بيلي آيلتش معازف مراجعة هابير ذان إفر
مراجعات

هابير ذان إفر | بيلي آيليش

عمار منلا حسن ۱٦/۰۸/۲۰۲۱

قضيت فترات متقطعة الأسبوع الماضي مستلقيًا على الصوفا أقرأ عن ألبوم بيلي الجديد. “تغني بيلي آيليش بصراحة قاسية عن ارتقائها السريع إلى النجوميّة وما صاحبه من أهوال” تقول إحدى المراجعات، فيما تشير أخرى إلى أن معظمنا نحب بيلي ليس لعبقريتها الموسيقيّة فحسب، بل لأننا “نفهم (ما تخوضه) كوننا في فريقها وعلى صفها، لأنّنا نسمعها بإعجاب ونرى جانبًا من أنفسنا فيها.” تبدو المراجعات المكتوبة عن نجوم بوب مراهقين متشابهة، حيث يتقيّد الكتّاب بضرورة الحديث عن دراما المراهقين من مسافة، وكأنّ هناك افتراضًا بأنّ احترامنا لدراما المراهقين يستوجب أن نقول إنّنا لا نفهمها، وأن ننظر إلى المراهقة باعتبارها مرحلة عمريّة ملغوزة نفقد قدرتنا على استيعابها بمجرد تجاوزنا إياها.

ربما يعود ذلك إلى أنّ المراهقة ليست مرحلة عمريّة من الأساس، بل ثقافة تُغير شكلها بسرعة واستمرار. استمدّ المراهقون في الخمسينات تعريفهم لذاتهم من الروك آند رول والتمرّد على قيم الأسرة، ثم على قيم المجتمع في الستينات والسبعينات مع الروك الهلوسي والبنك، ثم على قيم الدولة والسلطة في الثمانينات والتسعينات برفقة الميتال والراب، ثم على قيم الجمال بصحبة الجرنج والموسيقى الصناعيّة. في الألفينات المبكّرة لم تعد المراهقة مهتمّة بالتمرّد كما كانت من قبل، وقدّمها الروك البديل والبوب الإلكتروني كفترة عمريّة حافلة بالمرح والاحتفال وتعاطي المخدرات عالخفيف. ثم أصبح المراهق النموذجي في العقد الأخير مكتئبًا، مضطهدًا وجريئًا في مواجهة تحدّياته. رأينا هذه الصورة في ألعاب فيديو مثل لايف إز ستراينج، مسلسلات مثل ستراينجر ثينجز و١٣ ريزنس واي ونجمات ونجوم بوب ليست آخرهم بيلي آيليش.

تأتي الكثير من صفات المراهقة العالميّة من الثقافة أكثر مما تأتي من التطور النفسي الطبيعي، تتفق الدراسات مع ذلك. ويبدو التأثير المتبادل بين ثقافة البوب والمراهقة كحلقة تأثير راجع (feedback loop)، إذ يحكي لنا البوب قصصًا عن الواقع تكون أحيانًا قوّية لدرجة أنّ الواقع يبدأ بأخذ شكل هذه القصص. لهذا يأتي أداء بيلي لدور المراهِقة المأزومة والقويّة مقنعًا وحتّى حقيقيًا، بعد أن حضّرتها ثقافة البوب لتحكي هذه القصّة عن ذاتها، واحتفلت بها كلّما حكت فصلًا جديدًا منها.

قد تكون ثقافة الإنترنت أقرب من ثقافة البوب في فهم المراهقين. لو أردتم رؤية جوانب مقلقة وعصية على الفهم بحق من مراهق اليوم، أغلقوا نتفلكس وسبوتيفاي وافتحوا مكانهم مواقع تويتش، ناين جاج، تيكتوك وربما يوتيوب. هذه ثقافات فرعيّة تدخلنا عالم المراهقين بلا وسيط، وهي حاضرة أيضًا في موسيقى بيلي.

تستمر بيلي في ألبومها الجديد بتطوير أدائها الصوتي الدي بات كعلامة تجارية لاسمها. تشرد بعيدًا عن أساليب الغناء الدارجة في البوب والروك والراب، وتقدّم مزيجًا غير مألوف من جاز القرن الماضي وجماليات الآسمر كالصوت الهامس والقريب على نحوٍ شخصي. تقف هذه المعادلة البسيطة وراء أدائها الأخّاذ في ماي فيوتشر، التي تغني فيها بصوتٍ حانٍ يربّت على روح المستمعين.

تبدأ أغنية آي ديدنت تشاينج ماي نمبر ببيت راب عريض وتصريعي، تستطيعون تخيله يتفجّر من مكبرات صوت سيارة كلاسيكيّة تتمختر في حي عصابات، فيما يأتي صوت بيلي كمغنيّة بارات فنادق فارهة تقع على الطرف الآخر من المدينة. يقدّم شقيق بيلي ومنتج الألبوم، فينيز، أسطر سنث مخدوشة تذكّرنا بالبوب المستقل والحاد الذي سمعناه في ألبومهما الأول، وينسج مزيدًا من التعقيد في صوت الأغنية.

يصبح حضور فينيز أكثر وضوحًا في أغاني مثل إن دي آي الغنية بأسطر لحنية وإيقاعية لذيذة تسبق وتلحق بكورس راقص وصخم. كما يعتمد على عينات هامسة وآسمرية من صوت بيلي في مركز وواجهة أغنية الألبوم الضاربة أوكسيتوسين، تغلي تحتها بيتات بوب إلكتروني جاهزة لحلبات الرقص.

في ذيرفور آي آم، يحتل غناء بيلي اللحني والهامس بقعة الضوء وتصطف بيتات فينيز حولها وتصفق لها بحماس. فيما يخرج الاثنان عن منطقة راحتهما في أغنية بيلي بوسا نوفا، التي يزوران فيها الجنرا اللاتينية ويعودان إلى مستمعيهم ببعض الهدايا.

يعود جزء من حماسنا الغامر اتجاه بيلي آيليش إلى كونها تساعدنا على القول: “وأخيرًا، صرنا فاهمين كيف بيفكروا المراهقين هالفترة.” فبعد أن تبادلنا خلال العقد الأخير افتراضاتٍ مترددة من قبيل: “يعني المراهقين شايلين هموم وبيتعرضوا لمشاكل أكثر مما كنا منعرف، وعم يظهروا جرأة كبيرة في مواجهة هالقصص … صح؟”، ثم جاءت بيلي لتؤكد لنا: “صح. إحنا هيك بالزبط.” تعزز كلمات أغاني الألبوم هذا الاتجاه، وتبدو كحساب تويتر لمراهق يقول أمورًا تلمس الخطوط الحمراء وتتجاوزها، لكنها لا تثير قلق أحد لأن الكل يعرف أن أهله عاملينله فولو وكل شيء تحت السيطرة. كذلك الأمر عندما تغني بيلي عن جوانب معقدة ومقلقة في حياتها في إن دي آي، لا يسعنا سوى أن نتذكر أن هذه مجرد أغنية في ألبوم شجعتها والدتها على العمل عليه وسجلته في استوديو شقيقها. 

لهذا لا أشارك حماس الكثيرين نحو بيلي المراهقة البطلة. الحقيقة أنّه على خلاف الناس التي تراها كنجمة صداميّة وإدجي (edgy)، أعتقد أن نجاح بيلي يأتي من كونها باعثة على الاطمئنان. تعجب أغاني بيلي المراهقين لأنّها تقول إنّ الدراما في حياتهم مشروعة. لا يهم لو كانت دراما حقيقية أو مختلقة أو مبالغ بها، لأنّ لا أحد يعرف لو كانت دراما بيلي نفسها حقيقية مختلقة أم مبالغ بها، لكننا جميعًا مهتمون. كما أن قصص بيلي تعجبنا، الأكبر عمرًا، لأنّها على خلاف أجيال من نجوم المراهقين الذين حققوا تحت العشرين ما لن نحققه في حياتنا وتباهوا بذلك طوال الوقت، تخبرنا بيلي أنّ ارتقاءها إلى النجوميّة لم يجلب لها سوى المزيد من المشاكل والمعاناة، وهي بحاجة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى إلى الدعم والحماية. إلينا.

بإمكاننا التعرف على بيلي عبر التفاصيل المنقوشة في ثنايا موسيقاها، بعيدًا عن حملة تسويق الألبوم والتلقي المسبق لها كنجمة بوب محظوظة / مسكينة. لن تبدو كمراهقة جريئة تواجه عالمًا مروعًا، بل مختبئة من هذا العالم في منزل أسرتها وأمام شاشة الهاتف، تستهلك الكثير مما تقدمه خدمات البث من تويتش إلى نتفلكس. من قنوات تقدم استعادات جاز لأغاني معاصرة، إلى يوتيوبرز يهمسون ويلقلقون حول جانبي مايكروفون ما، أو مسلسلات تضخم دراما المراهقين لجذب المزيد من المشاهدات. ثم تمضي بكل ذلك إلى استوديو شقيقها، وتنتج موسيقى تشبهها.

المزيـــد علــى معـــازف