.
النص الأصلي لـ يوسف پاخولزيك، باحث إثنوموسيقي أمريكي من أصل بولندي، يعمل في جامعة ماريلاند.
قُدمت الورقة لأول مرة في مؤتمر: وحي الظاهرة الفلكية، المنعقد في فيلا موندو ميليورِه، روكا دي بابا، إيطاليا، يونيو – يوليو ١٩٩٤.
ترجمة: ياسر عبد الله.
الفن الإسلامي، بما في ذلك الموسيقى، رمزي بعمق، فهو يحوي نظامًا من الرموز التي تعكس وتفسر الكون برمته ووجود الله. تستخدم الرموز لتفسير غير المُفسر. تطورت أغلب الرموز الإسلامية بزخم مباشر من الفلسفة اليونانية ومباحثها. رغم ذلك يمكن تتبع أصول كثير من عناصرها إلى معتقدات المصريين القدماء والسومريين والكلدانيين والمانويين. دُمجت تلك المعتقدات في الفكر اليوناني مكتسبة مرجعية وقبولًا ضمن الفلسفة الإسلامية ومباحثها.
تطورت الفلسفة الإسلامية المبكرة ومباحثها في حواضر الدولتين اﻷموية (من ٦٦١ إلى ٧٥٠ ميلادية) والعباسية (من ٧٥٠ إلى ١٢٥٨ ميلادية) مثل دمشق وبغداد والكوفة. اتصل المسلمون العرب مع العالم الهيلينستي في عهد الإسلام المبكر، أثناء حكم اﻷمويين الذين أسسوا عاصمتهم في دمشق، المقر السابق للولاة البيزنطيين. تحت حكم اﻷمويين غزت الجيوش الإسلامية مساحات شاسعة، امتدادًا من شبه الجزيرة الإيبرية إلي تركستان الشرقية (جينيانغ). كانت بعض تلك البلدان مأهولة باليونانيين أو بمسيحيين متهلينين.
أثناء عملية الغزو، استحوذ المسلمون على عدد من اﻷعمال الفلسفية والعلمية لمؤلفين مثل فيثاغورس وأرسطو وأرسطكاس وأفلاطون. سرعان ما أدرك الحكام المسلمون قيمة تلك اﻷعمال وجمعوا عددًا كبيرًا من المخطوطات في مكتباتهم. استمر الاهتمام بالكتابات اليونانية تحت حكم العباسيين، وفي القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري) أُسس بيت الحكمة في الكوفة وبغداد ليكون مرصدًا فلكيًا ودارًا للترجمة. هناك ترجمت أنبغ العقول من كل أنحاء الإمبراطورية أعمال اليونانيين إلى العربية (إما مباشرة من اليونانية أو عبر اﻵرامية). بفضل قدوم الورق من الصين، نسخت الكتب بكثرة وانتشرت إلى الحواضر الكبرى في الإمبراطورية. سرعان ما أسس الولاة المحليون والحكام الإقليميون مكتباتهم الخاصة (دار الحكمة أو دار العلم) في مدن مثل القاهرة وطليطلة وبخارى وسمرقند.
ألهمت تلك الأعمال اليونانية في المكتبات المسلمة تطور الفلسفة والعلوم الإسلامية، وما بدأ كترجمات للمتون قاد إلى تعليقات ثم إلى مباحث مستقلة في الرياضيات والخيمياء والطب والفلسفة والهندسة والموسيقى ومجالات أخرى.
كان الأثر الأكبر الأول لأفلاطون وبشكل رئيسي نظريته عن الأفكار، التي تقول أن الحقيقة أزلية ويمكن أن يدركها البشر في أنفسهم، وواقع العالم هو انعكاس للأفكار ويُشكّل الحقيقة الكلية. بالنسبة للأفلاطونيين، كان العامل الأهم في فهم الطبيعة فكرة الأعداد. مثلت الرياضيات الحقيقة النقية المطلقة في شكلها اﻷجمل. قُبلت هذه الفكرة بشكل واسع بين الفلاسفة المسلمين وطبقت في كل المعارف، بما في ذلك الفنون بغض النظر عن الوسيط الفني.
اﻷثر المماثل كان للفيثاغوريين والفيثاغوريين الجدد. مثل الأفلاطونيين، منح الفيثاغوريين أهمية كبيرة لدور اﻷعداد في تفسير الطبيعة، لكنهم طوروا فلسفة تعطي اﻷعداد دﻻلة باطنية. تطورت تلك الفلسفة إلى فلسفة الحساب وخواص الأعداد. يحاول علم خواص اﻷعداد، تفسير الميتافيزيقا والإلهيات، بعزو قيم سحرية وخيميائية لها. طبقت هذه الفكرة في مجالات عدة مثل التنجيم والخيمياء والطب، وكان لها بالغ اﻷثر على تطور نظرة المسلمين للعالم، وأثرت بشكل خاص على الطوائف الغنوصية في الإسلام مثل الشيعة والصوفية. صار حساب الجمل جزءًا أساسيًا من الحركة الصوفية كلها، التي تتناقل فيها المعرفة الباطنية والنسكية السرية عبر تسليك متدرّج التسليك هو العملية التي يتولى فيها المرشد مهمة توصيل المريد إلى الحضرة الإلهية - المعجم الصوفي - سعاد الحكيم. يبسط حساب الجمل بشرحه اﻷمثل في العمل الموسوعي رسائل إخوان الصفا الذي يعود إلى القرن العاشر الميلادي، والذي يعد مزيجًا من الأفكار الأفلاطونية والفيثاغورية والفيثاغورية المحدثة والغنوصية.
تُلخص دﻻئل اﻷعداد كما يلي Sayyed Hossein Nasr, An introduction to Islamic cosmological doctrines (Boudler, CO. Shambhala 1978) الترجمة العربية، سيد حسين نصر، مقدمة إلى العقائد الكونية الإسلامية، ترجمة: سيف الدين القصير، دار الحوار للنشر والتوزيع، الطبعة اﻷولى ١٩٩١:
١- الواحد يرمز إلى البارئ. واحد، أزلي أبدي، غير منقسم وﻻ متغير.
٢- الاثنين يرمز إلى العقل. يسمح بأزواج من المتضادات (النور / الظلمة، الخير / الشر، الشكل / الهيولى، الروح / الجسم، إلى آخره).
٣- الثلاثة ترمز إلى النفس.
٤- اﻷربعة ترمز إلى الهيولى (المادة). لها الكمال الرياضي، الحاوية لكل اﻷعداد التي بجمعها يكون العقد (١+٢+٣+٤ = ١٠)، أساس النظام العشري، وعدد مثالي.
٥- الخمسة ترمز للطبائع.
٦- الستة ترمز للجسم.
٧- السبعة تمثل الكواكب السبعة.
٨- الثمانية تمثل المزاجات الثمانية (هي في الواقع مزاجات أربعة ضمت كل اثنين إلى أحد العناصر الأربعة): التراب بارد يابس، الماء بارد رطب، الهواء حار رطب والنار حارة يابسة.
٩- التسعة تمثل المولدات مثل المعادن والنباتات والحيوانات.
يحوي هذا النموذج التراتبي تماثلًا مع النموذج الإسلامي للكون الممثل في العلوم الفلكية. فيه توجد اﻷرض في المركز، محاطة بتسعة أفلاك متحدة المركز: سبعة مسارات للكواكب السيارة (القمر، عطارد، الزهرة، الشمس، المريخ، المشتري، زحل)، الفلك الثامن للكواكب الثابتة، والفلك التاسع لمحيط دائرة البروج. توجد اﻷرض في أسفل المراتب، وكل شيء عليها مرتب في رباعيات (العناصر، المواسم، الرياح، الاتجاهات اﻷصلية، سوائل الجسم البشري، إلى آخره). في اﻷعلى توجد البروج، بقيمتها العددية ١٢.
بين البروج واﻷرض هناك الكواكب السبعة السيارة، بقوتها الروحية القادرة على تغيير المادة في محيطها. السبعة عدد تام أيضًا، السبعة متصلة بالقمر، المظهر المؤنث، ومعاكسة للشمس، المظهر المذكر. في النموذج الكوني، القمر المؤنث هو اﻷقرب إلى اﻷرض، المتوسط بين اﻷرض وبين كل اﻷفلاك اﻷخرى، بما في ذلك دائرة البروج. السبعة ترمز إلى الإنسان الكامل وهو نفسه صورة أولية للكون. المصدر السابق.
من بين اﻷعداد تمثل اﻷربعة والسبعة والتسعة والاثني عشر والثمانية والعشرون اﻷعداد اﻷنبل. تلك اﻷعداد تمثل الكائنات اﻷنبل (اﻷربعة الرباعيات، والسبعة الكواكب السيارة، والتسعة الفلك المحيط، والاثني عشر دائرة البروج، والثمانية والعشرون منازل القمر)، وهي فريدة ﻷنها يمكن تكوينها بالعمليات الحسابية المرتبطة بالكيانات النبيلة (٧ =٣+٤، ١٢ = ٣×٤، ٢٨ = ٧×٤ أو ٧ +٩ +١٢). هذه التطبيقات العددية في الرياضيات، الفلك، الهندسة والخيمياء ربما هي الأسهل فهمًا، بينما في الفنون هي اﻷصعب؛ ورغم أن ذكر كل الطرق التي تنعكس فيها هذه الرمزية العددية في الفنون أبعد من مدى هذه الورقة، سأذكر بعض الملامح.
الروابط العددية والروحية في اﻷدب قوية جدًا. تتكون اﻷبجدية العربية من ٢٨ حرفًا، تتصل بعدد منازل القمر، التي يمكن تفسيرها بوصفها مجموع السبعة (كواكب) والتسعة (أفلاك الكون) والاثني عشر (مجموعات البروج)، كذلك هي حاصل ضرب ٤×٨. يدعم فكرة كمال هذا العدد كونه يمثل أبجدية القرآن.
يزخر الشعر الصوفي، وخاصة الفارسي، بتشبيهات الحب الدنيوي والشهواني وشرب الخمر (في الوقت الذي يحرم في الإسلام الشرب). يُقرأ هذا بمستويات عدة، بالنسبة للقارئ غير السالك قال ابن عربي في الفتوحات المكية 'السلوك انتقال بالعلم من مقام إلى مقام ومن اسم إلى اسم ومن تجل إلى تجل ومن نفس إلى نفس والمنتقل هو السالك.' يبدو النص كما لو أنه يبحث في اﻷمور الدنيوية من علاقات بشرية وحب. بينما بالنسبة للصوفي، يمكن للنص ذاته امتلاك معنًى مختلف، يرمز للعلاقة بين الإنسان والله. يمثل الحب والخمر والسكر حب الإنسان لله ونشوة الاتحاد الصوفي مع الله، كما في مطلع هذه القصيدة لحافظ Shamsu’d-Din Muhammad Hafiz, Divan, Nazir Ahmad and S.M. Reza Jalali Na’inin, eds. (Tehran: Amir Kabir, 1982). الترجمة العربية ديوان حافظ الشيرازي، الشيخ محمد بن بهاء الدين محمد ملقب به حافظ الشيرازي، ترجمة إبراهيم أمين الشواربي، تهران، مهرانديش للنشر، ١٩٩٩م (الدلق اﻷزرق هو لباس الدراويش، ويعني البَيت حرفيًا: كيف أبعد عني نفاقي.):
أيها الساقي قم فأدر الكأس وناولني المدام
وانثر التراب على أحداث الزمان وأحزان اﻷيام
وضع كأس الخمر في كفي حتى أستطيع
أن أخلع عن صدري هذا الدلق اﻷزرق
وإذا ساءت شهرتنا لدى العقلاء، فنحن
ﻻ نريد الشهرة الواسعة وﻻ الصيت العريض
المعنى الحقيقي للقصيدة، المخفي عن القارئ غير السالك، يمكن فهمه من الرمزية العديدة للحروف الفردية للأبجدية. يمكن ملاحظة التفسير العددي للكلمات العربية في كلمة صوفي على سبيل المثال، فالحروف اﻷربعة المكونة للكلمة: صاد، واو، فاء وياء، لها القيم العددية التالية: ٩٠، ٦، ٨٠ و١٠. مجموع هذه اﻷعداد هو ١٨٦. ١٨٦ هو أيضًا مجموع ١٠٠ و٨٠ و٦، اﻷعداد التي تقابل حروف القاف، الفاء والواو. هذه الثلاثة أحرف تشكل الكلمة العربية: فوق، التي تعنى أعلى أو سامي. بهذا تعني الصوفية الفلسفة السامية. Idries Shah, the Sufis (New York: Doubleday 1977) الترجمة العربية، إدريس شاه، الصوفيون، ترجمة: بيومي قنديل المركز القومي للترجمة، القاهرة
ولّد علم الأعداد، أو علم القيمة العددية الرمزية للحروف (أو علم الجفر) ما يسمى لغة بلبيلان. تقول شيمل Annemarie Schimmel, Mystical Dimensions of Islam (Chapel Hill, NC: Uiv. Of North Carolina press, 1975) الترجمة العربية، آنا ماري شيمل، اﻷبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف، ترجمة: محمد إسماعيل السيد ورضا حامد قطب، منشورات الجمل، ٢٠٠٦ (لم أقف على رسم كلمة بلبيلان الأصلي بالعربية أو بالفارسية فنقلتها كما نقلها المترجمان) أن الشعر الصوفي ﻻ يمكن أن يفهم بشكل كامل بدون معرفة المعاني العددية للحروف.
ترتبط رمزية اﻷعداد في رسومات المنمنمات الإسلامية برمزية اﻷشكال الهندسية والنماذج الكونية. اكتشف بابادوبلو في المنمنمات الفارسية والهندية التي تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي وما بعده تنظيم المساحة بحيث تكون أهم عناصر اللوحة، مثل اﻷشكال، الوجوه مع اﻷيادي أو بدونها، الموضوعة بحيث يمكن ربطها بمنحنى حلزوني أو أرابيسك. أحيانًا كانت توضع رسمتان على صفحتين متقابلتين من كتاب لتشكلا معًا حلزونًا. في أحيان أخرى كانت توضع أشكال خلف جبال لتكمل منحنيات الحلزون. Alexandre Papadopoulo, Islam and Muslim Art (New York: Harry Abrams)
يمثل الحلزون دائرة هابطة متناقصة من الدوائر، موازية لدوائر أفلاك السموات، بحيث تصغر كلما اقتربت من اﻷرض المصدر السابق.. لذلك هي نموذج للكون، لكنها أيضًا تملك دلالة أخرى باطنية. تشكل قوس التنزل من الله إلى الإنسان وقوس العروج من الإنسان إلى الله، المميز جدًا عند الشيعة Henry Corbin, Histoire de la philosophie islamique, 2 vols (Paris: Gallimard 1964)، وترمز إلى ريح الجنوب العظيمة أو الإعصار، المعروفة لدى الغنوصيين المسيحيين والمسلمين على حد سواء. ترمز أيضًا إلى الطواف حول المكان المقدس (المحراب، الهيكل، المعبد أو الحرم) ثم دخوله، وتمثل المنجز الخيميائي بابادوبلو، مصدر سبق ذكره. ترتبط كذلك بالكرْم ومن ثم السكْر (في الصوفية، السكْر هو الدخول إلى حالة النشوة، الموضوعة الملحوظة بقوة في الشعر الصوفي). مثلما يقول بابادوبولو “يصبح الحلزون في الواقع التجسيد المادي للباطنية، الماندالا السرية المشكلة في نفس الوقت للكون والفن.” بابادوبولو، مصدر سابق.
في العمارة، المرتبطة بشكل وثيق بالهندسة، تعد أشكال بعض الصروح تمثيلات للنماذج الكونية. بعض المآذن بُنيت في شكل حلزوني، مثل منارة الجامع الكبير، ملوية سامراء. في مساجد أخرى، تكون الحلزونات مدمجة داخل المآذن في شكل مدارج عدة، غير مرئية من الخارج. العديد من اﻷضرحة، ومقابر المرابطين واﻷولياء الصوفيين في شمال أفريقيا، مبنية بشكل مكعب وقبة بشكل نصف دائري. قاعدة مكعب البناء مربع يمثل اﻷرض، بأربعة فصول وأربعة اتجاهات أصلية. تمثل الحياة الدنيا. في الجزء العلوي تكثف الرمزية بمربعات متواشجة، تشكل ثُمانيات. يعلو البناء بالقمة، المرتكزة على دائرة، تمثل الجانب السماوي للكون، القبة الزرقاء، النعيم واﻷبدية. لذلك يشكل البناء تصويرًا مرئيًا للانتقال من الحياة الدنيا الفانية إلى الحياة السماوية اﻷبدية. ِAmnon Shiloah, The epistle on music of the Ikhwan al-safa (Tel-Aviv: Tel-Aviv Univ. 1978) p. 247
أمثلة كثيرة على هذه البنية تُرى في عديد من اﻷضرحة في القاهرة القديمة، وأضرحة السامانيين في بخارى، من القرنين التاسع والعاشر الميلاديين (الثالث والرابع الهجريين)، ونلاحظ رمزية مماثلة في أبنية مساجد وتكايا ومدارس عديدة وعمائر دينية أخرى.
يمكننا رؤية العلاقة بين الظاهرة الفلكية والموسيقى على أي من المستويين المذكورين سلفًا، المستوى الرمزي غير المباشر والمستوى المباشر المعني بتطبيق المفاهيم الفلكية على الموسيقى والمفاهيم الموسيقية على الفلك، وعادة ما يظهر المستويان معًا.
يتجلى تطبيق النموذج الرمزي للكون على الموسيقى في أفضل شروحه في: رسالة في الموسيقى، من مجموع رسائل إخوان الصفا. في المقدمة يكتب الإخوان: “فنريد أن نذكر في هذه الرسالة المسماة بـ الموسيقى الصناعة المكونة في الوقت ذاته من الجسمانية والروحانية. هذا فن التأليف (الهارموني) الذي يمكن تعريفه من حيث النِّسَب.” المصدر السابق، النص العربي من رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء، الرسالة الخامسة في الموسيقي، من القسم اﻷول في العلوم الرياضية التعليمية، حققها وترجمها أوِّن رايت، دار نشر جامعة أوكسفورد بالتعاون مع معهد الدراسات الإسماعيلية في لندن، ٢٠١٠. يذكر المحقق في الهامش أنه استخدم مصطلح الموسيقي (بالياء المثناة) ﻷنه اﻷقرب إلى المخطوطات وإلى اﻷصل من كلمة موسيقى المتداولة في اللغة العربية المعاصرة، بينما استخدم باخولزك موسيقى (باﻷلف المقصورة) هنا وعاد فاستخدم موسيقي لاحقًا في الكلام عن علم الموسيقي في علم الموسيقى الإسلامي، منذ زمن قدامى المنظرين مثل الكندي (القرن التاسع الميلادي الثالث الهجري) والفارابي (العاشر الميلادي الرابع الهجري)، كان العود يعد أنبل اﻵﻻت وأتمها وأنسبها للشرح النظري للموسيقى. على الرغم من أن المنظرين الأوائل لم يقدموا تفسيرًا للأسباب الكامنة خلف المكانة السامية للآلة، يقدم إخوان الصفا هذا التفسير، فيكتبون في رسالة في الموسيقى “ولكن أتم آلة استخرجها الحكماء وأحسن ما صنعوا هي اﻵلة المسماة العود.” المصدر السابق. ثم يكملون “فنقول أن أهل هذه الصناعة قالوا إنه ينبغي أن تُتخذ اﻵلة التي تسمى العود جسمًا يكون طوله وعرضه وعمقه على النسبة الشريفة، وهو أن يكون طوله مثل عرضه ومثل نصفه، وعمقه مثل نصف العرض، وعنق العود ربع الطول” … “ثم تُتخذ أربعة أوتار كلٌّ منها أغلظ من سابقه، على النسبة الشريفة، وهي أن يكون ثخن الوتر الثالث (المَثلَث) ثلاثة أرباع ثخن الرابع (البَم)، وكذا ثخن الثاني (المثنى) ثلاثة أرباع الثالث وثخن الأول (الزّير) ثلاثة أرباع الثاني. فيكون بذلك البَم: سد = أربعة وستين طاقة إبريسم، والمَثلَث: مح = ثمانية وأربعين طاقة، والمثنى: لو= ستة وثلاثين طاقة، والزير: كز= سبعة وعشرين طاقة.” المصدر السابق، الإبريسم خيط الحرير أما سد فتساوي ٦٤ بحساب الجمل حيث السين ٦٠ والدال ٤ ومثلها مح ولو وكز طبقًا لترتيب اﻷبجدية في أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظع.
تُضبط أوتار العود اﻷربعة على بعد الرابعة التامة طبقًا للنسبة ٤:٣، وتقسم دساتين العود طول كل وتر حسب النسب ٢:١، ٣:٢، ٤:٣، ٥:٤ و٩:٨، بحيث تعطي أبعاد الديوان الأساسية، الخامسة التامة، الرابعة التامة، الثالثة والثانية.
كانت نسب اﻵلة، وضبط أوتارها والمسافات الحاصلة تُرى بوصفها انعكاسًا موسيقيًا للنظام الكوني، هذه الخصائل كانت سبب اعتبار اﻵلة تامة ذات مكانة سامية. كان النظام الكوني يُرى كذلك في أقطار أُكر أُكر حسب الجمع المستخدم من قبل إخوان الصفا في الرسائل لكرة الفلك فيجمعون كرة الفلك على أكر اﻷفلاك الأفلاك التسعة. كانت لأقطار اُكر اﻷفلاك التسعة – مثل قطر اﻷرض وكرة الهواء – قيمة عددية. تُقابل النسب بين تلك القيم (أي بين الأرض وأقطار أُكَر الهواء، فلك القمر، فلك الزهرة، فلك الشمس وفلك الكواكب الثابتة) نسبة موسيقية مؤلفة (هارمونية) مثاليّة (جدول ١). بينما النسب اﻷخرى بين أكر أفلاك عطارد والمريخ وزحل غير هذه النسبة. المصدر السابق. ولتعريف اﻷبعاد الموسيقية ومصطلحاتها القديمة انظر الرسالة الشرفية في النسب التأليفية لصفي الدين اﻷرموي، تحقيق وشرح: محمد اﻷسعد قريعة، إصدارات النجمة الزاهرة، تونس ٢٠٠٨ .
يجد إخوان الصفا نسبًا مشابهة في الإيقاعات ويكملون الحديث: “والمعاني المضمّنة في تلك النغمات واﻷلحان بمنزلة اﻷرواح المستودعة في اﻷجساد، فإذا أوردت تلك اﻷلحان على مسامع تلك النفوس استلذتها الطباع وفرحت بها اﻷرواح وسرت بها النفوس ﻷن تلك الحركات والسكونات التي تكون بينها تصير عند ذلك مكيالًا للزمان وأذرُعًا له ومحاكية لحركات اﻷشخاص الفلكية، كما أن حركات الكواكب واﻷفلاك المتصلات المتناسبات هي أيضًا مكيالٌ للدهور وأذرُعٌ لها، فإذا كيل بها الزمان كيلًا متساويًا متناسبًا معتدلًا كانت نغماتها مماثلة لنغمات حركات اﻷفلاك والكواكب ومناسبة لها.” المصدر السابق.
يحاجج إخوان الصفا أن التماثل بين نسب المسافات الموسيقية ونسب اﻷفلاك يجعلها مسموعة لساكني اﻷفلاك، ومن ثم يعرضون تطبيقًا مباشرًا للأفكار الموسيقية على النماذج الفلكية فيكتبون “وإنها (أي اﻷجسام الفلكية) يماس بعضها بعضًا ويصطك ويحتك ويطن كما يطن الحديد والنحاس، وتكون نغماتها متناسبات مؤتلفات وألحانها موزونات كما بينّا مثالها في نغمات أوتار العيدان ومناسباتها.” المصدر السابق. يكمل الإخوان كلامهم “فقد تبين إذًا بما ذكرنا بأن لحركات الأفلاك والكواكب نغمات وألحانًا طيبة لذيذة مفرحة لنفوس أهلها، وأن تلك النغمات واﻷلحان تُذكر النفوس البسيطة التي هناك بسرور عالم اﻷرواح الذي فوق الفلك، والذي جوهره أشرف من جوهر عالم اﻷفلاك.” المصدر السابق.
الجوانب الباطنية والصوفية والرمزية للموسيقى مضمنة كذلك في علم الموسيقي بالياء المثناة حسب رسم المخطوطات القديمة انظر الملاحظة السابقة لمحقق رسالة إخوان الصفا أوّن رايت (أو نظرية الموسيقى). نشأ علم الموسيقي في القرن التاسع الميلادي (الثالث الهجري)، وتطور كذلك بزخم الفلسفة اليونانية ومباحثها. منذ القرن التاسع الميلادي (الثالث الهجري) كان هنالك تيار مستمر من المنظّرين العاملين في كل أطراف العالم الإسلامي، من إسبانيا المسلمة إلى آسيا الوسطى. درست نظرية الموسيقى جوانب الموسيقى التقنية – أي تركيب اﻷدوار اللحنية (التي سميت لاحقًا بالمقامات، مفهوم مشابه للتونالية الكبيرة والصغيرة الغربية)، وتركيب الأدوار الإيقاعية، وطرق تأليف اﻷلحان واﻵﻻت الموسيقية – كذلك الخصائص فوق الموسيقية.
كان الفارابي (٨٧٢-٩٥٠ ميلادية (توفي ٣٣٩ هجرية)، المعروف بالفارابيوس في أوروبا، أحد أهم المؤلفين اﻷوائل، فهو الدارس المسلم اﻷول الذي له سمات مفكري عصر النهضة المستوعب لشمولية المعرفة في عصره، ألف عددًا من اﻷعمال في الفلسفة ( حيث عُرف بالفيلسوف (المعلم) الثاني بعد أرسطو)، الرياضيات، الخيمياء، الطب والفلك. ربما كان كتابه عن الموسيقى، كتاب الموسيقي الكبير، أهم عمل في هذا المجال. يتكون لب الكتاب من الحديث عن اﻷبعاد ونسبها الرياضية، ودرجة تمامها أو تناسبها وتوليد اﻷدوار ضمن إطار النظرية الفيثاغورية حول النظام التام اﻷكمل. على الرغم من أن الفارابي ﻻ يشرح نظريته بمصطلحات الرمزية العددية، فإنه يمكن تفسير كثير من مادتها بهذه الطريقة، وخاصة العلاقة بين النسب الرياضية للأبعاد الموسيقية بدرجة التوافق، واﻷبعاد على النسب ١/٢ (البعد الذي بالكل (الديوان))، ٢/٣ (بعد الخامسة)، ٣/٤ (بعد الرابعة)، بوصفها اﻷبعاد الأتم.
الرسالة اﻷولى التي تنظم اﻷدوار الموسيقية في نظام إثني عشري هي رسالة مجهولة نسبيًا لمحمد النيشابوري (القرن الثاني عشر – الثالث عشر الميلادي)، رسالة در علم موسيقى (باللغة الفارسية / الطاجيكية) Alexander Djumaev 'Traktat o muzyce muhammada niszapuriego, unikatowy zabytek sredniowiecznej kultury wschodu,' Muzykam No.3, pp 45-55. النظام الذي عرض لاحقًا في المؤلف الشهير كتاب اﻷدوار لصفي الدين عبد المؤمن اﻷرموي (حوالي ١٢٥٨ ميلادية). فيه يقطع اﻷرموي الربط بين تلك اﻷدوار الموسيقية والخصائص فوق الموسيقية (مثل الفلك). رغم ذلك، تعاود هذه الخصائص، منذ القرن الخامس عشر الميلادي فصاعدًا، الظهور في كتابات عديدة، مثل الرسالة الفتحية لمحمد بن عبد الحميد اللاذقي (القرن ١٥-١٦ الميلادي)، وفيها يذكر اللاذقي “اعلم أن القدماء يسمون بعض اﻷلحان المشهورة في زمانهم مقامًا وبعضها أوازًا وبعضها شعبة” الرسالة الفتحية لللاذقي تحقيق هاشم محمد الرجب، الكويت، الطبعة اﻷولى ١٩٨٦، ص ١٥٢، ثم أن هؤلاء الموسيقيين شاهدوا علاقاتٍ مثالية بين: المقامات، البروج والعناصر والأوازات، الكواكب والعناصر، وبين الشعب والعناصر (جدول ٢). تصنف المقامات في ثلاث مجموعات، ضمن كل مجموعة يرتبط كل مقام بعنصر مختلف. الرسالة الفتحية. يستخدم الفلكيون المسلمون تسمية السنبلة بدلًا من التسمية المعاصرة لبرج العذراء.
يُظهر هذا النظام المقامي التطبيق المباشر للمفاهيم الفلكية على الموسيقى، إلى جانب تقديمه ارتباطًا فوق موسيقي – فلكي على وجه الخصوص. للنظام كذلك دلالة عددية، تُبرز اﻷعداد ١٢ و٧ و٤ و٣، وهي أعداد لها أهمية خاصة في علم قراءة الأعداد الإسلامي.
يقترح جومايف، الباحث اﻷوزبكي، بناء على المخطوط الفريد من القرن الحادي عشر الميلادي للنيشابوري، أن نظام المقامات الإثني عشري هو نتيجة التحول من النظام الفارسي ما قبل الإسلام المبني على سبعة ألحان، بردات، المرتبطة بالسبعة كواكب إلى نظام اﻷدوار الإثني عشري المرتبط بدائرة البروج Alexander Djumaev مصدر سبق ذكره. بينما يقدم نظام اللاذقي في الحقيقة مزجًا بين النظامين.
استمر المؤلفون اللاحقون في إكمال النظام، رابطين بين اﻷدوار والعناصر والاتجاهات الرئيسية وسوائل الجسم البشري، وتعاليم الرسل أو أصوات الحيوانات، محددين لها أوقات مناسبة لأداء اﻷلحان، ووصف خصائصها العلاجية، ومن ثم ابتكار نظام أرواحي يربط الموسيقى بالكون. يؤكد اختيار الموسيقى في ألحان خاصة تؤدى بأساليب مناسبة في أوقات معينة التآلف المناسب مع الكون. هذا التآلف (الهارموني) نافع للمستمعين وأساس الخصائص العلاجية لمقامات موسيقية محددة. في تركيا والمغرب وأماكن أخرى، في الماضي وكذلك في الحاضر، تصف المستشفيات الاستماع للموسيقى لمرضاها بوصفه جزء من العلاج. اتصال للمؤلف مع يتكين أوزر.
أُلفت الرسائل النظرية عن الموسيقى في كل أجزاء العالم الإسلامي، من المغرب إلى آسيا الوسطى (بخارى، سمرقند، كشمير وأماكن أخرى). كانت بعض عناصر اﻷنظمة المطروحة في تلك الرسائل قد تطورت في مراكز العالم الإسلامي وانتشرت إلى اﻷقاليم، والبعض الآخر تطور في اﻷقاليم وقُبل في المراكز. عادة ما تعرضت الرسائل لتغيرات عدة وأخذ بعضها عناصر من أنظمة ثقافات محيطة. على سبيل المثال، اﻷنظمة المتطورة في كشمير امتصت بعض العناصر الهندية.
في مركز العالم الإسلامي (تركيا، مصر، العراق)، أكد تطور النظرية الموسيقية على الجوانب التقنية للموسيقى – مسائل السلم، المقام الإيقاع والتأليف. أخذت الجوانب الصوفية تختفي شيئًا فشيئًا من التيار السائد في الرسائل النظرية، في اﻷقاليم كان الموقف معكوسًا. بعد القرن السابع عشر الميلادي، ربما نتيجة لاضمحلال مستوى أدبيات المعرفة الموسيقية خلال فترة تاريخية صعبة، اختفت المعالجات المعنية بالجوانب التقنية للموسيقى، بينما بقيت الجوانب الخارجة عن الموسيقى. في أماكن مثل كشمير، أكدت الرسائل النظرية على تصنيف المقامات وعلاقتها بتجمعات البروج، تعاليم الأنبياء، أصوات اﻷشياء والحيوانات وما زالت تُكتب حتى اليوم. على سبيل المثال، كتاب رموز موسيقي (رموز الموسيقى) للشيخ عبد العزيز الكشميري، ويوضح الجدول رقم ٣ ملخص نظام عبد العزيز.
نحتاج مزيدًا من العمل لنعرف إلى أي حد كانت الجوانب الخارجة عن الموسيقى معروفة للموسيقيين الممارسين. تفاوت مستوى المعرفة الموسيقية بدرجة كبيرة ما بين المساحة الشاسعة للعالم الإسلامي. انتقل تعليم الموسيقيين من التلقي الشفهي التقليدي إلى تدريب منظم في صورة المعاهد الفنية. في أماكن سيطر فيها التدريب المعهدي، يعرف الموسيقيون بشكل غامض وجود مثل هذه الارتباطات في الماضي. الجيل الجديد من الموسيقيين المصريين، رغم قدرتهم على قراءة الرسائل النظرية عن الموسيقى باللغة العربية، فهم بشكل عام غير عارفين بالتقاليد. الموقف نفسه موجود في تركيا.
هناك سؤالان يمكنني اﻵن الرد عليهما بإجابات مقتضبة فقط:
١- إلى أي حد طبقت الارتباطات الرمزية وخاصة الفلكية في الموسيقى بشكل واعٍ وأُدركت بهذا الشكل بين الممارسين؟
٢- إلى أي حد شُفّرت الرموز في البنية الموسيقية، ربما بدون أن تدرك بشكلها هذا بين حاملي التقاليد؟
الوعي بالارتباطات الخارجة عن الموسيقية وعي عظيم بين الموسيقيين المرتبطين بالحركة الصوفية. عبر التاريخ في أماكن عديدة في العالم الإسلامي، كان الصوفيون الأنصار الرئيسيين للموسيقى. بينما كان الفقه السلفي الإسلامي غير متعاطف مع الموسيقى، معتبرًا إياها أحد الملاهي المحرمة، استخدم الصوفيون بالفعل الموسيقى والرقص جزءًا من طقسهم ودروبهم لبلوغ الوجد. بالتالي، تطورت أغلب القوالب الموسيقية، بما في ذلك بعض التقاليد الكلاسيكية، ضمن الحلقات الصوفية. على سبيل المثال، في تركيا تطور فرع من الموسيقى الكلاسيكية التركية، صنعة موسيقى سي، ضمن حلقات المولوية، المعروفين بالدراويش الدوارين. بشكل مماثل، فإن أغلب التقليد الفارسي الكلاسيكي الموجود اليوم ضمن نظام الدستگاه تطور ضمن الحلقات الصوفية بالارتباط بالشعر الصوفي، وكذلك التقليد الكشميري الكلاسيكي المسمى صوفيانه موسيقى (الموسيقى الصوفية).
يستهل الطقس المولوي بنعت مولانا (إنشاد لمولانا جلال الدين الرومي، الشاعر ومؤسس الطائفة)، تقسيم (افتتاحية آلية)، وبشرف (قطعة للتخت). لب الطقس هو قسم السماع بالسلامات اﻷربعة، وفيها يؤدي الدراويش بمصاحبة الفرقة الموسيقية الكلاسيكية، رقصة. بعد تحية الشيخ، يبدأون بالدوران بأذرع ممدودة حول محورها، في الوقت نفسه يطوفون حول المساحة عكس اتجاه عقارب الساعة؛ ويُفهم، على اﻷقل بين بعض الممارسين، أن تلك الرقصة تمثل حركة اﻷجسام الفلكية، كما يُعرّف الدراويش أنفسهم عبر الرقص. في السلام الرابع، يشارك الشيخ الدراويش ويدور في مركز حلقة اﻷخوة، في وضع مماثل للأرض (أو الشمس) في النظام الكوني.
تُرى رمزية مشابهة في طقوس طريقة تركية أخرى، هي الطريقة الخلوتية الجراحية. حيث، خلال الرقص الطقوسي، تدور دوائر الدراويش متحدة المركز حول الشيخ الواقف في مركز الدائرة. هنا كذلك يفسر بعض الدراويش هذه الرقصة بوصفها تمثيلًا لحركة اﻷجرام السماوية.
ربما كان من اﻷصعب تحديد إلى أي حد تحضر الرمزية الكونية في البنية الموسيقية، خلال مرحلة التكوين. بعض الخصائص اﻷسلوبية لقوالب معينة يمكن أن تكون تطورت بشكل واعٍ بمشابهة مع النظام الرمزي. بالنقل الشفهي، ربما ضاعت الدلالات الرمزية في الوقت الذي حوفظ فيه على العناصر اﻷسلوبية. بحث عدد من الإثنوموسيقيين عن مثل هذه الرمزية المخفية، أذكر هنا البحث المنجز من قبل سلافوميرا زرانسكا كومينك من جامعة وارسو Slawomira Zeranska-Kominek, Symbolika strukturt modalnych (Warsaw: Instytut Muzykologii, 1986). حيث حللت تركيب الأقسام اﻵلية من تقليد الشاش-مقام الطاجيكي-اﻷوزبكي. ﻻحظت كومينك أن الفقرات المفردة (الخانة) لهذه اﻷقسام أصبحت أطول بشكل متزايد ونطاقها اتسع بشكل متزايد كذلك. كما استطاعت حصر البيانات رقميًا ووجدت أن الخوازمية الرياضية المبطنة لهذا التوسيع مرتبطة ببعض الحلزونات. ﻻ أدري ما إذا كانت حلزونية القالب مفهومة من قبل حاملي التقليد بوصفها تمثيلًا للنموذج الكوني. يشير تناسق النموذج رغم ذلك إلى فعالية التركيب العملية ومن ثم يقترح بقوة مثل هذا التفسير.
في عمله عن موسيقى علويي تركيا، وجد أحمد يورو أن تركيب بعض قطع الموسيقى الطقسية في معراج لاما miraçlama، رحلة النبي محمد المعجزة إلى السموات، منظمة طبقًا لقوس العروج وقوس النزول – المفاهيم اﻷساسية في رؤية العالم عند العلويين – التي يفهمها الباحثون أيضًا بوصفها تمثيلًا للحلزون. Ahmet Yurur, 'Miraclama in the liturgy of the Alevi of Turkey' doctoral dissertation, Uni. of Maryland 1989
الحلزون بوصفه نموذجًا يمكن رؤيته في الموسيقى في عدة أجزاء من العالم الإسلامي. فقد وجدته نموذجًا ضمنيًا في عملية التسارع، على سبيل المثال، في وصلات الصوفيانه موسيقي في كشمير وفي أقسام الميازين في الطبوع اﻷندلسية في المغرب. في الصوفيانه الكشميرية تكون وصلة المقام تتابع أغانٍ في مقام موسيقي واحد، مجموعة حسب الأدوار الإيقاعية (التال). اﻷغاني ذات الإيقاعات اﻷبطأ واﻷطول تتبع بتلك اﻷغاني ذات الإيقاعات اﻷقصر واﻷسرع. حيث هناك تسارع كلي على مستوى الوصلة الكاملة. بالإضافة لذلك كل من القسمين (أستائي وأنتارا) للأغاني الفردية يبدأ بسرعة بطيئة ويتسارع حتى الختام. لذلك يمكن رؤية التسارع كذلك على مستوى القطع الفردية. في التقليد اﻷندلسي في المغرب، تكون النوبات من أقسام (ميازين) الميازين ومفردها ميزان هي أقسام النوبة الخمسة، أما الموازين ومفردها ميزان أيضًا فيراد بها أصناف الإيقاعات، انظر الموسيقا اﻷندلسية المغربية، عبد العزيز بن عبد الجليل، سلسلة عالم المعرفة ١٩٨٨، كل منها في دورات إيقاعية مختلفة (موازين) وتتكون من مجموعات من اﻷغاني (الصنعة). على الرغم من أن تتابع الميازين يظهر فقط إلى حد ما التسارع، فإن مبدأ التسارع داخل كل ميزان يبدو بوضوح. كل ميزان يبدأ بالأغاني البطيئة، وبعد عدة أغاني تزيد السرعة في القسم المسمى بالقنطرة اﻷولى، ثم تبقى بشكل عام ثابتة في اﻷغاني القليلة اللاحقة، لتتسارع مجددًا خلال القنطرة الثانية. قرب نهاية الميزان، تزيد السرعة مرة أخرى بمعدل كبير.
هل نحن، في ظل غياب تأكيد مباشر لفهم هذه النماذج الكونية من قبل الممارسين وحاملي التقاليد، مؤهلين لتفسير البنى الموسيقية بشكل رمزي؟ الرمزية القوية المهيمنة بشكل كلي في كل الفنون الإسلامية والفلسفية تمدنا بدليل عظيم مدعوم بالقرائن وتقترح بكل تأكيد مثل هذه الاحتمالية. إننا مواجهون بنفس المعضلة التي واجها بابادوبولو في تفسيراته لتصميم المنمنمات عبر الحلزونات. لقد أدرك أن التأكيد المباشر ﻻ يوجد وربما ﻻ يمكن أن يوجد. البنى الضمنية تنتمي لمعرفة سرية ومخفية ليست متاحة للجميع ومصانة في أيدي، أو باﻷحرى عقول قلة من السالكين. مثل هذه المعرفة في العادة تثبت إنها هشة جدًا. كان بابادوبولو محظوظًا ليجد دعمًا غير مباشر لهذا التفسير. في الهند، في الحقبة المغولية في بلاد الحكام، كانت تُنتج المنمنات على مجال واسع، وطورت الورش تخصصات. فكان هناك حرفيون متخصصون في الخلفيات، المناظر الطبيعية، اﻷشكال ، الوجوه وما إلى ذلك، بينما صمم المنمنمات آخرون. وُجد أن هؤلاء المصممون، الذين في الواقع لم يرسموا أي شيء بأيديهم، قد دُفع لهم المبالغ اﻷكبر. ربما ﻷنهم كانوا العارفين. لكننا ﻻ زلنا نبحث عن دليل مثل هذا فيما يخص الموسيقى.