fbpx .

مشروع ليلى | محبة أقل وتقدير أكبر

عمار منلا حسن ۲۰۱۵/۱۲/۱۲

في عام ١٩٤٤ شهدت إحدى حفلات فرانك سيناترا أعمال شغب من قبل الجمهور، هي الأولى من نوعها في تاريخ الموسيقى المعاصرة، إذ لم يتسع مسرح بارامونت بنيويورك لـ ٣٥ ألفاً من معجبات سيناترا المصرات على رؤيته بأي ثمنٍ أو طريقة. هل كانت الموسيقى هي ما ينشدنه؟ مستبعد. فالموسيقى متوافرة على الاسطوانات وتذاع عشرات المرات يومياً على كل إذاعة أمريكية محلية أو وطنية، لكن الحشد كان بانتظار الشخصية الرمزية لـ سيناترا، وجوده الفيزيولوجي، حضوره. كان هذا أول نموذج للـسوبرستار الموسيقي كما نعرفه اليوم. من بعد سيناترا استمرت صناعة الموسيقى بتغذية الجمهور بـالنجوم، أولاً إلفيس، ثم عدوى الـبيتلزمانيا، وصولاً إلى جستن بيبر اليوم.

هل كانت النجومية ظاهرة مفيدة؟ بالنسبة لصناعة الموسيقى كانت مفيدة جداً، فالاختراع الأعظم للثقافة الاستهلاكية، وهو العلاقات العامة والإعلان، قد وصل أخيراً للموسيقى لتحويلها لصناعة رابحة قابلة للتصدير. لكن ماذا عن أثر النجومية على الموسيقى ذاتها؟ أو على الموسيقيين؟ بالطبع لم تؤذِ النجومية إلفيس برسلي، لكنها حولت الجمهور من الاحتفاء بإنجازاته الموسيقية العبقرية التي رسخت موسيقى الروك آند رول بعد أن كانت لوناً هجيناً غير مستقر، إلى تتبع أخباره الفضائحية وتقمص حركاته ومحاولة تقليد تصفيفات شعره. لم يكن العالم العربي بمعزل عن هذه الأجواء تماماً، ففي العصر الذهبي للموسيقى العربية نجح فنانون بالاعتماد بالتوازي على قدرتهم على الإطراب من جهة، وهو أمر تمكنوا منه بالفعل، وعلى نجومتيهم من جهة أخرى، لدرجة أن فتاةً أقدمت على الانتحار إثر وفاة عبد الحليم حافظ. أما خلال العقود القليلة الماضية فكانت النجومية السبب الوحيد لنجاح معظم الفنانين، فلو تناولنا تامر حسني مثلاً، لما استطعنا القول أن جمهوره أحبه للأسباب الخاطئة، إذ لا توجد أسباب صحيحة نأسف لإغفالها.

لكن الأمر يأخذ منحاً مقلقاً بظهور فنانين مثل مشروع ليلى، والذين ضاعت إنجازاتهم الموسيقية في بحر نجوميتهم. الكثير يرون الفرقة كبضعة شباب وسيمين، وبالتالي يشبهونهم بالـ Boyband، أو يعتقدون أن من التحرري أو التقدمي الاستماع لمشروع ليلى. الفرقة حُقنت أيضاً بالهوس السياسي الذي بلغ درجةً غير صحية خلال السنوات الخمس الأخيرة في المنطقة، إذ بات ينُظر لموسيقاها على أنها متمردة أو جريئة أو يسارية أو على أنها صوت الربيع العربي. أنا لا أقول أنها صفات سيئة لكنها تناسب حزباً سياسياً أكثر من فرقة موسيقية.

لهذا فقد باتت الفرقة إلى حدٍ ما تحت خطر الشهرة، ولو حضرنا حفلاتها في المنطقة العربية لرأينا بالفعل ما يمكن تسميته بـ ليلامانيا. الهوس بشخص النجم وشخصيته الكرايزماتية قبل فنّه. النتيجة أن الفرقة التي تستحق النجاح تحصل عليه بالفعل، لكن لأسباب الخاطئة. في المقابل، تصبح هذه النجومية عائقاً أيضاً أمام المستمع الحذر للموسيقى  البديلة، حيث تنفره/ا هذه النجومية ويصبح عاجزاً عن رؤية الإنجاز الموسيقي الكامن وراءها.

إذا كان التمرد والتحرر والكوول أسباباً خاطئة لمتابعة الفرقة، فهذه في المقابل بعض من الأسباب الصحيحة (برأي الكاتب على الأقل) لمتابعتها:

بنية الأغنية المتقنة والمجددة

في ألبومها الأول أظهرت الفرقة قدرتها على التمرد لا سياسياً، بل موسيقياً، في مجال بنية الأغنية. نوعت في أغانيها بين ما هو لحني وإيقاعي، وتخلت عن بنية (مقطع، لازمة، مقطع، لازمة، مقطع، ذروة، لازمة ) في معظم الأغاني لصالح بنية حرة Free Form مبنية على أساس إيقاعي أحياناً مثل أغنية لتلت، أو على أساس لحني في أحيان أخرى مثل رقصة ليلى. المذهل في الأغنية الأخيرة أنها تمسك فكرة لحن وتطورها بأكثر من إيقاع وسرعة وتوزيعة موسيقية بشكل يشبه البناء السيمفوني.

كانت الفرقة أيضاً مبذرة باستخدام التكنيكات المختلفة لتلوين الألبوم وجعله أكثر تركيزاً وإثارةً للاهتمام، فمن استخدام مقاطع صوتية جاهزة (من التلفزيون أو مجموعة ناس يتحدثون) في ما يشبه الكولاج الموسيقي، لاستخدام الوقفات والمقاطع الصامتة الطويلة والقصيرة، مروراً باستخدام الأداء الصوتي الكلامي، للأداء الصوتي منخفض الجودة بشكل متعمد Lo-Fi Vocal Performance، وأخيراً إحداث انقلابات في منتصف الأغاني، كما في أغنية من الطابور، حيث ننتقل من إيقاع راقص إلكتروني سريع لأداء بطيء وحزين على الكمان بصحبة غناء مشتت، لتبدو الأغنية كتحية لـ A Day In The Life للبيتلز. وكأن كل ذلك لم يكن كافياً، أرادت الفرقة وضع حبة كرز على قمة الكعكة فحولت إم بم بللاح الفولكلورية لما يمكن اعتباره أول أغنية ديسكو/هاوس شرقية تماماً، حيث لم ينقص الحضور القوي للجيتار الكهربائي من طابعها الشرقي.

استمر التمرد الموسيقي بشكل أكثر لطفاً وتركيزاً في ألبوم الحل رومنسي، حيث قدمت لنا أغنية وجيه مثالاً ممتازاً عن البورتريه الموسيقي لشاب شرق أوسطي مش شايف حدا غيرو، مش شايف إلا زبالة، ولتعميم الحالة وجعل البورتريه لمجتمع لا لشخص اقتبست الأغنية كلمة معينة شائعة الاستخدام من القاموس المحلي هي ورصاص!”. صدر الألبوم في عام ٢٠١١ الذي كان عام الرصاص بامتياز في العالم العربي، ثم يأتي كمان هايغ بابازيان المشحون عاطفياً في آخر الأغنية ليؤكد على أن لوحة البورتريه هذه انطباعية عميقة وليست واقعية أو كلاسيكية مقتصرة على المظاهر. أغنية أخرى لا نستطيع تجاهلها في هذا الألبوم هي الحل رومنسي التي تحمل اسم العمل. تبدأ الأغنية بشكل ضحل ومخيب للأمل بجيتار إيقاع وجيتار بايس خجول وأداء صوتي مشتت لسنو، لكن خيبة الأمل كانت متعمدة لتكون مقدمة مناسبة لأغنية ذات بنية تصاعدية تراكمية محبوكة بشكل متقن، حيث لا تتسلل الأدوات الموسيقية الجديدة بهدوء لتصاحب الأغنية، بل تظهر كحزمات، دفعةً تلو الأخرى، حتى يشعر المستمع أنه يصعد سلماً موسيقياً، الدرجة تلو الدرجة تلو الدرجة، واستراحة في المنتصف لالتقاط الأنفاس، وأخيراً الوصول للقمة وإنهاء الأغنية عندها.

لكن تفوق الفرقة في مجال بنية الأغنية وصل ذروته في رقصوك، العمل الذي أظهر الألبومين الأولين بمثابة محاولات، فيما ظهر هو نفسه كعمل ناضج مركز وجاهز للعرض. أغنية بيشوف قدمت لنا الأغنية التراكمية التصاعدية بأفضل أشكالها الممكنة متفوقةً على سابقتها، الحل رومنسي، بمسافات. تبدأ الأغنية بسطر إيقاعي من نوطتين فقط على البايس، ثم يحملها كمان بابازيان خلال مقطع عزف منفرد يبدو كالإبحار في مياه مظلمة، ويسلمها أخيراً لكورال صوتي يغني فوق إيقاع معقد، قبل أن يعود الكمان في أداء منفرد ثانٍ يتنقل من الطبقات الصوتية العريضة للحادة وينهي الأغنية.

حامد سنو

أغنية عبدو تؤكد عدم التزام الفرقة بفكرة اللازمة لصالح بنيات أخرى مثل: مقطع غنائي، مقطع أدواتي، مقطع غنائي، مقطع أدواتي، مع نوع من التطور على طول الأغنية. التطور هنا كان بالحركة الدرامية للأغنية لا بالكثافة الصوتية. وأخيراً تأتي اسكندر معلوف ببداية إيقاعية عابثة وساخرة تقوم على سطر كمان متكرر إيقاعي وأداء سنو الصوتي بطبقة حادة زائفة، قبل أن تأخذ خلال الدقيقة الأخيرة منحىً أكثر ميلاً لللحن من الإيقاع وللحزن من العبث وللمنولوج الداخلي من الخطاب الساخر.

أما بالنسبة لـ ابن الليل الصادر مؤخراً فما زال من المبكر الحديث عن إنجازات الفرقة على صعيد بنية الأغنية فيه، لكن أغنية أيودي التي يفتتح بها الألبوم تبدو واعدةً جداً ببداية أدواتية تنتقل بسلاسة من الجانب الإيقاعي للحني بمساعدة كمان بابازيان، حتى يدخل أداء حامد سنو وينهي الجو العابث بأداء حزين بطبقة الصوت الحادة الزائفة كما في اسكندر معلوف. الواضح أن أداءه الصوتي في الأغنيتين أكثر شخصيةً وبالتالي أكثر احتداداً عاطفياً، كيفما شاء هذا الاحتداد التعبير عن نفسه.

أسلوب الغناء وتطويع اللهجة اللبنانية

لا يكترث معظم مغنو الروك العربي (أو لا يلاحظون من الأساس) التناقض المزعج بين ملافظ اللغة العربية وموسيقاها من جهة، وبين الأدوات الموسيقية الكهربائية والإيقاعات الغربية الخاصة بموسيقى الروك من ناحية أخرى. وعندما يلاحظ بعضهم ذلك غالباً ما يعمدون لتطويع الإيقاع واستخدام آلات شرقية لجعل اللغة العربية تبدو وكأنها في محيط صوتي مألوف إلى حد ما. في المقابل، لم يكن أعضاء مشروع ليلى مستعدين لتقديم تنازلات أو الالتزام بتقييدات مماثلة، بل رفعوا البار عالياً زيادة عن المعتاد وسمحوا بالمزيد من الآلات الموسيقية بالانضمام للجوقة، وبالتالي كان عليهم تطويع اللغة العربية نفسها لتوائم أوركستراهم الصغيرة.

وباعتباره المؤدي الصوتي الوحيد بالفرقة، وقعت المهمة بالكامل على حامد سنو، الذي قام بالتعامل معها باستخدام طريقتين متوازيتين. الأولى كانت بالأداء الصوتي المعتمد على طمس أو على الأقل تخفيف الملافظ والأحرف الأكثر حرجاً وإشكاليةً، ما يدفع العديد من مستمعي الفرقة للمرة الأولى للتساؤل: “بأي لغة يغنون؟، إذ يخفق المستمع برصد أي أحرف من قبيل عين، خاء، حاء، ظاءبعد أن يمر صوت سنو كمدحلة على هذه الأحرف ويتركها مسطحة وهجينة للاستخدام الموسيقي. إلا أنه يقوم بذلك على نحو مركز جداً ومعتمد على استخدام اللكنة اللبنانية، والتي تمثل الطريقة الثانية: اللكنة التي تحتوي بالفعل على درجات عالية من المد والمط واللحن في الكلام، ما يجعل التشوه الذي ينتج عن مد كلمة عربية مألوفاً لأنها تلفظ على هذا النحو باللهجة المحلية على كل حال، ومن المعتاد سماعها ممطوطةً لهذه الدرجة أو لدرجة قريبة، خصوصاً لو قام سنو (وغالباً ما يقوم) باستخدام النسخة الأكثر عبثاً ومياعةًمن اللهجة. ليس هذا فقط، بل إن المسافة الزمنية التي يوفرها مط كلمةٍ يمنح سنو الفرصة المثالية للتعامل مع الملافظ والأحرف الحرجة، حيث قد تتشوه هذه الأحرف خلال مط الكلمة لدرجة لا يعود هناك داعي لطمسها أو خنقها من الأساس.

سنو يدرك تماماً أي لحظات من الأغنية تسمح له باستخدام الحرف واللفظ العربي الحرج كما هو دون أن يتسبب بتناقض أو إزعاج سمعي، ويقوم بالفعل بالاستفادة من هذه اللحظات على أفضل وجه ويأخذ راحته خلالها، حتى يقع المستمع تحت وهم أن لا تناقض بين العربية وموسيقى الروك.

مزاوجة الكمان مع الروك

ليس الكمان، منفرداً كان أم في جوقة، بالأداة الموسيقية الجديدة على موسيقى الروك. ولو أن استخدامه يبقى نادراً، إلا أن الإشكالية التي تصاحب استخدام الكمان تكمن بإضفائه نوعاً من الملحمية قد لا تحتمله أو تقصده الأغنية، لهذا نراه بشكل أكثر بموسيقى الروك الجدية Progressive Rock مثل استخدامه عند فرقة Muse والميتال  مثل استخدامه في فرقة My Dying Bride حيث تعد الملحمية متطلباً، أما في موسيقى الروك الأكثر رواجاً فيقتصر ظهوره على مقاطع غالباً ما تكون إيقاعية وقصيرة وأحادية التكرار كما رأينا في بعض أغاني ألبوم Magic Whip لـ Blur.

لكن الوضع مختلف تماماً عند مشروع ليلى، فرغم ظهور الكمان كأداة موسيقية رئيسية منذ ألبومهم الأول، منوعاً بين الدورين اللحني والإيقاعي، إلا أنه لم يدفع الأغاني لمنحىً ملحمي إلا عندما كان الأمر مقصوداً (كما في بيشوف)، أما في معظم الأغاني الأخرى كـ اسكندر معلوف ولتلت فقد لعب الكمان دور الجيتار الكهربائي بالضبط في الروك: في الأغنية الأولى كان ذو صوت أكثر مرحاً وعبثاً، وفي الثانية أكثر حزناً وحذراً، لكن ليس ملحمياً بأي حال، ومنسجم تماماً مع الإيقاعات المعقدة غالباً، سواءً أكان يعزف فوق الإيقاعات أو معها. المذهل أن الكمان قد يأخذ دوراً إيقاعياً ويعزف فوق الإيقاع، وذلك عبر عزله عن باقي الأدوات الموسيقية الإيقاعية خلال عملية المزج الصوتي، كما في لتلت. وأخيراً لا يخفق الكمان في ملء أدوار العزف المنفرد فوق أدوات إيقاعية متنقلاً بين نوطات ذات طبقة حادة ثم أخرى رخيمة.

وربما ما يساعد هايغ بابازيان على أداء كل هذه الأدوار محافظاً على مسافة آمنة بعيداً عن الطابع الملحمي غير المرغوب، هو توسيع المسافة الزمنية لكل نوطة، والحفاظ على أدنى حد من التنويع اللحني في السطر الواحد، إلى جانب إيقاع بطيء قدر الإمكان دون أن يصل لدرجة من البطء تناقض الأغنية. لهذا نرى الكمان غالباً ما يعزف فوق الأدوات الإيقاعية وليس معها حتى عندما يكون دوره إيقاعياً، حيث يتحرر بذلك من اضطراره لمواكبة إيقاعات أكثر سرعةً قد تعطي الكمان صوتاً صارماً عسكرياً ينافر الأغنية كلها.

كلمات الأغاني

بعد تقليل الكثير من المغنين المشاهير من قيمة كلمات الأغاني، ووصف كتابة الأغاني على أنها عملية ثانوية وتأتي بعد العثور على اللحن، أصبح من الخطر على صحفي / ناقد موسيقي أن يمتدح قدرة فنان ما على كتابة الأغاني، لكن أينما كانت القواعد كانت الاستثناءات، وأعتقد أن مشروع ليلى استثناء قوي في هذا السياق.

الطابع الأبرز الذي يحدد كلمات الفرقة كونها دائماً مكتوبة من منظور الشخص الأول، وغالباً ما تكون خطابية، والخطاب غالباً ما يكون لشخصية مضمرة وأحياناً قليلة للمستمع نفسه. وأخيراً فإن هذه الخطابات الموجهة لشخصيات مضمرة غالباً أعد بعدم استخدام 'غالباً' مرة أخرى لآخر المقال ما تكون على شكل مواجهات، سواءً عدائية أو توسلية أو عاطفية. ولعل أنجح المواجهات التي كتبتها الفرقة هي اسكندر معلوف التي ترد على التهكمات المبنية على مثلية حامد سنو، وتبدأ الأغنية بـ حاج تأكد على قفل الباب، في إشارةٍ إلى باب الخزانة، حيث يقال في الإنكليزية أن شخصاً ما خرج من الخزانةبمعنى أعلن عن ميوله الجنسية المثلية. تستمر الأغنية ما فيك تتخبى من اللي عم يصير بجسمك، متهمةً الشخصية الرمزية اسكندر معلوف بكونه وسط حالة إنكار لميوله الجنسية ومحاولة التمويه عنها عبر اتخاذ موقف عدائي ضد المثليين، ثم تأخذ الأغنية منحاً مخبولاً فيقول سنو أنه ليس سكراً بما فيه الكفاية ليفهم ما يحدث برأسه، محاولاً اصطحاب صديقنا معلوف لوادي التشوش العقلي بعد أن مر به بسهول التشوش الجنسياسكندر معلوف

أغنية أخرى تستحق الذكر هي وجيه، فرغم كون الأغاني البورتريهية تكتب عادةً من منظور الشخص الثالث كما الأمر في حالة الرسم، إلا أن أعضاء الفرقة يكسرون القاعدة ويتحدثون بلسان وجيه بدلاً من التحدث عنه. وأخيراً نذكر كلمات أغنية تكسي التي تتطرق للأزمة الوجودية بشكل شديد المباشرة لا يستند على الترميز إلا بشكل هش، إذ يمثل مشوار التكسي لرحلة الحياة التي ستمضي بنا حتى لو رفضنا الانضمام، وستنتهي بالموت بذات الدرجة من الحتمية، بينما يعود لنا خيار واحد فقط: أن نتحكم بمجرى هذه الرحلة قبل وقوفها النهائي المحتوم.

مشروع جاد

بالمجمل، لم تزد الصحافة الموسيقية العربية (التي تكاد لا تكون موجودة) الطين إلا بلةً حين أثنت على الفرقة من منطلق سياسي. أما الصفحات والأشخاص المهتمين بالموسيقى البديلة وذوي المتابعة العالية على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ألحقوا مشروع ليلى قسراً بحركات فنية غير موجودة مثل موسيقى الأندرغراوند العربية أو الروك العربي، إذ أن توجه فرق عربية لغناء الروك بالعربية أو سواها لا يعني بالضرورة تشكل لون موسيقي تحت تسمية الروك العربي، وحتى في حال تشكل لون مماثل فليس بالضرورة أن تنتمي مشروع ليلى إليه.

علينا إذاً أن نأخذ خطوة للوراء حين ننظر إلى مشروع ليلى، أن نتوقف عن أسر موسيقاها في تصنيفات سياسية وهوياتية مهما كان الأمر مغرياً، وأن نمنحهم، ولو من قبيل التجربة، استماعة واحدة موضوعية: استماعة متأنية لموسيقى الفرقة وإنجازاتها الفنية البحتة بمعزلٍ عن أي تشويشات أخرى. ربما لن تبقى الفرقة بالنسبة لنا صوت الربيع العربيأو الناطق باسم الجيل، لكنها بالمقابل قد تغدو شيئاً أهم بمراحل: مشروع فني موسيقي جاد يحتاجه الواقع العربي.

المزيـــد علــى معـــازف