.
عمرو حاحا والسادات، هنا، الآن
كانت بداية تفاعلي المباشر مع موسيقى المهرجانات في حفل عمرو حاحا بمسرح الجنينة، والذي أقيم بالتعاون مع مجموعته المتفجرّة “السادات” و“فيجو” و“50 سنت“. المشروع الذي تم تقديمه هو تآلف ما بين مجموعة “الشمساويّة“، والتي تضم “حاحا” و“بلية الكرنك” (نسبة الى عين شمس)، وبين مجموعة دار السلام التي تضم “السادات” و“فيجو” و“50 سنت“.
فجّر هذا التحالف الذي نتج عنه المشروع موسيقى المهرجانات خارج إطاره الجغرافي في المناطق الشعبية، وليصل الى جمهور أوسع يضم المثقفين والفنانين، حاصلاً على انتباه المؤسسات الثقافيّة مثل “المورد الثقافي” التي نظّمت الحفل.
مثّل الحفل حالة من اليوتوبيا من خلال تواجد وتوافق قوى الشعب بمختلف مرجعياتها وطبقاتها الاجتماعية والثقافية. هنا الجميع يرقص بحماس “وطني” بينما يغني السادات: “وأنا قاعد عالقهوة، طلبت شاي بحليب، الواد جابهولي سادة، فاكرني مش شرّيب” على موسيقى عمرو حاحا ذات الإيقاع المكرر الحماسي والصفارات الحادة المتقطعة. ذلك الإيقاع المخدّر الذي يجبرك على صياغة كلماتك على وزنه – عالسقفة – حتى ساعات بعد انتهاء سماعه.
كيف وصل عمرو حاحا الى مسرح الجنينة؟
لم يكن الحفل الذي يضم أنواع المستمعين المختلفة على وفاق تام تحت مظلة مسرح واحد هو المبادرة الأولى من نوعها. كان الحفل فقط تجديداً للصلح المبرم بين معشر المثقفين – إذا جاز القول – والثقافة الشعبيّة. هذا الصلح الذي كان متقطّعاً في فترات تاريخ الثقافة الشعبيّة، وليس الموسيقى فقط.
لا أعرف تاريخ هذا الصلح تحديداً، إذ لم يتم توثيقه بشكل جدّي، ودائماً ما يتغيّر وفقاً للتجربة الشخصيّة التي تختلف من شخص إلى آخر. لكن في العشرين سنة الأخيرة، تجد أن شرخاً واضحاً قد حدث في مرحلة ما بعد الـ“عدويّة“، حين نبذ المثقفين هذه الثقافة الشعبيّة، حتى انتهى هذا الخصام بظهور “اللمبي“. وهو مثال سينمائيّ، لكنه يصلح كنموذج للثقافة الشعبيّة بشتى مناحيها من حيث الذوق والتوجّه الفني. كان لظهور هذا الفيلم شبه فاصل في فترات الصلح والخصام.
تزامن ظهور “اللمبي” مع ظهور الموجة الأولى من الموسيقى الشعبيّة الحديثة، والتي حملها محمود الليثي والحسيني، ومن قبلهم عبد الباسط حمودة. وهن الذين يشكّلون، برأيي، النماذج الحقيقيّة للغناء الشعبي الذي لا يكترث للمعايير والمحدّدات الثقافية. إذ لم يتآلفوا مع المنظومات المقبولة فنيّاً واجتماعيّاً، ولم يقوموا باتّخاذ المدخل الساخر الذي قد يتقبّله المجتمع المثقف الواعي من باب أنه “كيوت“. أما أمثلة المدخل الساخر فمتعددة، ابتداءً بعدوية، ومروراً بشعبان عبد الرحيم وحمدي باتشان، وانتهاءً بسعد الصغيّر. لم يتخّذ جميع الأمثلة السابقة مدخل “السخري” مذهباً، لكن اقتصرت تقاطعاتهم مع المجتمع المثقف على المداخلات المضحكة– ذلك المجتمع المتطلع لتجميع الغرائب.
في ذلك الحين هبّت الأقلام في أواخر التسعينيّات لتأريخ هذه الطفرة الثقافيّة/ الموسيقيّة، محتفيةً بأمثالها غير المحايدة ولا المنافقة، التى تصدح بأصوات ومواضيع غير مألوفة، كما ظهرت بعض الأعمال التوثيقيّة لهذه الموجة الجديدة. من بعدها تم تجميد الصلح لفترة أخرى تزامناً مع ظهور سعد الصغير في فيلم “عليّا الطرب بالثلاثة “. في تلك الفترة، سقط أحد أهم أصوات الغناء الشعبي: وهو عماد بعرور: المؤلّف الحقيقي لأغنية “العنب العنب العنب“. وهو نوع من الشهرة المهينة إلى حد كبير، إذ لم يساهم بأي شكل في انتشاره بالمستوى المقبول، وذلك لأن الأغنية، التي طال النزاع عليها، تحمل أساساً ذات المدخل الفكاهي الذي لا يكترث له أي باحث أو موسيقي جاد.
حلفاء ما بعد الثورة
في الآونة الأخيرة – ما بعد الثورة – وجد المجتمع المدني ومثقفو وسط البلد حلفاءهم وخصومهم الأقوياء ضد أخونة الدولة في المناطق الشعبيّة. لكنهم حلفاء في سياق حسّي شعبي مؤثّر يتلاعب على الغرائز الانسانية أكثر مما يكترث بالتنظير السياسي. وهو الأمر الذي اعتبره المجتمع المدني مفيداً في الوقت الحالي، ومريحاً لهم من عناء التلاعب بهذا الشق الغرائزي وما يثيره من متاعب. لذا، تعاملوا معه كواجهة ضد التطرّف الاسلامي بمبدأ “أهو، لا من ديني ولا من دينك“. بمعنى أن هؤلاء هم مجتمع البسطاء، ويقدّرون الحريّة بمنظور بسيط يفهمه العامة، إضافة إلى أنهم، بالطبع، منزهون عن تهم التمويل الخارجي والأجندات.
من أهم النماذج التي طالما استندت عليها طبقة المجتمع المدني ومثقفي وسط البلد، لإعانتهم على هذا الصراع لفترة طويلة، أغنية “العبد والشيطان“. والتي يصدح قرارها بجمل متطرفة على غرار “ما تولّع وتحشّش، ولا احنا فـ بنزينة؟“.
تنبى المثقفون الأغنية طويلاً باعتبارها أغنيةً تجاهر بالحريّة والاستمتاع. رغم أنها تنتهي بعظة دينيّة ورسالة أخلاقيّة. إذ جاء الاقتباس السابق على لسان الشيطان. لذلك، كانت رسالتها ممسوخة وغير واضحة.
بعد ذلك، ظهرت أغنية عمرو حاحا والسادات “مهرجان العشرين” الشهيرة بمطلعها “أنا اللي عيشتي حرام في حرام“، والتي يقرّ فيها السادات ابتعاده عن ربّه، ويصف حياته العبثيّة. المختلف هنا أن الأغنية لا تنتهي بعبَر أخلاقية، بل ينهيها بنفس السياق: “تبت مرة ولا صلّيت، وكنت قادر ولا حجيت، وكان معايا كتير المال ما فتكرش في يوم زكّيت“، ومع ذلك: “كل يوم تلاقيني فرحان. كل يوم تلاقيني فرحان“. لذلك مثّلت هذه الأغنية أوائل النماذج الماديّة التي شكّلت شعبيّة مجموعة “الشمساويّة“، وأعادت الصلح بين المجتمعات البسيطة والمتفزلكة.
كانت، بسبب ذلك، لموسيقى المهرجانات حصة واضحة في الظهور في المشهد الموسيقي لما بعد الثورة المصريّة. فلأن معظم موسيقى المهرجانات ظهرت في أحياء شعبية فقيرة، كان لمعظم سامعيها ومستمعيها معارضة مبرّرة على الحكومة السابقة، شاركهم فيها المثقفين والفنانين الثوريين. ولأن المهرجانات هي تجربة تفاعلية، كما سوف استفيض في الشرح، وجدت في الثورة تجربة جمعيّة يشترك فيها الكثيرين، وتضعهم على نفس الجانب مع من قد يختلف عنهم في الذوق الفني. وبالكلمات الثورية تكتسب في مصاف مؤيديها شريحة كبيرة من المجتمع. فإذا لم يكن انتماءً ذوقيّاً، فهو على الأقل انتماء أيديولوجيّ.
في نفس الوقت، ثار العديد على هذا النوع من الفن، وانقسم الكثيرين تجاه تسميته فنّاً من الأساس. إلى حد أن الانتماءات الطبقيّة كانت تحسم هذا الاختلاف أكثر من المعايير الفنية؛ فمن يعترض عليه فهو طبقيّ، أما من يحبّها فهو اشتراكي ثوري يقدّر كل أنواع الفنون وكل أشكال التعبير. وخرج من ذلك الخلط الكثير من المخرجات المشوّهة التي تسعى إلى توحيد الصفوف و“توفيق راسين في الحلال” على الأقل على المستوى الآيديولوجي.
ظهر تباعاً لذلك بعض المحاولات ذات المصالح المتبادلة لنقل موسيقى المهرجانات إلى حيز أكبر. كان الفرصة سانحة، إذ وجد الموسيقيون جمهوراً مستعدّاً، ووجد المجتمع المثقف حليفاً. فنشأت التزاوجات بين المجتمعين مثل برنامج “المورد الثقافي” لموسيقى المهرجانات، وظهور عمرو حاحا جنباً إلى جنب مع فرقة “اسكندريلا” في احتفالية “الفن ميدان“. وكذلك حواره الشهير هو “ودي جي وزة” وأوكا وأورتيجا في قناة أون تي في (الذي تسبّب في انفصالهم بعد ذلك). كما ظهرت أيضاً تحالفات مثل تعاون عمرو حاحا مع الموسيقي فتحي سلامة، واتخاذه مديرة أعمال من وسط البلد للتسويق له في أوساط جديدة. لذلك، لم يعد مستغرباً أن يحيي عمرو حاحا حفلاً في مقر الاتحاد الأوروبي، أو في الكايرو جاز كلوب، أو أن يظهر السادات في حفل في لندن وهو يحتسي كؤوس النبيذ واحداً وراء الآخر بينما يغني: “مش هشرب خمرة تاني، الخمرة مجنناني“، التي غناها في منطقة المطرية.
في هذه الحالة، خرجت موسيقى المهرجانات عن سياقها الطبيعي، وقدم عمرو حاحا والسادات أغنيتان للثورة لم تلق قبولاً لدى الطرفين: جمهور الموسيقى الشعبيّة، وجمهور الموسيقى المستقلة المثقّف. كانت كلها تجارب مثيرة للجدل مليئة بالتناقض ولم يخرج منها أي منتج فني يذكر.
نظرية نشوء وتطوّر المهرجانات
للباحث في أصول الموسيقى، تشبه عملية تقصّي المهرجانات مثل تقصّي داروين لنظرية النشوء والتطوّر في أرخبيل غالاباغوس. إذ تتطوّر موسيقى المهرجانات تطوّراً مغايراً تماماً عن الموسيقى الرسميّة، والتي قد يصعب اقتفاء أثرها وأشكال تطوّرها على مر العصور. فهي مثال مصغر يمكن، من خلالها، دراسة تطوّر فكرة الموسيقى في مهدها الذي تصبغه البدائية لكي تفهم شكلها الحالي الذي تحكمه معايير السوق ورأس المال في الأغلب.
يمكننا أن نقسم العملية الموسيقية إلى دائرة من أربعة مراحل دائمة التعاقب: مرحلة الابداع، التفاعل مع الجمهور أو الحفل، التسجيل (تسجيل الأعمال أو توثيقها في أسطوانة)، ثم مرحلة سوق البيع والتوزيع. وفي السوق الموسيقي، يمكن أن تبدأ هذه الخطوات من أي مرحلة، إذ يمكن للموسيقي أن يسجّل في أول المراحل والتسويق له كمشروع تجاري من دون أن يكون لديه أي تفاعل مع الجمهور، ومن ثم يتم المراهنة عليه كمشروع استثماري.
أما في موسيقى المهرجانات يمكن تتبع بداية الخطوات بوضوح: فهي تبدأ بالحفل في أول مراحلها، وهو ليس حفل موسيقي مقحم على السياق الاجتماعي يحضره المستمعون من باب الترفيه ليصغوا إلى التجربة الموسيقية، ولكنه حفل بمعناه المعجمي وهو الاحتفال بحدث معين وخاص: في عرس مثلاً أو احتفال شعبي عام كفوز فريق الأهلي، أو النجاح في أحد مراحل الثورة. احتفال يجمع عدد من الأشخاص بأسباب واحدة للفرح للاحتفاء بتلك الأسباب. هنا يتطلّب أن تكون المقطوعة الموسيقية ملائمة لتلك الحالة. إذ يتم إنتاجها وتخصيصها من البداية لهذا الغرض. ففكرة المهرجان هي تفاعلية أكثر مع السياق المجتمعي ومحددة وواضحة الأهداف، يشاركها المستمعون في تجربة حسّية أكثر عمقاً وتوافقاً من فكرة الترفيه. ولذلك يرتبط المستمعين بالمنتج السمعي برباط اجتماعي أولاً قبل أن يكون حكمهم نقديّاً موسيقيّاً مجرّداً. وفي هذه الحالة ترتقي عاطفة الموسيقي ونيته عن ما قام به حقيقة من منتج. فلا يكترث الموسيقي في هذه الحالة لإعجازيّة المنتج، إنما نيّته هنا صادقة، وعاطفته تجاه جمهور مستمعيه هي سلعته الأساسية التي لا ادعاء فيها.
من أحد أسباب بداية فكرة المهرجانات في المناطق الشعبية صعوبة الحصول على فنان مشهور في كل عرس أو محفل. لكن أحد الأسباب أيضاً الحصول على تجربة تفاعلية في كل مرة، ومنتج موسيقى معد للحدث بشكل خاص. هذا ما يبرر انتماءات منتجي المهرجانات انتماءً جغرافيّاً في المقام الأول. إذ يرتبط منتجهم الموسيقي بأحداث حيّهم الداخليّة والخاصة.
ظهر “دي جي وزّة” و“عماد المخبر” في منطقة المطريّة وعين شمس بصيغة ثنائي الدي جي والـ“نباطشي“. الدي جي بدأ بفكرة تشغيل الأغاني الجماهيريّة المعروفة، مع بعض التلاعب في الإيقاع وتكرير المقاطع. أما النباطشي فكان يضطّلع بثلاث مهام رئيسيّة: ملأ فراغات المغني الرئيسي بالمردّات ليظل إيقاع الحفل مستمراً، وتحفيز الجمهور على الرقص والتنقيط، وأخيراً ذكر أسماء أهالي المنطقة وكل من ساهم بشكل أو بآخر في الحفل، سواءً مشاركة مادية أو بتواجده كجزء من التجربة التفاعلية التي تربط الجمهور بالموسيقى. إلا أن عمرو حاحا والسادات من بعدهم ذهبوا الى أبعد من ذلك، فلم يقتصر دور حاحا على تشغيل الأغاني ولا دور السادات على ملأ الفراغات.
قام عمر حاحا بإنتاج أشهر إيقاعات موسيقى المهرجانات ذات الإيقاع الرباعي البسيط وبريك الدرامز العشوائي وقتما ينتهي السادات من مقطعه. وهو المزيج الذي استخدمه معظم منتجي المهرجانات من بعدها بدون تطوير يذكر سوى في تقنيات التسجيل. ظهر إيقاع عمرو حاحا لأول مرة هادراً وصاخباً عنيفاً، يولد زخماً متماسكاً وآسراً لا تقاومه نقلات أو كسرات مشتتة. مسلّماً السادات المساحة الموسيقيّة والنفسيّة ليصرخ بجمله الارتجاليّة. ومهما يقول، فالجمهور مؤهّل بما يكفي لينساق مع الكلمات بسبب الإيقاع الكاسح. يجد السادات نفسه في هذه الحالة الانفعاليّة في صراع مع التأليف التفاعلي لمواكبة سرعة الإيقاع وقوّته؛ فلا يجد بدّاً من استخدام طريقة الـ Stream of Consciousness أو التداعي الحرّ، وقول أول ما بدر إلى خاطره لتظهر أكثر خواطره صدقاً وبساطة ومباشرة: يحب فلان أو يكره فلان، ما يريده وما يشجبه. الأمر الذي أثار حفيظة الكثيرين حينما دفعه الزّخم للارتجال: “ووقفت جنبها، وقعدت أحكّها“. لكنه، بلا شك، متنفس لرغبة وعنف حيوانيّان لا يكترثان لتأويل المستمعين المباشر، بل تأخذهم الإيقاعات بهديرها البدائيّ إلى حين يسمح الوقت بالمراجعة.
يربط السادات هذه الخواطر بالكثير من الجمل القادمة من الذاكرة، والتي تنحدر أغلبها من أغانٍ أخرى لتتوافق مع الإيقاع بوزن وقافية جاهزين: جملة من أغنية لعدوية، وبعدها جملة لأوكّا وأورتيجا. كما تعطيه الجمل سابقة التحضير مساحةً للتفكير في الجمل المقبلة، وكلّما وجد جملة مناسبة، أو على الأقل غير متنافرة مع الحدث، يغنيها بشكل مكّرر عدة مرات، رابطاً ما بينها وبين ما يليها بالمردّات وتحية الحضور.
وسط كل هذا، لا يكترث أحد بالتسجيل أو حقوق الملكيّة الفكريّة وحقوق النشر والتوزيع. إذ أن الحدث/الحفل هو أساس التجربة وليس المنتج الموسيقي بحد ذاته. فلا يمتنع المغني من قول كلمات مغنٍّ آخر، وفي المقابل، لا يعترض إن غنى كلماته مغنٍّ آخر، بل يعدّ ذلك إشارةً لنجاح عملهم وشهرته. وينطبق الأمر أيضاً على الإيقاعات، فمعظمها أصوات معدّة سابقاً من آخرين يتم يتجريبها مرة تلو المرة، فلا يوجد، ضمن هذا السياق، تحفّظ على “إعادة استعمالها” ووضع كلمات أخرى مع بعض التجويد أو التغيير في أي صوت.
يتعامل موسيقيو المهرجانات مع إنتاجهم بتواضع وكأنها لا تخصّهم؛ فهي بالأصل قائمة على إيقاع المقسوم مع تأثيرات “الفروتي لوبس“: برنامج الحاسوب المستخدم غالباً في موسيقى المهرجانات، كما يتم التعامل مع تأثيرات الكي بورد بشكل إيقاعي بحت لا يصاغ على هيئة لحن واضح يمكن تسجيله.
تجلّى أثر هذه الذهنيّة في انتشار جمل من أغاني المهرجانات مثل: “هاتي بوسة يا بتّ“، أو “انسى هموم الدنيا يا صاحبي“، كالأمثال الشعبية، بحيث أصبحت ملكاً للجميع وتراثاً ناتجاً عن تجربة جمعيّة يحق للجميع استخدامه.
في عالم التداعي الحر هذا، تؤدي الأمور إلى بعضها. فحينما تخطر ببال الموسيقي جملة ذات وزن وقافية بلا معنى، طالما كانت الكلمات غير سيئة النية، حتى بلا تقنيات معقدة ولكن بالحماس الكافي، فيتقبلها المستمعون بنفس راضية. فإذا توقّفت في هذه الحالة للتفكير النقدي، تجد بأنك وصلت إلى هذا المكان وهذا الزمان حيث ترقص بين المئات بجنون على صوت شخص يغني مكررّاً بإصرار: “أنا لابس في إيدي ساعة، وفـ جيبي معايا ولاعة. أنا لابس في إيدي ساعة، وفـ جيبي معايا ولاعة. أنا لابس في إيدي ساعة، وفـ جيبي معايا ولاعة“، في ذروة من العبث المحبّب الذي قد يعبّر أكثر من أي شيء عن الموسيقى المستقلة هنا والآن.