fbpx .

موسيقى البلد، عن مهرجان وملجأ آمن

رشا حلوة ۲۰۱۵/۰۸/۳۱

ينظّم مهرجان موسيقى البلد من قِبل مسرح البلد في عمّان مرة كل عامين، ويسلّط الضوء، منذ تأسيسه، على موسيقيّين وفرق موسيقيّة محلية ومن المنطقة العربيّة؛ تلك التي تحمل مقولة فنّيّة جديدة وجديّةكلّ هذا يقام على مدرجين رومانيّين في وسط مدينة عمّان القديمة: الروماني والأوديون.

مع أنني حضرت معظم فعاليات المهرجان، إلا أنني سأتحدث هنا عن ثلاث حفلات وجدت فيها ما يعبر عن روح المهرجان بمجمله.

طرب باند

يبدو أنّ جمهور طرب باند، أينما كان، مرتبط بأغنية واحدة أساسيّة في مسيرة الفرقة حتى الآن؛ بغداد شوبي، فقد أصبحت الأغنية خلال فترة قصيرة فضاء للسعادة والحنين وكذلك للرقص. اللحن والكلمات كتبتها المغنّيّة نادين الخالدي (العراق/ مصر) بمطبخها في البيت، هكذا أخبرتنا خلال العرض، مضيفة: على عكس الإشاعة التي تقول بأنّ كاظم الساهر كتبها.

كانت هذه هي المرة الأولى التي أحضر عرضًا للفرقة، وعادة عندما أذهب لحضور فرقة موسيقيّة أعرف واحدة أو اثنتين من أغانيها، ينتابني شعور بالقلق، ككثيرين، أو الخوف من الخيبة. الفرقة لم تخيب الظنّ بما قدمته على المسرح، على المستوى النظرة الشموليّة للعرض، لكن كانت هنالك خيبة من بعض المواد الموسيقيّة التي قُدّمت، والتي سأتطرق إليها لاحقًا.

يتميّز عرض طرباند بالجوّ الذي تخلقه الفرقة على المسرح وعلاقتها مع الجمهور، وحضور نادين الخالدي وهي تتنقل بعزفها بين الآلات الموسيقيّة؛ تارة على السّاز وتارة على الباص وغيرها من الآلات. إلا أنّ أفضل ما يمكن الحديث عنه خلال العرض، هو ظهور نادين كحكواتية تملك قدرة مميزة على سرد القصّص التي عاشتها كعراقيّة اضطرت للهرب من مدينتها نتاج الحرب في العام ٢٠٠١، وانتقلت بعدها إلى السويد، وتلك التي عاشتها خلال زياراتها لمدن عديدة أو حين انكشفت لقصّص إنسانيّة متنوعة تعيش في ظلّ واقع يسوده الخراب المستمر في هذه المنطقة. هذه القصّص، ترجمتها نادين الخالدي إلى كلمات أغانٍ، جزء منها تحوّل إلى أغنية مميزة، مثل أغنية أشوفك بعدين. شعرت  أن القصّة في سردها أجمل من كلمات الأغنية نفسها، ولربما هذا المأخذ الوحيد على العرض.

الراس

كانت أولى حفلات مهرجان موسيقى البلد حفلة مغني الراب اللبنانيّ مازن السّيد – الراس. وبالرغم من أني لست من سميعة الراب، إلا أن الراس حالة استثنائيّة أرصدها سواء من خلال متابعتي لإنتاجاته المستمرة عبر الإنترنت، ومن متابعته كصحافيّ. كانت هذه الحفلة هي الثانية التي أحضرها لمازن السّيد، الأولى كانت منذ حوالي عامين في القاهرة وضمن مهرجان دي – كاف، إلا أنّ إمكانية التركيز والاستماع إلى الأغاني عندها كانت شبه مستحيلة بسبب الزحمة.

على مدار ساعة من الزمن، لم ينل شيء من تركيزي في ما يقوله ويغنّيه الراس. هذه المرة كان وحده على المسرح؛ هو وموسيقاه وصوته وأفكاره التي ترجمها بدقة وبوضوح عبر كلماته. إنّ أكثر وأهم ما يميّز عرض الراس هو تمكّنه من لفظ مخارج الحروف والكلمات بوضوح دون تعطيل تدفّق سطوره الشعرية. فوق كل هذا، وجدت كلمات الراس جميلة ومُتقنة، تحمل معتقدات وأفكار نحن في أمس الحاجة إليها.

منير طرودي

منذ أول أغنية، أشعل طرودي حماس الجمهور وسعادته، الجمهور الذي وصل ليستكشف هذه الليلة وليستمع إلى أغانٍ يعرفها، كـيا نسيم الورد والعساس وراكب ع الحمرا؛ هذه الأغاني تشكّل نموذجًا لمسيرة منير طرودي، سواءً بغناء قصائد للحلاج وأغانٍ صوفيّة، أو أغانٍ بالدراجة التّونسيّة التي تحتوي مضمونًا ناقدًا اجتماعيًا وسياسيًا، ومنها الساخر أيضًا، وكذلك أغان من التراث التّونسيّ والحضرة، أو ليستمع إلى أغان جديدة ببثّ حيّ ومباشر من طرودي، الذي يمتلئ الإنترنت بتسجيلات صوتيّة أو مقاطع فيديو من حفلاته الموسيقيّة، ويفتقر إلى تسجيلات ستوديو.

على مدار ساعة ونصف، وبخامة صوت نادرة كأن ثقافات وحضارات كاملة تعيش فيها، غنّى طرودي أغانٍ من أنماط موسيقيّة متنوعة. فبالإضافة إلى الألحان التّراثيّة والصوفيّة التي دُمجت بالموسيقى الإلكترونيّة، قدّم طرودي أغان على ألحان موسيقى الريغي، الجاز، الروك والفلامنكوهذه الأنماط التي جرّت الجمهور إلى المساحة الواسعة أمام المنصة ليرقص مع الأغاني والموسيقى، وليطلب أغنية، تعرّف عليها معظم الجمهور أثناء الحفل، ألا وهي أغنية: واشي واشي.

ختام نقص

من بين الحفلات التي شاهدتها في مهرجان موسيقى البلد، أعتقد بأنّ هذه الحفلات الثلاثة هي التي ستبقى عالقة في ذاكرتي بكامل تفاصيلها؛ الصغيرة والكبيرة، الموسيقيّة والإنسانيّة. لكن من الجدير ذكر أنّ المهرجان استضاف خلال دورته الرابعة، بالإضافة إلى الفرق والموسيقيّين أعلاه، مجموعة من الفرق الموسيقيّة، وهي: المربع، أيلول وزائد ناقص (الأردن)، مقاطعة (فلسطين)، هوا دافي (الجولان السّوريّ المحتل)، واختتم مع الموسيقيّ التونسيّ ظافر يوسف، حيث أقيم الحفل في المدرج الرومانيّ الكبير، والذي يتسع إلى ٦٠٠٠ شخص.

حضر الحفل حوالي ٣٠٠٠ شخص، وأكاد أسميه خيبة على مستوى عرض قداس الطيور والمواد الموسيقيّة، ليس إلا. تنظيمياً، كلّ تفصيلة كانت ممتازة. المشكلة كانت موسيقية. أحبّ بعض ما يقدم ظافر يوسف، بالرغم من أنّه ليس هنالك تسجيل مفضل عندي ولا أتذكر يومًا بأنّي فتحت صفحة يوتيوب أو ساوند كلاود وبحثت عن تسجيل له. لكني في نفس الوقت لن أفوت فرصة مشاهدته ببثّ حيّ ومباشر وفي مكان كالمدرج الرومانيّ. خلال الحفل، كنت سعيدة بأني لم أفوت مشاهدة هذا العدد الكبير من الجمهور القادم إلى الحفل، سواء عرف الجمهور ظافر يوسف أم وصل نتيجة للدعاية الكبيرة.

عدا عن ذلك، أحبّبت أداء فرقة ظافر يوسف الموسيقيّة، لكن تساءلت طوال الحفلة: ماذا يفعل ظافر على المنصة؟ وكأنّه لم يكن موجودًا، مقتصرًا حضوره كعازف عود مرافق للفرقة، أحيانًا وبمشاركة غنائيّة بسيطة وسريعة.

موسيقى البلد

كنت قد حضرت صدفة الدورة الأولى من مهرجان موسيقى البلد في العام ٢٠٠٩، وأذكر جيدًا سعادتي بحضور حفل لينا شماميان و زياد سحّاب ولقاء فنانين آخرين من الأردن والمنطقة العربيّة. ومنذ تلك اللحظة، رسمت لها عمّان صورتها بالنسبة لي؛ هذه المدينة التي ربما لا وقت لديها أنّ تخيط هُويتها، لكنها بلا شك ملجأ للكثيرين، خاصة للقادمين والقادمات من الأرض المحتلة العام ١٩٤٨. ومنها الانكشاف أكثر إلى المشهد الموسيقيّ العربيّ الحالي. ولمسرح البلد ومهرجان موسيقى البلد أحد أهم الأدوار في ذلك، فهو من جهة يفصح عن هذا المشهد للجمهور الأردني أوّلاً، وثم الفلسطيني والعربي. والأهم بأنّ مسرح البلد هو جهة داعمة لهذه الأصوات التي تعمل جاهدة لخلق جمال ما وسط كلّ هذا الخراب.

المزيـــد علــى معـــازف