يمكن نسي | فايا يونان

بعد عامين من صدور ألبومها الأول، بيناتنا في بحر، الذي نزلت أغانيه منفردةً على مدى خمسة أشهر، بدأت فايا يونان بإصدار أغاني ألبومها الثاني حكايا القلب مطلع الشهر الماضي. يمكن نسي هي رابع أغنية منفردة من الألبوم الجديد، وثاني تعاون لـ فايا مع الشاعر عدنان الأزروني بعد وجهك يا حلو. رغم احتواء تعاونهما الأول على صورة جميلة “متل الشتي بأوله / بيبكي بدون دموع”، لم تكن الأغنية مبشرة مع قاموس الوطنيات المنتهية الصلاحية الذي سيطر عليها: “عم شوف صورة شام” و”ع الحلم جبتلك حلب” و”وجهك وطن موجوع”. لحسن الحظ، لا تقترب الأغنية الجديدة من الشام وحلب والأوطان والبلاد، ما أفسح مجالًا لشاعرية الأزروني غير المقيدة: “يمكن نسي إنو نسي / وتذكّر.”

يمكن نسي هي رابع أغنية من تلحين فايا يونان بعد يا ليته يعلم وفي الطريق إليك ويا قاتلي. في حين اعتدنا على بروز خلفية موسيقية متواضعة في ألحانها السابقة، المكونة من أنغام مكررة لم تتجاوز حدود الخواطر، يبرز هنا اللحن البسيط ببثه أجواءً خاصة واحتضانه الكلمات بما يكفل وصول معانيها وحالتها. حتى أن جودة اللحن انعكست ذوقًا في أداء فايا، لدرجة أنها تُذكرنا بعبير نعمة في المقطع الأول؛ وإن لم يشمل ذلك الأغنية كاملةً، فنجد نشازًا من الغريب وجوده في تسجيل استوديو لدى غنائها السلم الهابط في ياء كلمة نسي في منتصف الأغنية، كما نجد إقحامًا مُنفّرًا لعُرَب غربية في كلمة بكرا في مقطع “يا صبي بكرا”، مُضيّعةً الدفئ المحبب الذي يبثه أداؤها لـ “وإنو كتب مرة ع هاك الباب”.

على عكس جميع إنتاجات فايا، توزيع ريان الهبر ليس العنصر الأقوى في يمكن نسي. لم يخلُ الأمر من تقليلية جذابة في الاعتماد على الجيتار والتشيلو فقط، لكن المشكلة في مواضع وطريقة ظهور التشيلو، بين حساسية مرهفة تُذكّر بموسيقات مسلسلات الأنيمي في النصف الأول من الأغنية، وإغراق غير مبرر في الدرامية في النصف الثاني. للأسف يقع اضطراب التوازن في استخدام التشيللو مع دخول لازمة جميلة ينتقل بها اللحن من العجم إلى النهاوند بعزف الجيتار مع نقف محروف على أوتار التشيللو، يدخل بعدها قوس التشيللو بدرامية غريبة تستمر حتى نهاية الأغنية.

سماع أول وآخر أغنية لـ فايا يونان قد يثير الإعجاب، لكن من الصعب أن يثير الترقُّب. مرت أربع سنواتٍ منذ بدايتها، لم يحصل خلالها التطور المنتظر من أول فنانة عربية تموّل الجماهير أغنية انطلاقتها. تكمن المشكلة أن البداية لم تكن أساسًا مزلزلة بحيث يصعب التفوق عليها، أي أن حدود طموح مشروع فايا لا تزال أقرب مما يجب. ضمن هذه الحدود، تحمل يمكن نسي مفاجأة سارّة في تجربة فايا التلحينية الرابعة، وفي رقة كلمات الأزروني البعيدة عن ادعاء العمق أو التركيز المكرّر على الوطنية.