الفلسطيني الذي هُجّر مع أهله من حيفا إلى الأردن، من ثم إلى مخيم اليرموك في سوريا.
غنّت ميس شلش أغنية جن جنونه يا جنين موثقّةً حصار جنين، وبعكس الأغاني السابقة شاعت هذه الأغنية بشكل كبير بين صغار السن، وفي المدارس أيام الانتفاضة. تشير ميس في الأغنية إلى كتائب شهداء الأقصى، وإلى فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي، والشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، وأبو علي مصطفى أمين عام الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين. تقول ميس: “جن جنونه يا جنين / لسه ما عرف إحنا مين”، لترد عليها الجوقة: “هيو عرف إحنا مين.”
صدرت هذه الرثائية في ذكرى استشهاد أبو جندل الثالثة عشر، مايسترو معركة المخيم كما سمّاه الأهالي. بحسب شهادة الحاج علي الصفوري في كتاب وليد، يقول الحاج إن معظم الناس كانت تعتقد أن أبو جندل قاتل في المعركة كجزء من الأمن الوطني، لكن في الحقيقة، في اليوم الثالث من الحصار، انشق أبو جندل عن الأمن حيث قال للفصائل الأخرى: نحن لسنا من الأمن الوطني، ولا يشرفنا أن قيادتنا أمرتنا بالانسحاب، ولم توّفر لنا الذخيرة، ونحن الآن من أبناء التنظيمات المتعددة، ونحن من أبناء الشعب، ونريد الدفاع عنه. فرحّبت به الفصائل جميعها، وأوكلت إليه أن يكون القائد المسؤول عن مد الفصائل الأخرى بالذخائر، حيث استفادوا منه أيضًا فيما يتعلق بخبرته العسكرية.
تخص الأغنية البطل الشهيد محمود الطوالبة قائد كتيبة سرايا القدس الذي تخصص في تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة والقنابل اليدوية. في أثناء حصار ٢٠٠٢ قام محمود بتفخيخ العديد من البيوت وزرع الكمائن فيها لتفجيرها عند دخول الجنود الإسرائيليين إليها.
تتغنى الأغنية بزكريا زبيدي، المقاوم والمقاتل الذي عرفه أهل المخيم مؤسسًا وعضوًا فعّالًا في مسرح الحرية، قبل أن يصبح مقاتلًا. قتل الاحتلال العديد من أفراد عائلة زكريا وأصدقائه، ما دفعه للجوء للقتال المسلّح والانضمام إلى كتائب شهداء الأقصى التابعة لتنظيم فتح. سمّاه الشاباك بقط الشوارع لصعوبة اغتياله وأسره، ولقبّه أهل المخيم بالتنين، بسبب رسالة الماجستير التي كتبها بعنوان التنّين والصيّاد: المطاردة في التجربة الفلسطينيّة ١٩٦٨ – ٢٠١٨. في صباح ٦ أيلول ٢٠٢١، استطاع زكريا مع خمسة أسرى آخرين الهرب من سجن جلبوع بعمليّة أطلق عليها اسم نفق الحرّية.
تتحدث الأغنية عن قصة عبد الله أبو التين، أو طبيب الكتائب الذي استشهد في ١٤ أكتوبر ٢٠٢٤، حيث ودّع الدكتور عبد الله زوجته وابنه، وأخبرهما أنه ذاهب إلى مستشفى جنين لمساعدة الأطباء الآخرين، كما كان يفعل مع كل اقتحام. بعد ليلة مليئة بالمناورة، أصيب المقاوم ونقله الأهالي إلى المستشفى، ليتفاجأ الأطباء بعد أن كشفوا اللثام عن وجهه بأنه زميلهم الدكتور عبد الله.
لم أستطع إيجاد اسم النشيد الحقيقي أو مغنيه، لكن النشيد يذكر اسم رعد حازم منفّذ عملية شارع ديزنجوف في تل أبيب في ٢٠٢٢، التي قتل فيها ثلاثة إسرائيليين بطلقات رشاشه وأصاب عشرة. اغتاله الشاباك بعد مطاردة استمرت عشر ساعات في مسجد في يافا. تعد هذه العملية من أهم العمليات التي نفذتها المقاومة في تل أبيب بعد عملية دلال المغربي في السبعينات.
يا ويلهم من رعدنا / كالغول قد أقبل
قاوم ولم يلقِ السلاح / بأرضنا زمجر
تذكر الأغنية أسماء عدد من أبطال المخيم الذين أسرهم الاحتلال قبل عشرين عامًا وما زالوا في الأسر مثل عبدالكريم عويس. لا نستطيع الحديث عن هؤلاء الأسرى والشهداء الأبطال دون الحديث عن أمهاتهم الصابرات، حتى أنهن شكّلن ما هو أقرب إلى رابطة تجتمع فيها أمهات الأسرى والشهداء لمواساة بعضهن.
الشعب بيسأل هذا مين / شب ملثّم بالصورة
هذا بطلنا سميح / أبو الوفا الأسطورة
تحكي الأغنية قصة المقاوم ذي العشرين عامًا والقيادي في كتيبة جنين سميح أبو الوفا، والذي نُشرت صورته ملثمًا مع تصديه لاقتحام مخيم جنين في آذار ٢٠٢٣، حيث استعصى على الاحتلال اغتياله، إلى أن استهدفوه بطائرة انتحارية أثناء معركة بأس جنين التي أعلنتها الكتيبة بعد مغادرة كوادر السلطة الفلسطينية المخيم، واقتحام القوات الإسرائيلية له.
الأغنية الرسمية لكتيبة جبع التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري للجهاد الإسلامي. يغني النشيد إبراهيم الأحمد واللحن مستمد من التراث العراقي. اغتال الاحتلال العديد من عناصر الكتيبة، ومنهم الشهيد كامل العلاونة ذو الثمانية عشر عامًا الذي سمّي تيمّنًا بأخيه الشهيد كامل علاونة الذي نفّذ عملية استشهادية في ٢٠٠٣. بذلك فقدت عائلة العلاونة الشهيدين كامل الأول وكامل الثاني بالطريقة نفسها، ليفرّقهم الزمن وتجمعهم الشهادة.
قدّمت فرقة الوعد عددًا من الأناشيد في سلسلة سمّتها أطياف الاستشهاد. في هذه الأنشودة ذكرت الفرقة كل من ريم الرياشي وآيات الأخرس ووفاء إدريس وهنادي جردات بنت جنين. نفّذت هنادي عملية التفجير في حيفا في ٤ تشرين الأول ٢٠٠٣، تركت هنادي وصية لأهلها تقول فيها: “أعلم أنني لن أُعيد فلسطين أعلمها تمام العلم، ولكن أعلم أن هذا واجبي وقد قدمته أمام الله.”