.
منحنا إصدار زولي الأول، بَيونيك أحمد، نظرةً على حبه للجرايم والغَراج، بينما انتقل في إصدارَيه التاليين (نمبرز وتريجر فينجر) بسرعة حادّة نحو تقديم أكثر أصوات الإلكترونيكا فرادةً وأسرًا في الأعوام الأخيرة. في ترمينال، ألبومه الطويل الأول، يوسع زولي ذائقته الصوتية مستلهمًا من مجموعة تأثيراتٍ تبدو متباعدة، ليقدم لنا أكثر إصداراته تكاملًا حتى الآن.
يمكن تقسيم ترمينال إلى جزأين، الأول المعتمد على الإيقاعات والمثقل بالبايس والثاني الأكثر محيطيةً وتركيزًا على المزاج الكلي ونسيج الصوت. نجد أبرز الأمثلة على الجزأَين في التراكين بَمب، المسعور بالبايس المتهالك والكيكس المتلاحقة كطلقات الرشاش والمقاطع الصوتية المبتورة، وفولو يور برِث ذو الصوت المحيط وعينة بيانو تبدو طوال الوقت على حافة الذوبان وسط محيطها الزجاجي. وجود النموذجَين معًا دون أن يبدو أيٌّ منهما نافرًا دليلٌ على قدرة غزولي على تبني ولَي صيَغ الألبوم بما يناسب ما في رأسه. يأخذ زولي كل فكرة ويمضي بها حتى الإشباع قبل الانتقال إلى أخرى.
في ألبومٍ ينتقل من مساحةٍ إلى أخرى باستمرار، يتغير ويُنحّي التوقعات، يبدو أحيانًا أنه لا مجال للتنازل عن الرفاهية التي يمنحها طول الألبوم. بين تراك رِك وعلامة الألبوم الأبرز كل الجلود، حيث يجري تحول كامل في مسار الألبوم، يسمح زولي لذلك التحول أن يتم تدريجيًا على مدى تراكَين. بدايةً بالمشاهد الصوتية الخشنة لـ هي إز هيرينج فويسز، التي يستعيد فيها شي إز هيرينج فويسز من تسجيله السابق نمبرز، والتي تتحول إلى هيجان من قرع درامز انطباعي ونغمات سنث مُحوّرة الطبقة تنتهي إلى تراك ستاكس أند أرايز، الذي يشكل الخط المرسوم في الرمل بين الجانبَين. انطلاقًا من هذه النقطة في الألبوم، تحصل التحولات بتكرارٍ أكبر، وغالبًا ضمن الأغنية نفسها تمهيدًا للأغنية التي ستليها. تنتقل أخطبوط مثلًا بين ارتجالٍ مُستلهمٍ من أعمال الألماني أوبجكت إلى ما يمكن اعتبارها فِرس أبيوسف الأبرز في الألبوم في بضع ثوانٍ، عبر عينة صوتية تُشكل نقطة ارتكاز النقلة. تدفع هذه التغيرات الحادة بالألبوم إلى الأمام، وتضمن استمرار امتلاكه لما يأسر الانتباه من البداية إلى النهاية.
العنصر الرئيسي الآخر الذي يربط بين أجزاء الألبوم هو طريقة توظيف الصوت البشري، والحاضرة طوال الألبوم، عدا التراك الختامي كونتِنيو. يمكن النظر إلى الألبوم باعتباره دراسةً لكيفية توظيف الأصوات والتلاعب بها. هنا الأصوات مبتورة بشكل أبعد مما يمكن إدراكه، مُعاد استخلاص العينات منها ومعالجتها أكثر من مرة، منثورة، مغناة حينًا وملقاة بالراب حينًا آخر، لكنها حاضرة دومًا. المقاطع المغناة وثيقة الصلة بشخصية مغنيها. لا يمكن إيجاد دليل على ذلك أبرز من تراك أنا غايب، الذي شارك فيه مادو سام، أبانوب، وشريك زولي العتيق وسابق الذكر أبيوسف، تعرضوا خلال مقاطعهم إلى قضايا مثل ضعف الثقة بالنفس والهروبية والعلاقات الشخصية.
لو أخذنا بالاعتبار تطويع زولي لألبومه هذا كي يتحول إلى سيرة ذاتية، يغدو مفهومًا تعاونه مع موسيقيين من مشهد الراب وإفساحه المجال لهم لسرد قصصهم كجزء من قصته الخاصة، إذ يتسق ذلك مع مكانته كأحد أهم الشخصيات في المشهد القاهري والمصري ككل. كونه مؤسس فِنت وموسيقي يتعاون باستمرار مع فنانين محليين، يصبح من المنطقي جدًا أن تتشابك قصص موسيقيين آخرين مع قصته. تجاربه وتجاربهم بلا شك جزءٌ من كلٍ واحد، بشكلٍ يضمن تجربة سماعٍ أغنى للألبوم.
إذًا، ماذا سنتوقع من عمل زولي القادم؟ نظرًا إلى مدى اختلاف هذا الألبوم عن إصداراته السابقة، من الصعب التنبؤ بأي شيء. لكني شخصيًا أتمنى أن يتبحر أكثر في الجوانب الميالة إلى الموسيقى المحيطة من هذا الألبوم. على كل الأحوال، مع ترمينال، أثبت زولي مرة أخرى أنه مهما كانت خياراته القادمة، ستستحق الاستماع.