fbpx .
بحث | نقد | رأي

هل بقي للعسيلي ما يقدمه؟

مينا ناجي ۲۰۱۲/۱۲/۱۳

تطرح اسطوانة دنيا جديدةللمغني محمود العسيلي (1982)، سؤالاً جوهريّاً: ما هو الفرق بين المنتج الموسيقي التجاري والمستقل؟

يعود العسيلي إلى الثيمات التي يتناولها دوماً وأبداً منذ بداية مشواره الفني: الجنون – البدايات التي تجلب النشوة والسعادة– الشعور بالبكارة والدهشة مستقبل الحب في صورة أولاد وبيت – العشرة والحياة المشتركة الغربة والحب المتروك في الوطن.

ويتساءل الواحد: أليس من الممكن أن يؤدي طرح بعض هذه المواضيع إلى فنّ شخصي حقيقي ومخلص ومستقل بشكل ما؟ وهنا يتذكر الواحد أن التجارويّة في جوهرها لا تعني تناول أمور تافهة بالأساس، بل بطريقة تناول الأمور نفسها، أي قولبتها وتسطيحها حتى تكون قابلة للانزلاق والبلع.

ولكي تسهل عملية البلع، تم صُنع خليط موسيقي لهذه الاسطوانة يحاكي الموسيقى الشرقية الحيّة، مع موسيقي الهاوس والروك والبوب. وكل هذا ممزوج بالإيقاعات السريعة النابضة.

كيفية التناول هو سر الاختلاف إذن. في بعض الأحيان تنجح التجارويّة في إبراز جانب جميل ومميز مثل أغنية ضحكة، والتي تتحدث عن تأثير الضحك وأنواعه. والكلمات في سردها جميلة وذكية: “ضحكة واحد مكسوف معزوم على الفطار/ ضحكة واحد لرئيسه بس اضطرار/ ضحكة صفرا على نكتة آه كانت بايخة/ ضحكة بنت حلوة من الحب دايخة/ ضحكة لو خبطت العربية – سقطت في الكلية – نسيت الهدية – ضحكة لما تبصّي في تليفونك ويحمر لونك قال إيه عامله مخبية“.

كما تستطيع التجارويّة الالتفاف وتقديم ما تريده من دون مواجهة صريحة، مثل أغنية هنخاف من إيه، والتي تعتبر ظاهرة موجودة في كثير من الأغاني الماينستريم: التحدث عن معنى جنسي حسي بمنتهى البراءة والعاطفية، وإخفاءه بكلمات عن المشاعر بشكل يبدو أحياناً متناقضاً بل وفي بعض الأحيان فكاهياً.

كما تبدو الخصلة الأكثر حضوراً في ميكانزمات المنتج التجاري هي التقليد الأعمى للنماذج الناجحة السابقة، والمثال علي ذلك أغنية ست الستات. والتي نستطيع وصفها بأنها أغنية بلا هوية محددة، تحاول أن تقلد أغاني أحمد عدوية الشعبية في السبعينيّات، والريمكس اللبناني في إدخال الإيقاع المقسوم والصوت الأنثوي المتغنج علي الأغاني الفولكلوريّة.

يحاول العسيلي اقتناص بهجة الحياة بأي شكل، فـعيشة حلوة، كما أغان أخرى في الاسطوانة، هي محاولة في إضفاء بهجة على الحياة والأشياء والأماكن داخل الوطن. وذلك بصفّ الكلام واللحن في تناص مع الشعارات والأغاني الوطنية التي ظهرت بعد الثورة: “الشعب يريد عيشة حلوة“.

هنا غرض العسيلي واضح: الكلام على حلاوة الحياة وبهجتها وبأي ثمن. ثم يحاول العسيلي إضفاء العمق بأغنية الأكزخانةبحديثه عن الأغنياء والفقراء وروائح الطبيخ ونظافة الشوارع. وأيضاً أغنية مبسوط في مكانكالتي توجه كلماتها إلى صديق متوفي وكيف أنه سيعيش بدلاً عنه متع الحياة.

يتيقّن الواحد بعد سماعة دنيا جديدةأن المواضيع العامة المستخدمة كثيراً في وسائل التعبير المختلفة (التي تسمي أحياناً المواضيع الكليشيهيّة) هي الأصعب في التناول. إذ تحتاج إلى معالجة خاصة من الذات المبدعة، وزاوية خاصة بها في التشابك معها حتى تقدر أن تتعامل معها من دون الوقوع في فخ السذاجة أو التكرار أو السخافة أو الاصطناع.

كان العسيلي يمتلك في بداياته– ككثيرين غيرهإمكانيات واحتمالات مشروع فني جديد ومختلف، لكنه على مدار مشواره الفني كان يغرق أكثر وأكثر في القولبة والتسطيح والقص واللزق. لم يعد لدى العسيلي شيئاً ليقدمه.

المزيـــد علــى معـــازف