.
بعد عودة رابح صقر من فترة انقطاعه عن الغناء وتركيزه على الألحان، إثر مشكلته مع شركة فنون الجزيرة، أصدر سلسلة ألبومات الأعوام منذ ٢٠٠٢ حتى ٢٠٠٥، وغاب عامًا ليعود في ٢٠٠٧ و٢٠٠٨، ليرى الكثيرون أنه في حالة من التكرار حينها. اليوم بعد مرور أكثر من ٢٣ عامًا على أول إصدار في السلسلة، هل كان فعلًا رابح يكرر نفسه؟ وما الذي غيّره في ٢٠٠٤؟
قدم رابح في هذه الألبومات رحلة مختلفة، لم تشبه مشهد البوب خليجيًا أو عربيًا، ركز فيها بشكل رئيسي على ألحانه، مع بروز ذوقه العالي في التوزيع، والذي تكون بشكل واضح على أعقاب ثورة حميد الشاعري في التسعينات.
قد يتفق الأغلب على بروز ألبوم ٢٠٠٤ بين ألبومات هذه السلسلة مع قوته كقطعة متكاملة، أو كمستوى وعدد الأغاني الضاربة منه. أخرج رابح من خلال الألبوم صوتًا فريدًًا، متأثرًا بشكل عام بموسيقى الهيب هوب في المقام الأول، بين الصوت التسعيناتي وصوت بداية الألفية.
على مدار الألبومات السابقة، وظف رابح عدة عناصر مختلفة بالنسبة للبوب الخليحي، مثل الديسكو في أغنية سهرتنا من ألبوم ٢٠٠٣. كان الاختلاف الأكبر في ٢٠٠٤ هو أنه تماشي مع اللحظة ليكون حيًا في وقتها، وليستمر وجوده سواءٌ كألبوم مسموع، أو كتأثير على الإصدارات الخليجية، مع الحفاظ على لمحة الموسيقى الخليجية المميزة في الإيقاعات تارة و الألحان تارة أخرى، و التطوير على أساسات سابقة.
يفتتح رابح الألبوم بأغنية راقصة، بطابع بين الفانك والريجي. منذ الوهلة الأولى يتضح تأثر رابح بتيمبلاند، حيث يستعمل فوكالز بطابع شرق أسيوي، ليحرك مقدمة الأغنية بشكل رايق، ويحافظ على الطابع الراقص. لا يميل رابح إلى السنثات كثيرًا، لكن عند تواجدها يوظفها في محلها.
بشكلٍ عام، يحافظ التوزيع في الألبوم على اتزانه بناءً على نوعية الأغنية، يبرز ذلك في أغانٍ مثل شكلك زعلت، التي وظف رابح فيها خامات ثقيلة لتبرز الإيقاع، وفي نفس الوقت لا تطغى على الصوت واللحن.
عمل على توزيع الألبوم بشكل أساسي الموزع المصري الراحل طارق عاكف، الذي تعاون معه رابح على مدار سلسلة الأعوام. يقدم طارق مع رابح نكهة مختلفة، بعيدة عن أعماله مع بقية الفنانين الخليجيين، مثل تحدوه البشر والمسافر لراشد الماجد، أو الله يديم المحبة والعطر لعبد الرب إدريس. رغم طول مسيرة طارق، إلا أنه أعاد اكتشاف نفسه نسبيًا من خلال رابح.
بشكل عام يطغى على الألبوم الطابع السريع والراقص، رغم بعض الاتجاهات المسترخية في نهايته، ما أعطى الألبوم مساحة واسعة للرقص وهز الرأس مع بعض الفسحات للهواجيس، وهو عكس ما اعتدناه من البوب الخليجي الصادر في تلك الفترة، الذي طغت عليه السرعات الخفيفة والهدوء في التوزيع، بعد أن تخلى الأغلب عن الطابع الراقص لصالح الطابع المثير.
ساهم في طابع الالبوم سيطرة رابح على تلحين معظم الأغاني، حيث لم تخرج الألحان عنه إلا في أغنيتين، ما أبرز نظرته الخاصة دون أن يشعر المستمع بتباين في مستوى الألحان، و تكيفه مع جميع الأساليب على مدار الألبوم، من شعبيات الأسطوانات في تعبت إلى البوب في باين عليك.
قد تكون باين عليك أحد أهم الأغاني التي خرجنا بها من هذا الألبوم الدسم، حيث يتجه رابح بشكل مباشر إلى صوت تيمبلاند وسكوت ستروتش، سواءٌ بالعينة الهندية، أو من خلال الإيقاع، أو حتى توزيع الوتريات الذي يترك مساحة كبيرة للإيقاع ويبني الوتريات للدروبات ونهاية المقاطع، حتى انتشرت بعض الماش أبز لها مع تراكات لفيفتي سينت.
تطغى مشاعر الألبوم قرب وداعه، فيتجلى رابح في صدقيني المهداة لأمه من كلمات منصور الشادي، ليذهب بها إلى منطقة قادرة على إبكاء أي مستمع في المقطع الثاني: “أنا من زود ما فيني / تمنيتك في أحلامي / أحاول أبتعد عنك / ولكن من يسلّيني.” قد تكون صدقيني أكثر أغانيه فيضًا بالمشاعر، سواءٌ على مستوى اللحن أو الكلمات، أو حتى الأداء.
في ابعد وقرب، لا يركن رابح على شاعرية كلمات الشاعر السامر، فيؤطرها بلحن ولازمة متهاديين، مع ترديد الكورال لكلمة “ليه” فيها. كانت الكلمات بالنسبة لرابح مفتاحًا للتنوع في الألحان، ما ساهم في كون الألبوم فارقًا في تاريخ البوب الخليجي.
بنى رابح من خلال هذا الألبوم صوتًا استمر معه على مدار مسيرته في ألبوماته اللاحقة، فيمكن أن نسمع صوت باين عليك في فيك الخير من ألبوم ٢٠٠٥، ونسمع صوت أبعد وأقرب في تظلمني، وغيرها الكثير من الأغاني الأيقونية في المشهد الخليجي. طور رابح من خلال هذا الألبوم صوت البوب الخليجي الراقص الذي تخلى نسبيًا عن التوزيع المتكلف، وأصبح أكثر حيوية. يمكن ملاحظة ذلك في إصدارات روتانا التي تلت هذا الألبوم مثل طمن قلبك لنوال من ألبوم ٢٠٠٦.
قد يكون رابح ٢٠٠٤ هو أكثر ألبوماته حرية، حيث لم يجبر على ترند، ولم ينصع لتغيرات الصناعة في بداية الألفية، التي تبحث عن كل ما هو مضيء وساطع. على العكس، استطاع رابح أن يصنع ألبومًا خارجًا من صميم إبداعه، ليصبح ألبومًا خالدًا لا يشبهه أي ألبوم بوب خليجي، سواءٌ في حقبته أو خارجها. من وجهة نظري قد يكون نجاحه الأكبر في ألبوم ٢٠٠٤ في قدرته على تخطي ما هو رائج إلى ما هو مصقول.