.
وقع علي الرياحي، المحتفل بالحياة كما يقول في إحدى أغانيه “أنا حياتي عبارة عن حفلة”، ضحية آخر أغانيه على بالكلمة والفعل، إذ أصيب بنوبة قلبية حادة وهو يؤدي أغنية قتلتني من غير سلاح على الركح في المسرح البلدي في تونس سنة ١٩٧٠.
سواءً تجاوز الأمر المجاز والاستعارة كما في أغنية علي، أو كان تأملاً في طبيعة الموت أو تصويرًا سرديًا أو سخريةً سوداء، تجمع القائمة إحدى عشر أغنيةً عربية خاضت في الموت بمختلف سياقاته.
نص الأغنية هو قصيدة شعبية خليجية كانت محل جدل حول كاتبها، فالبعض يرجعها إلى رثائية لنمر بن عدوان الذي تقول الروايات أنه قتل زوجته خطأً بطلقٍ ناري اعتقادًا منه أنها سارقٌ للإبل، فيما تثبت مصادر أخرى أميل للصحة كون كاتبها هو أحد شعراء الأحساء، محمد بن مسلم، الذي نظمها رثاءً لزوجته التي أحبها كثيرًا وتوفيت في العاشر من رمضان، الأمر الذي يدعم نسب النص الأصلي للقصيدة إذ يقول: “على عشير مات شهر الصيام، عشر القيام وليلة العيد مدفون”. يعود الخلط الحاصل إلى تشابك مواضيع الرثاء، إذ كانت الزوجة هي التي منيت بالموت في قصة الشاعران. تداول العديد من الفنانين غناء القصيدة، لكن أداء راشد الماجد أضاف للنص مسحة حزن تليق بجنائزية مضمونه، إذ اعتمد أكثر على تلونات صوته المزاجية حيث تنحسر نبرته كما هو الحال في الرثائيات، مع مرافقة غير متطفلة للعود.
أصدر لوناس معطوب هذه الأغنية بعد فترة من خروجه من المشفى إثر إصابته بالرصاص من قبل قوات البوليس أثناء اصطدامات خلال أحداث الربيع الأمازيغي. لم يكفه وجع الجسد، وهجرته حبيبته جميلة عندما كان في المشفى. النص الشعري للأغنية هو علامة فارقة في الشعر الأمازيغي، حيث تلاعب لوناس بصورة الموت وقتل نفسه رمزيًا في حضرة جميلة، ثم بقي يوجه إليها الرسائل من القبر، ويسرد فصول حياته البائسة والحزينة بعد هجرانها له. الأغنية حوار بين لوناس الميت الحي وجميلة التي ترملت قبل وقتها وتستعد للزواج ثانية وهو ما قتل لوناس مرة أخرى. تمكن لوناس من خلال الأغنية من نحت ملامح أغنية قبايلية عاطفية حديثة من ناحية الأسلوب والمعنى.
في زيارة لـ جيمي هنديكس للمغرب، كان يسير في ساحات الصويرة عندما لفت انتباهه رجل يغني بهمهماتٍ مبهمة ويعزف على القنبري بإتقان. أعجب جيمي كثيرًا بالشاب المغربي الأسمر، وأطلق عليه لقب طبيب الأرواح بعد أن أوحت له الموسيقى التي يعزفها بذلك. كان هذا عبد الرحمان باكو الذي انضم إلى ناس الغيوان فيما بعد، وأضاف إلى موسيقاهم نفحةً صوفية لحنًا وكلمةً، عبر إيقاعات الغناوة التي دائمًا ما تخاطب الأرواح. في هذه الأغنية التي أصدرها بعد خروجه من ناس الغيوان، يسرد باكو أحداث موته المعلن ويتكلم عن تفاصيل قبره وكفنه وتحنيط جسده وحتى عملية دفنه، ومن ثم يتابع إلى سرد عوالم البعث ما بعد الموت.
“حتى لميمة دهشت وبكات، خلعتوها وقتلتوني. هدرتوا في وقلتوا مات”، هكذا غنى الشاب حسني بعد أن انتشرت إشاعة بوهران حول موته في حادث مرور. لم يستمر مفجر ثورة الراي كثيرًا بعدها، ليتم اغتياله برصاصات قاتلة وتكتمل ملامح الأسطورة حسني الذي تنبأ بموته.
نزّل محمد منير هذه الأغنية في أهم ألبوماته التسعينية، ممكن. اختلفت التأويلات حول نص الأغنية، وأشار الكثيرون إلى أنها تحمل ترميزًا واضحًا للموت وعن نهاية حياة الإنسان الصاخبة “بعد ما أدى وبعد ما خد، وبعد ما هد وبنى واحتد”، ليشد نفسه إلى كفن الموت “شد لحاف الشتا مالبرد” بعد أن “علق حلمو على الشماعة”. ما الشتاء إلا الموت في نص الأغنية الذي كتبته الشاعرة كوثر مصطفى ولحنها النوبي حسين جاسر مع مرافقة صوتية مميزة من سلوى أبو جريشة. رغم الطابع الاحتفالي الخفيف للأغنية، والقائم على مزج الايقاعات النوبية بمؤثرات ريغي وجاز، إلا أن في نصها دعوة صريح إلى التفكير في الموت وإعادة النظر في الحياة من زاوية النهايات.
تعود في الأصل الأغنية إلى الفنان الفرنسي شارل أزنافور، أما صاحب الكلمات فهو روبار غال الذي كتبها لذكرى أمه المتوفاة. قام الجزائري ليلي بونيش بتعريب نص الأغنية الذي يسرد على لسان أحد الأبناء تفاصيل موت الأم، ومتذكرًا أحدثًا ماضية جمعتهما.
نشأت هذه الفرقة الفلسطينية في طولكرم، لتصبح مشروعًا فنيًا فيما بعد وتتحول إلى مدرسة تفرخ المواهب الفنية على اختلافها. “يا موت مات الموت فينا”، هي أكثر الأغاني انتشارًا لفرقة دار قنديل التي جسدت من خلال نصها الواقع الفلسطيني الممزق بين أمل المقاومة والموت المتربص في كل لحظة.
في مسرحية شقائق النعمان للراحل الماغوط، لعب الفنان السوري حسام تحسين بك دور العائد من الموت، ليواجه متولي بك صاحب الجاه والسلطة الذي يشق المقبرة بعصاه مصحوبًا بقوات الدرك لكي يطرد ساكني المقابر ويزعج سكينة أمواتها. يخاطبه حسام تحسين بك بأغنية يا الماشي على الأرض الختيارة ويأمره بأن يمشي على أطراف أصابعه حتى لا يوقظ النائمين تحتها بسلام، كالشهداء والأنبياء والأجداد، ويقول له: “تذكر انك مارق بزيارة”.
في مسقط رأسها بمادبا في الأردن، غنت مكادي نحاس أغنية تراثية تدور قصتها حول فتاة أحبت شابًا ولكن أهلها عارضوا زواجها ليجبروها على الارتباط بشخص آخر لا تريده. في ليلة زفافها، قرر أخوها المساعدة عبر تهريبها ولكنه فوجئ أثناء فرارهما برصاصة تخترق جسد أخته منطلقة من بندقية أبيهما.
كيف تغني عن أهوال الحرب وفظاعاتها بأسلوب ساخر دون أن تسقط في الدرامية؟ أخطونا تقدم الإجابة في أنشودة الحرب التي تسرد خلال نصها الغنائي بشاعة الحرب وتصور ملامحها المرعبة بأسلوب فيه الكثير من السخرية السوداء. عمدت الفرقة إلى طابع سريع وانفجاري للأغنية لترجمة حالات الهوس والجنون التي تنجم عن الحروب.