.
يحتوي المقال على تفاصيل أحداث بعض الأفلام المذكورة.
دقّات ساعة في غرفة خالية، طنين في أذن البطلة، صمت يتبع خط سنث راقص، نغمات كمان تتزامن مع كل طعنة في صدر الضحية. إن كانت الموسيقى تضيف لمسات جمالية على معظم الأعمال السينمائية، فالموسيقى التصويرية لأفلام الرعب هي العمود الفقري لهذا الجنرا. احتفالًا بدورها الأساسي في إمدادنا بإشارات سمعية لنستعد، لننتبه، لنقلق، ونادرًا، لنتنفّس الصعداء. عملنا على قائمة من موسيقتنا التصويرية المفضّلة لأفلام رعب محفورة في ذاكرتنا.
تختار لويز ماليرب وزهور محمود موسيقتهم التصويرية المفضلة لأفلام الرعب.
في أول عمل سينمائي لها، أبدعت ميكا ليفي في ترجمة رحلة اكتشاف ذاتية لكائنة فضائية تجوب اسكتلندا باحثة عن رجال يافعين لممارسة الجنس معهم قبل قتلهم. تحمل الموسيقى التصويرية للفيلم نفس كم الغرابة الموجود في سيناريو الفيلم، ففي تنافرها وبيئتها اللانغمية، فرشت مؤلّفات ليفي بساطًا تنويميًّا لرحلة مربكة للمشاهدين. دِث هو التراك المفضّل لدي بالتأكيد، ففيه تضغط ليفي جميع العوامل التي استخدمها في الفيلم، من أصوات الفيولا الغرائبية، إلى التلطيشات المريبة في الخلفية: “آتيةً من معدتها الفضائية.”
نتج عن تعاون المخرج داريو أرجنتو مع فرقة جوبلن مجموعة من موسيقات تصويرية تخلّدت في الذاكرة الجماعية لعشّاق أفلام الرعب، إذ عمل الثنائي على مزج دموية الجيالو مع بريق الإيتالو دسكو والبروجريسيف روك. في سوسبيريا، أثبتت الفرقة أن الفيلم يُسمع كما يُشاهد، إذ نسمع الأغنية الرئيسية قبل بداية المشهد الأول. كروح شريرة تطغى على أحداث الفيلم، تتكرّر الأغنية عدة مرات، لتذكرنا أن نخاف على البطلة. كان اختيار أرجنتو للسنثات المتكرّرة وعواميد البروجريسف روك الثلاثة من أورج ودرَمز وجيتار في ١٩٧٧ نمطًا راديكاليًّا شكّل صوت أفلام الجيالو. من خلال ست نوطات مكرّرة بمقياس ري صغير وصوت خلفي غير مفهوم، مزجت الفرقة براءة البلوغ مع التهديد الزاحف في مقطوعة واحدة. يجدر ذكر محاولة توم يورك الفاشلة للصعود إلى مستوى جوبلن في نسخة ٢٠١٨ من سَسبيريا.
https://www.youtube.com/watch?v=pins1y0XAa0&ab_channel=ProgOrDie
يسطع الفيلم الطويل الأول لـ أري آستر، هِرِديتاري (٢٠١٨)، كأحد أكثر الأفلام رعبًا في الذاكرة الحديثة. خلافًا للعديد من أفلام الرعب المعاصرة، لا يحاول السيناريو محاكاة أو إعادة إنتاج عناوين ناجحة. في قرارٍ عبقري، لجأ آستر إلى المؤلّف وعازف الساكس التجريبي كولِن ستِتسون للعمل على الموسيقى التصويرية، فكانت النتيجة بيئة سمعية أنيقة ومرعبة في آن واحد. في حاجته لخلق أصوات تحمل الشر الذي يتمحور حوله الفيلم، تفادى ستِتسون استخدام الوتريّات والسنث والإيقاعات المريبة. يبدأ التراك الأخير في الفيلم، ريبورن، كقدّاس خافت في مقياس ري منخفض كبير ليتصاعد نحو ذروة رثائية عظيمة. لم يقع الخيار على هذا المقياس عبثًا، إذ قال عنه شوبير: “إنه مفتاح شبق ينحل نحو الغم والصدع. لا يستطيع الضحك، لكنّه يبتسم. لا يستطيع العواء، لكنّه يكشّر في بكائه.”
في رابع تعاوناته مع دايفد كروننبرج، خلق المؤلّف هاورد شور في فيلم الرعب التكنولوجي فيديودروم (١٩٨٣) موسيقى تصويرية مكوّنة من أصوات إلكترونية بطيئة ومربكة. في هذا الفيلم المتمحور حول التسلية والعنف ورعب الجسد والإذاعة، أضاف شور طبقة خارجية للمشاهد قدّمت أصواتًا معدنية عبّرت عن تجريد المجتمع من إنسانيته من خلال الانحرافات التي جاء بها التلفاز. تبقى الموسيقى التصويرية في فيديودروم مخلصةً لثيمة الفيلم، بأصوات الأنفاس الخافتة في الخلفية وعيّنات الدرون الباردة، نسمع، ثمّ نشهد، بداية عصر جديد يُختزل فيه التواصل البشري بالأقمار الصناعية والليزر والفقاعات المغناطيسية.
بعيدًا عن أصوات السنث التي طغت على أفلام الرعب في الثمانينات، حمل فيلم السايبربنك الياباني تِتسوو: ذَ أيرون مان أصواتًا صناعية ذات أبعاد أُخرى. هنا جنون في الصوت والصورة حيث يندمج الإنسان بالآلة. تعبيرًا عن فيتيش الحديد لدى المخرج شينيا تسوكاموتو، خلق المؤلّف تشو إيشيكاوا، مؤسّس فرق إندستريال مثل دير أيسنروست وتزايتلش فيرجلتر، إيقاعات ميتال هذيانية وأصوات إندستريال خامة في سيمفونية للمعدن والجنس وفن التجريح.
نعم، لا يعتبر آيز وايد شت فيلم رعب. مع ذلك، تراك ماسكد بال من تأليف عازفة الفيولا جوزلين بوك واحد من أكثر التراكات التصويرية خلودًا في الذاكرة. ما يحمله من المقدّس ومن الجنساني ومن الغريب يجعله مختلفًا عن باقي الموسيقى التصويرية للفيلم. بَنت جوزلين المقطوعة حول تسجيل معكوس لأصوات كهنة رومانيين يغنّون أناشيد أرثوذكسية، وأصحبتها بوتريّات في خلفية. كانت النتيجة أكثر الأصوات رعبًا في فيلموجرافيا كيوبريك. يظهر التراك جرأة اختيار كيوبريك للموسيقى التصويرية في أفلامه، التي لمسناها بوضوح في الدقائق الأولى من ذَ شايننج. جرّبت بوك استخدام عيّنات من طقوس أرثوذكسية لأول مرة في ألبومها ديلوج (١٩٩٧).
من المفاجئ قراءة اسم فيليب جلاس في التراك الافتتاحي لفيلم الرعب القوطي كانديمان (١٩٩٢)، إذ اشتهر المؤلّف بمقطوعات بيانو لأفلام درامية قاتمة، مثل ذَ آوَرز. كيف استطاع جلاس استخدام معزوفة بيانو لحنية في فيلم رعب مليء بمشاهد ذبحٍ وتعذيب؟ يكمن الجواب في الحزن المتأصّل في كانديمان، الوحش المنتقم الذي قامت عصابة من الزعران بقتل أبيه العبد بسبب وقوعه في غرام ابنة إقطاعي. قدّم جلاس مقطوعةً رقيقة ومسكونة بجمالٍ ميلانكولي جذّاب، عبّرت عن الجو القوطي بإتقان. كونه كائنٌ حسّاس ومهذّبً حتى، نُقش كانديمان في ذاكرتنا كواحدٍ من أكثر شخصّيات أفلام الرعب هشاشة وحزنًا.
مستوحيًا النص من حكايات من الفولكلور الياباني، قدّم المخرج ماساكي كوباياشي في كوايدان (قصة شبح) مدخلاً مثاليًّا لأفلام الرعب اليابانية، في ١٩٦٤. استعان كوباياشي بالمؤلّف تورو تاكِميتسو، المسؤول عن موسيقى تصويرية لأكثر من مئة فيلم، والذي أثبت أن أكثر الأصوات رعبًا هي النابعة من طقوس تقليدية ودينية. بإضافته تأثيرات محيطة على أصوات البيوا والأناشيد اليابانية التقليدية، عزّز المؤلّف من الرهبة المقدّسة التي تصاحب الحكايات الشعبية. لولا عوالم تاكِميتسو الصوتية، لكان فيلم كوايدان أجمل من أن يُخشى. بالإضافة إلى الكثافة الإنتاجية في موسيقى الفيلم، استخدم المؤلّف أصواتًا حيّة جرى تسجيلها في موقع التصوير ومن ثم استخدامها في الموسيقى التصويرية النهائية: “استخدمنا خشبًا حقيقيًا للتأثيرات الصوتية. كنت أطلب صوت ’كرا-ا-اك’، فكانوا يقطّعون ألواحًا من الخشب أو يمزّقونها.”
في محاولات تقديمه إجلالًا لفيلم رينجو (هيديو ناكاتا، ١٩٩٨)، وقع مخرج إت فولوز (٢٠١٤) في فخ الكرنج، بسيناريو عن مراهقين يمارسون الجنس ويتبادلون لعنة تجذب شهية عفريت يقتلهم؛ لكنّه في نفس الوقت ضرب مثلًا في تفوّق الموسيقى التصويرية على الفيلم. خلق المؤلّف ديزاستربيس، الذي اقتصرت أعماله على ألعاب الفيديو قبل إت فولوز، عالمًا صوتيًّا متماسكًا، مستخدمًا إشارات معروفة للموسيقى التصويرية في أفلام الرعب: كالصمت التام في مشهدٍ قبل حدوث أمر مروّع. شبيهًا بمؤلّفات جون كاربنتر في هالووين (١٩٧٨)، يحمل التراك الرئيسي مجموعة من الأصوات الإلكترونية المتنوّعة كالدرونز والسنثات الرترو عند الحاجة.
كيف ننسى إيزابيل أدجاني في مشهد المترو في الفيلم الأسطوري لـ أندريه جوافسكي، بالتواءات جسدها وهي ترتدي فستانها الأزرق؟ تدور أحداث بوزِشن (١٩٨١) في برلين الغربية وتروي قصة زواج ينهار بطريقة تصعب رؤيتها. بمشاهدة الفيلم أو سماعه هناك إحساس طاغي بعدم الراحة. ألّف البولندي أندريه كورزنسكي مجموعة ضخمة من الموسيقى لـ بوزشن، معظمها لم يستخدم في الفيلم، لكنّها نزلت بالكامل على تسجيلات فايندز كيبرز. في صميمه، يشبه عمل كورزنسكي الموسيقى التصويرية لفيلم رومان بولانسكي، روزميريز بايبي، بإلكترونياته المتسارعة وإيقاعات الديسكو المولّدة من الدرم مشينز التي تقاطعها مألوفات أوركسترالية في بعض الأحيان.