.
التعرف على هبة قدري يحدث على مراحل لا تخلو أي منها من المفاجأة. في هذه المقابلة تتحدث سارة المنياوي إلى قدري لتعرف منها قصة قراراتها الجريئة التي أخذتها من وظيفة في وكالة إعلانات في القاهرة، لتصبح مهندسة صوت متخصصة في الإتقان (الماسترنج) في نيويورك، حيث عملت على مشاريع حازت على جرامي ورشّحت للأوسكار. تتحدث قدري عن عملية الإتقان وتفك الغموض الذي يكتنفها، وتشاركنا شغفها بجمع آلات تقطيع أسطوانات عفا عليها الزمن، وتجربتها بالعمل عن كثب مع فنانين عالميين مثل بيورك وديامندا جالاس وريوتشي ساكاموتو.
صورة الغلاف أُخذت في استوديو هبة قدري المنزلي، من تصوير زنيا روليسون.
هبة: ابتديت بالصدفة. أنا أصلي من أسرة موسيقية، وكان دايمًا فيه مزيكا في البيت. بابايَ كان بيعزف سماعي، وجاب سِنث الـ كاسيو تون ٦١٠ في التمانينات، فـ …
هو كان جابلنا إحنا سِنث، أنا وأخويا، والسِّنث ده كان حاجة رائعة جدًا، لإنه كان أول ستريوفونيك سِّنث أنتجته كاسيو في التمانينات، وكان فيه شريحة ممكن تعمل كذا حاجة زي المرافقة، وكان فيه قسم إيقاع وأصوات مختلفة وتنويعات كتيرة، فكان حاجة مدهشة. كان عامل زي فرقة من شخص واحد. غير كده صوته رهيب، كان فيه مثلًا أنالوج سلايدرز. لسا عندي السِّنث ده في بيتنا في الاسكندرية. حتى عندي فيديوهات لوالدي في أعياد الميلاد وهو بيلعب السِّنث ده، واحنا بنلعب حاجة زي لعبة الكراسي الموسيقية، كان غريب بجد (تضحك) وطبعًا أمي بتعشق أم كلثوم، فكان في موسيقى كلاسيكية كتير. وأخدت دروس بيانو فترة طويلة، تقريبًا ثمان سنين. وقفت لما جه الغزو (وسافرنا)، لإن احنا كنا عايشين في الكويت. بعدين لما رجعنا الكويت ابتديت تاني. البيانو مهم جدًا ليَّ.
وقِفت في سن المراهقة. ابتديت بقى عايزة ألعب الأغاني المشهورة وافهمها، بعدين لما دخلت الجامعة [إيه يو سي] – أنا درست بزنس ومسرح – كان في حاجة اسمها هاورد كافيه، أعتقد إنه مش موجود دلوقت، كان بلاك بوكس ثياتر أو مسرح تجريبي، كان في يوم مفتوح لكل الطلبة وممكن تعملي فيه أي حاجة، يوم الثلاثاء أعتقد، سواء موسيقى أو مسرح. صاحبتي دينا كانت عارفة إني كنت خجولة، قامت سجلتني هي في المسرح. دا دفعني إني أعزف قدام الطلبة فلعبت شوية كفرز على البيانو، يمكن كلهم لـ توري إيمَس لإني كنت مهووسة بيها. فابتدا موضوع لعب الموسيقى من ساعتها. لعبت مع فرقة، منهم الفنان اللي هو اسمه محمد أبو العينين (أبو)، عنده أغنية مشهورة دلوقتي.
بيانو. ده كان مهم، لإن بعديها اشتغلت في شركة إعلانات وكرهت شغلي. أنا ماكنتش مؤهلة خالص لإني أكون كويسة في الأكاونت سيرفس، لأن الوظيفة هي زي وسيط بين العميل والقسم الفني، فأنا مكنتش خالص الشخصية دي، خالص. بس الشركة كان فيها ناس كويسة جدًا، كان في منتجة فنية ألمانية اسمها كريستا دوبكه، وهي لسا عايشة في مصر. كانت عارفة إن انا بلعب سِنث، وكان في إعلان شوكولاتة كادبري محتاجين له موسيقى. أعتقد كان واضح إني كنت مش مبسوطة في الوظيفة، فهي سألتني: تحبي تألفي حاجة للإعلان؟ فقلت: آه، طبعًا. مع إني ما كانش عندي فكرة خالص ازاي أسجل وأعمل إيه، فرحت بالياماها سِنث بتاعتي ولعبتلهم القطعة اللي ألفتها. قالولي حلو، سجليها.
دي كانت أول مرة ليا في استوديو تسجيل. رحت استوديو في العجوزة معرفش لو لسا موجود. كان لمؤلف اسمه مصطفى صبحي، وكان استوديو صغير فيه بروتولز ولايف روم. فسجلت القطعة وساعتها بقى حسيت إني مهتمة قوي بهندسة الصوت. سألت المهندس في الاستوديو ازاي أشق طريقي في المجال فهو قاللي: بصي، أهيه البروتولز مانيوالز، إقريها. المانيوالز دي لسا عندي، لما رُحت مصر من شهرين لاقيتهم في غرفتي.
ده كان ٢٠٠١. بس. فَحاجة ورا التانية، ابتديت بقى أعمل كذا سبوت أو قطع موسيقية للإعلانات، ومنهم أنا والفرقة اللي كنا بنلعب مع بعض في الجامعة عملنا إعلان تاني لكادبري ورُحنا استوديو في المهندسين اسمه ليلة، اعتقد انه اتحرق. الاستوديو كان مبهر، كان فيه وحدة تحكم ضخمة وآوتبورد جير وحدات تأثير صوتي خارجية وسماعات جينيلك أعتقد، وكان فيه مهندسين اتنين همه محمد صقر وتامر الزؤيبي، اللي كانوا بيعملوا كل أغاني التوب فورتي، بالذات لعمرو دياب والفنانين الكبار دول. تامر الزؤيبي كان مهندس الصوت اللايف بتاع عمرو دياب أعتقد قبل ما ينتقل لقطر.
فسألتهم بقى، إزاي أبتدي؟ محمد صقر قلي: بصي، لازم بقى تروحي المدرسة في أوهايو. هي المدرسة اللي هو راحها. فقلت طيب، أروح مدرسة تاني. وده اللي عملته. الحاجة اللي حمستني قوي إنه هو قلي: “بصي، أنا متحمس قوي إنك إنتي تعملي حاجة كدة، بس هبقى صريح معاكي، هتبقى صعبة. بالذات إنك إنتي بنت، وممكن تواجهي مشاكل كتيرة.” بصراحة الجملتين دول حمسوني أكتر، لإني حسيت إن لأ، دي حاجة لازم أعملها. يمكن أكسر السقف فيها، مين يعرف؟
٢٠٠٣. ابتديت دراسة في أوهايو في نص الشتا، بيئة جديدة عليَّ تمامًا. كان برد قاسي، بس المدرسة كانت كويسة جدًا. خلّصت المدرسة ورُحت عملت تدريب في استوديو في تكساس لفترة طويلة. مكنش في مهية راتب في التدريب فعملت وظايف جانبية منهم تطبیق تي شيرتات في محل ملابس. كانت فتره صعبة. الأيام كانت طويلة ومرهقة وأي وقت فراغ عندي كنت بروح الاستوديو علشان اتعلم واشوف المهندسين وهم بيشتغلوا. بعد تقريبًا ثمن شهور أثبتّ نفسي واتوظفت في الاستوديو.
أنا مبسوطة إن انا ابتديت في استوديو في هيوستن، تكساس. نيويورك كانت هتبقى بهدلة أكتر. أما في بلدة أصغر أسهل إنك تتعلمي. ابتديت مهندسة صوت من نص الليل للفجر في الاستوديو اللي اتدربت فيه، أوطى حاجة يعني، بس كنت سعيدة جدًا.
تقريبًا، آه، سنتين ونص. الاستوديو اللي كنت فيه كان حلو جدًا، واهم شيء إن المهندسين كانوا يحبوا يعلموا المبتدئين. اسمه شوجر هيل ريكوردنج ستوديو، يمكن أقدم استوديو في أمريكا وثاني أقدم استوديو في العالم بعد آبي رود. فيه حتى أرشيف لشرايط من سكريمِن جاي هوكينز وليتل فيت، وكل الحاجات السايكدلك زي ثيرتينث فلور إليفاتورز ورِد كرايولا سجلوا هناك. استوديو عريق يعني.
اللي حصل إنه كان في شركة إتقان وإنتاج تابعة للاستوديو في نفس المبنى. أوضة إتقان صغيرة بس، والمهندس هناك كان بيعمل تقريبًا كل الماسترنج لكل المهندسين التانيين، فكان عندهم خيار إتقان بتكلفة معقولة. فهو ورَّاني ازاي استخدم العدة دي، وعلمني على كم حاجة. كنت مبهورة قوي، حسيت يمكن لإن الإتقان حاجة غامضة جدًا، يمكن دي حاجة ألاقي نفسي فيها. كمان في نفس السنة دي كان في مؤتمر تايب أوب اللي رحته مع مجموعة من المهندسين بيشتغلوا معي، وكان في ندوة ومناقشة مختصة بالإتقان لكذا مهندس إتقان بحترمهم بجد زي جرِج كالبي، فسمعت لهم، وانبهرت كمان. عرفت ان دي حاجة أحب اني أجربها واشوف لو لاقيت نفسي فيها. حطيت فدماغي إن نيويورك هي المدينة اللي لازم أروحها عشان التخصص المعين ده، يعني إني لو نجحت هناك هانجح في أي مكان. كانت طبعًا رؤية بريئة قوي (تضحك)، ما كنتش عارفة قد إيه الشغل كان هيبقى صعب ومتعب نفسيًا وبدنيًا. بس عارفة، شباب وحماس، وكنت عايزة أختبر كل حاجة، فبعت عربيتي وابتديت من القاع مرة تانية.
٢٠٠٧. وابتديت تاني كـ متدربة بدون مقابل في استوديو في مانهاتن وبعدين اتعينت كـ مديرة استوديو. بعد الدوام، أو في أيام العطل، كنت بادخل أعمل إتقان لتسجيلات أصدقائي، لوحدي وبدون مقابل. محدش علمني. الشغل في استوديو في نيويورك مختلف خالص عن تكساس. الناس مش فاضية، المنافسة شرسة جدًا وكله مش طايق نفسه ومفيش مساحة اني أتعلم مع المهندسين. فعرفت إن الطريقة الوحيدة اللي هقدر أشق الطريق ده هو بنفسي.
بس، فشوية كدة دخلت الاستوديو وابتديت، وحاجة ودت للتانية. كان في منتج ومهندس مزج اعرفه اسمه كريس كودي، تعرفت عليه في عرض وبعتلي بروجكت. هو كان منتج صاعد في الوقت ده. كان بيشتغل مع بيتش هاوس واشتغل مع تي في أون ذ راديو ويا يا ياز وكذا فرقة مشهورة، فكان بيدور على مهندس إتقان يشتغل على المشاريع اللي ميزانيتها أقل. اشتغلت معاه على باند كانت على تسجيلات ثرل جوكي. مديرتها سيدة عظيمة جدًا اسمها بِتينا ريتشاردز، وأعتقد إنها كانت مبسوطة جدًا إنها تشتغل مع مهندسة صوت بدل مهندس، فدعمتني وبعتتلي كذا بروجكت من بينها فيوتشر آيلاندز، واحد من أول تسجيلاتهم. كان ألبومهم الثاني، إن إيفننج آير، ومكنتش معتقدة إن الألبوم ده هيعمل حاجة، بس ضرب وقتها بقوة.
بعد فترة في الاستوديو ده، حسيت إني وصلت للسقف وبقيت محتاجة هامش أكبر إني أركز على اللي عايزة أعمله. اتعرفت في الفترة دي على شريكي في الاستوديو المهندس آدريان مورجان. هو ابتدى استوديو تايملِس تقريبًا في ٢٠٠٥. ما كانش بيعمل إتقان في الفترة دي. كان عنده ورشة بيبني فيها جيتارات بايس، فكان محتاج مهندس يتولى استديو الإتقان. واللي هو كان حاجة مثالية في الوقت ده بالنسبة لي، لإن كان لازمني استوديو. فجبت العدة بتاعتي وبقينا شركاء واستلمت الاستوديو. الأمور بدأت تتحسن من الوقت ده وابتدا يجيني شغل كثير. موقعنا كان في حي ويليامزبرج في بروكلين، قعدنا كذا سنة بعدين اتطردنا مع بقية الفنانين والحرفيين بسبب الجنتريفيكايشن الاستطباق، بس كنا مستعدين وابتدأنا بناء الاستوديو اللي انا فيه دلوقتي في منطقة بوشويك (نيويورك).
مجمعش، آه …
بصي، أنا طورت على مدى السنين كذا تشبيه، واحد من أحسنهم كانت اقترحته ليا ميهو هاتوري من فرقة تشيبو ماتّو وجوريلاز، وعلق معايا بصراحة. هي قالت إن الإتقان ده زي منسّق معرض فني. جمال حرفة تنسيق معرض هو إنك تعرضي العمل الصح، تختاري الإطار الصح، تختاري الإضاءة الصح. إنتي بتنظمي الحاجات بطريقة إنها لو كانت مجموعة أعمال فنية مرتبطة بموضوع محدد، لازم تتحط في إطار محدد. طريقة عرض الأعمال مهمة قوي، مبتقدريش تعرضي لوحة فنية من غير سياق وتتوقعي المشاهد يفهمها. هو ده الإتقان، هو اختيار الحدود، اختيار الإطار، الإضاءة، فين هتعرضي العمل ده جوا المعرض وفي أي تسلسل، وده في النهاية بيخلق تجربة عرض مكتملة. ده بالنسبة ليا كان تشبيه مذهل، ومنطقي بالفعل.
لما المِكسز بتجيلي، الأغنية بتبقى كاملة. لكن بعد إنهاء مزج الألبوم اللي بياخد وقت طويل، مهندسين المزج مش بيفضلوا قادرين يشوفوا الصورة الإجمالية، فبيبقى ضروري يكون في ودان بتسمع الشغل للمرة الأولى بموضوعية في استوديو مجهز ومبني بطريقة محايدة. ممكن مثلًا تجيلك أغنية بيبقى فيها فوكال طاغي، وأغنية تانية بتبقى داكنة جدًا وبتسيطر عليها ترددات صوتية واطية، أو أغنية بيبقى الجاين بتاعها عالي قوي، أو أغنية بيبقى فيها هيس ومحتاجة استعادة وحاجات كتير ممكن تصلحيها، فمينفعش تحطيهم زي ما همه وتتمني يطلعوا بأحسن شكل، أو تستخدمي بس الـ ليميتر وتتوقعي إنها حتطلع عظيمة. لأ هي محتاجة إنها تترص وتدرس بدقة وتحسي إنها جزء من القماشة نفسها، من غير ما تضيع الشخصية بتاعت كل أغنية.
المونيترز اللي عندي قوية بالتفاصيل لدرجة إن لما الناس بيقعدوا ويسمعوها لأول مرة بيحسوا نفسهم مكشوفين. شعورهم بيكون انه واو، ما كناش سامعين الحاجات دي قبل كده. من أكتر الحاجات المهمة بالنسبة لي، بالذات لما يكون في موسيقيين موجودين معايا في الاستوديو، تعويدهم على عملية الإتقان. أهم حاجة إنك تريحيهم. كتير قوي ناس بيروحوا جلسات الإتقان بيكونوا متوترين، ومش عارفين يتكلموا بصراحة ومش عارفين حتى يشكلوا آراء، وخايفين إنهم يقولوا حاجة غلط. فتقريبًا أول ساعة من الجلسة دي بقعّدهم، بطلب منهم قبل ما يحضروا الجلسة يفكروا فألبومات عارفينها كويس، حتى مش ضروري تبقى ألبومات من نفس الجنرا، بس عشان نحطها على السماعات …
بالظبط، عشان ودانهم تبدأ تتعود على الطريقة اللي بتتفاعل فيها المونيتر مع الأوضة. وكمان، في حاجة مهمة قوي، أوضة الإتقان معزولة تمامًا ومعالجة هوائيًا بشكل متقن، اللي هو فجأةً بتحسي إنك في مكان خالي تمامًا. تحسي إنك هتسمعي قلبك بيدق، فدي حاجة برضه موترة شوية. مهم جدًا إنك تخلي الكل مرتاح للمونيترز، وتستخدمي موسيقى هم عارفينها. في الأول بنتكلم عن الأغاني اللي بنحبها، وبعدين بنبتدي. بيحصل كدة زي فترة تعويد، بيتعودوا على الأوضة، المسافة اللي بيننا بتقل، وبحرص أقولهم إن لو عندكم أي أسئلة هكون سعيدة إني أجاوبها، مش عايزة العملية تبقى غامضة خالص.
أعتقد إن كل شخص بالشخصية بتاعته، يعني أنا شفت ازاي الناس بتتعامل في استوديوهات كبيرة قوي وقولت أنا مش عايزة أتابع النموذج ده، مش عايزة يبقى فيه بحر بيني وبين الفنان، لازم يحسوا اننا فريق وهدفنا نوصل أحسن نتيجة.
ساعات نتائج المزج بتكون عايزة شغل جامد، فإنتي لازم تحددي الدور بتاعك بناءً على المواد اللي بتوصلك. ساعات بتوصلك نتائج المزج لازمها شغل كثير لمجرد توصليها لحتة عادية، وساعات بيجيلك نتائج مزج مش محتاجة أي حاجة، شوية موازنة صوتية، وشوية جاين. أنا بحس إن مهاراتي اتطورت لما ابتديت بسبب الشغل على مواد جودتها مش عالية.
طبعًا أنا رحلتي مع بيورك مثيرة للاهتمام بجد لإن هي لما تواصلت معايا أول مرة قالتلي: إنتي بتعملي مِكسنج؟ فقلت لها: لأ، أنا ما بعملش مِكسنج، بس بعمل حاجة اسمها ستِم مكسنج / ماسترنج، حاجة زي منطقة رمادية بين المزج والإتقان. في الإتقان معظم الوقت بيجيلك ملف ثنائي القناة (ستيريو)، فبيبقى ليكي محددات، كل شيء اتطبخ بالفعل، أو زي ما بيقولوا: فوتوشوب فلاتند Photoshop Flattened بمعنى تعدى مرحلة التعديل، فلو عايزة مثلًا ترفعي صوت أو توطّي سطر بايس بتقدري تعملي ده بشكل محدود.
في الـ ستِم مِكسنج أو ماسترنج، مش بيجيلك المِكس كامل، بيجيلك المِكس مبني على التوزيع، فإنتي بتقدري تفصلي الآلات لمجموعات، وتقدري تتحكمي بكل التأثيرات والأتمتة في كل مجموعة. الهدف النهائي إنك لما تجمعي كل الحزم مع بعضيها، لازم النتيجة تطلع مساوية للستيريو مِكس. في حالات معينة بيبقى ليها دور إبداعي شوية، لو أنا ناوية آخد توجه إبداعي أكتر في الإتقان في مشاريع معينة، فالـ ستِم مِكسنج هو الأنسب.
أنا قولتلها أنا بعمل كده وعجبها قوي، وقالتلي خلاص نبتدي بأغنية، وابتدينا. بس طبعًا بعد فترة الموضوع دخل في المزج (تضحك). اللي بحبه فيها، إنه أولًا الفريق بتاعها صغير قوي، يعني بالنسبة لفنانة عالمية من وزنها، باللي بتعمله وقد إيه الرؤية بتاعتها كبيرة. بعدين هي بقالها على شركة تسجيلات مستقلة طول حياتها، فَفريق صغير، وكلهم أصحاب ومتعاونين. هي مش عايزة يبقى حواليها ناس تحاول تقولها ازاي لازم تشتغل. هي من البداية، من التسعينات، لما بتشوف حد بيعجبها بيخيلها تقول: أنا بؤمن بالشخص ده وأنا عايزة الشخص ده يكون في مشروعي. فأعتقد إن هي عملت كدة معايا. أعتقد انها هي عجبها التوجه اللي تعاملت بيه مع منتجات المزج، لإن الإتقان دايمًا متعلق بالدقة والتحديد، متعلق بجزء من عشرة من الديسيبل، مش بتتعاملي مع تعديلات واسعة بالديسيبل، نادر جدًا ما تلاقي نفسك بتعملي تعديلات على مستوى ثلاثة ديسيبل أو أكثر مثلًا. أنا بصراحة في الأول كنت مرعوبة، بس قولت لنفسي: متقوليش لأ لبيورك (سارة: أكيد لأ!) فأنا آمنت بيها، ووثقت فثقتها فيَّ، لإني مكنتش متخيلة إن أنا ممكن أمزج تسجيل لبيورك في حياتي، أبدًا.
هي رؤيتها واضحة قوي. حتى الطريقة اللي هي بتعبّر فيها عن نفسها جميلة وحميمية جدًا، وفنية ومليانة تفاصيل وشغف، بتخليكي عايزة تشتغلي أكتر ما بتقدري عشات توصلي رؤيتها بالضبط.
أجمل حاجة في بيورك إنها سميعة رقم واحد، بتسمع أغاني كتيرة من كل مكان، وبتحب تلعب دي جاي وتعشق الرقص. وصلات الدي جاي بتاعتها رهيبة، وبتعمل مِكسات لأغاني صعب تتوقعيها. وده بينطبق عليها كفنانة، هي بتكسر الحدود وسابقة الكل. كموسيقية إلكترونية في التسعينات، وقتها كان الكل شغال على إيقاعات باردة وآلية، وهياكل خشنة، هي كانت واحدة من الرواد اللي حملوا الراية من كايت بوش، من ناحية استخدام توزيع عضوي / طبيعي، واستخدام الصوت البشري كآلة. هوموجينيك كان ألبوم مهم ليا لإنها كانت أول مرة أسمع فيها ألبوم إلكتروني وبلاقي فيه قسم وتري، آلات كلاسيكية مع إيقاعات مشوهة بطريقة رائعة، بنية أغاني مش تقليدية بالمرة. قعدت سمعت للألبوم ده بشكل ديني. فكونها طلبت مني إني أشتغل معاها على يوتوبيا بالذات كان مهم جدًا ليا، لأنه بيمثل رجعة بيورك لطقوسها الأولى.
الألبوم ده كان فيه ١٢ عازف فلوت، وبيلعبوا معاها في جولتها حاليًا. الفلوت آلتها المفضلة، وهي لما ابتدت تلعب وهي طفلة لعبت فلوت. يوتوبيا مكوّن من ثلاث أجزاء، ووبيتعامل مع موضوع حسرة القلب، بس مش بطريقة فولنيكورا. يوتوبيا كان عن التعافي من الجروح، اللي هو يعني خلاص، عارفة؟ تعاملنا مع الحسرة وبنشوفها بمنظور خلفي. وبطريقة ما، هو عن اليوتوبيا بالفعل، بطريقة رومانسية جدًا، سواءً من حيث استكشاف الجزيرة وازاي بنعيش يوم بيوم على الجزيرة الرائعة دي، والغابة الجميلة من الطيور والأصوات وكل شيء أخضر ومسالم، وازاي البشر بيعرفوا يعيشوا خلال أوقات صعبة، فأعتقد دي كانت رؤيتها بشكل رئيسي.
بالنسبة للفلوت، من الآمازون للميثيولوجيا الآيسلندية، بيورك لاقت قصص كتيرة عن نساء هربوا مع أطفالهم من الاضطهاد في مجتمعاتهم وخلقوا اليوتوبيا الجميلة دي مع آلات الفلوت. في جزء من الأسطورة النساء بيقتلوا الرجل، بس هي ما دخلتش في الناحية دي. بس فكرة خلق المكان الشبيه بالفردوس ده بيتعرض لمواضيع مهمة بالنسبة ليها بطريقة محسوسة ومبلورة، كل شيء من ترامب وعالم ترامب اللي عايشين فيه، لقضايا بيئية وازاي ممكن نخلق عالم أكثر خضارًا، ودي حاجات مهمة قوي بالنسبة لها.
بالظبط، دي كانت برضه نقطة مجهدة في الشغل بيني وبينها، إنها فضلت تطلب مني: فلوت أكتر، فلوت أكتر. الفلوت بتيجي في نفس المجال الصوتي اللي بيجي فيه الصوت البشري، فبتكوني عايزاهم يتعايشوا وما يتخانقوش مع بعضيهم. بيورك كانت عظيمة من حيث إنها خلقت عالم مزجت فيه أصوات الغناء والفلوت بشكل منسجم تمامًا، بالطريقة اللي كنا بنأتمت فيها التأثيرات، وحتى التأثيرات اللي جوا الأغاني. مثلًا أغنية لوسّ، دي أكتر أغنية اشتغلنا عليها، دي قعدنا عليها سبع شهور تقريبًا.
بَدي ميموري طويلة قوي وفيها جوقة، لوسّ اللي هي فيها إيقاع ضخم وديستورتد. هي أكتر أغنية تحسي إنها بيورك بتاعت زمان. فيها إيقاع لفنان اسمه رابيت، هو فنان من تسجيلات تراي آنجل، من هيوستن. بعَتلها الإيقاع، وهي أخدته ومطته زمنيًا وعدلت كل تفصيلة فيه. واحد من التحديات اللي واجهتنا في الأغنية دي هي إن الإيقاع كان واصلنا بنسخة ثنائية القناة (ستيريو)، يعني مفيش انفصال لكل إيقاع، فهي عملت كل المعالجات الصوتية واضطرينا نعمل هندسة عكسية، فكان لازم أقسّم الإيقاع علشان أتحكم في كل صوت فيه، بكل بايس وسناير والأصوات التانية الغرائبية، واخليهم بارزين لما يلزم إنهم يكونوا بارزين. كان تقسيمه صعب قوي بسبب كل مستويات الأتمتة المختلفة اللي فيه. كل ضربة سناير منفردة كان ليها موازنة صوت مختلفة، فأتمتة الإيقاع استهلكت وقت كتير.
غير كدة طبعًا، الحاجة التانية المثيرة للاهتمام بجد في الأغنية هي إنها بتغني عن التواصل مع الألم اللي حصل في الماضي، وإنها تمشي في حياتها، ده موضوع أغنية لوس. إزاي نختبر الخسارة دي، وازاي نتجاوزها ونمشي في حياتنا. كلماتيًا، هي جميلة جدًا، وبتبقى جميلة أكتر لما تتحط في السياق مع الإيقاع الخشن العنيف ده، والفلوت العذبة لدرجة رهيبة، وبرضه كان مثير في الأغنية إن مفيهاش سطر بايس، هي مبتحبش أسطر البايس عمومًا، أظن بتشوفهم خانقين بزيادة ضمن بنية الأغنية، ما بيسمحوش للأغنية انها تروح أماكن تانية.
البايس لاين العادي، معظم الألبوم ده ما فيهوش أسطر بايس تقليدية سواءً كانت معزوفة على سنث أو بايس جيتار. ما فيش بايس منفرد. هي بتحب تخلق وهم وجود سطر بايس، من مثلًا النبر على الهارب أو الطريقة اللي بيتفاعل بيها الفلوت مع النبر على الهارب، أو الجانب الإنتاجي من الإيقاعات، فده شيء مدهش في ازاي بتتعامل مع موسيقاها.
الصوت البشري في أغانيها مهم قوي برضه. زي الصوت الداخلي عند الإنسان لما يتفاعل مع اللحظات المؤلمة. في الصوت الإيجابي اللي بنحس انه بيقول: شد حيلك، وخليك إيجابي. وبعدين في الصوت التاني اللي هو دايمًا سلبي، وده واضح في لوسّ. مقاطع الصوت السلبي فيها على القناة الشمال، الصوت الناشف والمظلم، وعلى القناة اليمين في الصوت اللي هو متفائل قوي ومترف، واللي حاولت أخليه يتردد كصدى في الأغنية. وطبعًا في الأصوات المباشرة اللي بتيجي في النُص بجزء معين، وهي حادة وعميقة بطريقة بتأكد الحركة وتجاوز الألم.
تشكيلة الأصوات دي كان لازم تتأطر بطريقة تحمل رسالة الأغنية وتترجمها في الأصوات. ده كان مهم قوي بالنسبة ليها، هي حتى لما بتسجل صوتها، بتسجل كل شيء بنفسها، وبتستخدم ميكروفون عادي، أعتقد هو شور إس إم ٥٨. مايكروفون ممكن تشتريه من أي محل جيتارات. هي طبعًا عندها قدرة تجيب أي مايكروفون في العالم، بس ده المايك اللي بتحسه بيلقط جوهر صوتها. السبب اللي بيخليها تحب المايك ده إنه بشكل رئيسي مايكروفون للأداء الحي، وهي – لو فاكرة شوجركيوبز فرقة بيورك القديمة وأيامها الأولى في مشهد البنك – بتحب الميكروفون دا وإحساس أداءها لما تستخدمه، وإن كل التفاصيل الخشنة تكون مكبرة بشكل هايل، بتبقى عايزة تسمع كل تفصيلة، زي صوت الشفايف، أو حتى كل صفير في الغنا بتبقى عايزاها في مقدمة ووسط الأغنية، واللي هي حاجة بالنسبة لي: إن، آه، صوت الصفير Sibilance صوت صفير عند نطق أحرف ساكنة معينة مثل السين والزاي والشين دي حاجة أنا عايزة أصلحها، بس هي كانت تقولي: لأ، إنتي مش هتقربي من ده أنا عايزاه يفضل. كمهندسة صوت، بيورك طلعتني من اللي انا متعودة اني أصلحه، خاصةً في لوسّ. كانت تجربة رائعة بجد، اتعلمت منها كتير.
لما اشتغلت مع آمال كان المرجع بتاعها بيورك. هي متأثرة بيها قوي، وبتقدري تشوفي ده في موسيقاها. هي بتطلع برا البنية التقليدية ككاتبة أغاني عربية وبتستخدم عناصر إلكترونية كتير. أعتقد ثملة هي أكتر أغنية بتنتمي للتوجه ده من التجسير بين الإيقاعات الإلكترونية القاسية وبين عينة العود الحلوة، فكان مهم إنك تدي الأغنية وزن تقيل زي لما المزمار بيخش مع الإيقاع، وأكيد تحرير صوتها العذب بحيث يلاقي مكانه المنسجم ضمن الإطار ده، واللي بيجرى في الأغنية له أثر في الألبوم كله عامةً.
دياماندا هي واحدة من الناس المفضلين عندي في العالم. كنت متوترة في الأول لإن شخصيتها قوية جدًا. هي عبقرية بيانو، ومؤدية حفلات، ومهيئة لإنها تكون كده من طفولتها. عندها آراء واضحة ومحددة، والمواضيع اللي بتتكلم عنها في كتير من أغانيها تقيلة، بتتعامل مع الإبادة الجماعية، والموت، هي ملكة جوث Goth يعني. في الشغل مع دياماندا الخلفية الكلاسيكية بتاعتي جت في محلها لإنها استخدمت مصطلحات كلاسيكية كتيرة، وكان ضروري إني أقدر أتبّع معاها. عملنا تعديلات كتيرة فكانت مبسوطة إنها اشتغلت مع مهندسة بتعرف تقرا الموسيقى وبتفهم نظرية الموسيقى. بعد الشغل على الألبوم ده كنت ملهَمة جدًا إني آخد دروس بيانو مرة تانية، وبقالي فترة مبتدية مع مدرسة رائعة. بحاول أصقل فهمي لنظرية الموسيقى عشان أقدر أتفاهم مع ناس من نوعية دياماندا جالاس (تضحك). بس عارفة، هي عملاقة يعني، فكان الشغل معاها حاجة مذهلة. هي في الستينات، ولسا قادرة تمسك الجمهور بصوتها اللي ما بيتهزش.
الفوكالز والبيانو هم أخ وأخت، بيتداخلوا مع بعضهم، بس المجال الديناميكي مع دياماندا مهم قوي. ما ينفعش تضغطي موسيقاها بالكومبرشن لأن هي هتسمع ازاي الضغط هيأثر على النقلات الديناميكية في كل مرة بتطلع فيها. كل نقلة ديناميكية في كل أغنية مقصودة لدرجة صعب تصدقيها. فإنتي لو جيتي قولتي بقى: هاضغط الأغنية جامد، هتقول: لأ، ميرسي جدًا، أروح لمهندس تاني بيفهم في عملية حفظ الديناميكية في الأغنية. فـ، آه، ده كان حاسم جدًا، إن أنا أقدر أخلي العلاقة بين الفوكالز والبيانو حاضرة وقريبة من الطريقة اللي كانت مقصودة تكون بينهم. برضه الأغاني كانت مسجلة لايف في أوضة جميلة في كنيسة، وكنا عايزين نظهر كل التفاصيل دي، حتى صوت الجمهور. عدلنا الحاجات دي عشان يكون ليها صوت وبيئة صوتية طبيعيين.
آه، دي الأغنية الرئيسية من فيلم جنوب كوري اسمه ذ فورترس، هو متعملوش إصدار واسع قوي في أمريكا للأسف. هو (ساكاموتو) جالي وكان من المهم بالنسبة ليه إني ما أصقلش الأمور زيادة، وكان مهم ليه أحافظ على الرنين في النهايات المنخفضة Resonant Low End، واللي بيدي صوت ثيماتِك مناسب لعدة توجهات.
هي درست في مدرسة موسيقى متخصصة، بعديها لاقت نفسها في مشهد الموسيقى المستقلة، وبطريقة ما اشتغلت على الموسيقى التصويرية لفيلم اسمه آندر ذ سكِن صدر من كام سنة. فاكرة اني شُفته وحسيت إن الموسيقى التصويرية دي من أهم الموسيقات التصويرية اللي طلعت خلال آخر عشرين سنة. فلما جتلي الفرصة إني أشتغل معاها كانت حاجة رائعة جدًا.
لما بتألفي موسيقى لفيلم في كمية لا نهائية من المواد. كان عندنا حاجات كتيرة عايزين نختصر منها، ازاي نخلق رحلة شبه تجربة سماع ألبوم. السبب اللي بيخلي الناس تنزل الموسيقى التصويرية – وأنا فاهمة ده كويس عشان بشتغل على موسيقى تصويرية كتير – هي إنك عايزة تحافظي على تجربة حضور الفيلم، عايزة تبقي جواه. بالنسبة لميكا، كان لازم نعمل تعديلات كتيرة لإن الماتيريال كانت قوية جدًا. فازاي نقدر نحدد المقطوعات الصح ضمن إطار الفيلم عشان نخلي القصة تستمر عن جاكي والاغتيال ومغادرة البيت الأبيض والجنازة والأطفال. ده كان مذهل بجد، والموسيقى نفسها كانت خلابة. هي بتستخدم تأثير الفيبراتو على الكمان بطريقة غريبة ومبدعة، وبتدي عمق عاطفي في أسلوب التأليف بتاعها. أنا معجبة قوي بميكا.
صح، في أغلب الأحيان الفيلم بيكون ليه مهندسين المزج بتوعه، فإنتي بيجيلك الملفات محيطة القنوات Surround Files، وترجعيهم لنسخة من قناتين ستيريو، وبعديها بتعملي كل التعديل والإتقان، وساعات بيبعتولي ملفات ثنائية القنوات من الأوِّل. في حالة فيلم رايويتشي أخدوا نتائج الإتقان بتاعتي واستخدموها في الفيلم، بس ده غير تقليدي. معظم الأحيان بيجولك بعد ما يكون التعديل خلص والمزج انتهى، وانتي بتشتغلي على الألبوم بحالته النهائية.
آه، السبب الوحيد إني ذكرت الأغنية دي هو عشان الجرامي بصراحة، بس ما تفاعلتش مع بوب موسس ولا مع راك بطريقة مباشرة. أنا اشتغلت مع تسجيلات دومينو كتير، وهم بعتولي المِكس ده، وفاكرة إني سامعة بوب موسس قبل كدة وانهم ثنائي إلكتروني شاطر، وحبيت بعض أغاني الألبوم. راك عمل ريمِكس لوحدة منهم، وأصوات الغناء كانت عالية قوي، فكان لازم إني أضبطهم، وكان في هاي إند خشنة قوي كان لازم تتصلح. بس كان شغلي على التراك عمومًا مباشر وواضح. أنا فاكرة إني كنت بشوف الجراميز وقُلت لنفسي: ثواني، أعتقد إن أنا اشتغلت على الأغنية دي (تضحكان) لما كانت مترشحة لأفضل ريمِكس لتسجيل، وراحت كسبانة.
مهندس المزج كان أدهم زيدان اللي اشتغلت معاه على ألبوم يسرى الهواري، وكانت أول مرة أشتغل مع حد مصري. مش بيجيلي طلبات شغل خالص من مصريين، فكنت متحمسة إني أشتغل معاه. بعدين اشتغلنا تاني على ألبوم موريس، وكان الشغل عليه مسلّي عشان كان تجريبي وفيه منهجية غير معتادة في التعامل مع الموسيقى المصرية أو العربية عامة، وأنا حبيت اهتمامهم بالتفاصيل، يعني أدهم وموريس كان عندهم رؤية واضحة للألبوم. ماكانوش عايزين حاجة تبقى معاصرة قوي أو مصقولة قوي، وفي نفس الوقت ما كانوش عايزين يخلقوا صوت ريترو وتبان الموسيقى قديمة، فكان من المهم ليهم إن الصوت يكون دافي وواسع.
وحدة من الحاجات اللي اتكلمنا عليها كتير وكنا ناخد وندي فيها هي التحكم في النهايات المنخفضة، ولما عملت التجربة (باس) Pass الأولى، بعتلهم حاجة كانت يمكن مصقولة زيادة بالنسبة للي كانوا بيفكروا بيه، فقالوا إن النهايات المنخفضة بقت متلملمة زيادة دلوقتي، وبتخسر التفاصيل اللي فيها، فرجعت تاني وعملت باس (pass) مختلف وبعديها أعتقد عملت باس تالت لغاية ما وصلنا التوجه المظبوط للألبوم.
كان في أغنية معينة لسة محتاجة تدليك ومعاملة عشان توصل الإحساس الصح، فعملت تجربة. كنت شغالة على مشروع متسجل على شريط ١/٢”، وكان عندي شرايط زيادة فاضية، فنقلت التراك على شريط نص إنش بسرعة ٣٠ إنش في الثانية. عندي آي تي آر ١٠٢ عظيمة، هي آلة شرايط فيها مسارين لربع إنش ونص إنش، و باقدر اضغط الشرايط بقوة أكثر شوية عشان تتشبع بالصوت وتدي اللو ميدز Low Midrange صوت مضغوط أنالوج طبيعي، والنتيجة بتدي الصوت انسجام ودفئ وطاقة وجاذبية، وبعدها أقدر اعمل الإتقان من الشريط بطريقة أنالوجية خالصة. بعتلهم النتيجة وقالوا: آه، هي دي، هو ده اللي عايزينه. فالأغنية دي كانت عايزة شوية أخد ورد وتجريب، بس كل حاجة تانية كانت سلسة وواضحة ساعة ما لقطنا الاتجاه العام.
في مهندسين إتقان كتير بيقولوا: إحنا بنحاول نخلي المواد ملائمة لكل مونيتر وكل سبيكر. ده مش هيحصل. مش هتقدري تخلي المواد ملائمة لكل سماعة من كل مصنع في العالم. كل سماعة ليها استجابتها الخاصة لطبقة الصوت، بعضها إيجابي وبعضها سلبي، وكل واحدة بتلائم بيئة صوتية مختلفة. أعتقد، حقيقة، إن من المستحيل إنك تخلي الأغاني ملائمة لكل سماعة، بس مهم ان الماستر يلائم عدد كبير من السماعات والهدفونز المعروفة في السوق. دوري الأساسي هو إني أخلي صوت الأغاني على أحسن شكل ممكن في الاستوديو بتاعي، وأكيد عندي تويوتا قديمة من ٢٠٠٣ فيها نظام سماعات على قد حاله وأنا متعمدة أخليه، وبسمع شغلي عليه كنوع من التأكيد لأني بعرفهم كويس جدًا.
بتبقى كذا حاجة، اختيارات مايكروفون مش مظبوطة، الناس متقلة إيدها على الكومبرشن، ساعات بتبقى موازنة صوت مش صحيحة، وغير كدة طبعًا اختيار مش ملائم للمونيتور. بتجيلك المِكسز ساعات فيها مشاكل الصفير فوق الطبيعي وبتفضل تسوء. غالبًا بيكون سببها مشاكل اختيار المايك، ضغط زايد أو موازنة صوت مش مظبوطة، فبتضطري تعملي هندسة عكسية، لأن مش هتعرفي تطلعي تسجيل جيد بمشاكل صفير، ده بسبب مشاكل تشويه صوتي مهولة. فضروري تصليحه. مرهق قوي إنك تسمعي صفرات حادة وواخزة، مش هيبقى سماع ممتع.
بشوفها وبسمعها، لإن أنا عندي برنامج اسمه سيكويا، فيه حاجة اسمها كومبِراسونِكس، دي بتستخدم الألوان عشان توري حدة التردد في التمثيل الموجي للصوت، فلما تبصي على التمثيل الموجي ده بتبقى شكلها ملونة بطريقة جميلة والعميل بيبقى مبسوط قوي (تضحكان). بس الألوان دي ليها معنى مهم. الترددات العالية بتبقى ألوان مثلًا زي الزهري والأصفر، والترددات الواطية بتبقى ألوان غامقة، أزرق أو كحلي، فلما بشوف صفير أو أي حاجة شاذة تبان على طول بتبقى معالجته أسهل. خيار الأتمتة وعلاج أي تشوهات صوتية في السيكويا فعال جدًا، وده السبب اني بشتغل على الداو DAW ورشة صوت رقمية Digital Audio Workstation، إنك بتقدري تأتمتي كل تعديلة منفردة، وتجمعي أكثر من بلج إن مختلفة في نفس التعديلة، وتحفظي الحزم دول. فليا مثلًا حزمة بستعملها مثلًا للـ تي، للـ بي، للـ إس، لإن كل واحدة مثلًا بتسبب خلل في تردد صوتي مختلف.
لأ ده كان زمان قوي. عملية القطع دلوقتي أو عملية كبس الفاينل (الأسطوانة) ليها كذا خطوة. أول حاجة بتبعتي الملفات لـ مهندس تقطيع، بيبقى عنده جهاز اسمه اللايذ، المكنة دي بيبقى فيها حاجة اسمها رأس القطع بتاخد الماستر وتقطعها من حافة الاسطوانة الى المركز بطريقة متواصلة. الأسطوانة دي اسمها لاكر، شكله عامل زي الاسطوانة العادية، بس مبتقدريش تشغليه على مشغل الاسطوانات عادي لانه ممكن يسبب تلفه. هو مصنوع من ورنيش طري قوي وحساس لدرجة حرارة الغرفة، وممكن يتلف من لمسة يد. كل وجه للألبوم بيبقى ليه اسطوانة لوحده. بعد القطع بيتبعت اللاكر منشأة تصفيح وبيتحط في حمام كهربائي، هو حمام مزيج من النيكل والفضة. بعدها بتتشال الصفيحة الحديدية التي تكونت بعملية طلاء إلكتروني، وبنحصل على صفيحة معاكسة عن فجوات أو جروفز عند تسجيل الفاينل للمرة الأولى، تحفر الإبرة جروفز / أخاديد على الأسطوانة، في هذه المرحلة، نحصل على نسخة معاكسة، تظهر فيها تلال بدل الأخاديد، هذه النسخة معدنية وتستخدم كأداة كبس لخلق الفاينلز النهائية Grooves على اللاكر. من المرحلة دي بيتشكل حاجة اسمها النسخة الأم، ومن النسخة الأم بتعملي الستامبر أو الطابعة اللي هي عكس فجوات صفيحة الأم منها ينتج طابعة مفردة لكل وجه. الطابعات بترسل لمصنع الطبع ودي آخر مرحلة في إنتاج الاسطوانة الجاهزة زي الي بنشتريها في السوق.
آيوا، الـ لاكر هو زي الماستر. والحاجة المحزنة إنه بيتدمر خلال عملية خلق الفاينل.
آه بالظبط، عشان كدة بيعملوا حاجة اسمها التصفيح ثلاثي المراحل Three-Step Plating، عشان تحتفظي بالنسخة الأم وبالتالي تخلقي كذا ستامبر للمستقبل، ده مثلًا لو ألبوم كبير قوي. بدل ما تضطري ترجعي وتقطعي من أول جديد، النسخة الأم محفوظة، وعشان هي معدنية بتعيش أكتر، ومن النسخة الأم تقدري تخلي عدد معين من الـ ستامبر قبل ما تبدأ تتلف.
الفاينل وسط محدود وضروري فهم حدوده. إنتي بتتعاملي مع مساحة محددة، وبالتالي وقت محدد. خلال عملية القطع، الحوافر في اللاكر بتبتدي تتزنق جنب بعضها في مركز الأسطوانة، وجودة الموسيقى بتبتدي تتضرر بشكل واضح. في حجم ١٢” سرعة ٣٣ ١/٣ (دورة لكل دقيقة)، الوقت المثالي هو عشرين دقيقة تقريبًا لكل وجه. كل ما تجاوزنا الوقت ده كذا حاجة هتتأثر زي معدل الإشارة مقابل الضجة. فمهم قوي إنك تشرحي ده للعميل. ترتيب الأغاني في غاية الأهمية برضه، يعني الاغاني اللي فيها ديناميكية أكثر وآلات كثيرة ودرامز عالية، لو اتحطت في نهاية الوجه هيكون صوتها أقل جودة. حتى لو بتسمعي أغاني قديمة من السبعينات، أيام بقى حروب الدوشة لما ابتدت، بتشوفي ازاي بيحطوا الأغاني المنفردة الكبيرة في البداية، بعدين الأغاني الرايقة البطيئة في الآخر، اللي ما فيهاش درامز كثير، يمكن بس فوكالز وبيانو.
ده حقيقي، الفاينل ليه جودة صوتية معينة جدًا ومش شرط انه أحسن أو أوحش من الديجيتال. عالم مختلف وله المغرمين به. ولو هنكون تقنيين شوية، النسخة الرقمية من الماستر فيها تفاصيل أكتر وفيها مجال ترددات أكبر من الفاينل. لما بتسمعي فاينل كل شي من ٣٠ هيرتز وتحت بيبقى قليل جدًا، وطبعًا النهايات العالية بتبقى ممتلئة أكتر، فبيبقى صوته بشكل طبيعي رنَّان أكتر. ده اللي بيخلي الناس نوستالجيك للفاينل، هو مش بالضرورة صوته أكثر نقاوة. وفي حاجات معينة مبتترجمش بشكل كويس للفاينل، يعني مثلًا في عالم الموسيقى الكلاسيكية عامة ما بيحبوش الفاينل على طريقة قطع اللاكر وبيفضلوا القطع DMM. لإن أولًا المقطوعات الكلاسيكية طويلة، وإنتي لما بتحطي مقطوعة كلاسيكية فيها أصوات كتير ومقاطع صامتة، النويز فلور Noise Floor الإشارة الناتجة من مجموع كافة مصادر الضجيج والإشارة غير المرغوب بها في تسجيل معين حتبان عشان جزء رئيسي من تجربة الفاينل، فده بيضايق كتير من فنانين الموسيقى الكلاسيكية. بالنسبة ليهم، التسجيلات الرقمية فورمات أفضل من الفاينل. في التمانينات، منتجين الموسيقى الكلاسيكية كانوا من أوائل الناس اللي انضموا لعالم الديجيتال.
حققت حلم كبير من سنة واشتريت سكلي لايذ. سكَلي شركة أمريكية قديمة وعريقة منافسة لـ نويمان الألمانية، اللي يفترض ان هية أحسن لايذ في العالم. وده صحيح لإن جورج نويمان ابتكر معظم التكنولوجيا في تطوير ماكينة الأسطوانات واللي احنا لسا لغاية دلوقتي بنستخدمها. سكَلي كانت منافسة جيدة جدًا، لكن لإنها كانت شركة أصغر من نويمان ما قدروش يسيطروا على السوق زيهم. الجميل في كل جهاز قطع للاسطوانات إن له تاريخ وقصة، وانا جهازي كان يستخدم في تسجيلات آيه آند إم، واللي ليها ميراث كبير جدًا.
صعب قوي انك تلاقي الجهاز ده ومفتكرش معظم الناس بتعرف قد إيه هو نادر وحرفته نادرة أكتر. آخر ماكينة صنعت في أوائل الثمانينات. وعلشان تقدري تلاقي ماكينة قطع لازم تكوني غنية جدًا وتشتري جهاز كامل من مهندس قطع بيتقاعد، أو لا قدر الله حد بيموت. أنا كنت محظوظة قوي، لاقيت ماكينة قطع في حالة جيدة وسعرها مش فاحش. كانت في كاليفورنيا عند حد أوديوفايل، مجمِّع تحف صوتية، عشان كدة كانت في حالة عظيمة. ملحوظة مهمة كمان إن معظم الوقت لو اشتريتي ماكينة القطع بتبقى ناقصة قطع غيار ومحتاجه شغل. المهندس اللي عينته عشان يشتغل عليها قاللي انها صنع يا إما قبل يا إما بعد الحرب على طول، الحرب العالمية الثانية يعني …
المؤسف في الموضوع، إنه لما طلعت السي ديز الناس كانت مبسوطة قوي، كان في استوديوهات إتقان بترمي مكن القطع الجميل ده في الشارع. المكن ده معجزة هندسية، الطريقة اللي اتبنى بيها، كل حاجة فيه ممكننة بدقة وشغالة بدقة، وعشان كده ناس كتير فشلت في محاولة إنها تخلق ماكينات قطع جديدة في العصر الجديد، أنا متأكدة إن هييجي حد ويعمل ده، بس ما حصلش لسا.
أنا هاقطع الاسطوانات. مش هبقى بكبس طبعًا، بس هقطع الماسترز لاكر اللي بتروح للسبك والكبس.
بالظبط، لإن أنا، زي ما قلت، ما عنديش سيطرة تامة على الناس اللي بشتغل معاهم. في ناس محددة أنا بحب أشتغل معاها، عشان أنا عارفة إنهم محترفين. بس مش دايمًا العميل عايز يشتغل مع الناس دي لإن مواعيدهم مش أسرع حاجة، فبيروح للمصنع أو بيروح معمل في تشيكوسلوفاكيا بيعمل حاجة اسمها دي إم إم، بيبقى عندهم مثلًا بتاع عشرين شخص، مبتعرفيش أنهي واحد منهم هيقطع، إنتي وحظك. بس للأسف الناس بتحط الوقت فوق الجودة، فلسا على مفهوم أهمية الجودة وأهمية إن التسجيل يطلع منه قطعة كويسة.
الصراحة أنا مهتمة قوي، لإن عندنا في مصر، كان في معمل كبس كبير جدًا تابع لصوت القاهرة. معرفش يمكن الحاجات دي كلها اترمت في الزبالة.
أنا عندي فضول هايل إيه اللي حصل لمكنات الكبس، وهل لسا في مكنات قطع، وهل لسا في منشآت تقطيع والأجهزة دي لسا موجودة؟ أكيد أجهزة السك لأ، بس يمكن يكون في مكنات قطع مليانة تراب وصدأ، مين يعرف؟ الحاجات دي قيمة جدًا، ومهم قوي إنه يتم استعادتها لمجدها القديم.
أنا مش ضد الرقمي خالص، بس تفضيلي الشخصي إن انا أستخدم عدة تناظرية. الحاجة الوحيدة المزعجة في الاعتماد على الإتقان التناظري بشكل كبير هي إنها بتستهلك وقت أكثر بكثير. لأن كل ما بتعملي أي تغيير هترجعي وتعدلي من الأول لأن مفيش خاصية حفظ الجلسات زي الكمبيوتر. لازم تسجيل إعدادات الأجهزة يدويًا … غير كده الأجهزة صوتها بيبقى مختلف في نهاية اليوم عن بدايته عشان استخدام الأجهزة بيرفع حرارتها والعدة بتبتدي تسخن، فـ صوتها ممكن يختلف بطريقة كبيرة. دي المخاطرة. بس ميزة المجال التناظري إن صوته في غاية الجمال وفي فرق كبير بالنسبة لي بين الإتقان الرقمي والتناظري.
فيه بلج إنز دلوقت محاكاة للأجهزة اللي أنا بستعملها، واحنا وصلنا مرحلة بقت فيها بلج إنز المحاكاة كويسة قوية، بتخدع الودان. بس أنا بحس إن لسا فيه حتة كدة، في فرق في الصوت لا يعوض.
وأحيانًا الطريقة دي بتنفع لتسجيلات معينة أكثر من غيرها. أنا كان أكتر حاجة بحبها في التناظري، إن انا لما اعمل إتقان ما ببصش على الكومبيوتر، ببقى باصة برا الشباك، بستخدم إيديا، وبستخدم وداني، بستخدم دماغي. لإن مخك بيبقى متحيز بشكل طبيعي للتمثيل البصري الموجي للصوت، فأنا عايزة أعرف إني في اللحظة اللي ببقى بشتغل فيها على لوحة التحكم، مش مضطرة أبص على الكومبيوتر، ما بحبش أبص على الشاشة طوال اليوم، وبفضل أستخدم وداني، ووداني بتبقى غير منحازة في الحالة دي، بتبقي بس إنتي وإيديكي وودانك.