.
بدأ موسى، ابن الاسماعيلية، مسيرته بداية هذا العام، حين أصدر سلسلة أغانٍ منفردة من مكستايبه الأوَّل أو في، ثم أصدر المكستايب قبل أربعة أشهر عندما كان (ولا يزال) في التاسعة عشر من عمره. مهما اتكلمت للسما هي أولى أغاني موسى منذ صدور أو في، سجَّلها بالتعاون مع المنتج كليك كلاك.
في دقيقتين وبضعة ثوانٍ، يختزل موسى أزمته الوجودية التي يتعامل معها وحيدًا، وبحكمة فورية، نوع الحكمة الذي تطلبه منا أو تستعجلنا عليه وسائل التواصل الاجتماعي. إحدى أبرز خلاصاته الفورية هي: “كل حاجة في العيون / مفيش أي حاجة في السما”، والتي يشرحها بقوله: “مهما بصيت للسما ودعيت، هي مجرد جماد مش هترد عليك لا بسلب ولا بإيجاب … العيون بترد، العيون مش جماد.” مكتشفًا في سطرين وحدة البشر في الكون، ثم ألفة البشر فيما بين بعضهم البعض. يبدأ موسى بعدها باستباق العبارات التي سيواسي بها أي شاب في مقتبل العشرينات نفسه خلال بضعة سنوات مقبلة من القلق الوجودي: “كل يوم وليه نهاية / بس يومي هنا طال.”
يدعم كليك كلاك المزاج الذي يخلقه موسى بعينات محيطة مائعة وأسطر إيقاعية نحاسية غير متطفلة، وكأننا نسمع آمبينت تراب، كما يستخدم هنا وهناك عينات كمان تكاد لا تكون ملحوظة، تساهم في النسيج الكلي للأغنية. أما مهندس الصوت، الكويتي، فيحرم التراك من العمق الكافي بسبب تخفيفه للبايس والنهايات الصوتية الدنيا، كما يترك مساحات ضيقة بين الأصوات، بشكلٍ يوحي بأن الأغنية تم تسجيلها في استوديو صغير أو منزلي، تفتقر لضخامة ونقاوة ومساحات أغاني التراب التجارية. هذه المشكلة التي كنت أعتبرها نقطة ضعف في التراب المصري، وقد تكون كذلك بالفعل، عندما بدأت أعتاد عليها مؤخرًا، واقترنت لدي بهذا التيار من التراب بالذات، بدأت أدركها كعلامة مميزة ومريحة، كالتشويش والبُعد المقصودين اللذان ميزا الروك المستقل من التسعينات. من يدري؟ قد يكون ما نسمعه هنا هو بدايةً لتراب مستقل شببيه بالروك المستقل، أكثر ملاءمةً للمواضيع الشخصية والاستماع على السماعات.
تضيف مهما اتكلمت للسما إلى زخم الموجة الجديدة في الراب / التراب المصري، تعزز صوتها الفردي الصادق الذي لا تغريه القوالب والخطابات المسبقة، وتزيد من تمردها على مركزية القاهرة وجذب المزيد من الانتباه إلى المشاهد الفرعية الصغيرة في الأقاليم، والآخذة بالالتفاف حول مشهد الاسكندرية.