fbpx .
محمد رمضان نمبر وان مهرجان مهرجانات معازف

نمبر وَن | محمد رمضان ومهرجان الموجة الجديدة

معازف ۲۰۱۸/۰٦/۲٦

لفترة طويلة، كان من الصعب توصيف علاقة محمد رمضان بالمهرجان. لا يمكن القول إنه دخيل، فهو يغني المهرجانات منذ سنوات، وحصل على شهرة من غنائها قد تفوق الشهرة التي حصل عليها من التمثيل. تشارك المنصة مع الجميع، من المدفعجية إلى أوكا وأورتيجا وشحتة كاريكا. حتى أسلوبه كان متنوعًا، من الغناء الأوتوتيوني حاد الصوت، إلى الشكل المصقول التجاري لمهرجان الأغنية الدعائية. لكن لا يمكن أيضًا أن نقول ببساطة إن محمد رمضان هو مغني مهرجانات، مثله مثل البقية – هو يؤدي ما يُلقنه ويُملى عليه بنزعة تمثيلية، حرمته من تطوير بصمة خاصة لفترة طويلة. للوهلة الأولى، يبدو أن نمبر وَن، الواقع بين المهرجان والأغنية الدعائية، على وشك زيادة الوضع تعقيدًا، لكنه في ذات الوقت قد يخبّئ جوابًا واضحًا حول موقع رمضان من المهرجانات.

لو استمرت مسيرة رمضان على النحو الذي كانته بين عامي ٢٠١٢ و٢٠١٤ لكان الموضوع أبسط. حينها، عندما كانت أدواره التمثيلية لا تزال أكثر تواضعًا، حتى إنك أحيانًا لتراه في بداية الفيلم وتقول لنفسك: “أوكي، هالشخصية هتنضرب في وسط الفيلم”، كان دور رمضان واضحًا. كان محمد رمضان دميةً ملقنة، وقناعًا مهادنًا وجب على المهرجان ارتداؤه لعبور أبواب كانت لولا هذا القناع لتبقى مقفلة. كان من الأسهل على الجمهور العريض تقبل مهرجانات مشذبة الكلمات ومقلمة الأظافر يؤديها ممثل يلعب الدور المعهود للفتى الشعبي الـ راجل والأصيل، بعيدًا عن كل الجدل والطبقية التي خيمت على معظم مغني المهرجانات الحقيقيين الذين ظل معظمهم حتى تلك الفترة مُبعدًا عن الشاشة ووسائل الإعلام.

لكن في ٢٠١٤، عندما بدأت أدوار رمضان تتطور وتنتقل من كاريزما الغلبان الخلوق إلى الروِش الصايع، وجد نفسه في مكانٍ هام ضمن حركة ستترك أثرها على كلٍ من المهرجانات والموسيقى الرائجة في مصر. في مهرجانات كـ علشانك، بدأت موجة جديدة من المهرجانات بالتشكل. صوت مصقول إنتاجيًا، يعرف كيف يطوِّع العناصر الإيحائية والجدلية بالحدود الآمنة، أوضح وأسهل على الأذن في السماعات الأولى، ذو نبرة مبتهجة راقصة بعيدة كل البعد عن ميراث التذمر والمظلومية الذي تتشاركه المهرجانات مع الغناء الشعبي. كان رمضان على وشك أن يكون نجم هذه الموجة، لولا التحول في مسيرة أوكا وأورتيجا اللذين أصبحا الاسم الرئيسي فيها، والمسؤولين عن أهم فتوحاتها.

مغمورًا في ظل أوكا وأورتيجا ومغنّي وثنائيات المهرجانات التي ظهرت حولهما، عاد محمد رمضان إلى دوره التمثيلي في المهرجانات، لكن باختصاص في مهرجان الموجة الجديدة، والذي بدأ يتوسع من السينما إلى الأغاني الدعائية التي نحصل على دفعة منها مع شركات الاتصالات والبنوك في كل مناسبة وأخرى. أصبح لدى رمضان في هذه المرحلة أسلوب من نوعٍ ما، كلماته مهادنة ومتوقعة أكثر، إيقاعاته مألوفة وقريبة من الموسيقى الإلكترونية الراقصة في أماكن، بنيته هي إما بنية اللوازم والمقاطع في البوب العربي الدارج أو البنية المضغوطة للأغنية الدعائية القصيرة – كلما زاد التكرار والنمطية والتشذيب في هذا المهرجان، كلما زاد رواجه التجاري.

عندما نسمع مهرجانًا كـ نمبر وَن نفهم أن انشقاقًا قد حدث، وأن المهرجان بات له يتطور في سكتين مختلفتين على مدى العامين أو الثلاثة أعوام الماضية. نحس بهذا الانشقاق قبل بداية المهرجان، فالفيديو الذي ينقضي قرابة نصفه قبل بداية الموسيقى، لا علاقة له بالميراث البصري للمهرجانات التقليدية، وهذا للصراحة شيء عظيم. تجاوز رمضان فكرة ادعائه أنه ابن الشارع، يتسكع بين التكاتك مع شباب مفتولي العضلات في حي شعبي، ترك كل هذه الكليشيهات لأحمد مكي. بدلًا عن ذلك، نجده يرتدي بدلة مترفة، يمشي في أرجاء شقة باهظة، يجلس في سيارة مكشوفة. بصريًا، يجمع الفيديو مناخ الخيال العلمي الديستوبي (رغم أننا لا نفهم سبب الديستوبية هنا) من فيلم بلايد رانر الأخير، مع الهوية البصرية لشركة فودافون التي نظل نتوقع بشكل غير مريح ظهور اللوجو الخاص بها في إحدى زوايا الشاشة، غير مقتنعين أن هذه أغنية منفردة وليست دعائية.

حتى هوية محمد رمضان الأدائية لا علاقة لها بعالم المهرجان التقليدي. لا تشكيل ولا رقص شعبي ولا حركات مرتجلة. تتراوح حركات رمضان المدروسة وغير المسرفة بين الصورة النمطية لكيف يتحرك مغني الهيب هوب على المنصة، وبين الرقصة الفرعونية التي – رغم مظهرها العبيط في لحظات – لا يمكن إنكار أنها تقدم شيئًا جديدًا مسليًا ومحليَّ الأساس.

عندما يبدأ المهرجان نفسه يصبح الانشقاق سابق الذكر صارخًا. على خلاف المهرجانات المتسقة أسلوبيًا والهمجية جماليًا التي نحصل عليها كل يوم من مغنين كفيفتي وسادات وكاريكا ومنتجين مثل عمرو حاحا وإسلام ساسو ومادو الفظيع – ما نحصل عليه في نمبر وَن هو كولاج يدعو للتمهل والتحليل.

على مستوى الغناء والكلمات، هناك اقتباس واضح من مهرجان سادات العالمي المكتسح مؤخرًا، دراكولا. حركة ذكية ومأمونة، أن تأخذ النبرة الغنائية والتوجه الكلماتي لأحد أكثر المهرجانات رواجًا تجاريًا مؤخرًا، وتحاول تقليمها وصقلها وإعادة إنتاجها. هناك بعض العبارات التي تبدو قد نسخت من دراكولا ولصقت في نمبر وَن، مثل “أنا – جمهوري – واقف في ظهري” التي يقطِّعها رمضان بالطريقة التي يقطِّع بها سادات عبارة “قائد – ويشهدلي – شعبي.”

الأسطر التبجحية الخشنة، أقصد التي يجب أن تكون خشنة، قد تكون معيبة لو جاءت من مغني مهرجانات شعبي: “القمة هي طموحي واختياري / والنجاح بيحب يدق داري / جريوا لما سمعوا صوت عياري / إياك تفكر تسبق الفيراري”، لكنها ملائمة لرمضان، متسقة مع الابتسامات العبيطة المحببة التي يوزعها خلال الفيديو بسبب وبلا سبب، ومع كونها تبجح فتىً مدلل. عندما تأتي هذه الأسطر في سياقها، حتى لو كان سياقًا عبيطًا بعض الشيء، لكنه خالٍ من الادعاء والنفاق، فهي لا تزعج ولا تبعث على الملل. أقسى ما قد تدفعنا لفعله هو الابتسام بشكل لا إرادي وقول شيء من قبيل: أووه، كيوت.

موسيقيًا، سواءً من حيث التأليف أو التوزيع أو الإنتاج والمزج، يستحق كل من عمل على المهرجان وقفةً وتصفيقًا. أول ما يشدّ في نمبر وَن هو أن لازمته ليست مقطعًا غنائيًا، بل هووك Hook، سطر إيقاعي مزماري إلكتروني يتسبب بالإدمان الفوري، يتكرر بتنويعات في الطبقة والسرعة على طول الأغنية. ينجح القسم الإيقاعي بخلق توازن متقن بين ميراث المزامير المهرجاناتية، حضور مقنن للموسيقى الإلكترونية الراقصة، استخدام غير مفرط للبايس، وهامش موجود للإيقاعات التي شكلت البوب العربي للعقدين الماضيين، كالصفقات الإلكترونية والدفوف النحاسية. حتى صوت محمد رمضان قد مر بصقل وفلاتر منتقاة ليأتي ممتلئًا ونقيًا، يكافئ السماع على سماعات عالية النقاوة.

هذه الوصفة الكولاجية من المهرجان الشعبي والبوب العربي والموسيقى الإلكترونية، تجعل نمبر وَن عدوانًا ثلاثيًا، في صفنا هذه المرة. فبين النسخة التجارية التي يمثلها نمبر وَن، والتي استحق رمضان أن يصبح أحد روادها، أو على الأقل واجهتها الرئيسية، وبين النسخة الشعبية التي ضرب دراكولا مثلًا على جاهزيتها للرواج التجاري، أصبح البوب المصري بين فكي كماشة المهرجان، والذي هو النمبر وَن الحقيقي هنا، شق طريقًا طويلًا من الاضطهاد والتحدي والقيل والقال والتقلبات الإعلامية، حتى أصبح اليوم الحقيقة التي لا مهرب منها.

المزيـــد علــى معـــازف