.
يظهر سواج لي على شاشتي في الموعد رغم جوقة من الهواتف والإيميلات والرسائل التي تصرخ منادية إياه. أسمع أصواتاً تحادثه لا أرى أصحابها في الشاشة، وأصوات أبواب تفتح وتغلق وأشياء ضخمة تتحرك. في خضم كل هذا، يجلس مقابلاً إيّاي على الشاشة، مرحّباً ومبتسماً، هادئاً، مانحاً الشعور بأن كل شيء تحت السيطرة.
قد يكون زولي قادراً على إبقاء كل شيء تحت السيطرة لأن شخصه الحقيقي يختفي وراء مجموعة أسماء وألقاب. فزولي يخوض هذه المشاريع تحت أسماء متعددة، وكأنه يقود فريقاً من شخصيات مختلفة يوزع فيما بينها المهمات. سنذكر ألقاب سواج المختلفة أدناه دون أن نقف عندها، ولكنّنا سنقف على أنّها في مجملها تعود إلى الجذر سَ وَ جَ أو غَ زَ لَ.
هذه المشاريع جميعها تصب في مهمة واحدة، وهي مهمة ملحميّة، ربما تكون السبب الذي جعل رفاق زولي حسين الشربيني ومحمود شيحا يطلقون اسم epic101 على استوديو تسجيلهم. في المشروع هذا (KIK)، كلّف سواج لي وزمرة من أصدقائه أنفسهم بمهمّة خلق مشهد موسيقي مغاير في إحدى أكبر مدن العالم، القاهرة. تضم المجموعة حسين الشربيني الذي أطلق مؤخراً ألبوم إلكتروشعبي والذي راجعه رامي أبادير لمعازف مؤخراً، كما تضم أيضاً الموسيقيّة بثينة، وتاج موني $$$TAG$$$، إضافة إلى عدد من الفنانين للآخرين الذي ينتجون أعمالاً أغلبها بالإنجليزيّة.
يعمل هؤلاء في مجالات متشابكة ومتفرّعة، مجمّعين طاقاتهم لخلق هذا المشهد. قد يبدو الأمر مغلقاً بعض الشيء، ومنفتحاً على الغرب أكثر مما هو منفتح على المشهد المحلي، ولكن حسب رؤية أحمد ورفاقه، فهو نواة لشيء أكبر. القاهرة – مدينة التراجع والانحدار المستمر منذ عقود – قادمة، موسيقيّاً على الأقل. غزولي وأصدقاؤه سيتكفلون بذلك من خلال فريقهم غير المنساب المعالم تحت اسم KIK – Cairo is Coming.
كل عضو في KIK له مشروعه الخاص الذي يتقاطع ويتداخل مع الفريق مع الإبقاء على فردية كل منهم. هم ليسوا فرقة، بل هو تجمّع أشبه بـOdd Future والووتانج. وهكذا يكون الغزولي جزءاً من KIK، وجزءاً من إدارة Vent، ومدير لشركة تنظيم حفلات، وموسيقي ناجح يحيي عروضاً حول العالم. ولكنه أيضاً – وهذا ما يهمّنا بالشكل الأكبر في ملف معازف هذا – الرجل الذي يقف في الخلفية في الكثير من أعمال أبيوسف.
فمثلاً، تم تسجيل ألبوم أبيوسف الجديد وتم مزجه وإخراجه في بيت سواج لي من حيث تحدّث إلي. كان يأتيه أبيوسف كل يوم بعد الانتهاء من دوامه وينهمكون في العمل. أخذهم الألبوم كاملاً ثلاثة أشهر متقطعة، وجاء من بعد أن تحّدثا كل فترة وأخرى عن تسجيل ألبوم دون أن يحدث شيء جدّي، حتى جاء أبيوسف يوماً وقال “ما تيجي نعمل ألبوم“، وعملوه.
تعرف الاثنان على بعضيهما منذ عشر سنوات. كان أحمد غزولي حينها متأثراً بموسيقى الـEDM) Electronic Dance Music)، ومنغمساً بأعمال فرق أنتجتها شركة Edbanger مثل Justice وSebastian وBreakebot. لم يكن مهتماً بالراب حينها، ولم يكن أبيوسف أيضاً مهتماً بالراب. في الـ٢٠٠٥، وبعد أن ابتعد غزولي عن الـEDM وبدأ يستكشف الراب في الـ٢٠١١، التقى أخوه بأبيوسف صدفة في الشارع، الذي أيضاً كان قد أصبح مهتماً بالراب، وأخبره عن اهتمامات سواج الجديدة. بعد فترة قصيرة بدأ الاثنان يعملان سوية.
نخرج أنا وسواج لي عن الموضوع لنناقش بداية ألبوم YFGYY. نتحدث عن ذلك الصوت المستمر العال، كصوت يوم القيامة، الثابت كما هو ولكن بشكل ما، مع عصارة عقول هذان الاثنان، يصبح لحناً يجبرك على سماعه مئات المرات. يصرّ الغزولي أن هذا كله كان من عمل أبيوسف.
الحديث عن الألبوم محبط بعض الشيء، فزولي يعطي كل الفضل لأبيوسف، بينما يعطي الأخير كل الفضل لزولي. كأنهما في مباراة تواضع هذان الإثنين، وكأننا في حيّز غير الراب – يذكر أبيوسف سواج لي في الكثير من أغانيه، كما إنه يعهد إليه بتعليمه أسس ومعايير الهندسة الصوتية. نعود للحديث عن أبيوسف ورأسه الذي يضج بالأفكار. يكتب يومياً، دوماً عنده أفكار، دوماً يتصل بأحمد ليسمعه فكرة برأسه لإيقاع ما أو بعض سطور لأغنية جديدة. أبيوسف يعطي الغزولي كماً من المادة الخامة المتدفقة، وسواج يأخذها ويعالجها، يقلبانها الاثنان ويعالجانهما بين يديهما، يتفحصان هذا الذهب الأسود المتدفق، ويضعونه في شكل يصلنا على الساوندكلاود.
يقول سواج أن العمل مع أبيوسف سلس جداً، فهو غزير الإنتاج، يكتب بلا توقف وعلى مستوى ممتاز دوماً. يعرف تماماً ما يريد، وفي نفس الوقت قابل لأخذ رأي الآخر وتقبل اقترحات قد يجدها ليست على ذائقته في بداية الأمر. كأي فنان حقيقي، لا يتوانى أبيوسف عن قتل أعز المقاطع والأسطر عليه إن كان ذلك في مصلحة العمل ككل.
إن كان سواج يعطي الفضل لنفسه في أمر ما، فهو في جذب أبيوسف بعيداً عن الراب بعض الشيء، والسماح لأبيوسف بجذبه بعيداً عن ما كان منغمساً فيه من الموسيقى الإلكترونيّة نحو الراب. فهو الآن يسمع الراب باهتمام بعد أن كان يتابعه عن بعد. يعتبر زولي نفسه الآن ملماً بالراب، ويذكر العديد من المنتجين الذين يحترم أعمالهم ويتابعهم. أول من يذكر من هؤلاء هو Madlib، المنتج العبقري الذي عمل مع MF DOOM على المشروع الذي يعد تاريخياً الآن والذي صدر تحت اسم Madvillain.
عندما أسأله عن بداياته، يضحك سواج ويسأل من أين يبدأ، فهو ليس صغيراً. هو ليس صغيراً وأنا لست صغيراً، وهذا أمر حسن. نتحدث عن عالمنا العربي، وكيف ننشأ كلنا مقتنعين أن قمة البطولة هي أن يكون المرء رجل أعمال وأن جمع المال يعطي حياتنا معنى. ثم نقترب من سن الثلاثين ونستوعب أن ليس هذا ما نريد، وأننا أضعنا سنوات ثمينة في مكاتب واجتماعات لا تزيد ولا تنقص، فنترك كل ذلك ونبدأ من جديد. هو أمر تحدث عنه أبيوسف أيضاً في المقابلة.
بدأ اهتمام سواج لي بالموسيقى في الروك والميتال، المشهد الذي كان مؤثراً في مصر في التسعينيّات، وأراد أن يكون عازف بايس وأن يؤلف فرقة. ولكن ما بدأ يلفت نظره هو ظهور دي جيز مع فرق الروك، الشيء الذي كان جديداً وقتها. وبما أن سواج بدأ متأخراً، وجد أن بدايته كدي جي مع فرقة ميتال ستكون أكثر حكمة، فقرر أن يصبح دي جي.
عرّفه أحد أصدقائه على أحد أهم الديجيز في القاهرة ذلك الوقت، ووافق الأخير على تعليم زولي، موضحاً أنه سيعلمه كيف يكون دي جي هاوس، وليس أي شيء آخر. وإن أراد زولي الذهاب باتجاه آخر فهو حر، ولكن البداية تكون في الهاوس. وهكذا أجبر الغزولي نفسه أن يصبح دي جي هاوس ناجحاً، حتى كاد ينسى هدفه الأساسي. ولكنه بعد أن أصبح اسماً كهاوس دي جي، عاد ليدخل أنواعاً أخرى من الموسيقى الإلكترونيّة، ثم ليؤسس فرقة أسماها megazord. بالإضافة إلى ذلك، تعلم أحمد العزف على البايس حتى تمكن منه وأصبح يعزف مع موسيقيين آخرين في فرق ميتال وروك.
من هناك، ومن تعامله مع الإلكترونيات والآلات وتركيب الأصوات على بعضها لخلق عرض يلعبه حيّاً في الحفلات ومع الفرقة، تعلم زولي كيف تكون هندسة الصوت، وبدأ يفهم كيف تعمل الآلات الموسيقية مع بعضها وكيف تخلط الأصوات، وكيف يكون المرء منتجاً موسيقياً.
نعود ونخرج عن الموضوع أنا والغزولي لنتحدث عن موسيقانا المفضلة، يذكر زولي الفرق التالية كفرق شكلت ذائقته الموسيقية: فرقة Joy Division التي ألهمت جيلاً كاملاً من الموسيقيين حول العالم، وفرقة Interpol من نيويورك – هنا نخرج عن الموضوع تماماً ونتحدث عن ألبومات إنتربول الثلاثة الأولى لفترة طويلة – ثم يفصح لي زولي ضاحكاً عن هوسه الذي استمر لوقت طويل بـ Nine Inch Nails. نتحدث بعدها عن ألبوم موريس لوقا بنحيي البغبغان وعن عرضه في Vent.
أسأله عن مشاريعه الموسيقية الحالية فيخبرني عن عرضه مع بثينة في مهرجان سونار، كما يسمعني بعض الموسيقى التي ألفها لصديقه الرابر سليبي مو الذي يعيش في بروكلين.
كيف يوفق أحمد الغزولي عن العمل بين هذه المشاريع وطاقة أبيوسف غير المنقطعة؟ يقول أنهم توقفا عن العمل سويّاً لفترة، خصوصاً عندما انتقل زولي من مكان سكنه وابتعد إلى ضواحي القاهرة، بحيث أصبح قدوم أبيوسف إليه بشكل يومي صعباً. كانت هذه أحد الأسباب للانقطاع الذي استمر عامين تقريباً، وكان انشغال اثنيهما في العديد من المشاريع سبباً آخر. منذ أشهر، عاد زولي ليسكن في الحي نفسه الذي كان في سابقاً، وعادت وانتعشت وتيرة العمل بين أبيوسف وسواج لي. بعدها بفترة قليلة، بدأ الاثنان بالعمل على YFGYY.