.
في تلك الدقائق الأخيرة المرهقة للأعصاب في روما، حين بدت كل ثانية كعمر وشعر الجمهور بأن صافرة النهاية لن تأتي أبدًا، أخذ جمهور ليفربول بالغناء ليخففوا عن أعصابهم.
كان ما يحدث طقسًا، وسيلةً لتشتيت القلق، وصلاة: بدأوا بـ “لن تمشي وحيدًا”، أهزوجة النادي، ثم انتقلوا إلى الحقول على طريق آنفيلد، وأخيرًا غنوا لا شيء يزيحنا We Shall Not Be Moved.
عندما انتهت المبارة، وعندما خسر روما بفارقٍ كانوا على وشك تداركه، كانت هناك لحظة مما يقارب الصمت: وكأن الجميع كانوا يجمعون نتائج الأهداف، ليتأكدوا أن ليفربول كسب حقًا على مضيفه بسبعة أهداف إلى ستة بالمجموع، وبلغ أول نهائي دوري أبطال له منذ أكثر من عقد.
عندما استوعب الجميع الإنجاز الذي تم تحقيقه للتو، ركض لاعبو ليفربول اتجاه الزاوية في ملعب ستاديو أوليمبيكو حيث احتشد جمهور ناديهم المسافر، وانطلقت أغنية أخرى، أكثر صخبًا هذه المرة، أكثر بهجة.
كان معظم جمهور روما يتجهون إلى منازلهم. القلة منهم الذين تباطؤوا على الطريق، ربما كانوا يتساءلون لماذا قرر جمهور ليفربول الاحتفال بأفضل لحظاتهم منذ أكثر من عقد عبر التقافز والتهوير بلفحاتهم وغناء ما بدا أنه لِستاتِ ستا فينِندو (الصيف يقترب من نهايته)، أغنية ضربت عام ١٩٨٥ لثنائي الديسكو الإيطالي ريجيرا.
جمهور ليفربول، على كل حال، لا يعرف الأغنية بهذا الاسم: في إنكلترا، اسمها ببساطة Allez Allez Allez، اللحن الذي شكَّل الموسيقى التصويرية المبتهجة التي رافقت ليفربول في رحلته إلى كييف هذا الأسبوع، ليلتقي بريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا يوم السبت.
كيف تحولت النسخة الأصلية للأغنية إلى ما باتت عليه اليوم؟ كيف تحول مقطع من أغنية يوروبوب ثمانيناتية إلى النشيد الوطني لليفربول في القرن الحادي والعشرين. الإجابة هي عبارة عن قصة حول قوة يوتيوب، عن عولمة تجربة جماهير فرق كرة القدم، وعن كيف أن أغنية ميلانكولية تدور حول آلام مرور الزمن، قد بُعثت لحياة جديدة بعد ثلاثة عقود على يدي الثقافة الرقمية لجماهير كرة القدم.
لم تتحول لِستاتِ ستا فينِندو إلى Allez Allez Allez دفعةً واحدة. خاضت على الطريق رحلةً مبعثرة، بادئةً بالانتشار من لاكيلا، مدينة صغيرة في إقليم أبروزو في جنوب إيطاليا، إلى تورين ونابولي، ثم خارجةً من إيطاليا إلى بقية العالم، البرتغال وألمانيا، قبل أن تصل إلى ليفربول.
ما نتعامل معه هنا هو ليس أول حالة لنشيد جمهور كرة قدم له خلفية متقلبة، إذ يدور الوثائقي الصادر حديثًا عن مجلة كوبا٩٠ حول أغنية داليه كافيسي – أغنية أخرى درجت بين جماهير فريق إيطالي صغير – قبل أن تتبناها جماهير كرة القدم في الأرجنتين، وتنطلق من هناك إلى مدرجات عشرات الدول.
المختلف في لِستاتِ ستا فينِندو، أن تحولها وانتشارها قد جرى كليًا تقريبًا عبر الإنترنت.
“كتبت هذه الأغنية عندما كنت في العشرين من عمري”، قال ستيفانو ريجي – المعروف باسمه الفني، جونسون ريجيرا – عن الأغنية التي كتبها مع شريكه، ستِفانو روتا في الثمانينات.
“تتحدث الأغنية عن نهاية الصيف، نهاية الإجازة، بداية المدرسة، بداية العام. في هذا الوقت تنتهي العديد من العلاقات، حين تدرك أنك لن ترى بعض الأشخاص مجددًا. هي لحظة ندرك فيها أن الوقت يمضي.”
في عام ١٩٨٥، كانت هذه الأغنية تعيش نجاحًا كاسحًا في إيطاليا، بالغةً قمة المبيعات، وعاثرةً على طريقها إلى البث في ألمانيا وسويسرا. في ذلك الوقت، كتبت الفرقة أغاني أخرى تم تبنيها من قبل جماهير فرق رياضية، مثل نو تِنجو دينِرو، أغنيتهم فائقة النجاح الأخرى، والتي استخدمها جمهور فريق روما عند صدورها كتحية حميمية للاعب الوسط البرازيلي، تونينيو جيزيرو. لكن لم يتنبأ أحدهم بأن تتحول لِستاتِ ستا فينِندو إلى أغنية بمصيرٍ مماثل.
كان ذلك حتى ثلاث أو أربع سنوات فاتت، عندما أدى ريجي الأغنية في لاكيلا، مدينة إيطالية صغيرة كانت تعاني من تبعات هزة أرضية أصابتها عام ٢٠٠٩.
“بعد الحفل” قال ريجي، “أرسل لي بضعة من أصدقائي فيديو حيث يغني جماهير لاكيلا نسخةً من أغنيتنا.” كانت هذه النسخة الجديدة تبدأ بعبارة: في يومٍ مفاجئ.
يلعب فريق لاكيلا في الدوريات المتدنية في إيطاليا، لكنه يحظى بألتراس صاخب وعنيف الولاء، يعرف (نسبةً لألوان الفريق) بالـ نسور الحمر والزرق. يعود الفضل إلى هذا الجمهور فيما يخص تحويل لِستاتِ ستا فينِندو من أغنية ديسكو دارجة منسية، إلى أهزوجة ملاعب بدءًا من ٢٠١٤، لكن تأكيد هذه المعلومة ليس بهذه السهولة، إذ أن أحد قادة ألتراس الفريق قال للـ نيو يورك تايمز أن ميثاق الألتراس يمنعه من التحدث عن أصل الأغنية، لا في المقابلة ولا على هامشها غير المنشور.
على كلٍ، انتشرت الأغنية بسرعة من لاكيلا إلى أرجاء إيطاليا: ظهرت نسخة خاصة من الأغنية بفريق جنوا، ثم بفريق يوفنتوس، الفريق المفضل لدى ريجي. لكن لم تبلغ الأغنية ذروة مجدها حتى وصلت إلى فريق نابولي. “تحولت الأغنية إلى شيء قريب من الترنيمة في نابولي” قال ريجي. غير كل فريق كلمات الأغنية، لكنها كانت تبدأ دائمًا بالكلمات الثلاثة ذاتها: في يومٍ مفاجئ. ثم أضاف جمهور نابولي عبارة “سندافع عن المدينة” قبل بداية لازمة الأغنية.
من نابولي، بدأت الأغنية بالانتشار خارج إيطاليا. تبناها أتلتيكو مدريد – وغنتها جماهير الفريق خلال نهائي الدوري الأوروبي الأسبوع الماضي – كما غنتها جماهير راينجرز في سكوتلندا. يحاول ريجي تقصي انتشار الأغنية بقدر ما يستطيع، حيث يرسل له أصدقاؤه فيديوهات لنسخ جديدة مختلفة. “سمعتها تغنى في مباريات كرة السلة والهوكي أيضًا.”
لاحظت التنانين الخارقة، وهم ألتراس فريق بورتو البرتغالي، الأغنية بدورها. أكد لنا قائد التنانين، فرناندو مادوريرا، أن جماعته شاهدوا فيديو لجماهير نابولي وهي تغني الأغنية، وقرروا استعارة اللحن. بحلول شباط / فبراير ٢٠١٦، عندما زار الفرق بورسيا دورتمند ضمن مباريات الدوري الأوروبي، كانت الأغنية قد أصبحت إحدى هتافات النادي الأساسية. خلال زيارتهم هذه إلى ألمانيا، انتشر فيديو لمجموعة من التنانين الخارقة تغني الأهزوجة في محطة مترو.
وفقًا لفهم مادوريرا، فإن جماهير ليفربول التقطت الأغنية من بورتو مباشرةً: إذ تواجه الفريقان في دور الستة عشر من دوري أبطال أوروبا، ويعتقد مادوريرا أن جماهير ليفربول حفظت الأهزوجة عفويًا خلال المباراة. لكن الواقع يبدو أكثر مراوغةً من هذه الرواية.
بعد أسابيع من مباراة بورتو ودورتمند في ٢٠١٦، شاهد فيل هاورد، أحد مشجعي ليفربول، الفيديو حيث تغني التنانين الخارقة الأهزوجة في محطة المترو. كان فيل في دورتمند لأجل مباراة أخرى لعب فيها ليفربول، وكان يجول يوتيوب بحثًا عما إذا كان “قد ظهرت في أي واحد من هذه الفيديوهات.”
منقادًا من فيديو إلى آخر على يوتيوب، انتهى الأمر بفيل يشاهد ذلك الفيديو. “أردت (لجمهور ليفربول) أن تسجل نسخةً منها مباشرةً” قال فيل. “بقدر ما قد يبدو كلامي غبيًا، إلا أنني لم أرد لجماهير مانشستر يونايتد أو تشلسي أن تصل إلى الأهزوجة قبلنا.”
أرسل هاورد رسالةً نصيةً إلى صديقه ليام مالون ليلفت انتباهه إلى الأغنية. “أخبرته أن هذه الأغنية قد تصبح الـ رينج أف فاير المقبلة” مشيرًا إلى أغنية جوني كاش التي رددها جمهور ليفربول خلال احتفالهم بفوز الفريق بدوري أبطال أوروبا عام ٢٠٠٥.
استغرق الموضوع وقتًا طويلًا حتى استطاع الاثنان الخروج بكلمات مقبولة تساير الأهزوجة. في كانون الأوَّل / ديسمبر ٢٠١٧، حل الوحي الإبداعي على مالون أخيرًا. وخلال الأسابيع المقبلة، حاول هو وهاورد أن ينشرا الأغنية ويزيدا من رواجها: كان كلاهما في المباراة ضد بورتو – بعد ثلاثة أشهر – حين بدأت جماهير ليفربول بغنائها في مداخل ومدرجات الملعب.
جايمي ويبستر، كهربائي وعازف جيتار هوائي، كان في الملعب يومها أيضًا. “كنت قد سمعت همهمات من الأغنية في ملعب آنفيلد سابقًا” قال جايمي، “لكن في بورتو، كان هناك شلة شباب تغنيها. لم تعرف بقية الجمهور الكلمات، لكنها حاولت اللحاق بالشلة التي تغني.” رأى هو الآخر الإمكانيات التي تحملها هذه الأهزوجة. عثر على الأغنية على الإنترنت، عمل على فك الكلمات التي بدت كشيفرة، وبدأ بتلحينها جديًا. “أردت للأغنية أن تنتشر.”
حظي ويبستر بالمنصة المثالية، إذ كان يؤدي بانتظام في مكانين يعتبران من نقاط التجمع الرئيسية في الأيام التي يلعب بها ليفربول: في حانة هافواي هاوس قرب ملعب آنفيلد، وفي سلسلة حفلات بوس نايت، والتي تنظمها مجلة موسيقية محلية صغيرة. عندما أدى نسخته من الأغنية بعد بضعة أيام من مباراة بورتو، كانت ردة الفعل مهولة. “بعد أربعة أو خمسة أداءات، كانت الحانة بكاملها تغني معي” قال ويبستر، “كان هناك نساء في الخمسينات من عمرهن يغنين ويرقصن على الطاولات.”
انتشر فيديو لهذه الحفلة على يوتيوب، وتمت مشاركته على فايسبوك وتويتر، ليحظى بمئات الآلاف من المشاهدات. “استمرت شعبية الفيديو بالتضخم والتضخم” قال ويبستر. في هذه الأيام، عندما يتعرف بعض مشاهدي الفيديو على ويبستر في الشارع، يطلبون الحصول على توقيعه. في وقتٍ سابقٍ من هذا الموسم، قدمت مجموعة من مشجعي النادي من فرنسا إلى آنفيلد مصممين على لقائه.
لكن نجاح الأغنية كان أكبر بعد من نجاح ويبستر. عندما كسب ليفربول مباراته مع مانشستر سيتي في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا في نيسان / أبريل الماضي، كان ملعب آنفيلد بأكمله يردد الأهزوجة.
بالنسبة لويبستر، قررت تلك اللحظة مصير الأغنية في تاريخ النادي. “تنتشر وتتأصل هذه الأغاني عبر النجاح” قال ويبستر، “لو كنا خسرنا ضد سيتي، لربما انتهت رحلة الأغنية في تلك المباراة.”
لكن ليفربول لم يخسر. هزَّت الأهزوجة الملاعب بصخبٍ ووضوح في مباراتي الذهاب والإياب ضد روما، وستسمعونها مجددًا، مرةً تلو الأخرى، خلال مباراة النهائي يوم السبت في كييف – أكبر منصة قد يحظى عليها جمهور نادِ ما.
في تلك الليلة، سيكون ريجي بانتظار سيل الرسائل الجديدة من أصدقائه الذين ينبهونه إلى زئير أغنيته في أوكرانيا، مرددةً على حناجر جمهور فريق كرة قدم إنكليزي، التقطوها بدورهم من فيديو على يوتيوب لألتراس نادي برتغالي يغنونها في ألمانيا، والذين أخذوها من نابولي التي استعارتها من لاكيلا.
“كل نسخة تمنح الأغنية حياةً جديدة” قال ريجي. “نجاح الأغنية هو أمر حميمي جدًا بالنسبة لي. يجعلني في غاية السعادة. لطالما فكرت بأن الأغاني كأطفال: عندما يكبرون، يغادرون أوطانهم، ويشقون طرقهم الخاصة.”
هذه الأغنية تعدت مجرد الخروج من وطنها، فقد احتلت أوروبا بأكملها، ولن يقف في وجهها شيء.
كتب هذا المقال روري سميث لمجلة ذ نيو يورك تايمز. اقترحه هيكل الحزقي وترجمه فريق معازف.