عربي جديد

الجالس على عرش الترند | عن صعود ويجز الغلابة

رامي أبادير ۰۳/۰۳/۲۰۲۲

لا شك أن رؤية شبيه ويجز (الحسيني إبراهيم) ممسكًا بميكروفون مؤديًا أغاني ويجز في حفلة، وسط جمهور يهتف له ويغني ويخرج الموبايلات ليصوره، أمر عبثي ومضحك لأول وهلة. لكن بعد قليل من التفكير تقبّلت المشهد ورأيته أمرًا عاديًا، ذا خلفية تعكس رؤية قطاع من الجمهور وعلاقته بالفنانين والموسيقى عمومًا.

كنت قد تقبلت الحسيني من قبل كـ تيك توكر وكريم عادل (شبيه صلاح) وغيره من ليستة الأشباه، مثلما تقبلت من قبل فادي عضلات والعديد من صنّاع المحتوى الذين ينظر إليهم البعض بتعالي. تقلّبت مشاعري تجاهه بين الضحك ثم التعاطف، عندما بدأت المواقع الصحفية الصفراء باستضافته كمادة للسخرية، ثم التضامن فالتشجيع والتهافت على كل فيديو جديد يقدمه. يختلف الحسيني عن كريم، فالأول يتعامل بثبات فقط أمام التيك توك ولا يجيد الحديث ومراوغة مذيع سخيف يستضيفه، ربما لصغر سنه وقلة خبرته. أما الثاني فيبدو دائمًا واثقًا من نفسه، ويدرك أنه يستفز أعداءه فيتمادى في ذلك بإصرار وتكرار الإفيه “ويت ويت، ما تباصي يا عم باصي يا مانيز” (ثم يضحك)، ما يجبر محبيه على الضحك.

تابعت استهزاء البعض تجاه وقوف الحسيني على المسرح واحتفاء جمهور الحفلة أو المناسبة به؛ وقبل أن أخوض في دلالة ظهوره وتصالح جمهور المناسبة معه، من المهم الحديث عن ما يفعله الحسيني كتيك توكر. يبالغ البعض في تفسير الحسيني كجزء من ظاهرة الأشباه، في حين لا أرى هناك أية ظاهرة. الحسيني نتاج أدوات عصره، شابٌّ يوظّف كاميرته وآب التيك توك لصناعة محتوى مثل أي شخص آخر. يجمع الحسيني بين طبقتين من طرق التفاعل الأدائية، الأولى هي تحريك الشفايف بالتزامن مع مقطع موسيقي، والأخرى تقليد الفنانين؛ مستغلًا طبقة إضافية، كونه “شبيه” ويجز. 

مثله مثل العديد من صناع المحتوى والإنفلونسرز يستطيع الحسيني جني المال وحقه مشروع في ذلك، حيث أن مفهوم فكرة العمل اختلف وأخذ أشكالًا جديدة عن العمل المكتبي في الماضي القريب، مع وجود منصات مثل يوتيوب وتيك توك، مثلما تطور مفهوم العمل من المجهود العضلي إلى المجهود الذهني. قد يتقبل البعض صناع محتوى وتيك توكرز آخرين يسعون إلى التسلية، مثل كرينج شباب بيس كيك وأحمد بسيوني وخالد جواد وطابع فكاهتهم المفتعل، أو مي إبراهيم وحسها الثقيل أو غيرهم من المشاهير والإنفلونسرز والإنتربرُنورز الآخرين حين يظهرون على تيك توك، في حين يصعب هضم الحسيني ليصبح مادة للسخرية. تتعدد الأسباب لكن يكمن هنا عامل طبقي.

يصل الأمر إلى قمته حين يقف الحسيني على المنصة بالطبع، فهناك بعض الغرابة حين نرى جمهورًا يتفاعل مع شخص قرر سمبلة شخص آخر بأكمله. الأمر بالنسبة لي تطور طبيعي لتصالح جمهور آخر مع مظاهر أخرى في العروض الحية والموسيقى بشكل عام. عندما نتحدث عن أداء أو محاكاة فنان ما، أول ما يحضر في ذهني فرقة أندروميدا المصرية. على مدار ما يقرب من ثلاثين عامًا ما زالت أندروميدا مجرد كفر باند لـ بينك فلويد، ويتطور الأمر كل فترة حين يهيأ لهم أنهم بينك فلويد بشحمهم ودمهم، متبنيين نفس حركاتهم وأدائهم على المسرح. كما لا يوجد أمر أكثر سريالية من قرار أندروميدا بث مقطع مصور لخطبة للسادات كجزء من العرض البصري المرافق لإحدى حفلاتها. 

ثلاثون عامًا ولا تزال أندروميدا تجذب آلاف المتصالحين مع محاكاة بينك فلويد ولم يتطور شيء. كذلك نجد تصالح الجمهور عند إعادة إنتاج أحد الأفلام الأجنبية ونقلها إلى المصرية، أو التأثر بأفكار ومجازات أجنبية محفوظة كما عند المخرج عمرو سلامة، والعديد من مسلسلات رمضان برعاية الدولة. لا يشعر البعض بغرابة عند تقليد فلو أو تراك بعينه من قبل رابر ما، ويبدأ المعجبون بالدفاع عن فنانهم المفضل وإيجاد تبريرات ومخارج حتى آخر نفس. أمتلأ المشهد كله بالفعل من قبل بالعشرات الذين رددوا “نيجا ay”، وقاموا بمحاكاة أداء ترافيس سكوت ويانج ثج وغيرهم. الآن نرى نفس الشيء مع الكليبّات التي تحاكي أسلوب عصابات الدريل البريطاني التي لا تمت للسياق المصري بصلة، وجميعنا يعلم أن أداءهم مزيّف، لكنه في النهاية يندرج ضمن التسلية. من ناحية أخرى، يتصالح العديد مع كوردي وافتعاله للـ “جانج رابر”، وآخرين مع لكنة مروان موسى عندما واجه كوردي بحقيقته مرددًا يا برو عشرات المرات إضافةً إلى جمل إنجليزية. 

أما عند تفاعل الجمهور مع العروض الحية، فبالإضافة إلى مثال أندروميدا، يتعايش جمهور الراب مع البلاي باك والاعتماد على تحريك الشفايف، فما يفعله الحسيني هو معادلة مركبة؛ يحرك شفايفه مؤديًا ويجز الذي بدوره يحرك شفايفه أيضًا في عروضه الحية محاكيًا أسلوب أو حركات رابر آخر. في أحيان أخرى لا يشعر الجمهور باستياء عند حماس رابر ما مستنزفًا نَفَسه عند أول تراك بالهتاف ناشزًا عن سلم الأغنية، أو عند غنائه فوق صوته المسجّل ، فأثناء الحفل الجميع مخدّر بالحالة والموسيقى والإضاءة وحب فنانهم، كله بيعدي. في إيفنت رد بول (مات الكلام) مع مولوتوف مثلًا، عندما لعب تراك ديناميت، تفاعل الجمهور معه كما لو كان مروان بابلو حاضرًا بنفسه على المسرح. 

يمكن رصد العديد من الأمور التي تمر بسلام أثناء العروض الحية، بالتالي فإن ظهور الحسيني بدلًا من ويجز على المسرح هو امتداد لذلك. لا أستطيع الجزم أن هناك حسًا نقديًا لدى أغلبية الجمهور، وسيبدو غريبًا أن يترصدوا للحسيني وطموحه بجني بعض المال أو ظهوره في إعلان او مسلسل، وهو ما أتمناه صراحةً. في النهاية ما يفعله الحسيني يندرج تحت التسلية مثله مثل صناع محتوى آخرين وتيك توكرز. إذا بدا ظهوره على المسرح غريبًا بالنسبة للبعض، فهناك العديد من المظاهر العجيبة أيضًا كالتي حاولت رصدها، (ما جاتش على شبيه ويجز)، فقد يكون ذلك دعوة لتتبع ما أدى إلى ذلك وبداية بناء رؤية نقدية داخل عدة مشاهد، أو الاكتفاء بما يفعله الحسيني كصانع محتوى يتسلى ويسلي على تيك توك.

المزيـــد علــى معـــازف