.
لعقدين من الزمان، سطر سمول إكس تاريخًا لنفسه في مشهد الراب المغربي، أولًا عبر واحدة من أنجح الثنائيات في المشهد بتعاونه مع الرابر المغربي شوبي تحت اسم شايفين، ثم لاحقًا في مسيرته الفردية التي صقل فيها سمول إكس أسلوبه ومشروعه الشخصي بشكل أوضح من خلال أغانٍ ضاربة وألبومين ناجحين.
في ألبومه الثالث نافذة، يتعاون حصريًا مع المنتج صايب، ليخرجا بمشروع جديد نوعيًا على سمول إكس، يبتعد به عن تقلبات التراب لصالح صوت أكثر هدوءًا وحميمية. يلتقي سمول إكس مع صايب في مساحة صوتية محكومة بوعي، تتيح للرابر المغربي التحرك داخل محيطات لو-فاي وبووم باب مصممة بعناية من صايب، لتأخذ صوت سمول إكس الى منطقة أعمق عاطفيًا، دون أن تأتي على حساب الاستعراض التقني من ناحية الفلوهات والكلمات.
لا يعيد صايب استهلاك الحالة المسترخية التي عادةً ما تقترن بموسيقى اللو-فاي، بل يوظف عناصرها المحيطة ويضخ فيها إيقاعات بووم باب نابضة ومزيدًا من التنوع بلمحات من الجانغل والهاوس. تشكل الإيقاعات العمود الفقري للجانب الإنتاجي، بينما تأتي توزيعات السينث والجيتار لتعزز البعد العاطفي الذي يقدمه سمول إكس عبر كلماته.
يبدو الرابر في أكثر حالاته راحة في تلك المساحة الصوتية، أداؤه هادئ وواثق، ينساب بسلاسة فوق الإنتاج المتمكِّن، كما يكسر حالة الهدوء مستخدمًا فلوهات حادة ومكثفة أحيانًا لخلق تنوع في الأداء. ليس هناك تحولات درامية في اللوازم، بل تدفق راب مستمر مع مساحات غنائية أطول كما في تراك قلبي.
يفتتح الألبوم بصورة تأملية في تراك نيبيولا، حيث تتداخل تأملاته في النشأة في المغرب، وعلاقته بالموسيقى وموقعه ضمن المشهد المحلي، بأسلوب تأملي يحمل خفةً في الإلقاء وغنًى في المعنى. يحمل عنوان التراك رمزية السُّدم، أماكن نشوء النجوم، ويستثمرها سمول إكس بسلاسة دون تكلف، فتأتي كلماته صادقة وإلقاؤه موزونًا.
ينتقل بعد ذلك إلى مواضيع متعددة في بغيت ومرايا، لكنه يظل متمسكًا بنفس المزاج الداخلي الذي يربط ثيمات الألبوم. تمامًا كما يوحي العنوان نافذة، تُلقى سطور سمول إكس وكأنها تطل من نافذة على تفاصيل حياته، لكنه لا يغرق في التفاصيل، بل ينظر إليها من منظور الصورة الأوسع: “بغيت نسافر، بغيت نجول / بغيت نشوف أو ندور العالم / بغيت نشوف مستقبلي قدامي تخلق من العدم.”
يبدو قراره للابتعاد عن الصوت السائد صائبًا في هذه المرحلة من مسيرته. فبعد سنوات طويلة في الساحة، وعمله مع عدد من المنتجين في المشهد المغربي، وانغماسه في التراب، يجد مع صايب نافذة جديدة، حيث يختار التأمل بدلًا من التباهي، والجودة بدلًا من محاولة صناعة أغانٍ ضاربة. كما نرى لحظات من الراب الواعي (Conscious Rap) في الأغنية الرئيسية قلبي، حيث لا يأتي أداءه بنبرة وعظية، بل يحمل تأملات صادقة حول العالم من حوله.
تستمر تلك النبرة الواعية في تراك شاين بالتعاون مع بلاك ميلك، الذي يقدم فيرسًا ثقيلًا ودسمًا، ليقارعه سمول إكس في الفيرس الثاني بأسلوب أكثر حدة وكثافة من حيث الإلقاء والبُنى اللغوية، لتبدو كلماته كأنها طلقات تصوب بدقة نحو واقع متوتر ومركب. تأتي اللازمة الغنائية من ريتا نطاح كمساحة تنفس ضرورية تكسر حدة الفيرسات، مستحضرة روح راب منتصف الألفينات.
يلعب الألبوم على عناصر موسيقية نوستالجية ككل، مستفيدًا من خامات البووم باب، اللوفاي، والجاز، دون أن يقع في فخ إعادة تدويرها بشكل مباشر، بل ينجح في استحضار هذه العناصر ضمن سياقات معاصرة، تجعل منها أدوات تعبير حيّة لا مجرد إشارات زمنية. لا يبدو الألبوم كتجربة تحاول كسر الحواجز أو مجاراة ما هو رائج، بقدر ما هو محاولة لصياغة صوت متماسك ومتزن، وينجح سمول إكس وصايب في تلك المهمة.
نافذة أول مشروع لسمول إكس بعد توقيعه مع شركة التسجيل الأمريكية ماس أبيل، المملوكة لأسطورة نيويورك ناز. على عكس ما قد يُتوقع من خطوة كهذه لفنان عربي، يخلو الألبوم من أي محاولة لملاحقة طموح زائف بالعالمية، أو لفرض سرديات التمثيل التي ابتليت بها صناعة الموسيقى في المنطقة. هذا التوقيع بعيد عن أي دلالة داخل سياق الألبوم، ومقصور على ما يتعلق بالقدرة التقنية للشركة على التوزيع والترويج، ليحافظ محتوى الإصدار على صدقه وخصوصيته.