فؤاد المهندس وشويكار معازف ممثلين غناء
عربي قديم

أنا واد خطير | خمسة ممثلين أحبوا الغناء

إسراء إمام ۱۷/۰۹/۲۰۱۸

حين يدرك المطرب الكبر، مهما بلغ صوته من العظمة، يأخذ الشيب منه راقات. أما الممثل فلا يمتلك ذاك الصوت في الأساس كي يفقده، لكنه يحرص فقط على أن يمنح كل شخصية يؤديها صوتها الصادق الخاص. قد يكون ذلك ما يجعلني أنحاز دومًا إلى الممثل الذي يهوى الغناء. فيما يلي خمسة ممثلين أبدعوا في الجمع ما بين التمثيل والغناء.

التون الممنون | فؤاد المهندس وشويكار

فؤاد المهندس رجل يُحب المزيكا، وبقدر ما هو “متأستذ فى النوايب” كما يصف نفسه في أغنية أنا واد خطير، فهو يتأستذ أيضًا فى الغناء. صحيحٌ أن الفضل الأكبر في جاذبية سماعه يُنسب لظرافة أدائه الاستثنائية، لكن ببعض التركيز نجد أن هذا الأداء لا يخلو من مساحة صوت، وفهم غير اعتيادي للألحان.

دفع هذا الحب للغناء المهندس للتعامل مع كبار الملحنين، وعلى رأسهم محمد عبد الوهاب الذي لحن له أنا واد خطير من كلمات حسين السيد في فيلم جناب السفير، لنرى فيها تناغمًا مثيرًا بين موسيقار ذكي يجيد قراءة الصوت الذى أمامه، وبين ممثلٍ مغنٍّ يُحسن تطويع أدوات صوته لتحقيق تكاملٍ بين ما تتطلبه الشخصية وما يتطلبه اللحن.

فى فيلم هارب من الزواج يغني المهندس ياسو من كلمات فتحى قورة، متقافزًا على لحن منير مراد بكلمات يونانية، فيذكرك بمفاتيح البيانو المنتعشة تحت يد عازف متمكن منها؛ وفى أغنية أنا ممنون من فيلم الراجل ده هايجنني، كلمات فتحي قورة وألحان منير مراد أيضًا، نتشبع منه وهو يغني بمذاق خاص، مُبتهجًا، متمزِجًا، وفى آخر كوبليه شَجِنًا بالقدر المنضبط الذى لا يأخذ من بهجة اللحن.

امتلك المهندس من الاستيعاب الغنائي ما يؤهله ليغني ألحانًا صعبة. ففى مسرحية سيدتي الجميلة نجده مُحترفًا وهو يغنى أتجوز ليه، بلحن حلمي بكر الذي قد يبدو لسامعه هيّنًا، على عكس حقيقته. وعى المهندس ذلك تمامًا، فتفوق على نفسه في توظيف مهاراته: إدراك أنسب وقت لالتقاط أنفاسه، المواقع التي تتطلب تمهلًا بين كلمة وأخرى، لحظة بدء نطق كلمة ما ولحظة الانتهاء منها، طريقة المد، أفضل المواقع لاستغلال العُرب التى يمتلكها صوته، متى يمثّل الكلمة، ومتى يطلق لصوته العنان ليغني فقط.

لهذا كان فى وسعه أن يؤدي بعض الأغاني بشكل حي على المسرح، مثلما فعل فى مسرحية حالة حب، حين غنى من كلمات فتحي قورة وألحان عزت الجاهلي أغنية إنها قصة حبي. ناهيك عن الأغنية الأشهر رايح أجيب الديب من ديله التي كان يُغنيها أمام الجمهور مباشرة ودون وسيط، متقمصًا صوت وحركة القطار، ومُقلِدًا هيئة العروسة التى سيحضرها لابنته، منتبهًا لنغمات البيانو التى يغني معها، ومُلتزمًا بصُنع الأجواء المطلوبة لتهيئة الطفلة منى وهبي التي تشاركه الغناء كي تُبدِع بدورها.

مع تقدم العمر، وبعد مداومته ممارسة الغناء، تخضرم صوته أكثر، وأصبح ناعمًا منزوع الشوائب، فى أغاني مثل ليلتك فُل من مسرحية علشان خاطر عيونك، إضافة إلى أغنيته الشهيرة يا حتة مارون جلاسيه ألحان محمد قابيل من مسرحية هالة حبيبتي. قد نستدل على ذلك أكثر من خلال مقطع قام بغنائه فى نفس المسرحية، دون موسيقى، حينما شدى برواق ومن حوله الأطفال ببعض أبيات نشيد الطائر الصغير.

فؤاد المهندس صوت يستحق الاحترام، وعلى الرغم من كونه يجيد التنوع، إلا أنه كان يلجأ إليه بقدر محدود، لا يحيد بصوته عن نبرة البهجة التى يمتلكها. حتى عندما غنى الدنيا كاسات، الميلودرامية، لم يتطرف فى أدائها بالشكل المُتوَقَع، بل اختار أن يمنحها بعضًا من خلطته المهندسية المعهودة، التى تكفي لاستضافة الحزن، بينما لا تُقيم له بيتًا فى صوته.

مع فؤاد المهندس لابد أن يأتى ذِكر شويكار، صاحبة الصوت المميز للغاية، الغَنِج، والمُحَلى بالعُرَب اللائقة به، إلى جانب الذكاء الذى تمتلكه هي لإدارة هذا الصوت؛ فنراها تُنَوِع عليه، تُلوّنه، وتُفلت الأنوثة فيه بشكل مُفرِط. غنت شويكار بمفردها العتبة جزاز من كلمات حسين السيد وألحان منير مراد، إلى جانب مشاركتها الغناء مع المهندس فى عدد من الدويتوهات البديعة، لنفس الملحن والمؤلف، مثل فرافيرو من فيلم العتبة جزاز، تيجى معايا على فوق من مسرحية حواء الساعة ١٢، ويا مفكر يا هايل من فيلم أجازة غرام. يمكن وصف المونولوجين الأخيرين بالذات بالدسامة والثراء لحنًا وأداءً، ففيهما تتغير الطبقات والمقامات بسلاسة غريبة وممتعة. تعاون الاثنين أيضًا مع عبد الوهاب محمد وحلمي بكر فى دويتوهات مثل إلزم حدودك من فيلم ربع دستة أشرار، ولومي يا لومي من فيلم إنت اللى قتلت بابايَ، مع الدويتو الأشهر قلبي يا غاوي خمس قارات من كلمات فتحى قورة وألحان منير مراد في فيلم مطاردة غرامية.

هذه النشوة المعجونة بالبهجة التى تنتابنا حين يتراقص ويُدندن هذا الثنائي، كفيلة بأن تحملنا على شكر كل من دفعهم للغناء. ثمة مونولوجات غنياها سويًا، نُرددها حتى الآن دون أن نتذكر، أو نعرف حتى العمل الذي صُنعت من أجله.

آه البكا والشقاوة والوِد | عبد المنعم مدبولي

تخلى المدبولي في هذه الأغنية عن مُعظم العُرَب التى يتزين بها صوته، متوجهًا قِبلة الإحساس الخالص بالحالة. تكرر الأمر أيضًا فى أغنية غريب الدار من كلمات علي الشيرازي وألحان محمد قاسم، ولحد إمتى من كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب، وعم أمين في المسلسل الذي تحمل اسمه من كلمات سيد حجاب وألحان عمار الشريعي. في الغنوة الأخيرة فقط، وإدراكًا منه لطبيعتها المختلفة بعض الشيء عن سوداوية الأغاني السابقة، أطلق المدبولي سراح بعض العُرب فى صوته.

بينما فى مسرحية ريا وسكينة نتذكر صوته المنتعش المُتدَلِل مع شادية فى أغنية حبك جننا يا اسمك إيه، وغيرها من الأغنيات التى لحنها بليغ حمدي وكتبها عبد الوهاب محمد، لتبقى من علامات الغناء المسرحي الشعبي.

فى أغنيتَي توت توت من مسلسل لا يا ابنتى العزيزة والشاطر عمرو من مسلسل بابا عبده، وكلتاهما من ألحان عمار الشريعي وكلمات سيد حجاب، نلمح شخصية الحكاء الحنون في صوت المدبولي، والتي ظهرت مرة أخرى في أغنية لي لي كو من ألبوم الأطفال الذى صدر له، وهي من كلمات شوقي حجاب وألحان محمد هلال. أما أغنيات البطة، هايجننوني، ودا دا دا في نفس الألبوم، من كلمات عصام عبد الله وألحان محمد هلال، لجأ فيهما إلى الصوت المستعار الذى يليق بحالتهما الكارتونية الطفولية. كما انتحل نبرة العجوز الأهتم فى أغنية الشمس البرتقاني، أغنية طفولتنا الأثيرة التي كتبها نادر أبو الفتوح ولحنها عمار الشريعي.

عبد المنعم مدبولي حالة غنائية مكتملة، لها فى كل مذهب باع طويل.

الصوت الرقيق الطاقق | إسعاد يونس

فى ١٩٨١ صدر لـ إسعاد يونس ألبوم بعنوان عزت الآلاتاوي. ضم الألبوم أغنياتٍ ذات طابع مختلف جدًا، سابقٍ لعهده حتى وإن كان فيه عودة إلى بعض أغاني الفولكلور. لكنك الآن إن وضعته لتستمع إليه في قائمة لأغانى الأندرجراوند، ستشعر بشخصيته المقاوحة بينهم، بل المتفوقة عليهم. كانت معظم أغاني الألبوم من ألحان سيد مكاوي، الذى شاركته إسعاد الغناء فى واحدة منهم بعنوان على قد الليل، التي يبرز فيها صوتها رهيفًا منضبطًا، بحيث لا تستغربه أبدًا بجانب صوت سيد مكاوي. كما نجدها بنفس البراعة في أغنيتَي الأديب الأدباتي والنيل، وإن خانتها بعض النوتات في الأخيرة.

يجب أن نتوقف أيضًا عند أدائها فى أغنية أبو زعيزع من كلمات صلاح جاهين وألحان سيد مكاوي، التي بدأتها بطبقة الصوت الفريدة التي تحدثنا عنها، لتحكي عن أبو زعيزع ورغبته فى أكلة اللحمة من يد امرأته زعزوعة، لكن سرعان ما يتحول صوت إسعاد إلى نبرة تحاكى فيها صوت أبو زعيزع، داخل الحوار الذى يجريه مع زعزوعة بخصوص رغبته فى شراء اللحمة لتقوم هى بطبخها، ثم تعود وتغني بذات الرقة التى بدأت بها الغنوة وهى تدندن “يا لا للي”. في الكوبليه الثاني تعاود الكَرّة بنفس الترتيب، لكن تزداد حدة الكاراكتارية فى صوتها حين تؤدي الثلاث شخصيات، شخصية الراوي التى بدأت بها الغنوة، أبو زعيزع، وأخيرًا زعزوعة. يظل الحوار يحتدم حتى نهاية الغنوة، حين ينبري فيها صوت أبو زعيزع غاضبا مُتحسرًا على اللحمة التى اشتراها وهضمتها زعزوعة فى بطنها. هذا المونولوج غناه الكثيرون، لكنك لن تستمتع به بهذه الطريقة إلا من إسعاد يونس. عاودت إسعاد الغناء بهذا الأداء الساخر فى البيانولا لكن بشكل أقل وطأة بكثير، حيث بدا صوتها مُهرجًا لكنه استمر هادئًا في شقاوته إلى حد ما، وهى أغنية من كلمات صلاح جاهين أيضًا.

حنكورة | نجاح الموجي

غنى نجاح الموجي فى فيلم شوارع من نار مونولوجًا لن يسعك عند سماعه سوى إن تضحك، بعنوان حنكورة حكالنا حكاية. غنى أيضًا فى فيلم أيام الغضب أغنية اتفضل من غير مطرود، الشهيرة، من كلمات سيد حجاب وألحان سامي الحفناوي. الغريب أن صوت نجاح فى الأغنيتين لم يختلف كثيرًا، صوت متماسك، ينفعل جيدًا مع اللحن، له رنته المميزة المُحببة، وبالرغم من أن صوته لا يوحي بتغيير قوي سوى في بعض الفوارق الطفيفة فى الأداء بين المونولوج والأغنية، إلا أنه استطاع بشكلٍ ما أن يجيد توصيل إحساس كلاهما كما ينبغي.

المزيـــد علــى معـــازف