.
مقابلة مع آمال مثلوثي
مقابلات

هذا اللي نجيبه للعالم | مقابلة مع آمال مثلوثي

براءة فاروق ۲۰۲٤/۰۷/۱٦

أصدرت آمال مثلوثي هذه السنة ألبوم مرا، جامعةً خمسًا وعشرين امرأة تشاركت معهن الإنتاج والتعاونات في الأغاني، مؤكدةً مرةً أخرى أنها نسويّة قُحّة تصريحًا وفعلًا. منذ ظهور آمال أحببت طاقتها وبحّة صوتها، وأغنياتها التي تستمر بترديد معانٍ تمثلني. في هذه المقابلة، التي تمنيت حصولها مذ عرفت آمال، أردت أن أعرف منها أكثر عن ثيمة الحرية، العامل المشترك في كل أعمالها.


براءة: هاي المقابلة المعمقة عن مسيرتك ككل، وعن ألبومك الأخير تحديدًا. بحب بالبداية تحكيلي أكثر عن رحلتك الفنية. بدأتي من عضوة في فرقة بالجامعة بتونس، وهلأ إنتي صوت معروف عالميًا. بنحب نعرف عن بداية هاي الرحلة.

آمال: أنا كنت مغرومة برشا في الموسيقى من وعمري عشر سنين، كنت نحفظ برشا الأغاني، وبعد لدخلت الجامعة التقيت أعضاء الفرقة. كنا وقتها مغرومين بالميتال ميوزك، والهيفي ميتال والجوث والهارد روك والروك، التقينا أول يوم وقررنا نبدأ فرقة. هيك كانت البدايات الحقيقية، أول العروض، والتجارب الصوتية.

بتذكر أول مرة سمعتك على يوتيوب كان تسجيل العرض الحي في فرنسا، وأكتر إشي علّق معي منه أغنية ما لقيت، كان فيها طاقة جامحة، وأدائك الحيّ ساعد يخلق هذا الشد السمعي. لمّا سمعت النسخة المستعادة من الأغنية لاحظت اختلافها تمامًا عن اللايف، وربطت لما حكيتي عن الجوث والميتال تأثر عرض اللايف بهاي الأنواع.

أكيد كنت على الميتال والبروجرسف ميوزك ديما موجودة يعني، من البداية ولحد الآن، لكنّي أشعر إننا مش بحاجة نصنع روك بعد الآن، نشعر إن الروك الحقيقي مرحلة تجاوزناها، بس نقدر نعطي لمحات منه في جنرات مختلفة، بتكون روحه موجودة، وبصفة عامة أنا بشعر إن ذاتي الحقيقية بتتفجر على الستيج. 

وهي الحقيقة، حقيقة المؤدي، الفنان، التجربة الحيّة، نحس روحي فنانة أكثر من موسيقية. هي تجربة متكاملة فيها شخصية ومشاعر، وقصص كثيرة نحكيها. طبعًا نحب نشتغل على الموسيقى والتسجيل وتجارب الاستديو لما ما يكون فيه جمهور، هذي البداية يعني، لكن نقل التجربة للتجربة الحيّة يشبه كثير إنك تصنع مشاعر وأحاسيس حياتية، يحتاج مهارة مختلفة. أنا ديما نحب نتجدد ونريد الأشياء مشتعلة وممتعة، ديما نلقى روحي أعمل نسخ جديدة من جولة للثانية، ومن جلسة تصوير للثانية.

في إصدارتك السابقة كنتي توظفي آلات موسيقية مثل الكمان والإكسليفيون، وصوتك كان يطغى ع الأغنية أكثر. بس في ألبوم مرا، كان فيه توظيف أكثر لإيقاعات إلكترونية. ليش رحتي لهذا التوجه؟ فيه صوت آمال موجود ورائع، بس النمط الموسيقي مختلف عن إصداراتك السابقة.

أنا ديما من ألبوم لألبوم يلزمني فكرة جديدة، يعني هاي الطريقة اللي أشوف فيها الموسيقى، لازم ديما تتجدد ولازم ديما تغيّر وتحط روحك في بوزشنز كأنك راجع المدرسة في كل مرة، وحسيت أنا عملت ألبومات استوديو، هذا ألبومي الأصلي الرابع، الألبوم الأولاني كلمتي حرة، ألبوم البدايات فيه بروجرسف روك، وتريب هوب، وشوية مخلّط معاه روح تونسية وإيقاعات، مكس من الإلكترونيك والتونسي وهيك شوية فولك. 

بعده ألبوم إنسان كان مكس بين أصوات شمال إفريقية وإنتاج إلكترونيك، وحقيقي وظّفت الأصوات شمال الإفريقية والتوليفات التونسية لصناعة إيقاعات إلكترونية. من بعده ألبوم إيفريوير وي لوكد واز برننج كان استكشاف أكثر، عملته أكثر بالإنجليزية وكان أكثر إي دي إم، نيو إيدج، سوداوي نوعًا ما، وحسيت إنه كل شي بدي أسويه بصفة عامة، وكنت نبحث عن أفكار جديدة، شو أعمل هالمرّة، وحسيت إنه بدي أجرّب بموسيقى البوب، فكرت إنه هالشي ما عملته من قبل وعندي فضول كثير تجاهه، حبيت نجرب نكتب أغاني قصيرة، أفكار سريعة.

أنا بالطبع، في نهاية الألبوم، حسيت إني صرت خليط من شخصياتي المختلفة. فعندك أغاني روك، وأغاني ترايبل (بدوية)، أظن الترايبل أقرب لبصمة، أغاني كاملة ترايبل أقرب للساوندتراك، سينمائية، عندك كمان ريجيتون، بيتات هيب هوب، ديما نحب الهيب هوب والبيتات السريعة، وموظفتهاش في موسيقتي من قبل فَ فكرت هذي المرة بدي أستمتع على الستيج، شيء أب بيت، ونتحدى روحي فيه، إنه هل بقدر أعمل موسيقى ماينستريم؟ أظن إني عملت إشي ماينستريم أكثر من إيدج، هذي كانت الفكرة.

تعاونتي في واحدة من الأغاني مع نايومي، كونك قلتي بتحبي الراب والبيتات السريعة، وبجانب تعاونات أخرى مهمة في الألبوم. كيف صارت هاي التعاونات؟

أول فكرة كانت إنه نعمل ألبوم ١٠٠٪ نسائي، وهاد شيء ما صار من قبل على حد علمي، ألبوم من صنع نسائي، بعدها بدأت أبحث عن مُنتِجات واللي كان كثير صعب حتى بعد، خلال الجلسات. متصورش مثل ألبوماتي الآخرين، مش متعودة نتعاون مع فنانين آخرين، بالعادة نشتغل شغلي لوحدي.

مش عارفة لو نايومي كانت أول تعاون، بس حبيت نشارك أغنية، نغني جزء منها ونترك مساحة. هذي الفكرة كانت متماشية مع إني أعرض مساحتي وأشارك جمهوري مع فنانات أخريات ما عندهمش تغطية، مثل منتجات، ولما تبحثي أكثر رابرز نساء، وأكثر فنانات كوير، ومع بحث أكثر فنانات عربيات مخفيّات، فالمشروع صار اجتماعي-سياسي.

حسيت كنسوية، ونسمّي روحي نسوية طبعًا، لكن ما بشعر إني نعمل كثير ناحية الموضوع، بالنسبة ليّا مو كفاية نصدّر نفسي كامرأة حرّة ومستقلّة، يعني من الجيد نكون مصدر إلهام بس في لحظة نحتاج نسوي فِعل، والفِعل كان نعطي كل هالنساء منصّة يشتغلوا فيها ويتفاعلوا مع بعضهم ويشوف العالم إننا قادرات نوثق ببعض ونرفع بعض، إننا مش خصوم، وكمان نشجّع نساء أخريات يوثقوا ببعضهم، وهذي مشكلة يعني موجودة في أصغر محطات هذي الحَلَقة.

عندي كمان أسئلة عن الألبوم، إيش اللي خلّاكي تعطي الألبوم ثيمة الأنثوية؟ اسم الألبوم مرا، كل اللي اشتغلوه نساء، أصواتكم فيه واضحة ومسموعة، وما بعرف إذا فريق الإدارة كله نساء أو كان في تنوع.

آه كله نساء، كله كله، استغرق وقت طويل واستغرق برشا جهود، ومن الأول كنت ندوّر على كو-بروديوسر. أنا بـ بروديوس، بديت وهذا هو الألبوم اللي أنتجته أكثر حاجة، يعني قعدت أول صيف، قعدت وحدي مع الكمبيوتر ودرام إلكتروني، وجونو اللي هو كيبورد نوعًا ما، كنت خايفة منه [تضحك]. سكّرت على روحي الباب، حصرت روحي معاهم الثلاثة، نسجل صوتي بالميترونوم، وبعد نسجل شوية سنث، كنت فخورة. 

أنا ديما نحب التعاون، حبيت نطوّر مهاراتي لأني ما كنتش واثقة … كان بإمكاني ننتج بنفسي بصراحة، وفعلت مع بعض الأغاني، أنتجتهم وحدي وأنا فخورة لأن إنتاج الصوت المثالي استغرق وقت طويل وأحيانًا تحط ١٥ سنير فوق بعضهم.

واحدة من الكو-بروديوسرز اللي خدمت معاها كانت تقول لي: “إنتي متأكدة؟ ما نحتاج نغش؟ نحتاج شوية رجال، عندي واحد يعملها في خمس دقايق”. قلت لها: “لا، لا. رح ياخذ الأمر وقت وجهد أكثر.” كنت مهتمة نعرف مدى السقف اللي وصلت ليه من هالألبوم.

إنتي بجانب إعجابك بالموسيقى، حسيتي كفتاة شيء مختلف عن الألبومات الأخرى اللي تحبيها؟

بلى.

حسيتي بصوتنا؟

بلى حقيقي، في الألبومات اللي قبل كان مفهوم الحرية موجّه بشكل عام، أما هذا الألبوم بحس إنك واقفة جنبي بتغنيلي بس لإلي. لما سمعت الألبوم كنت على طريق سفر تسع ساعات وسمعته طول الطريق، في أغنية آي وِل ليف اللي بتحكي كلماتها “أبي لقد فقدوا عقولهم” في إشي بمسّني شخصيًا، لو بسمّعها لزوجي أو لأي رجل ما رح يفهمها بنفس الطريقة.

واو، نحس يلزمني نعمل إطار لهالكلام.

بدايةً من ماسيف وِل وبينتهي بآخر أغنية، بحس الألبوم إلنا، للنساء.

بالضبط! حقيقةً شعرت فيها. لما كنت فالغرفة نسجل مع الإكواير والبركشنز والستِمز، كنا نحس نفس الإحساس، بكينا دموع كثيرة، حتى من غير ما نتكلم أو نناقش في الكواليتي مثلًا. حسينا بقوتنا وحسينا كيف كان رائع لينا نخلق شيء سوا. حسيت بمعنى الأختية Sisterhood. حسيت المعنى الحقيقي للكلمة، كلنا حسيناه. 

أنا نحب نتعامل مع الرجال لكن حسيت أحيانًا إنه غير صحّي، لأني كنت نحس إني ما نقدرش نوثق إذا ما كانش فيه راجل. كنت نحس إني مرتاحة لو رجل يتعامل مع التقنيات والكمبيوتر، وهذي أبوية حقيقية وسامّة، فكرت نكون فاهمين هالشيء، بس وقعت في هالوضع مع النساء شعرت برفعة روحي، شعرت أن أفكاري كانت سهلة، كانت غريزية، ماعرفتش كيف نوصفها بالكلام، بس كل مرة كنت فالاستديو كنت نقول لحالي، والله نفرح إني عملت كل هذا.

يعني في الأخير ما كنتش نعرف إذا العالم يهتم، نحس عندي شوية استياء، من المنصات الكبيرة اللي ما اهتمت بالألبوم، كيف إن ٢٥ امرأة من أعراق مختلفة تجمعوا وخلقوا حاجة مع بعضهم، نحس إن العالم كله لازم يظهِر اهتمام، القضية مش بس على روحي، عرفتي؟ أنا ممكن أستمر بالكلام فـ وقفيني…

بالعكس، بشعر إنه الشغل مع الرجال بيتلخّص في صاحب الشأن، إنه هالشغل هاد رح ينعرف إله ومش مهم قديه معاه فريق، بس النساء بيتمحور شغلهم حولين الأختية، كلنا سوا، بنعطي الفضل لكل حد ساعد، وهاد مهم.

بالضبط، مهم نعطي الفضل لأنفسنا. نحس إنه فيه مشكلة بهالموضوع مع النساء، ع الأقل بالنسبة ليا أنا. نتذكر لمّا كنت نشوف ألبوم بيورك وكانت هي تعطي كريديت لنفسها حتى على البايس لاين، مهم جدًا. كل شيء تعمليه مهم، وجودنا في مجتمع أبوي يخلّي النساء يمشوا على أطراف أصابعهم، وما يوثقوش في حالهم ولا ينسبوا الفضل لنفسهم، بس إحنا نقدر نشتغل على هذا الموضوع، نقدر نعطي فضل لنساء آخريات ونشارك المنصة. بالنسبة ليّا، ألبوم مرا مرتبط بموسيقتي ورؤيتي وأغانيي أنا، بس برضه مرتبط بكل النساء اللي شاركوا فيه وصنعوه بهذا الشكل. هذا هو التعاون المشترك.

إنه الساحة بتوسعنا مع بعض، مش لازم حدا فينا تستولي ع القمة.

بالضبط، حسيت كل واحدة فينا كانت تخوض حرب تخصها، وأنا متأكدة إن كل واحدة فينا عدها معارك خاصة فيها حتى لو ما اعترفت، ففكرت إننا نتشارك هالمعركة مع بعض.

بتشعري إنه النساء بتحتاج تغطية أكثر في المجال الفني؟ أو هل فعلًا من وجهة نظرك كفنانة بتشوفي إنه عدد النساء أصلًا قليل؟

ما هوّ هذا كان السؤال لما بدأت. مستحيل الفن يكون مساحة بهالشكل، والنساء عندهم كفاءات أقل، أو أقل ذكاء، أو غيره، قلت مستحيل يعني حتى لما بدأت مكنتش واثقة في نفسي، عشان أنتِج وأشتغل في برامج السوفت وير. صراحة في الوقت الحالي في كثير وكثير مبادرات طبعًا، بس بصورة عامة ما في تمثيل كافي أو دعم.

وفي مجال الموسيقى الإحصاءات تتكلم عن نفسها، والأرقام تتكلم عن نفسها، سواء كانت في مجال الهندسة الصوتية والإنتاج، كتابة الأغاني، المهرجانات، نحنا النساء نواجه تحديات برشا، وكمان النساء الملوّنات والسوداوات والنساء المهاجرات، يعني مستوى الصعوبة يرتفع ويرتفع. مثلًا وأنا بكبر ما تخيلت روحي نشتغل بروديوسر، ما بنصدق إننا قادرات نعمل هذا الشغل، وبالطبع النساء صار توجهها أقل تجاه هذي الأعمال، وحتى لو توجهوا لها، بيظل نادي للذكور (boys club)، الرجال بيوظفوا الرجال. 

من الطبيعي تلاقي فرقة مكوّنة من خمسة شباب على الستيج، مهندس صوتي، مصمم صوت، وحتى النساء بيوظفوا الرجال، بتلاقي امرأة قوية وكاتبة أغاني رائعة، وأغلب محيطها مكوّن من الرجال، ما حدا يسأل أسئلة عن هالوضع. بالنسبة لي نحس روحي نغلي، الأمور لازم تتغير، إحنا علينا مسؤولية تغييرها، بالطبع المجتمع من أساسه لازم يتغير، بس للنساء التزام حقيقي تجاه الموضوع.

أنا بحب من لما انطلقتي لهلأ تركيزك على فكرة الحرية، واللي بيتم ترديدها في أكثر من موضع في إصداراتك حتى لو ما كانت في اسم الأغنية. كيف بتتعاملي مع هذا المفهوم، أو مفهوم الحرية بالنسبة إلك شو بيمثل؟

نحس إني كامرأة عربية إفريقية، من الصعب جدًا أكون حرّة. في كثير قيود، كوني أم، وكوني مستقلة، ديما لازم نقاتل لأجل الحرية، في التفكير وفي الإبداع، وللنساء اللي مثلي، العربيات والإفريقيات لازم نقاتل لأجل الحرية عشان نعرّف أنفسنا، ونختار كيف نعبر عنها، ونحس إني من البداية قاتلت لأجل حريتي داخل العائلة، العائلة العربية بعدين المجتمع العربي، ولما سافرت كان لازم أقاتل عشان حريتي كفنانة، ثم حريتي كأُمّ، الناس دايمًا تحكم عليكِ لأنك بعيدة، دايمًا في سفر. 

ديما في قتال، حتى مع الدوائر القريبة ومع الأولاد، يعني كوني أم يعطيني تعريفات متعددة تنتزع الكثير من الحرية، لكن كون الشخص أم ما يعنيش إنك سجينة، وكونك زوجة ما يعنيش تكوني حبيسة الزواج. عشان هذا السبب الحرية ديما حاضرة في أغانيي، لأني أشعر إني من المستحيل أكون حرة تمامًا، ديما لازم نقاتل. وطبعًا لما نفتح عيوننا ونشوف الحاصل في فلسطين الآن، بنقدر نشوف مين يحكم العالم ويقرر عنّا، يختار حقوقنا ويضع النظام. 

حاسة لازم أشارك معك هاي الفكرة، أنا تزوجت من شهرين تقريبًا، بس لما سمعت أغنية إذا وجملة “أعطيني حرية” بتتردد أكثر من مرة، بكيت، لأني حسيت إني كامرأة مستحيل أكون حرّة، حتى لما أختار الرجل اللي بحبه.

بالضبط! كويس إننا نتكلم عن هالفكرة، الحرية مش بس في الدولة والسياسة والمجتمع، لأننا نلاقي روحنا محرومين في أصغر التفاصيل. هذا اللي يخليني نثور، ويخليني أفهم اللي تحكيه.

إذا بدنا نحكي عن الأغنية السياسية، إنتي سجلتي أغنية هير إز تو يو بعد استشهاد البوعزيزي في ٢٠١١، هل هذا الارتباط بعده موجود؟ اللي خلّاكي تسجلي أغنية وتوثقي الحدث من خلالها، شعورك وثورتك في ذاك الوقت.

نحب أغنية هير إز تو يو، لأنها نفس القصة تعيد نفسها. معرفش إذا تعرفي تاريخ الأغنية، كانت عن تاريخ ساكو وفنزاتي، مهاجرين إيطاليين أناركيين، حُكِم عليهم بالموت وتم إعدامهم. جميل نعمل على تخليد تضحيات الناس في الأغاني، والبوعزيزي عمل نفس التضحية، يعني يمكن مكانش مدرك لنظريات ماركس أو غيره، لكنه شعر بالحاجة للصراخ لكرامته بأكثر طريقة وحشية. كان لازم نكرّمه وحسيت الأغنية مؤثرة، وأحيانًا نحتاج نعيد جمع الناس اللي كتبوا هذي الأغاني ونبني جسر عبر التاريخ لجمع جهود الناس، لأن جهود الناس لأجل الحرية لازم ديما تتجمع، متكونش معزولة، هذا كان تفكيري.

بحب نكمل عن موضوع الحرية، بحس أغلب إصداراتك بتتشابك وبتترابط، وفي نفس التوقيت الزمني، مثلًا في كلمتي حرة، فيه تعبير بالنسبة إلي كان لافت، أول مرة سمعته سرحت فيه: “أنا أحرار الدنيا واحد، أنا واحد من خرطوش”، فيها شيء قوي، بحرّك شيء ما داخل الإنسان حتى لو ما أخذ فعل مباشِر. بالنسبة إلي بتحمل معاني العنف المطلوب حاليًا، اللي لازم هلأ نوظّفه. شو كان دافعك وراء غناء هالكلمات؟

أنا لحّنت كلمات أمين الغزّي، شاعر تونسي من الموجة الجديدة. صعب كثير نلحّن أشعار ناس آخرين، يعني عندي طريقة خاصة في فهم الشِعر، ما نحس كلشي يحكي معاي، وتوصلني طلبات كثير، لكن ما نحب الأشياء التقليدية. لكلمتي حرّة أنا لحّنت الكلمات، كان عندي لحن موجود ما كنتش لاقيتله كلمات، وحطيتهم مع بعض، كان مثل السحر. 

عادةً الموضوع كأنك تصقل الخشب، وتعمل الأغنية نفس الشي، تزيد كلمة تنقّص كلمة، تبدّل حاجة، لكن ما عملتش أي شيء من هذا، كان مثل السحر، كأن الأغنية لبستني، الكلمات مفصّلة. الأغنية ديما كان هدفها تقوّي الناس وتعطيهم شحنة حرية، حتى لو الحرية لسا صعبة المنال، الأغنية تخلّي الناس يوثقوا ببعض وبأنفسهم وبقدرتهم. نحس من هذا المكان يمكن تتغير الأمور، هذا كان الإيمان تاعي لما كتبت الأغنية وبدأت غنائها.

قبل ما نعمل المقابلة كنت بحكي للأصدقاء عن المقابلة معك، ولما يسألوا مين آمال مثلوثي بغنيلهم “لو كنت نغمض عينيا” فبيعرفوا مين إنتي مباشرة. في نفس الفترة اللي سمعت فيها أغنية حلم حضرت فيلم باتيرسون وعرفت إنها استعادة لأغنية سلطان قلبها، فرجعت لألبوم ذ تونس دياريز وسمعت الاستعادات اللي فيه. كل مرة بسمع الأغاني الكوفرز من أدائك بلاحظ إنها بتطلع كأنها إصدارات إلك، وكأنها ما كانت موجودة من قبل. كيف بتختاري الأغاني اللي بتستعيديها وبتعيدي إنتاجها؟

هي الأغنية (حلم) في الأصل كلمات، ثم صار التسجيل، وطلبوا مني نسجلها لفيلم لكن في الآخر ما استعملناهاش في الفيلم. سمعتها على الكمبيوتر وقلت هذي كويسة يلزمني نخرّجها [تضحك]. كانت أول مرة على فيسبوك ولّا إنستجرام لايف، وحسيت الناس تفاعلت معاها، فقررت نسجلها.

نتصور إنها أداة مهمة برشا لاختيار الأغاني اللي نستعيدهم، لأننا الآن نشوف الأغاني من قبل عشرة ولّا عشرين سنة اللي فاتت ما كانوش مثل أغانيي، ولما نغنيها مرة أخرى الناس تظنها إلك، فشيء جميل إننا نغطي الأغاني ونوصّلهم للأجيال الجديدة، خاصة اللي يكون عندهم معنى.

هي الأصلية أغنية حب، نحس لأن كتبتْ عليها كلمات سياسية خلّت الناس تتفاعل معاها. كلنا نحس هالمشاعر، كلنا نحس هيك، نحس بالعجز، ونتصور لهذا السبب زاد شيء للأغنية، حتى الناس اللي ما يفهموش الكلمات. نحس الكلمات تجيب مشاعر مختلفة للحن، تخليها تحكي ولّا حتى تقدمها بطريقة مختلفة. شفت بنت غنّت الأغنية، بالنسبة لي كان الأهم إنها حقيقةً أسرَت قلبي.

نحب برشا نغني هالأغنية أحيانًا، يعني غنّيت يا طالعين عالجبل. بعض الأغاني نحس لازم نغنيهم، لما نحس إننا نضيف شيء. بالنسبة لي، ما هوش مثير برشا نغني أغنية متاع حد آخر، مش لازم نفكر فيها برشا، بطريقة طبيعية وعفوية تضيف حاجة من روحك للأغنية.

أنا بحب أسمع الكوفرز لما يغنيها شخص متمكن، ويضيفلها شيء مختلف، ينقلها.

ساعات ما يمشي الموضوع، مثلًا أغنية هاللويا، نكره كل الكوفرز، ما عدا استعادة جيف باكلي. نحس كأنه أغنية أصلية جديدة بالكامل. ونحب نسختي، نحب النسخة متاعي عشان نحس أضفت حاجة، نظرة أنثوية ليها، لكن كل الكوفرز الآخرين يبالغوا فيها، تمغط في الكلمات والحروف، ما في داعي.

حكيتي عن بيورك وكنت حابة أسألك عن الموضوع، من مقابلة معازف مع هبة قدري سنة ٢٠١٨، كانت بتحكي عن شغلها معك، وحكت عن تأثرك بـ بيورك من ناحية موسيقية، أنا بشوف هاد التأثر من ناحية جماليات وستايل، مش بس موسيقى.

مثير للاهتمام إنه نحس بالشرف وقت يقارنوني الناس بآخرين، لكن نحس إنه المقارنات هذي تجي من منطلق الروح الحرة. بيورك مثلًا، الطريقة اللي تعبر بيها عن روحها، كيف تستخدم صوتها وتصوغ موسيقاها بحرّية، وبرشا أغاني نحبهم ليها، لكن بالنسبة لي موسيقتها معقدة، لكن أخذت بعض أغانيها وألبوماتها لدراستهم. بالنسبة لألبوم مرا، كان عندي بلايليست فيها كانيه ويست، آيا ناكامورا، تشارلي إكس سي إكس، ودرست بعض الأغاني مثل ما نعمل بالعادة.

بس بيورك يمكن تلهمني بصورة غير واعية، ما نتجرأش نقول إنها ألهمت موسيقاي، لكنها تلهمني بالطريقة اللي ما تهتمش بيها بأي شيء، فقط تمثّل روحها بشكل كامل، وأظن إن هذا اللي يلهمني، مجرد مراقبة فضولها. أظن إنها واحدة من أكثر الفنانين فضولًا، عندها فضول طفل حرفيًا، وأعتقد أن هذا اللي يفرق بين الفنان المذهل وأي فنان آخر، الفضول والاستكشاف والعمل مع الموسيقيين طول الوقت. ممكن نستلهم من هذا الشيء كمان.

وبصريًا، ما نحبش فعلًا أسلوبها، لكن نحب كيف تجرب وما تهتمش برشا بالمظهر والجماليات، هي ديما تشتغل على مفهوم. أنا نحب الجماليات أكثر، ما ننجنش، لكن نحب الأشياء الكبيرة والمنحوتات، بالنسبة لي، إذا الناس شافوا إننا متشابهين فهذا يخليني نفتخر.

قصدت امتلاككم لنفس الطاقة، مو شرط التشابه، متل ما ذكرتي الطاقة الجامحة، حب الاستكشاف والتجريب، وكتير شغلات بتجربيها بتكون لائقة، ومش كل الناس عندها هاي القدرة.

بالضبط، شكرًا … واو.

بخصوص الستايل، لما شفت صور العرض من هيلسنكي وقعت بالغرام مع الأداء كله. بحب أعرف مين الستايلست تاعك لأنه كان رائع جدًا ومتماشي مع العرض والألبوم تمامًا.

كنت رح نشتغل مع مصمم روسي وما نجحش الأمر، لقيت روحي في مشكلة. لكني لقيت براند تونسي. نحب برشا الأزياء على الستيج اللي تبيّن كأنها منحوتات، والبراند كان عندها أشكال مثيرة للاهتمام. ومش بس إنتي، في الجولة الأخيرة عجبني كيفاش تتبدل الأشكال مع الحركة، نحب نجرب بجسدي وتحركاته على المسرح، ونحب الأزياء اللي تحطني في موضع جيد لتنفيذ هالفكرة، وتدفعني أتحرك أكثر. يصير الأمر كأن عندك لوحات تختلف من أغنية لأغنية، ومع إضاءة للثانية، وبحركات مختلفة، أتمنى أكون جاوبت على سؤالك.

بلى، هلأ أنا مغرمة بزيادة بفكرة إنها براند تونسي مش غربي.

أيوا أنا كثير فرحت فيها، ما خططت لها، بس كانوا كريمين جدًا، نحب ندعم الديزاينرز الصغار، فريش أكتر، ونحب ندعم أفكارهم الجديدة. اشتغلت برشا مع ستايلست مصريين قبل، مش في الجولة هذي لكن في جولات سابقة، اشتغلت مع حكيم يوسف، هو ستايلست صغير وعنده أفكار مختلفة ومذهلة. نحب نساند، ونعرف عنا نقص في هاذي المواهب بالعالم العربي. أغلب الأوقات نعرف المصممين والستايلستس من المنطقة العربية عندهم صعوبة في إبراز أعمالهم، لهيك نحب نساند قد ما نقدر.

بالعودة لجانب الموسيقى، بتشوفي اختلاف تعاطي جمهورك مع هذا الألبوم؟ هل اختلف أو زاد، كونه عملتوا أكثر من جولة؟

نحس برشا ناس يجوا يسمعوا حلم وكلمتي حرة، لكن في نفس الوقت نحس لما نبدأ العرض، نبدأه بطريقة إلكترونية وطاقة كبيرة، ونحس الناس يتفاعلوا بسرعة، فنحس الناس اللي يجوا يدوروا على حاجة قوية وحاجة “Badass”، يعجبهم لما نلعب الدرامز. حسيت يمكن لأول مرة بالاحتضان لذاتي والمظاهر المختلفة لشخصيتي وقدراتي، وعجبني برشا هذا الشعور، لأني كفنانة، لمّا يبدأ الناس يعرفوك، يحبوا يركزوا على جانب واحد منك، ونحس بالنسبة لي أنا أتحرك بين شخصيات مختلفة، ومش ديما سهل عليا نفهم، هل الناس يستوعبوني؟ هل الناس يعرفوا حقيقة شو نعمل؟ [تضحك]. نحس الناس يجوا فعلًا على خاطر هذا، وكان شعور جميل برشا.

لمّا دخلت أدور في برنامج الجولات لو فيه حفلة بمصر عشان أنا عايشة بمصر، وحتى لو فيه حفلة بالعالم العربي بس ما لقيت البلاد العربية على قائمة الجولات، شو السبب وراء هالشي؟ هل لسا ما تحددت الجولة في المدن العربية؟

بدأت نلعب في السنوات الأخيرة أكثر وأكثر في المنطقة العربية، في مصر عملت عرض في القاهرة، وفي دبي وأبو ظبي، لكن نحاول نرتب بعض العروض في بيروت وعمّان، وأكيد نحب نلعب في مصر، ليفل الجنون والحماس عند الجمهور هناك رهيب، فنستنى في الفرص تيجي ومش سهل، لكن متحمسة برشا. لحد الآن ما حققتش كل الإمكانيات وما شاركتش كل اللي عندي، يعني مع الألبوم الجديد نتأمل يجي قريب.

عمان أو القاهرة أنا جاي.

عظيم!

صحيح كمان إنتي رحتي ع فلسطين، كيف كان العرض هناك؟

يس وأخيرًا فلسطين، بعد سنين كثيرة، كان العرض مبهر، استقبال الناس للأغاني بيعنيلي كثير، حسيت الناس يعني إني أديتهم شحنة لسنوات، نحب نرجع مرة ثانية نغني في فلسطين، خاصةً في رام الله. أجمل شيء صار إني نشوف ردود فعل الناس، وكيف حسّوا بالسعادة لمجرد حضور العرض وسماع الأغاني.

برضه مولود في فلسطين من الأغاني المهمة إلك واللي بسمعها باستمرار.

نشوف الناس يشيروها كثير.

كلمات الأغنية من كتابتك؟

صحيح، حبيت نوجه الأغنية على فلسطين. علشان يعرف العالم إنهم يحتاجوا لبلادهم، ويحتاجوا للاعتراف بحقهم في البقاء في بلادهم. لكن عندي أغنية أخرى لفلسطين كتبها جوان صفدي، كانت تكريم لناجي العلي لكنها ما خرجتش، نفكر نخرجها قريب. وغنيت يا فلسطينية للشيخ إمام، الناس ديما يطلبوا مني نسجلها، هي أغنية سياسية، كبيرة وثورية، وقت نغنيها على المسرح تجمع الناس مع بعضهم.

شو هو إصدارك الأقرب لقلبك، وليش؟

أغنية أو ألبوم؟

اللي بتفضليه.

آمال: ماسيف ويل. فيها مزيج من الترايبل والجرانج، وهي نداء قوي للعالم، وهذا يعبر عني برشا. ديما نحاول نحدد ونفهم حالي، وشنو اللي يميزني ويخليني نكون أنا. وشنو اللي نعطيه للعالم، شنو الحاجة الخاصة اللي نضيفها للنقاش. أغاني مثل هذي تخليني نحس بقوة إنه هذا اللي نجيبه للعالم.

المزيـــد علــى معـــازف