fbpx .
وسط البلد بنطلوني الجينز معازف
بحث | نقد | رأي

بنطلوني الجينز | وسط البلد

شريف حسن ۲۰۱۸/۰٦/۱۰

بعد سنوات لم أحضر فيها أيًا من حفلاتهم، قررت حضور حفلة صدور الألبوم الرابع بنطلوني الجينز لوسط البلد، التي جرت مطلع مارس الماضي في ساقية الصاوي، المكان الذي احتضن الفرق المغمورة منذ افتتاحها عام ٢٠٠٥ وحتى اليوم. هكذا غلبتني النوستالجيا وقررت أن أذهب. كانت الحفلة هي الثانية لوسط البلد في الساقية منذ بداية السنة.

عندما وصلت أمام الساقية، ظننت أن الحفل ألغي أو أنني أتيت متأخرًا. دخلت قاعة النهر حيث وجدت حضورًا لا يملأ نصفها. أحسست أنني رجعت عشر سنين إلى الوراء، عندما كانت الفرقة في بداياتها. تساءلت: أين جمهور الفرقة؟ كنت لا تجد موضع قدمٍ في حفلاتهم.

خلال السنوات الأخيرة خسرت وسط البلد مغنيها أدهم سعيد، الذي سبقه رحيل اسماعيل فوزي أيضًا، وأصبحت وسط البلد بمغني واحد هو هاني عادل. في نهاية هذه الفترة بدأت الفرقة بإصدار أغانٍ مصورة من ألبومها الجديد الصادر من أشهر. حصلت نصف أغاني الألبوم على فيديوهات ترويجية، وربما سيلحقها النصف الآخر، لكن كل هذا لم يملأ نصف قاعة. أخيرًا صعدت الفرقة المسرح وأدت ألبومها الجديد، الذي عدت واستمعت إليه عدة مرات لاحقًا. توقفت عن التساؤل أين جمهور وسط البلد، وصار سؤالي: أين وسط البلد نفسها؟

رغم خروج أدهم الأكثر تمكنًا في الغناء الشرقي، وبقاء هاني عادل الذي أصبح مغني الفرقة الوحيد وعازف الجيتار ومؤلف معظم أغاني الألبوم، إلا أن الفرقة قررت أن تطارد أصواتًا منوعة بدل أن تركز على صوت واحد. القرار جريء، لكن ليس بالضرورة أن تكون تداعياته كذلك.

يبدو الألبوم في أغلبه كشخص تائه فقد الكثير من ذاكرته، محتار بين إيقاعات مختلفة واستخدام كل ما هو رائج في الموسيقى اليوم، كالموسيقى الإلكترونية والراب المقحمين وغير الممهد لهما في أنا كويس، إلى أغنية بنطلوني الجينز التي تعاونوا فيها للمرة الأولى مع كاتب الأغاني أحمد حداد، وحاولوا تحويلها إلى ضربة تجارية بعد استخدام ثيمة لحنية مشابهة لتلك التي استخدموها في أغنيتهم الأشهر، شمس النهار، التي تبنتها شركة فودافون وقت ظهورها كأغنية رسمية.

في أغانٍ مثل القاسية، حاولت الفرقة الرجوع إلى الفلكلور وربما اللعب على الوتر النوستالجي وتذكير الجمهور بأغانٍ مبكرة ناجحة كـ آه يا لاللي. رغم جودة لحن الأغنية، التي كتب كلماتها محمود رمضان، إلا أنها ظلت أغنية تحاول الرقص بين عالمين، الفلكلور والأغنية الحديثة، دون أن تقترب من أي منهما، ودون أن تخلق عالمها الخاص. لم تساعد كلمات الأغنية التي حاولت محاكاة الفولكلور بشكل متوقع، كما أصبح أثر غياب أدهم سعيد واضحًا في الأغنية التي احتاجت فيه الفرقة إلى صوت أكثر قدرةً على الاشتباك مع التراث.

أما في أغانٍ كـ شاشة التليفون وأنت حد، اللتين كتبهما رفيق الفرقة منذ بدايتها الشاعر حازم ويفي، بدأت مشاكل انتهاء الصلاحية الشبابية بالظهور في الواجهة. بعد نجاحها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبتشجيعٍ من جمهور يمنح الكثير من وقته للمحتوى الإبداعي على الإنترنت، تبنت وسط البلد في شاشة التليفون خطاب وعظٍ وكأن والدك يصرخ فيك موبخًا: “ده لا هو اجتماعي ولا هو تواصل / الشاشة لاهينا وسارقانا / بكاشات شارينا وبايعانا / ولا حاجة بتكبر بالعانا.” لا يتحسن الوضع كلماتيًا في وشوش تجاعيد، الأغنية التي تذكرنا بأنه بينما ليس من الضروري أن تطابق الموسيقى مزاج الكلمات، من غير الضروري أيضًا أن يكونا متناقضين بهذا الشكل الحاد. تحمل كلمات الأغنية مزيجًا من الكوميديا السوداء والسخرية الحزينة، بينما الإيقاع لاتيني راقص يحمل فوقه ألحانًا وتوزيعًا ملونًا ومرِحًا.

رغم هذا التخبط، إلا أن الألبوم يضم أغنيتين جيدتين، مثل مسكرات التي كتبها عمرو أبو زيد. تقطع مقدمة الأغنية وعدًا بعمل متكامل ومتسق إلى مدىً بعيد، وتفي بقيتها بهذا الوعد، فتأتي الألحان والآلات التي حملتها متسقةً بين بعضها البعض، ومتسقةً مع أداء هاني عادل المرتاح في هذه المنطقة. الاختلاف المؤتلف التي كتبها الشاعر منتصر حجازي هي الأخرى كانت أغنية عاطفية جميلة ومنعشة، تذكرنا بعانقيني، وبـ تسمحيلي لهاني عادل.

في ساقية الصاوي، اختارت وسط البلد أن تبدأ العرض بأغنية قل للمليحة، إحدى النجاحات الأولى للفرقة، والتي أدوها في البرنامج وعزفوها في حفل إلى جوار أصالة نصري. ربما كانت الفرقة تريد بهذا الاختيار أن تفتح شهية الجمهور للألبوم الجديد عبر مقبلات نوستالجية، لكنها فعلت العكس، نبَّهتنا إلى كل ما خسرته الفرقة برحيل أعضائها السابقين. في بنطلوني الجينز تحاول وسط البلد إعادة اختراع ذاتها، تبحث عن طرق للخروج بتنويعات من الصوت الأحادي الذي انتهت به، لكن من الواضح أن الأغاني الوحيدة التي تعمل في الألبوم هي الأغاني الـ هاني-عادلية، وأن صوت الفرقة اليوم أفقر من أن يرسم لوحات بأكثر من لون واحد.

المزيـــد علــى معـــازف