مفاتيح المملكة | مقابلة مع حسن خان

يشغل حسن خان مكانةً عالمية بارزة في مجال الفنون ذات الوسائط المتعددة، وهو أحد أوائل العاملين في الموسيقى التجريبية في المنطقة الذين تعود أعمالهم إلى أوائل التسعينات. في هذه المقابلة نتعرّف على آخر مشاريعه، أغنية الهيب هوب اللا نهائية، التي شارك بها في معارض مثل سوفت باور في متحف سان فرانسيسكو للفن الحديث ومعرض ليكويد لاف في تايباي؛ كما كانت موضوع العرض الأول في معرضه الفردي مفاتيح المملكة في متحف رينا سوفيا في مدريد. أيضًا، نخوض في المقابلة في تفاصيل ومنهجية أهم أعمال خان، التي تتنوع أساليب إنتاجها وذائقتها وأنواعها بين الشعبي والكلاسيكي والإلكتروني التجريبي.


عملت مؤخرًا مشروع كبير بإسم أغنية الهيب هوب اللا نهائية [The Infinite Hip Hop Song]. قبل ما نبتدي نتكلم على تفاصيل المشروع دا تحديدًا، ومشاريعك الموسيقية التانية وطريقة شغلك، كنت عايزك تديني نبذة عن المشروع. 

الفكرة الأساسية كانت عندي من فترة طويلة جدًا، طول الوقت كان عندي تخيل ما لأغنية لا تنتهي. سياق إنتاجها المناسب جه لما كنت بحضّر معرض مفاتيح المملكة (The Keys to the Kingdom) في متحف رينا سوفيا في مدريد [المتحف الوطني للفن الحديث]. المعرض كان مرتبط باللحظة الشعبوية الراهنة ومدى قدرة الرموز والأشكال على شحن السلطة وتحويلها إلى معاني وعواطف ذات صدى عند جموع البشر. وانا بشتغل على المعرض والأعمال المختلفة بتتطور حسيت باحتياج لعمل يكون مرتبط بالصوت الجمعي وبيتكلم بلغة مختلفة شوية عن الأعمال الأخرى. في اللحظة دي كذا حاجة دخلوا في بعض، الهيب هوب وفكرة اللا نهائية اللي مش بتتعاد؛ شيء متدفق من غير توقف وبدون إعادة في نفس الوقت، شيء شعبي في مواجهة شيء شعبوي. الجديد بالنسبة لي كان إني أستخدم الهيب هوب كوسيط، بس فكرة الأغنية التي لا تنتهي كانت هاجس موجود من زمان. 

كواحد بيسمع وملم بالمزيكا والمشاهد المختلفة، أنا عارف إنك آخر كذا سنة زاد تركيزك واهتمامك بالهيب هوب. إيه اللي شدك فيه؟ وإيه علاقتك بيه من قبل كدا؟

في التسعينات مثلًا ما كنتش هيب هوب فان، مع إن أصحاب كتير كانوا بيسمعوا 2PAC وBiggie وSnoop Dogg، بس انا ما كنتش ميّال قوي، قشطة تمام فَك ذَ بوليس مافيش مشكلة [يضحك]، أكيد كان فيه حاجات بتلمّس بس ما كنتش بقعد أسمع هيب هوب. بس تحديدًا في ٢٠١٦ – ٢٠١٧ سمعت أو يمكن شوفت فيديو لتراك لأبيوسف وشدني، مش فاكر آنهي تراك، مع إني كنت سمعت أبيوسف قبل كدا بس ما كانش شد انتباهي قوي. عامةً الراب المصري اللي سمعته زمان كان بدائي جدًا وفيه فطش كتير كأنه شكل أخر للبوب العربي بتاع بداية الألفينات. المهم، ابتديت أسمع أبيوسف في الوقت دا وفيه حاجة زبطت. بعدين فتحت العدسة شوية: داما اللي بقى مروان بابلو بعد كدا، مايكروسكوب، دينهو، كاريكا، مروان موسى، مولوتوف، شاهين إلى آخره. كان فيه نهم تجاه الراب وبالذات الراب المصري. أعتقد فيه سببين لدا، واحد، إنه بالعربي يعني باللغة بتاعتي أنا، أو حتى أكثر من كدا (لأن الإنجليزي تعتبر تقريبًا لغة أم ليا أيضًا) فيه حاجة حصلت: السياق واللغة اللي بيستخدموها هي نفس سياق المدينة اللي أنا عايش فيها واللغة اللي حواليا. ثانيًا، فيه تطور حصل في الراب المصري من أيام مثلًا أمي مسافرة، فيه فرق شاسع حصل. فمع النطة دي في الراب نفسه والموسيقى والأتيتيود ومع توسعه وإحساس إنه تأصّل بدرجة ما وبقى جزء من ثقافة شعبية، كل دا كان جذاب ليّا. الهيب هوب نفسه كنمط أو genre بيـ ميك سنس ليّا دلوقتي، لإنه بيمزج حاجات كتير موجودة حوالينا وليها وقع وسلطة وتأثير. مثلًا التاتش الشعبوي بتاع ترامب مش بعيد عن جماليات الهيب هوب برضه، فيه حاجة ليها دعوة بالتوحش والانهماك في الملذات والفجاجة، فيه حاجة بتربط الأنماط دي ببعض، وانا مش شايف إنها صدفة إن الحاجات دي رائجة في الزمن الحالي، وإنه دا ليه معنى. أنا مش برفض الحاجات وخلاص، إنه مثلًا دي حاجة فجّة فهي وحشة، بالعكس ممكن يبقى ليها معنى وتبقى مهمة جدًا، هو بس ازاي الواحد بيتعامل معاها. فحسيت إنه الهيب هوب برغم من ذكوريته وفجاجته وكل الحاجات دي فيه طاقة ما عاملة تلامس منطقي مع اللحظة الراهنة، ودا اللي شدني. كنت عايز اشتغل على دا بدون إعادة إنتاج نفس الجماليات السائدة داخل عالم الهيب هوب. بس برضه الموضوع مش ذهني بحت، فيه رد فعل عاطفي تجاه الهيب هوب وإنه فيه شيء مهم بيربطه مع الوضع الراهن بتاع العالم.

صورة من الإنستولايشن لـ أغنية الهيب هوب اللا نهائية في متحف الفن المعاصر تايباى، الصورة من إهداء TheCube Project Space ومن تصوير Chen You-Wei. حقوق نشر الفكرة والموسيقى وكلمات الأغاني، وكل المحتوى الذي جرى إنتاجه وتوليده من خلال هذا المشروع، لـ حسن خان

بالتالي مشروع زي دا إنت ما تفتكرش إنك كنت ممكن تعمله من عشر سنين مثلًا.

لأ. عشان أعمل أي حاجة لازم يكون عندي اهتمام وانجذاب حقيقي ليها، ما بعملش حاجات أكنها في ليستة لازم تخلص. يعني مثلًا الواحدة الكبيرة في  ٢٠٠٩، كانت نابعة من إني بدايةً من ٢٠٠٤ لغاية الثورة كنت بسمع شعبيات كتير جدًا وكان فيه حاجات كتيرة شداني فيها. أنا بسميها شعبيات عشان تبقى أشمل من مجرد الأنماط المختلفة زي المهرجان أو المولد أو الموال أو فرشة النبطشي أو أيًا كان. عشان كدا عملت الواحدة الكبيرة عشان كان عندي اهتمام وحب حقيقي وإيمان بقدرة الشكل دا لطرح شيء جديد موسيقيًا. كانت فيه حاجات شداني فيها وحاسس إنها بتمثل تطور في الموسيقى العامة في مصر بطريقة مثيرة جدًا، يمكن دا اتغير مع الوقت عشان الموضوع بقى مستهلك ودي الدورة الطبيعية لأي نمط موسيقي شعبي. 

إلى أي مدى المشروع دا يختلف عن مشاريعك الموسيقية اللي قبل كدا؟

حاجات وحاجات. فيه أشياء كتير مرتبطة بمشاريعي اللي قبل كدا. أول اختلاف إنه خوارزمي ولا نهائي وفيه شيء خارج سيطرة المؤلف ومتساب لخوارزميات البرنامج. دا طبعًا اختلاف كبير عشان كل حاجة عملتها قبل كدا، حتى لما بشتغل مع الموسيقيين والموسيقيين المساندين (session musicians)، دوري كمؤلف بيبقى واخد مساحة كبيرة؛ ودا برضه كان له تأثير على المشروع دا. أنا لما مثلًا ابتديت اتكلم مع أوليفييه باسكوي اللي هو الـ computer music designer اللي عمل البرنامج بتاع المشروع، اتكلمت معاه في إننا عايزين نستخدم الخوارزم كشيء نطوّعه منخليهوش يفرض منطقه علينا، فإحنا بنستخدم الخوارزم كأداة تأليفية مش كطريقة للتخلي عن المسؤولية أو لإطلاق المتغيرات (parameters) بشكل عشوائي وخلاص. الفكرة أو إحدى الدوافع الأساسية: إزاي تألف بالخوارزم وتستخدمه كآلة، فَ زي ما النمط نفسه، في الحالة دي الهيب هوب، هو وسيط أو مادة خام للمشروع فالخوارزم نفسه هو أيضًا وسيط، مش هدف. دا مرتبط بتعاملي مع الموسيقى من زمان جدًا، فمثلًا في طبلة ضَب في  ٢٠٠١، المقدمة اللي كتبتها وقتها إنه المشروع مهتم إنه يستخدم الثقافة الموسيقية نفسها كأداة أو آلة، على أساس إن الطبلة جزء محوري من الثقافة الموسيقية المصرية. فهنا فيه استمرارية للفكرة مع إن الأشكال والأنماط بتتغير من مشروع للتاني، بس الجزء المفاهيمي مرتبط ببعضه. اختلاف تاني هو إنه كل العناصر زي البايس والبيتس والميلوديز معمولة بـ ميدي (MIDI)، نادرًا ما بشتغل بـ ميدي، استخدمته مثلًا في كلَب جاميلان. وبرضه طبعًا كانت أول مرة اشتغل مع رابرز.

 طيب ازاي اشتغلت معاهم ومع الموسيقيين اللي قبل كدا عامةً؟

كتير بشتغل مع الموسيقيين المساندين بمنطق المخرج مع الممثل، أكتر من علاقة المنتج مع الموسيقي. أنا بتعامل مع العازف مش كمجرد شخص جاي يلعب شوية نُوَت أو “إعمل كذا” أو “إديني إحساس” مثلًا بس، [بتعامل معاه] كشخص عنده مخاوف ورغبات وبستخدم الحاجات دي كجزء من الأداء الموسيقي. زي مثلًا في الواحدة الكبيرة، فيه نبطشي بيقعد يصرّخ ويقول كلام مش مفهوم في أول تراك، النبطشي دا قلتله إننا بنعمل تراك للصم والبكم وإنه يبص عليا وأنا حعمل حركات وهو لازم يحوّل الحركات دي لأصوات. مع الرابرز الموضوع كان مختلف شوية، بعملّهم مقدمة للمشروع والكلمات وبنقراها مع بعض وبردّ على كل الأسئلة اللي عندهم وبعدين نبتدي نعمل جلسات بالبيتس اللي هي معمولة جايد (guide) في الاستوديو. بعدين يبتدوا يسجلوا وأديهم ملاحظات فيسجلوا تاني ونقعد نسمع مع بعض وأديهم ملاحظات تانية، واخليهم يعملوا حاجات free وبعدين أحط حاجات مفروضة جدًا، كدا يعني. فيه أجزاء مفتوحة وفيه أجزاء محدّدة وكل حد على حسب قدراته واللي أنا حاسس إني ممكن اطلعه منهم. فيه مثلًا ناس كانوا محدودين ودا الحد الأقصى اللي ممكن تطلعه منهم، زي الرابر هادي. بس أعتقد إني خرّجت منها أحسن حاجة للمشروع، اللي هو صوت مونوتون وفيه حاجة شبه نايمة. حد زي إِنفينت لايفز عنده إمكانيات كبيرة في الصوت وخبرة كبيرة فإديته المساحة والحرية إنه يعمل اللي هو عايزه، كلهم كانوا مستغربين المشروع شوية عشان هو مش بالمعايير العادية بس كانوا منفتحين بصراحة. 

صورة موبايل لصورة بولارويد لخان أمام الميكسينج دسك، ملقاة على نفس الميكسنج دسك. الصورة البولارويد من تصوير مهندس الصوت نيني

المشروع مبني على التعاون مع ناس تانية. الأدوار متوزعة ازاي؟

أولًا كان عندي الفكرة، وبعدين ابتديت أدوّر على computer music designer عشان أنا ما عنديش مهارات برمجة، فسألت وتيمو كريوسر (مدير فرقة فينيكس ١٦) ورشّحلي أوليفييه، ولما اتقابلنا تماشينا مع بعض كويس قوي. من أول ما ابتدينا قعدنا لفترة طويلة، شهور، نتكلم على الفكرة والبنية (architecture) بتاعة البرنامج ومع الوقت طوّرنا المنطق بتاع الأغنية. المهم برضه إنه أوليفييه موسيقي. من ناحية تانية ابتديت أدور على منتج منفّذ. عادةً أنا اللي بعمل الجلسات وبجيب الموسيقيين واتكلم مع الاستوديو، بس حسيت إن لازم حد يعمل الدور دا ويمسك المشروع من الناحية التنفيذية عشان انا في برلين ما عنديش نفس العلاقات. سألت ربيع بعيني، صاحب ليبل مورفين ريكوردز، لو يعرف حد يعمل دا وشرحتله الشغلانة: حد يلاقي الرابرز ويتعاقد مع استوديو التسجيل ويتحكم في الميزانية وينظم المشروع كله، وقاللي إنه مهتم وطبعًا دي حاجة عظيمة عشان عنده خبرة كبيرة ومقيم في برلين. اتفقنا، وانضم للفريق واقترح استوديو كويس ومناسب للميزانية. مهندس الصوت إسمه نيني وهو عادةً مش بيسجل هيب هوب بس فان كبير. كان متحمس ومعجب بالمشروع. عملنا تجارب أداء للرابرز وسمعنا ديموز، وربيع كان بيعمل posts ويكلم ناس وأي حد كان مهتم كان بيبعتلنا لينك أو ديمو، وبعدين نسمع ونتفق. وفي الآخر اخترنا حداشر رابر.

كلمني على فترة التسجيل والطريقة اللي سجّلت بيها.

في الأول ما كنتش عايز أعمل جايدينج تراكس، كنت عايز اشتغل على ميترونوم زي ما عملت قبل كدا كتير مع الموسيقيين المساندين. مثلًا في طربًا، الناس كلها بتشتغل بمترونوم، ما بيسمعوش بعض وما بيسمعوش التراكات التانية، فيه هدف لدا حاتكلم عنه بعد كدا. ربيع كان شايف إنه حيبقى صعب قوي إنه الرابرز يشتغلوا بميترونوم بس. هم محتاجين حاجة يعني حتى على المستوى الإنساني تديهم الحتة بتاعتهم. اقتنعت بكلامه وطلب مني أعمل جايدينج تراكس، بس كان فيه حاجة جوايا مش مخلياني عاوز أعملهم ومش عارف ليه. في الآخر قلتله اعملهم انت. قلتله إعمل أي حاجة بس المهم يبقوا ماشيين بالـ بي بي إم والكيز، واكتشفت إنه اللي خلاني ما اعملش الجايدينج تراكس هو إني كنت عايز على قد ما اقدر أكون فاصل بين المحتوى اللي بيُنتج في الاستوديو والمحتوى اللي بيتعمل للجلسة الرئيسية بعد كدا. ربيع عمل بيتس للجايد مختلفين تمامًا عن البيتس اللي انا عملتها بعد كدا. الفوكالز اللي بيتسجل في الاستوديو على البيتس جايد بعد كدا بيتشال ويتم التعامل معاه كشيء مجرّد وهيخش في منظومة (system) تانية وياخد محتوى عاطفي (emotional content) مختلف جدًا. فممكن سابا-لو تكون بتغني على بيت عامله ربيع فيه حاجة دارك وتريب هوب مثلًا، وبعدين اللي هي سجلته بيتشال ويتحط فيقع على بيت تاني أنا عامله فيه كوردات مايجر مثلًا وتطلع النتيجة مختلفة تمامًا. النقطة دي مرتبطة بطريقتي في الإنتاج عامةً. في أحيان كتير بيبقى عندي اهتمام إنه الموسيقيين يكونوا مش بيعزفوا المتوقع من خلال شغلهم مع بعض. يعني مثلًا الموسيقيين المساندين في مصر عندهم حتة كدا ملوّنة جدًا بالذات في الشرقي، بيحبوا يلونوا ويسيّكوا ويتّكّوا على الربع تون، هو أسلوب عام مبني على زف العواطف واستهلاكها حتى الآخر وبرضه نوع من التفرد وفرد عضلات، فبخلق طرق لشفط الشحنة دي والتخلص منها. في طربًا مثلًا كنت بخليهم يلعبوا نفس الجملة اللحنية عشرين دقيقة، فالعوّاد ينسى بقى التتش اللي متعوّد عليه [يغني لحن شرقي ويضحك] وبيلعب اللحن كنوتس، فأنا عايز نوتس مش تعبير. فيه علاقة بين التفكير دا وبين إن الموسيقيين يشتغلوا على إرشادات تديهم معلومات، بس المحتوى العاطفي بيظهر بطريقة مش مفتعلة مرتبطة بمنطق الموسيقي مش الإيماءات المستهلكة.

أغنية الهيب هوب اللا نهائية (٢٠١٩)، مولد هيب هوب خوارزمي، مادة موسيقية وغنائية أصلية كتبها وأنتجها حسن خان، بتسجيل محتوى صوتي في الاستوديو مع إحدى عشر مغني راب

إيه الخطوات اللي نفذت بيها المشروع؟ وأخد قد إيه وقت لتنفيذه من أول البيتات وكتابة الليريكس لغاية تصميم البروجرام والتسجيل.

أول إيميل ما بيني وبين أوليفييه كان في ١٩ فبراير ٢٠١٩، بس أكيد الفكرة كانت شغالة قبل كدا في دماغي، بس دي بداية المشروع رسميًا. المعرض في مدريد فتح في ١٨ أكتوبر، يعني أخد تمان شهور. لفترة طويلة ما كنتش قادر أكتب الليريكس، مع إنه كان في دماغي فكرة معينة، وهي إنه الصوت اللي بيقول الكلمات دي مش الصوت المعتاد بتاع الراب اللي هو صوت الذات الذكورية المجروحة، بس ما كنتش قادر أكتب. بعدين ابتديت أكتب على التليفون في أماكن عامة: في الجناين والمترو ووانا بتمشى، يعني تقريبًا مافيش حاجة كتبتها وانا قاعد على الكومبيوتر، كنت بكتب في لحظات وأماكن مريبة بجد! [يضحك]. بس أول لما ابتديت أنجزت بسرعة، وبعدين كنت بقعد أقرا لأصدقاء. أول مقطع كتبته كنت رايح أشوف واحدة صاحبتي، وانا رايحلها كتبته في المترو وبعدين قريتهولها، بالطريقة دي الواحد بياخد الفيدباك حتى لو كمجرد سينس. يعني الأول ابتديت أكتب الكلمات وبعدين اتكلمت مع أوليفييه وبعدين أوليفييه وربيع وأنا. لما دخّلت ربيع في الموضوع قعّدته مع أوليفييه على أساس إنه يبقى فيه تنسيق بين اللي ربيع حيعمله في الاستوديو واللي أوليفييه محتاجه في خوارزميات المنظومة. بعدين عملنا كاستنج وروحنا الاستوديو وسجلنا وعملنا إديت وماسترينج للفوكالز في عشر أيام. وأنا كنت شغال بالتوازي على البيتس بتاعتي، بس البيتس كلها ما خلّصتش إلا في الأواخر خالص. يعني كنت بخلص مثلًا عشرين بيت وابعتهم لأوليفييه. فيه شيء مهم كمان، إنه البنية بتاعة البرنامج اللي صممه أوليفييه كانت ناجحة جدًا، هو قرر إنه يخلي آيبلتون لايف هو اللي أنا أشتغل عليه وإنه ماكس/إم إس بي هو اللي يتحكم في آيبلتون. آيبلتون سريع وسهل فدا خلاني اشتغل واعمل بيتات كتير وابعتهاله وهو يدخلها في الشبكة (network) اللي عملها بـ ماكس. لو كنا حاولنا نعمل دا بمنظومة أكثر تعقيدًا كان حيبقى صعب جدًا نشتغل بالسرعة دي.

بالظبط خصوصًا إنه دلوقتي آيبلتون بيكلّم ماكس.

بالظبط. بس برضه أوليفييه عمل hacking لحاجات في آيبلتون عشان يخلّي ماكس يتحكم في المتغيّرات، بطريقة مش متاح إنه الواحد يتحكم فيها أصلًا في آيبلتون. القيود اللي كانت عندنا كلها كانت قوة البروسيسور (processor power)، يعني كان فيه عندنا أفكار كتير ما نفذناهاش عشان لو كنا عايزين نعمل كل حاجة المشروع كان هيحتاج بروسيسور ضخم، ويزوّد تكلفة العمل نفسه واحتمالية إن المنظومة تكراش. فقررنا نضحي بشوية أفكار، خصوصًا في المرحلة دي. إحنا بنحدّث المشروع طول الوقت ودلوقتي الأغنية بتتعرض في تايباي من نوفمبر، فعملنا حاجات جديدة. المشروع حاليًا فجيله الخامس واحنا بنطور فيه طول الوقت.

إنت مهتم بالكتابة ونشرت أكتر من نص وكتب قبل كدا. إلى أي مدى دا ساعدك في كتابة الكلمات؟ إيه المواضيع أو التيمة؟ وازاي الموضوع بيختلف عن مواضيع الراب اللي احنا متعودين عليها زي الأنا المتعالية والكلام الذكوري والكلام عن الحلم بالثورة والدِسّات والكلام دا.

الكتابة من التسعينات لحد دلوقتي جزء أساسي من شغلي عامةً. أكيد عشان عندي تجربة طويلة مع الكتابة فليها تأثير، بس اللي كان له تأثير أكتر إني في الفترة دي بسمع هيب هوب كتير. أنا ابتديت مع الهيب هوب المصري وبعدين رجعت أسمع هيب هوب غربي، يا إما أمريكي يا إما بريطاني، حاجات مختلفة. زي مثلًا Pusha T اللي هو يعني طول النهار I’m the biggest drug dealer in the world. بس فيه بلاغة، إنه حتى لو المحتوى كله ديسات والأنا المتعالية والذكورية هي الموضوع بس بيبقى فيه بلاغة معينة في استخدام الكلمات وتركيبة البارات نفسها، البلاغة دي ملهمة مش عشان أحاول أقلدها بس عشان أوظّفها. في حالة الليريكس عندي كنت مهتم إني أتكلم بصيغة الأنا الجمعية اللي هي ممكن تكون متنوعة ومتغيرة في الجندر والطبقة، مش عشان تبقى متنوعة وخلاص، بس عشان أنا حاسس إنه دلوقتي فيه حالة مشتركة معينة كلنا عايشينها؛ وأنا مهتم إنه الكلمات تبقى طالعة من الحالة المشتركة دي. الحالة العامة المشتركة دي مبنية على الاستغلال، وتصنيف البشر، ورغبات ضخمة، رغبات عاطفية وجسدية وذهنية وروحانية، ورهاب كبير، خوف من المستقبل والفشل والانهيار؛ ومبنية برضه على حاجة فيها سيولة (fluid). على فكرة أنا بؤمن إن الحقيقة نفسها حاجة سائلة، بس هي حاليًا بقت سائلة حتى على المستوى العام، فدا كان جزء من المنطق بتاع الكلمات. حاولت أتكلم من المنظور دا بس مش بطريقة نظرية أو مجردة، الكلمات محرّكة للعواطف القوية اللي ممكن تنتج عن الحياة التي نحياها تحت هذه الحالة المشتركة. دي حاجة تانية برضه شدتني للهيب هوب أو خلتني أشوف إنه وسيط مهم في الزمن الحالي، إنه فعلًا وسيط عاطفي وبيستثمر فيه عواطف قوية جدًا حتى لو بتاخد شكل زي “أنا أحسن حد في العالم”، بس العواطف والدوافع اللي وراها حقيقية وموجودة كجزء من الهيكل اللي إحنا عايشين فيه وجزء من النظام السياسي والاقتصادي اللي احنا كلنا جزء منه. فهي دوافع حقيقية ومهمة وما نقدرش نتعامل معاها على إنها مش موجودة، بالعكس دا لو فيه أي حاجة مثيرة في الفن هو التعامل مع الدوافع الموجودة. فالكلمات اللي كتبتها كانت عايزة تتعامل مع الدوافع دي وتاخدهم بجدية، تاخد الأنانية والشهوة والحب والخوف والكراهية بجدية، بس تاخدهم كدوافع مش سلع. فيه فرق ما بين الدافع كطاقة أو هاجس داخلي والدافع كسلعة، على القليلة في ذهني. مثلًا ترامب بيستخدم الدوافع دي عشان ينتج سلعة، والسلعة دي مثلًا هي كراهية وعنصرية، وكل الحاجات اللي بيبيعها ترامب طول الوقت، زي إحساس إن الرجل الأبيض في حالة مظلومية تاريخية شنيعة وإنه لازم ياخد بتاره ويقف لعرضه وعاره [يضحك]. بس عشان يعمل كدا بيستخدم الدوافع الأساسية والحقيقية فعلًا وعنده المقدرة والفهم لسيمياء الميديا إنه يستغل دا ويحول الدوافع دي إلى منتج، ودي من أسس شعبوية ترامب. أنا مهتم إني أشتغل على نفس الدوافع دي بس ما احولهاش لمنتج. في الهيب هوب برضه عامةً بيتم تحوّيل الدوافع إلى منتج اللي هي مثلًا الوصول إلى القمة وأبقى Jay-Z، أيًا كان، حتى في الـ هيب هوب الواعي برضه بيبقى فيه منتج معين، زي مثلًا كندريك لامار، فيه منتج ما هو مهتم بيه، وتمام دا اللي بيعمله. بس أنا مهتم إني أخلي الكلمات تخلق حاجة بس يبقى فيها حاجة معلقة ما بين السما والأرض، حاجة لا يمكن حلها.

تديني أمثلة على دا؟

لو بصينا على الكلمات حنلاقي أول أغنية مثلًا بتقول:

Get ready cause we’re on the prowl
Tiger growl let the kids on the corner howl
Piss in the pit if you and them and them will take a hit
They used to speak the truth out
She let the crows out
He spat these words out
They grew horns and burned the house down

فماشي هم:
 They grew horns and burned the house down

بس مافيش إحساس من الكلمات اللي جت قبليها إنه دا هو الهدف، دا مجرد اللي حصل، مش دا اللي بيسعوله أو عايزين يحققوه.

الحاجة التانية المهمة، إنه المنطق بتاع الكلمات كان مكتوب على أساس إنك ممكن تاخد أي جملة من أي أغنية وتحطها على جملة من أغنية تانية وهيكوّنوا معنى منطقي. دا كان مهم جدًا، إن تبادل الكلمات والجمل بيخلق زي meta poem أو meta lyrics بتتغير طول الوقت، بس كل جزء منها أكنه شباك ممكن تبص من خلاله على حاجة معينة مهمة وأساسية. فبالتالي عشان حالة السيولة دي صعب جدًا يبقى عندك resolution حيبقى طول الوقت فيه حالة معلقة suspension.

بالنسبة للمعنى تقدر تقول إن المعنى في حالة سيولة ولكنها سيولة دقيقة. الكلمات بتوصل معاني وأحاسيس معينة حتى لما بيُعاد تركيبها وتوليفها على بعض. الواحد بيحس بحاجة موجودة ملموسة محسوسة مش مجرد حاجات مجردة، فيه صور حقيقية بس ما تقدرش تربطها بحاجة ثابتة.

البيتس عملتها ازاي وكام بيت عملته وإيه مصدر إلهامك وأسلوبك في البيتس.

قعدت على آيبلتون وعملتها بـ ميدي بطريقة سهلة، ودا مختلف عن طريقتي في عمل البيتس عامةً. قسمتهم نوعين، بيتس أساسية وبيتس مصاحبة أو accessories. البيتس الأساسية ممكن تشيل تراك لوحده. البيتس المصاحبة بتشتغل أكتر كآمبيانس، التفاعل بين البيتات الرئيسية والمصاحبة بتخلق تعقيد معين. في حاجات في الهيب هوب بيتس اللي بتشدني زي نوع البيتس بتاعت إيرل سويتشرت أو تايلر ذَ كرييتور أو شاباز بالاسز، البيتميكرز اللي شوية على الـ edge. أنا عملت تقريبًا ميتين وحاجة بيت، كتير إنك تقعد زي المكنة تعملهم. في كلامي في الأول مع أوليفييه كنا قولنا حنحط فيلترز ونخليهم بـprobabilities وتدخل على البيتس، بس الـ processing power بتاع دا خرافي، فقررنا ما نعملهاش. بس اللي أنا أصريت عليه إنه لازم يبقى فيه طريقة نقفل ونفتح العناصر بتاعة البيتس زي السنير والسامبل والهايهاتس، دا مهم جدًا عشان يدي تنويع للإيقاع نفسه بيخلي الودن في حالة اشتباك (engagement) مع اللي بتسمعه. لو البيت ما فيهوش كمية التنويعات دي خصوصًا إنه البيتس شغالة لساعات حيبقى بعد شوية الموضوع صعب جدًا على المستمع. حاجة تانية مهمة إني كنت بحاول ما أقلدش ستايل معين على قد ما أقدر. وعلى فكرة بالمرة بقى أنا رأيي إن Kanye بروديوسر كويس جدًا [يضحك]. 

دا حقيقي جدًا. 

سمعته كتير وأفتكر إنه عبقري [يضحك].

عايز أعرف أكتر عن البروجرام اللي عمله أوليفييه واللوجيك المستخدم في إنتاج المزيكا. إيه المدخلات للبرنامج.

أوكيه. هو منظومة شغالة بالاحتماليات، وزيها زي أي خوارزم أو برنامج هو عبارة عن T branches وكل فرع ممكن يبقى فيه تي برانش تانية، والاحتمالات بتبقى على أساس اختيار الفرع اللي على الشمال أو اليمين، ولو اختار اليمين بيحصل حاجة والشمال حاجة تانية وهكذا. خلينا نبدأ من عينات الغناء عشان هي مفتاح الموضوع، أو إحنا قررنا دا، ودا منطقي بما إنه عينة الغناء هي العنصر المتغير. لما سجلنا الغناء عملنا تشفير (encoding) لعينات الغناء، لإسم المغني والـ key اللي بيغني فيه والبي بي إم. الـ randomizer بتاع ماكس بيختار عينة غناء بشكل عشوائي وبتحول البروجكت بتاع آيبلتون كله للـ coordinates بتاعتها. مثلًا لو عينة الغناء دي البي بي إم بتاعتها ٨٠ بتحول التمبو بتاع آيبلتون لـ ٨٠. دي أول حاجة. تاني حاجة، عينة الغناء بتختار مثلًا، بناءً على الاحتمالات، الميلودي اللي فيها high pitch مثلًا بمعدل ٦ من ١٠ والميلودي اللي فيها medium pitch بمعدل ٤ من ١٠ والميلودي اللي فيها low pitch بمعدل ٢ من ١٠، دي مش أرقام حقيقية، بس بدّيك مثال. الـ ٦ من ١٠ حتتحقق أكتر بس برضه الـ ٢ من ١٠ ممكن يتم اختيارها وطول ما البرنامج شغال الاختيارات والاحتمالات بتتغير مع الوقت. بالتالي اللي بيحصل إنه بيبقى فيه شكل عام للأغنية بس مع الوقت بيتغير ومش ثابت، فحتى الشكل العام دا مش ثابت قوي عشان فيه احتمال ممكن يكون أقل شوية بس موجود إنه يتم اختيار عناصر مفاجأة أو تكسر الشكل العام دا. كل دا مهم عشان يخلق منظومة حية والاحتمالات بتدي مرونة للمنظومة. دي البنية الأساسية، بعدين جوا كل اختيار فيه متغيّرات، يعني مثلًا البيتات المصاحبة ممكن اتنين ييجوا مع بعض أو واحد منهم ييجي مع بيت أساسي أو اتنين ييجو مع بيت أساسي بس ما ينفعش بيتين أساسيين ييجوا مع بعض، لو جم مع بعض فموسيقيًا مش حتبقى مظبوطة بالتالي الاحتمالية دي متشالة من منطق البرنامج. وفيه احتمالات تانية لقد إيه يبقى فيه بيت أساسي بيتلعب لوحده، وقد إيه فيه بيت أساسي مع بيت مصاحب وقد إيه يبقى فيه بيتس مصاحبين لوحدهم، ودا مهم عشان يكون السيستم الموسيقي معقد بدرجة كافية تدي المستمع الإحساس بالتنوع والتغير. نفس الموضوع مع الميلوديز، فيه ميلوديز بتركب مع بعض وفيه ميلوديز ما تركبش مع بعض، البايس أبسط عامةً بس برضه فيه ساعات بايس لاينز بتيجي مع بعض.

سكرينشوت للصفحة الرئيسية من الآيبلتون لايف سيشن لأغنية الهيب هوب اللا نهائية. حقوق النشر محفوظة لـ حسن خان

طيب ازاي التنقل من مقطع للتاني بسرعة الإيقاع والسلم بيتم بشكل سلس؟ وإيه مدة كل مقطع؟ وازاي التنويعات أخدت الشكل الأورجانيك دا؟ بالذات إنه كل بيت مش مخصص لمقطع فوكالز معين والدنيا بتتداخل. 

المتغيّرات اللي اتكلمت عنها مش بتتغير اعتباطًا، هي ليها هيكل (structure). والهيكل دا بتاع العمل في مجمله، متقسم دورات (cycles)، كل دورة مكوّنة من اتناشر مقطع، وأغنية واحدة، هو مقطع برضه بس انا بسميها أغنية، فاتناشر مقطع وبعدين أغنية، اتناشر مقطع تاني وأغنية وهكذا. المقطع الواحد له متغيرات برضه، أقل طول له دقيقتين تقريبًا، فأول ما بيتم اختيار عينة غناء، الحاجات اللي شغالة معاه حتفضل شغالة لحد دقيقتين على الأقل وممكن أكتر. بس حاشرح حاجة هنا، عينة الغناء مش هي المقطع، عينة الغناء ممكن تبقى تلاتين ثانية، ممكن مثلًا تبقى سبع أو خمس دقايق وهكذا. لو عينة الغناء اللي تم اختيارها أطول من دقيقتين، هي بتوصل لآخرها بعدين بيحصل تغيير لمقطع تاني وبيتغير عينة الغنا والمزيكا. لكن لو هي أقصر من دقيقتين، بتخلص بعدين تشد عينة غناء تانية عندها نفس الـ coordinates بتاعتها. فمثلًا لو احنا شغالين على ٨٠ بي بي إم في الـ key بتاع الـ A مثلًا، حتظهر عينة غناء تانية بنفس المواصفات، وممكن تبقى لمغني تاني. كل عينة بتدخل في المكان المظبوط. المقطع أقل طول له دقيقتين والأقصى بيتقاس بأطول عينة غناء دخلت. قول مثلًا كان فيه عينة غناء دقيقة وخمسين ثانية وخلصت وبعدين شدت عينة غناء تانية مدتها ست دقايق، الست دقايق كلهم حيتلعبوا، لما تخش عينة غناء ما تقدرش تغير المقطع لغاية لما عينة الغناء ما تخلص، فدا معناه إنه اطول مقطع ممكن يكون في حدود تمن دقايق وأقصر مقطع في حدود دقيقتين. أول ما البيت اللي شغال يتغير فدا معناه إنه المقطع اختلف، بس الفكرة إنه إنت ممكن تفتكر انه البيت اتغير وهو ما اتغيرش، عشان فيه عناصر من البيت بتقف وتشتغل وفيه بيتات مصاحبة وبيتات أساسية وممكن بيت مصاحب يدخل على بيت أساسي فالبيت الأساسي يقف، وكل دا تعقيد قايم في البيت الواحد على حسب الاحتمالات. بعد لما الاتناشر مقطع بيتلعبوا، بيجي المقطع اللي أنا بسميه أغنية. في الاستوديو، وإحنا بنشتغل قررت إننا نجرب مع شوية من الرابرز إنهم يغنوا مش يرابوا بس فسجلنا شوية من الكلمات كأغاني. دا يعتبر المقطع رقم تلتاشر وهو sub routine كامل، وجواه فيه بيتس وميلوديز وبايس مختلفين عن الباقي وخاصة بيهم فقط.

فيه تقريبًا كام سطر كاتبه؟

٣٥١ سطر. 

إيه احتمالية إنه مقطع كامل يتكرر ودا ممكن يحصل بعد قد إيه؟ 

هي احتمالية ضعيفة جدًا جدًا، واحد في عشرين ديوديسيليون، يعني ٢٠ وراها ٤٠ صفر.

المشروع اتعرض فين لغاية دلوقتي وحيتعرض فين؟ 

هو اتعرض في الأول في مدريد، في معرض فردي إسمه The Keys to the Kingdom في متحف رينا سوفيا. وبعدين اتعرض في معرض جماعي إسمه سوفت باور في متحف San Francisco of Modern Art بعدها بأسبوع. حاليًا معروض في تايباي في معرض إسمه Liquid Love وبعدين حيتعرض في متحف الـ بومبيدو في باريس في معرض فردي إسمه Automatic Is the Voice that Speaks. وكمان ناوي أشتغل على نسخة لايف، واتكلمت مع أوليفييه إننا نطوّر منظومة عشان أقدر ألعبها في عرض حي.

إيه أحسن طريقة لسماع أو مشاهدة المشروع؟

عرضته بكذا طريقة لغاية دلوقتي، في مدريد كان على سماعات وسَب ووفر، بس هو كان جزء من معرض كبير وفيه أعمال تانية مختلفة وتركيبة معمارية خاصة جدًا، فما كانش ينفع الصوت يبقى عالي قوي. في سان فرانسيسكو كان على هَدفونز ونَصّ مكتوب على الحيطة بيشرح خطوات المشروع ولوجو مصمم خصيصًا هو جزء من العمل، حتى في الـ بومبيدو حيبقى معروض مع أعمال تانية. الطريقة المثالية لعرضه إنه يبقى لوحده زي في تايبيه. عايز أحطه في مساحة كبيرة ممكن جراج أو مكان ضخم تحط فيه ساوند سستم كبير وتشغله ويبقى معاه اللوجو وممكن شوية إضاءة متصممة بطريقة معينة. في مدريد وفي الـ بومبيدو بعرض مع المشروع عمل نحتي عبارة عن خمس عمدان طولهم ٥٠ سنتي، متصنعين من الإزاز بطريقة بإنك تحول الإزاز بالحرارة لمادة تقدر تطويها أو تطوعها، وفيه نوع من العنف ظاهر في الشكل اللي تم تشكيل الإزاز بيه. أنا بتعامل مع المشروع دا كعمل خليط بين فني وعمل موسيقي، زي مشروعي مقطوعة لحديقة عامة ، طربًا والواحدة الكبيرة، بتعامل معاهم كمزيكا. 

فنانين كتير دلوقتي بيتجهوا للمزيكا الخوارزمية والمولّدة من تلقاء ذاتها، ودا بقى نهج بيمشي عليه فنانين ومبرمجين كتار، كل حد عنده أسلوبه الخاص. ممكن مشروع ألجورايف أكتر مثال حي على دا. إيه علاقتك بالفن المولّد وليك تجارب سابقة في دا؟

ما فيش حاجة واحدة محسومة وحتحل كل شيء، هي كلها أطروحات ومحاولات ودي حاجة كويسة إنه الناس تقعد تدوّر وتجرب، بس لا أؤمن إنه فيه حاجة واحدة هي الحل. من ناحية علاقتي الشخصية بالحاجات الخوارزمية، لأ ما عملتش حاجة خوارزمية قبل كدا، لكن فيه أعمال كتير بتستخدم المنطق دا. زي مثلًا في طربًا، وحتى في طبلة ضَب، مثلًا دوم تَك تَك دوم تَك دا مش عمل خوارزمي بس مش خطي في نفس الوقت. هو عبارة عن أوضة بيضا فيها إضاءة من فوق، وبعدين في الأوضة دي إنت بتسمع ست تراكات موسيقى باتنين سَب ووفر وأربعة سماعات ميد هاي وأربعة تويترز. العمل دا عملته بالأساس في ٢٠٠٥، أخدت ست تراكات رائجة تجاريًا من الموسيقى الشعبية المنتشرة وقتها من أنماط مختلفة. كان فيه موال لأحمد عدوية وتلاعبني ألاعبك بتاعة علي صالحين، وأغنية لعربي الصغير، وكان فيه عبد الباسط حمودة، يعني كل أقطاب الشعبي الكلاسيكي. اخترت ست تراكات شخصيًا بحبها، مختلفة عن بعض وبتمثل توجهات مختلفة في الموسيقى الشعبية وقتها، وبعدين قعدت مع موسيقي شعبي بيلعب كولة وقعد يفصصلي الأغاني دي، يقعد يقولي بقى المقام المستخدم واسم الإيقاع وبقى عندي زي معادلة للست أغاني. بعدين أخدت المعادلة دي وعملت جلسات في الاستوديو مع موسيقيين مساندين بيشتغلوا في الشعبي. اديتهم المعادلة، يعني إنت تلعب إيقاع كاراتش مثلًا، وانت تلعب في مقام كذا على الإيقاع دا. سجّلنا الإيقاعات الأول، دهولة وطبلة وصاجات ورق. وبعدين سجلنا الترومبيت والأورج والكولة والبايس، يعني التركيبة بتاعة الشعبي القديم شوية، سجلنا كل واحد لوحده، من غير ما حد يسمع التاني خالص ومن غير ما يعرفوا الأغنية الأصلية، بيشتغلوا بس على المعادلة. وبعدين رحت عملت ميكسينج وماسترينج للست تراكات واخيرًا اتعرضوا في الأوضة اللي قلتلك عليها، مع كل أغنية بتتلعب الأوضة تاخد إضاءة مختلفة. فأول ما تبدأ الأغنية اللي زي الموال الإضاءة بتبقى مثلًا ٢٠ في المية، بتخلص الأغنية الإضاءة بتبقى ١٠٠ في الـ ١٠٠ وبعد تلاتين ثانية الأغنية التانية تبدأ والإضاءة تتغير، وفيه نص على الحيطة بيقول الخطوات بتاعة المشروع دا. فالعمل دا مثلًا منطقه هو منطق لوجاريثمي بس معمول بـِ بني آدمين [بيضحك]. اهتمامي مش التكنولوجيا لهدف التكنولوجيا، أنا عملت دوم تك تك دوم تك لإني كنت مهتم إني أفصص منتج ثقافي جمعي وأحلله لعناصره، في الحالة دي الموسيقى الشعبي هي المنتج الثقافي الجمعي، وفي نفس الوقت أخلق منه شيء جديد ومختلف، لكن يحتوي علي الهواجس والعواطف اللي موجودة في الشكل الثقافي دا نفسه، من غير ما يكون محكوم بقوانين النمط الثقافي المحددة. فإنت أكنك بتحاول تجرّد الشكل الثقافي نفسه، بتوصل مش للجوهر بتاعه، بس بتوصل للـ cold structure أي الهيكل او البنية المجردة الباردة بتاعته، كل دا عشان ألمس لحظة في رأيي إنها مهمة جدًا في التذوق الفني عامةً، وهي المكان الأكثر برودة وفي نفس الوقت الأكثر توهجًا وعاطفة emotionality. يعني المكان بارد تمامًا عشان الأوضة دي automated والمزيكا دي اتصنعت بطريقة شبه مصطنعة، الموسيقيين مبيسمعوش بعض وكل واحد بيلعب لوحده وهكذا، بس برضه عشان فيه تدخل من المؤلف وفيه ميكسينج لدرجة، ففي تجربة عاطفية. دا الغريب في المشروع دا، إنه فيه حاجة حميمية جدًا بس في نفس الوقت حاجة باردة جدًا.

طول السنين اللي فاتت فيه جدل على علاقة التكنولوجيا بالفنون والمزيكا تحديدًا، ودور الفنان وتهميشه من خلال الازدياد الكبير في قوة البرمجة والذكاء الاصطناعي. هل عندك أي مخاوف من دا على الصعيد الموسيقي في منطقتنا وبراها؟ وإيه الامكانيات اللي بتتيحهالك المشاريع المتقدمة تكنولوجيًا؟

أنا ما بفكرش في التكنولوجيا بالمنطق دا بصراحة، وبشوف التكنولوجيا كأداة بتطرح إمكانيات واحنا ممكن نستخدمها بطرق ناجحة وطرق فاشلة. تهميش الموسيقيين بحس إنه دا حدث سياسي أكتر منه تكنولوجي. أنا ممكن أقول إنه في مصر فيه موسيقيين كتير مهمشين بسبب إنه مافيش مشهد واسع وصحي وقادر إنه يتيح للموسيقيين حياة ملائمة، ويديهم فرصة إنهم يعيشوا علاقة مع الجمهور مثمرة، إنهم مثلًا يعزفوا في مكان بشكل منتظم والناس تسمعه وتنتقده ويبقى فيه مبيعات إلخ. دا في رأيي شيء بيهمش الموسيقيين أكتر من التكنولوجيا. دا شيء سياسي، مش إنه قرار سياسي، شيء سياسي بمعنى إنه له دعوة بازاي النظام العام متركب وازاي اقتصاديًا متركب والسوق متركب ازاي وهامش الحريات في المجتمع، إلخ. في رأيي دي الحاجات اللي بتهمش الموسيقيين. أنا عارف إنه فيه حاجات قلّت بسبب التكنولوجيا، زي مثلًا زمان كان فيه سقّيفة. أنا لما جيت اسجل السشنز بتاعت ذخيرة حية دوّرت على سقّيفة واتقاللي إنه خلاص ما بقاش فيه سقّيفة عشان السقفة موجودة على الكيبورد وعلى sample libraries. فأفتكر إنه التكنولوجيا بتلغي حاجات بس دي حاجة طبيعية، هي في نفس الوقت بتخلق حاجات تانية.

أعمالك الموسيقية قبل كدا زي ما انت قلت بتختلف بشكل جذري عن أغنية هيب هوب لا نهائية. مش بس في الأسلوب، لا كمان في الصوت. خلينا نتكلم على الأعمال اللي ليها طابع شعبي اللي انت ابتديتها بطبلة ضَب واتطورت بعد كدا لغاية ما وصلت لسوبرستراكتشر وطربًا. ازاي اشتغلت على المزيكا بتاعتهم؟ يمكن هنا ممكن توضح بالتفصيل الأسلوب أو الوورك الفلو المختلف، وإيه اللي شدّك في الشعبي وبيربطك بيه؟

طبلة ضَب أول حاجة ممكن أتكلم عنها. في ٢٠٠١ كنت وقتها عايش في عابدين بشتغل على برو توولز على جي فور، المهم رجعت من السفر عندي جت لاج ومش عارف أنام وكنت قاعد طول الليل بشتغل. أخدت شوية عينات طبلة من سيديهات أو حاجة زي كدا وابتديت ألعب بيها وأقطعها وأعمل منها بيتات جديدة، وخلصت تراك واحد وعجبني جدًا، فقررت إني أعمل ألبوم كامل اتعمل بسرعة كبيرة في أيام. بعد ما خلّصت، فكرت إزاي أعرضه، أول عرض كان في بيروت في أول هوم ووركس. كريستين (طعمة) جت مصر عشان كانت حتعمل هوم ووركس وطلبت مني أعمل حاجة فسمّعتها طبلة ضَب وعجبها فشخ وعزمتني آجي بيروت أعمل حفلة هناك. ابتديت أفكر إزاي ألعبه لايف بشكل عملي، كنت بلعبه زي الدي جاي، بستخدم اتنين سي دي جايز وميكسر وكان فيه لايف فيديو، والفيديو كان حاجة وعشرين شريط VHS عليهم لوبس كلها مواد أنا مصورها وممنتجها، واتنين VCR وفيديو مِكسر. اهتمامي وقتها كان إني استخدم الثقافة الموسيقية كأداة وإن العمل يتخطى الثنائية المستهلكة بتاعة المعاصرة والاصالة، وانا كنت ضد الموقف دا تمامًا من وقتها، طبلة ضَب مش عايز يبقى فيوجن [fusion] ولا عايزه يبقى قديم ولا جديد، هو بس بيشتغل بالثقافة الموسيقية كأداة. وبعدين عملت يا ليل يا باشا مع محمود رفعت، ودا كان مشروع في رأيي مليان potential جدًا، بس احنا كنا غالبًا ما عندناش الخبرة الكافية إننا نعمله. أنا ومحمود لعبنا مع بعض سنتين وكنا بنعمل حاجات مختلفة تمامًا عن يا ليل يا باشا. لما سمعت أغنية يا ليل يا باشا وقعت في غرامها، كانت آسرة. اتكلمت مع محمود إننا نعمل cover للأغنية دي، وعملنا سشنز [sessions] وتريات وسجلنا كل اللحن بتاع يا ليل يا باشا على وتريات، واشتغلنا مع اتنين مغنيين. بس في الآخر لأسباب ليها دعوة بالخبرة، مش بالضرورة الخبرة الموسيقية، بس أقصد الخبرة في الحياة، اللي كنا بنعمله مع المغنيين أكيد بالنسبالهم كان جنان تام. إحنا ما استوعبناش قد إيه هم ما كانوش فاهمين اللي بيحصل، فلما جينا نلعب لايف، المغنية جالها بارانويا وما غنّتش. عملنا الكونسرت في نيو أَريزونا اللي في عرابي في وسط البلد ورحنا وكلمنا حسام علي بابا صاحب المكان واتفقنا معاه، وكان فيه جمهور ضخم وبعدين المغنية ما غنّتش [بيضحك]. وقفت واتسمّرت وما قالتش ولا كلمة، الموضوع كان كارثي وما سجلناش الحفلة. سجلنا الحفلة التانية في مسرح الجنينة، ساعتها الولد غنّى لوحده. المزيكا كانت غريبة عليهم وأعتقد لما المغنية لقت نفسها بتغني في كباريه اتّاخدت. أعتقد إحنا ما كناش واعيين إنه دا مش عادي لحد ماعندوش الخبرة دي. دلوقتي لو عملت المشروع دا حعمله بطريقة مختلفة جدًا.

صورة لـ “ترابيزة اللعب” لخان، من مهرجان إينتونال، مالمو، ٢٠١٧. يمزج بين نظامين، المؤلف والمنتج سابقًا بالاستوديو والفيدباكينج ميكسر الصغير. معظم حفلات خان مكونة من حوار بين النظام والانهيار من خلال هذه التركيبة. حقوق النشر محفوظة لـ حسن خان

بعدين عملت دوم تك تك دوم تك؟

بالظبط ودا في رأيي كان ناجح جدًا ولسا بعرض العمل دا لحد دلوقتي. وبعدين الواحدة الكبيرة، وما بينهم حاجات تانية كتير مش مرتبطة بالمزيكا الشعبية. إحنا عملنا يا ليل يا باشا في ٢٠٠٤ وأول يوم روحنا نقابل حسام علي بابا في نيو أريزونا، لما دخلنا كانوا مشغلين عماد بعرور، أغنية هيصة وهي دي كانت بالنسبة لي وقتها بداية الشعبي المش كلاسيكي. أول ما سمعتها حسيت إنها فيها حاجة مختلفة شوية شدت انتباهي، وابتديت أدوّر من وقتها ابتديت أسمع حاجات كتير فشخ في الفترة دي الشعبيات المختلفة جدًا، اللي هي من أغاني أكنها فلكلورية لغاية تراكات النبطشيات، كل الحاجات دي اللي بقت بعد كدا المهرجانات. وبرضه كان فيه فترة المولد اللي هو مثلًا أحمد يونس دلوقتي بيرجع للستايل بتاعه في مزيكته. ستايل المولد كان منتشر جدًا في ٢٠٠٥ و٢٠٠٦ و٢٠٠٧، في الانتشار الشعبي كان مكتسح الدنيا كلها. كان فيه ناصر السكران وعبده الروش وأشرف البرنس وشعبان البغبغان (هما الاتنين دلوقتي بقوا أكتر تقليدية بكتير – البرنس بيشتغل مع حكيم وشعبان بينزل تراكات شعبي عادية)، ناس مختلفة كتير، وفي الفترة دي كان فيه نيردات [nerds] في كيبوردات الشعبي، يعني تسمع الـ برودكشن بتاع أشرف البرنس حتلاقيه حاجة عالية جدًا، والماسترينج حلو جدًا والملمس بتاع الصوت كان مثير جدًا. كل الحاجات دي شدت انتباهي للشعبي في الفترة دي وكنت مقتنع إنه كنمط ثقافي في مصر بيؤدي دور ما فيش أي حاجة تانية في السياق الثقافي المصري في وقتها بتؤديه. الثقافة الرسمية في مصر بتخاف من الغضب مثلًا، الغضب دا كأنه مش موجود، فيه الرومانسية الملزقة وفيه الذكورية بأشكال مختلفة وفيه الغيرة. في خوف اجتماعي أيضًا من أي تهديد للسلطة والقيم، في خوف من الفجاجة اللي هي مش مكسوفة من نفسها، كل الحاجات دي ما كانتش مسموحة في الثقافة الرسمية وقتها، كانت اتزاحت واتكبتت في رأيي من عشرينيات القرن العشرين، بس وقتها كان عصر مبارك وجمال مبارك والنيوليبرالية وكل دا. في رأيي الحاجات المكبوتة دي كانت بتظهر في حاجتين، في خطب الجمعة [بيضحك]، فيها غضب معبر عنه بقوة شديدة، والمزيكا دي اللي زي المولد والسوق إلخ، فأنا شايف إنها كانت أشكال مهمة جدًا ثقافيًا في الفترة دي والواحدة الكبيرة طلعت من السياق دا. اشتغلت في نفس الاستوديو اللي كنت اشتغلت فيه في دوم تك تك اللي هو استوديو العربي في شبرا. كنت اتعرفت على مهندس الصوت، باسم شاهين، شرحتله أنا عايز أعمل إيه وقاللي إنه حيجيب الموسيقيين المساندين. سجلت معاهم بنفس الطريقة اللي سجّلت بيها بعد كدا في طربًا، اللي هو أقولهم يلعبوا نفس اللحن إلى الأبد، فاللحن الواحد ممكن يقعد يتلعب ويتكرر ونسجله لمدة عشرين دقيقة، وبجمع كل التسجيلات دي وأبتدي أبنيها واولفها بطريقتي. بعدين جت فترة سوبر ستركتشر، اللي طلع منهم التراكين اللي نزلوا على فاينل فاكتوري. كانت من نفس الجلسات بتاعة ساوندتراك فيلم جوهرة. اشتغلت فيه على مزمار وكيبوردات. المزيكا كانت مستشفة من حاجات موجودة وقتها في الستايل بتاع المولد، وقتها كان فيه توجه للشغل بالكيبوردات بس أنا استلهمت الإيقاع من بعض إيقاعات المولد بس بدل ما استخدم كيبوردات استخدمت مزمار حي. الإيقاعات نفسها عملتها مع موزع موسيقى شعبي وقعدنا مع بعض قعدة واحدة نشتغل ١٢ ساعة متواصلة وهو كان عنده مكتبة السامبلس بتاعة آلات الإيقاع الشرقي الرائجة وقتها.

اشتغلت على مزيكا من ثقافة مختلفة تمامًا وهي الجاملان في مشروع كلَب جاملان. ازاي بتتعامل مع الثقافات التانية من غير ما تقع في فخ الإكزوتيكية؟

كلَب جاملان له دعوة بالجاملان أوركسترا كآلة، بس مالوش دعوة بالجاملان كثقافة موسيقية من بالي وجافا أو أيًا كان. يعني أنا بحب الجاملان كمزيكا ومجموعة من الآلات وبسمع حاجات منها شوية، بس انا ماعنديش إلمام عميق بالموضوع. ما استخدمتوش عشان يديني الإحساس التروبيكال أو المكان، أنا استخدمته عشان أنا بحب صوت الآلات فقررت إني حشتغل بها كآلة وحاعمل بها مزيكا كلَب (أو يعني تعريفي أنا الشخصي لمزيكا كلب). يعني هو برضه مزيكا كلَب بس هي واخدة الطابع بتاعي مش رزع فور أُن ذا فلور. يعني هو جاملان وكل حاجة بس أعتقد إنه مافيهوش الحتة الإكزوتيك عشان هو مش مهتم بالفكرة دي، هو مهتم بخصوصيات الآلات. 

اشتغلت كمان على أعمال معتمدة على آلات كلاسيكية. إيه أهم عمل عملته في المجال دا؟

أول حاجة عملتها كانت Twelve Pieces for Piano and Electronica في ٢٠٠٧. استخدمت فيه QuickScribe اللي هو computer compositional music score، وبعدين سجلت مع عازف بيانو في مونتينيجرو وقرا الـ score وعزفه، وبعدين أنا عدّلت على الـ score وهو بيلعب. فبرضه فيه نفس العلاقة بين الموسيقي والمؤلف اللي أنا مهتم بيها، الحالة دي بتتخلق عشان أنا ما عنديش الـ musical education فبالتالي طول الوقت بجري ورا حاجة عايز أوصّلها بس ما عنديش الأدوات أو اللغة جاهزة أصلًا للوصول لهذا الشيء، فلازم أطلّعها من الصفر كل مرة واكتشف طريقة جديدة للوصول لهذا الشيء. في رأيي إن هذه المعوقات مثمرة جدًا عشان لما بتصنّع الحاجة من الصفر حتى لو بتغلط والموضوع بياخد وقت أطول وفيه صعوبات أكتر، بس في الحقيقة إنت بتكتشف أشياء طول الوقت وإنت مش مربوط بالشيء النمطي والقواعد عشان إنت أصلًا ما تعرفهاش؛ فعكس ما يردد دائمًا عن اتعلم القواعد ثم اكسرها، بصراحة بقول اعملوا أي شيء انتو عايزينه ونشوف هنكتشف إيه. أنا شخصيًا اتعلمت مزيكا بالطريقة دي. بعدين كان فيه مقطوعة لحديقة عامة في ٢٠١٣ هو وذخيرة حية، واتلعب في مهرجانات بتاعة New Music زي Maerz Musik في برلين وRuhr Triennalle في إيسين. بعد كدا اشتغلت على الصوت البشري في Tainted وI saw the world collapse and it was only a word في ٢٠١٨، واشتغلت مع Phoenix Sixteen اللي هم vocal group ممتاز للموسيقى المعاصرة. في الحالتين ما كانش فيه مزيكا متألفة، رحت قعدت مع المغنيين وكتبت المقطوعة وانا بشتغل معاهم. برضه فيه مقطوعة تانية اسمها No to nostalgia no to symbols no to icons. دي عملتها مع egyptian european contemporary music ensemble. كانوا عاملين حدث احتفالًا بأحمد فؤاد نجم، وانا ما ليش في الموضوع دا بصراحة [بيضحك] ومن هنا جه إسم المقطوعة [بيضحك]. دي كانت معمولة مع باسون وفيولا وفيولين وتشيللو وفلوت وكونتربايس. كان graphic score والفكرة إني اديتهم بنية معينة، نوت موسيقية بيتحركوا منها لنوت تانية بستخدام الجليساندو [glissando]، كل حد له تراتبية معينة، وفيه مدة محددة لدا. أنا عملت حوارات مع كل الموسيقيين عن تجاربهم الشخصية مع التعليم الموسيقي بتاع كل واحد فيهم، بنتكلم عن القوة والسلطة في التعليم الموسيقي ونوع القمع اللي الموسيقيين الكلاسيكيين بيتعرضوله داخل المؤسسة؛ وأثناء ما الجليساندو بتتلعب، تلاتة منهم بيقفوا وبيحكوا قصتهم للجمهور، والمقطوعة كان جزء منها موسيقي وجزء منها أدائي. المثير في الموضوع إنهم موسيقيين كلاسيكيين فالارتجال عندهم مش أقوى حاجة، فاشتغلت معاهم على الارتجال، على ازاي يسمعوا بعض، ازاي يغيّروا في الـ ملمس الصوتي وازاي يلعبوا بالـ سسبنس وبالدراما عشان نشكل المقطوعة كلها.

من أكتر المواضيع اللي بنصادفها مؤخرًا وبقت واقع بشكل كبير هي النوستالجيا ودا برضه اللي باين من عنوان No to nostalgia no to symbols no to icons. ازاي بتتعامل مع الماضي أو بتشوفه ازاي؟

الماضي في حد ذاته مهم، الفكرة مش إنه الواحد يلغي الماضي، المشكلة في عاطفة النوستالجيا اللي هي علاقتك مع الماضي، هي دي المشكلة. أنا عندي مشكلة مع فكرة الحنين إلى شيء مبهم ومصطنع، غير إنه غالبًا بيعيد كتابة الماضي لكي يؤكد على السائد في الحاضر، هو شيء بيستخدم طول الوقت لتبرير الإطار اللي احنا فيه. فيا إما بيحلله يا إما هو الماضي اللي هو عايزين نوصله، ودي سمة من سمات التفكير الفاشي. التفكير اللي بيعيدنا دايمًا إلي ثنائية الأصول والنهايات، تفكير ذو أفق مغلق على المستوى السياسي والشخصي، فهو يتخيل البني آدم كحلقة مفرغة ما بين أصل عظيم ومنتهى نظريًا عظيم، ما بيقدرش يتخيل البني آدم كمشروع مفتوح أو كشيء متضارب أو متناقض. فهو بالتالي من الناحية السياسية البحتة هو المنطق اللي بيستخدم طول الوقت للتأصيل للسلطة عامةً، أيًا كانت سياسية أو اجتماعية او دينية أو أي شكل من الأشكال. عشان كدا علاقتي مع الحنين مضطربة، دا على المستوى الفكري، بس حتى على المستوى العاطفي أنا عمري ما كان عندي حتة الحنين دي قوي. يمكن وانا مراهق كان عندي شوية نوستالجيا للستينات والمخدرات والهيبيز، بس ما افتكرش إنها نوستالجيا حقيقية على قد ما هي رغبة في الضياع [يضحك] بس دي حياة المراهقة. بس النوستالجيا اللي هي عاوزانا نعود إلى الماضي بحس إنها بتخفي الواقع اللي احنا عايشينه اللي هو أهم شيء.

طيب وعلى مستوى المزيكا وعلاقتها بالماضي؟

أكيد بحب موسيقى قديمة وفيه حاجات فشيخة اتعملت زمان ومن ألف سنة كمان، بس طبعًا المشكلة في الاستعادية والأسوأ من دا هو التراث، فكرة التراث، أنا عندي مشكلة ضخمة مع الفكرة دي. دا بنشوفه مثلًا في فرقة الموسيقى العربية، اللي هي في رأيي أبعد شيء للطرب ممكن الواحد يتخيله. دا مش طرب دا تراث، هي برضه فكرة سياسية: حنحول شيء حي إلى شيء متحفي بيعلب دور ثقافي، مش إنه يبقى شيء حي نتفاعل معاه بشكل حقيقي والناس تسمعه وتتذوفه. هو مش إحياء حتى للماضي، هو قتل للماضي في شكل نوع من الاحتفاء، حتى الاحتفاء دا إشكالي بالنسبة لي. العلاقة في رأيي مفروض تبقى مفتوحة وفيها تناقض وفيها عنف وفيها تكسير، بس تنميط الأشياء لصنم وتحويله لما يسمى بالتراث دا في رأيي أسوأ شيء ممكن حد يعمله لأي ثقافة، بتتحول من ثقافة حية لثقافة ميتة فعلًا. 

الاستعادية حاجة تجارية أكتر، مرتبطة بدورة التسويق وفكرة خلق أنماط تحس إنها جديدة بس مألوفة في نفس الوقت. فإنت طول الوقت بتعيد استهلاك الأسلوب بتاع حقبات مختلفة في أطر جديدة، وبالتالي هي تكتسب اللمسة بتاعة الحقبات دي بدون أي محتوى، هي دي المشكلة، هو تفريغ للمحتوى التاريخي وتفريغ لفكرة إن النمط أو الشكل الجديد ممكن يطرح علاقات جديدة. والتسويق مبني طبعًا على البيع والشرا والبيع والشرا هو قايم على الأسهل والمضمون. وفيه حاجة تانية عايز أقولها، إنه تشارلز مينجوس لما بيلعب سنة ٦٤ في التاون هول أو أيًا كان، العرض دا لو جه حد دلوقتي لعب نفس المقطوعة بنفس الطريقة، مش حتطلع بنفس القوة، مش عشان موسيقى تشارلز مينجوس راحت عليها، بس عشان الموضوع مش مجرّد النوت الموسيقية، الموضوع برضه سياق. زي صن رع، بحب مزيكته وهو شخصية متفرّدة جدًا، ما ينفعش حد تاني يعمل صن رع دلوقتي، ممكن، بس مالوش نفس المعنى. 

بتشوف إنه فيه إمكانيات موجودة في الماضي لعمل فن بيخاطب الحاضر ومتطلع للمستقبل من غير ما نقع في إشكالية النوستالجيا؟

آه طبعًا، مش بس في الماضي، زي في كل حاجة، في الماضي في المستقبل، فوق، تحت، طالما العلاقة حقيقية فالواحد مش حيقع في النوستالجيا. يعني أنا مش مع إننا نلغي الماضي، أفتكر إنها حاجة غبية، فالمشكلة في العلاقة مع الأشياء، هو دا جوهر الموضوع.