٤:٤٤ | جاي زي

“اللعبة لا تتغير، فقط اللاعبون”، يشرح آيس كيوب قاعدة رئيسية في الراب أزلي الشباب، والذي يعي لحاجته العضوية للحدة التي تكاد تحوله إلى ما يشبه رياضة جسدية متطلبة، موازٍ لكرة السلة، إذ يُنظَر إلى كل من دخل الثلاثينيات فيه نظرةً تتوقع تقاعدًا قريبًا، قد يستبدل في حال تأخره بإقصاء سريع وغير مكترث كجريمة شارع عشوائية. لا يزيف جاي زي في ٤:٤٤ شبابًا لا يمتلكه، يعلم أن عليه العثور على باب آخر للبقاء غير العنفوان، فيكرس نفسه كرجل الأعمال الذي أصبحه، يؤدي رابًا تتوقع أن يصدر عن شخص يرتدي بدلة، ويسأل: “ما أفضل من مليونير؟ اثنين (صوت بيونسه: اثنين)”، سالبًا إياك فرصة رفض تبجح قادر على إثباته عبر آلة حاسبة بعد وصول ثروة الاثنين مجتمعة إلى ١٫١٦ مليار دولار.

٤:٤٤ هو أول ألبوم لـ جاي زي خال من التعاون على أي مستوى مع كانيه وِست منذ ١٩٩٩، لكن ذلك لا يضعه على قطيعة مع أعماله السابقة. يرتكز الألبوم على الجاز والبلوز والجوسبل، وعلى استخدام عينات من هذه الأصناف. بدأت علاقة جاي زي وكانيه كثنائي مع الجاز منذ ألبوم ذ بلوبرينت الصادر عام ٢٠٠١، خاصةً في هارت أف سيتي (آينت نو لاڨ) التي اقتبس فيها كانيه اللازمة من أغنية تحمل ذات الاسم لـ بوبي بلو باند. استمر ميراث الأغنية لاحقًا عبر عدة أغانٍ كـ روك بويز (ذ وينر إز) ودي أو آيه (دِث أف أوتو تون)، الأخيرة من إنتاج نو آي دي.

نو آي دي هو أحد عرَّابي كانيه، ساهم في إنتاج هارتلِس وبلاك سكينهِد  أا معوش مزح لكانيه، رَن ذِس تاون ودي أو آيه لجاي زي، من بين أغانٍ أخرى للاثنين. تولى نو آي دي إنتاج ٤:٤٤ كاملًا، لوحده في نصف الأغاني ومع جاي زي في النصف الآخر. تبدي أغنية ٤:٤٤ امتدادًا لـ أوتيس  لجاي زي وكانيه وست، إنتاج الأخير، من ألبوم واتش ذ ثرون، بعينات تستهلك نصف أغنية لايت نايتس آند هارتبريك لهانا ويليامز وتستعير بنيتها الدرامية. يحقق الألبوم إحدى أفضل لحظاته في مقدمة الأغنية حيث تعزف العينة على سامبلر مفتاحي يجعل قَطَعات العينات تبدو كغصَّات إلكترونية. يسهل وضع أغانٍ كـ كِل جاي زي ولِجاسي في سياق مع هارت أف سيتي وما تلاها من أغانٍ استخدمت الجاز الآلاتي في الخلفية.

إلى جانب ثقل نو آي دي الإنتاجي الذي غطى غياب كانيه، يكتسب الألبوم نقطة قوته من راب جاي زي، والذي صُقل كسكين على مدى ربع قرن. هو حادّ لدرجة تعفي حامله من الضرب بقوة. يكتب جاي زي أغانيه بصرامة اقتصادية، لا يطيل الإقامة في موضوع واحد، ولا يقول كلمتين حين تفي واحدة: “مهمل مثل المسودة، ما حدا (دور التسجيل) شالني من الأرض / راح توصل ثروتي المليار قبل ما أرجع تحت الأرض / دخلت صالة العظماء دون ما أستخدم قلم / كلكم حضرتوا نجاحي، بس بدكم عيد الفيلم؟”، قبل أن ينتقل إلى اقتباسات شكسبيرية مباشرة: “ادعي الفضيلة إن لم تمتلكها / أو حتى اقتباس ثاني من هاملِت: / رباه، نعرف من نحن / ما لا نعرفه هو ما سنؤول إليه.”

إلى جانب التبجح الذي بنى جاي زي مسيرته عليه، واستخدمه كلغة يتطرق بها إلى كل ما يريد، يشهد الألبوم تقاطع جاي زي رجل الأعمال، والذي تدخل مسيرته إلى ذروة عبر الانتقال من الاستثمار وإدارة شركة تسجيلات إلى إطلاق مشروعه الخاص، منصة تايدال التي قيل إن صدور الألبوم جاء لدعم أدائها المتعثر، بألبوم فيه جاي زي رجل الأسرة للمرة الأولى، زوج كُشِفَت خيانته وأب لثلاثة. يخلق هذا التقاطع شخصية رصينة، نسمع اعتذاراتها للمرة الأولى حقيقية وغير مسرفة: “كان لازم أكتبلك هالغنية من زمان / ما بستاهلك (…) ولو ولادي عرفوا / كيف حعيش لو بطلوا ينظرولي بنفس الطريقة / حموت من العار.” تساهم في رسم هذا البورتريه الذاتي شخصية رجل العصابات الأمريكي، اسم أحد ألبومات جاي زي وإحدى المرايا الداخلية التي يرى نفسه عبرها: “الرجال اللي ما بخلي باله من أهله مستحيل يكون غني / بحضر ذ جادفاذر وبتضيع كل الفكرة مني / ضميري وعقلية مايكل بنفس الفتور / نسيت فكر بالعواقب وتبعات الأمور”.

يتضاعف أثر كلمات جاي زي مع إلقائه، يصف باراته ويحركها كبيادق على رقعة شطرنج. هناك هدوء ينم عن تركيز لكن أيضًا عن ما يكفي من الخبرة والنجاح لإهماد أي انفعال خارج عن السيطرة. هذا الهدوء عميق الأساس هو ما أتاح لجاي زي الاستغناء عن الصخب الشاب دون فقدان حدته.

قد يبدو ٤:٤٤ عودةً متأخرة كما فعل مايكل جوردان راجعًا عن الاعتزال في موسميه الأخيرين، قادرًا على اللعب والسيطرة في سن الأربعين، أو قد يكون اعتراضًا على تشبيه الراب برياضة عنيفة لا يقوى عليها سوى الشباب. على الحالتين هو انتصار لجاي زي الذي يدفعنا لعدم رؤية مسيرته من وجهة نظر درامية كبناء وذروة وانهيار، بقدر ما هي منتج تراكمي يختمر مكتسبًا نسيج معقد ولون كثيف وقوام مكتمل، يثبت أن بعض الراب يحتمل التعتيق.